Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لمصلحة من استمرار الحرب في أوكرانيا؟

واشنطن تطبق في كييف ما استوعبته من أخطاء ارتكبت في أفغانستان و"تجارب" روسيا في سوريا

زودت واشنطن القوات المسلحة الأوكرانية بمجموعة من المعدات بينها دروع واقية وأسلحة ثقيلة ومتطورة (أ ف ب)

ثمة شواهد تقول إن ما فعلته روسيا في سوريا صار أقرب إلى النموذج الذي تحاول أن تقتدي به الولايات المتحدة في أوكرانيا، فما جرى ويجري من تدريبات للقوات الأوكرانية وما نفذته وتنفذه هذه القوات من خطط وتحركات تحت إشراف مباشر من جانب الخبراء الأميركيين والغربيين يماثلان إلى حد "التماهي" ما سبق وقامت به القوات الروسية في عملياتها العسكرية التي بدأتها في سوريا عام 2015. وعلى رغم مما قد يبدو من تميز لتحركات القوات الأوكرانية التي تقاتل وكأنها منفردة من دون الاعتماد على التدخل المباشر من جانب القوات الأميركية، فإن ما يقدمه الخبراء الأميركيون والغربيون من مساعدات وخدمات لوجستية يسهم فيها حلف "الناتو" بشكل مباشر يعوضان إلى حد كبير الفارق بين الحالين، إلى جانب ما يتدفق من أسلحة عصرية حديثة، منها لم تدخل الخدمة بعد في الجيوش الغربية على حد اعتراف مصادر ألمانية. ولعل ذلك يمكن أن نعزوه إلى أن الجانب الأميركي يحاول تصحيح ما ارتكب من أخطاء خلال فترة وجوده، ثم إبان عملية انسحابه من أفغانستان. كما أن الواقع الراهن يقول أيضاً إن الولايات المتحدة وحلف "الناتو" يتخذان من الساحة الأوكرانية ميادين لتجارب الأسلحة الأميركية والغربية الحديثة ضد روسيا التي يدرجها كل من الولايات المتحدة و"الناتو" بوصفها "الخصم الرئيس" الذي تتمركز حوله كل مخططاتهما الآنية والمستقبلية، إلى جانب ما خلصا إليه من نتائج تقول إن هذا التكتيك هو الأفضل والأقل كلفة لتنفيذ ما يرومان من استراتيجية تحقيق التفوق على العدو على مقربة مباشرة من حدوده وفي ظروف التطبيق العملي لما يبتغيان من أهداف وتعويضاً عن فشل محاولات واشنطن الفوز بموطئ قدم في بلدان آسيا الوسطى بعد رحيل قواتها عن أفغانستان. وذلك ما تطرقت إليه مجلة  "The Atlantic" حول أن واشنطن زودت القوات المسلحة الأوكرانية بمجموعة من المعدات، بما في ذلك إمدادات للأفراد مثل الدروع الواقية والأسلحة الصغيرة والأسلحة الثقيلة والمتطورة من بينها أنظمة الصواريخ عالية الحركة، إلى جانب ما قام به خبراؤها من تدريبات سريعة ودعم منتظم من خارج حدود أوكرانيا للقوات الأوكرانية حول كيفية صيانة وإصلاح المعدات العسكرية الأميركية الصنع.

تنشيط "الناتو"

ومن اللافت أيضاً في هذا الصدد أن الحملة الأميركية في أوكرانيا أسهمت بدرجة كبيرة في تنشيط "الناتو" بعدما كاد يتوارى إبان أعوام ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وها هو يزيد من دعم صفوفه بما جرى الإعلان عنه من انضمام فنلندا والسويد بعد طول غياب ليحصل على فرصة وجوده على مقربة مباشرة من الأراضي الروسية لمساحات تمتد إلى آلاف الكيلومترات، يكاد معها أن يكون قادراً على إعلان بحر البلطيق وكأنما هو بحيرة مغلقة خاصة ببلدانه.

وذلك كله يمكن أن يكون تفسيراً جزئياً للتساؤلات التي يطرحها كثيرون تحت عنوان "لمصلحة من استمرار الحرب في أوكرانيا؟" ولعلنا يمكن أن نضيف إلى كل ما أشرنا إليه سلفاً، ما تجنيه المؤسسات الصناعية العسكرية، بل المدنية أيضاً في كل من الولايات المتحدة والبلدان الغربية من مكاسب هائلة، ثمة من يقول إنها لا تخلو من "نسبة فساد" سمحت بتورط شخصيات رسمية وهو ما تشير إليه وسائل الإعلام الأميركية والغربية، وكذلك الجمهوريون في الولايات المتحدة بعد انتهاء الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان هناك من يقول إن استمرار الحرب في أوكرانيا يبدو أيضاً في مصلحة روسيا والنظام القائم هناك، فإن ما يتردد في هذا الشأن "حق"، ثمة من يؤكد في موسكو أنه "الحق الذي يراد به باطل"! أما عن تفسير ذلك، فهو ما تحاول وسائل الإعلام الروسية ترويجه ونشره، وإن اتسم ذلك بقصور شديد يتمثل في سقوط كثير من البرامج الحوارية في شرك "المبالغة"، لا سيما في ما حاولت الترويج له خلال الأشهر الأولى من العملية العسكرية في أوكرانيا من "تهوين" بقدرات "الخصم الأوكراني" ومن تقديرات أثبتت الأحداث تدني مستواها من جانب شخصيات أجنبية وإسرائيلية يحرص الإعلام الروسي على استضافتها، على رغم ما عرف عن بعضها من تاريخ "غير مشرف"، في كثير من برامجه الحوارية التي تتوالى حتى طوال اليوم ولوقت متقدم من الليل. وذلك ما نشهد في الفترة الأخيرة محاولات عدة لتصحيحه من خلال ما تمارسه من "نقد ذاتي"، يطاول في بعض جوانبه ما اعترى العملية العسكرية الخاصة من قصور ويتناول في معظمه ما طرأ عليها من تغييرات وتعديلات لتعديل المسار وتجاوز ما جرى ارتكابه من أخطاء خلال الأسابيع الأولى من بدايتها. ويذكر مراقبون في الداخل والخارج ما حققته القوات الروسية في الأيام الأولى "للحرب" من تقدم هائل ونجاحات قصوى بالاستيلاء على الجزء الأعظم مما يخضع اليوم للسيادة الروسية في إطار "المناطق الأوكرانية" التي انضمت إلى روسيا بموجب نتائج استفتاءات سبتمبر (أيلول) الماضي في كل من دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون. وها هو برنامج "60 دقيقة" على شاشة القناة الإخبارية الروسية الرسمية "روسيا 2" يعترف بتفوق نسبي لبعض الوحدات الأوكرانية بما يتمتع به أفرادها من قدرات على استخدام المعدات والأجهزة الرقمية، إلى جانب الاعتراف بأن "روسيا وحدها تواجه 50 دولة" بكل قدراتها الصناعية والعسكرية وترساناتها الإعلامية كاملة العدد بعدما كانت في بدايات العملية العسكرية تركز على أن روسيا ليست وحدها وأنها تحظى بدعم ما يقرب من نصف سكان البشرية بما فيها الصين والهند.

"الرؤية والتفسيرات"

وعلى رغم أن هذه البرامج الحوارية تكشف عن كثير مما قد يكون خافياً عن العالم الخارجي، فإنها تظل قاصرة عن نقل هذه الرؤية والتفسيرات إلى مواطني من تسميها موسكو الدول "غير الصديقة"، بل هناك ما يشير إلى أنه حتى الدول التي تدرجها روسيا الرسمية في خانة "الدول الصديقة"، على رغم ما تعتمد عليه من مصادر غربية في معظمها، تظل بعيدة من هذه التفسيرات والشروح والأسانيد "المنطقية" في كثير من جوانبها التي تقدمها وسائل الإعلام الروسية وذلك لأسباب عدة "لا تحتمل الخوض فيها تبعات الظروف الراهنة". ومن هذه الأسانيد والثوابت التاريخية التي لا تجد لها سبيلاً إلى صفحات الصحف وشاشات القنوات التلفزيونية الغربية، ما يجرى توجيهه إلى روسيا من اتهامات بممارسة سياسات "إبادة الجنس" ضد الشعب الأوكراني وهي التي لطالما حكمها أوكرانيون مثل نيكيتا خروتشوف الأوكراني الذي أهدى أوكرانيا شبه جزيرة القرم عام 1954، واستمرت سنوات حكمه زهاء 10 سنوات، وليونيد بريجنيف الذي حكم الاتحاد السوفياتي لفترة تزيد على 18 عاماً. حتى الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف كان نصف أوكراني، فضلاً عن يوسف ستالين الجورجي القومية والأصل الذي حكم الاتحاد السوفياتي منذ وفاة لينين في منتصف عشرينيات القرن الماضي حتى مارس (آذار) 1953!

وإذا كان هناك من ينعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل ما تحفل به وسائل الإعلام الغربية من أوصاف واتهامات، فإن هناك من يعيد إلى الأذهان في موسكو أن ذلك كله كان من الممكن ألا يحدث لو كانت الدوائر الغربية ومنذ مطلع القرن الـ20 استمعت إلى ما طرحه من مخاوف ومطالب ومنها ما يتعلق بفكرة "انضمام روسيا إلى الناتو" التي تناولها في حديثه مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أو بعد ذلك في لقاءاته وأحاديثه مع نظيره جورج بوش الابن خلال ولايتيهما الأولى والثانية.

التوسع شرقاً

أما عما طرحه من مطالب أمنية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي حول رفض توسع "الناتو" شرقاً على مقربة مباشرة من حدود بلاده، فأشار إليه قبل ذلك التاريخ بكثير في معرض خطابه في ميونيخ أمام منتدى دافوس الاقتصادي في فبراير (شباط) 2007. حتى إعلانه عن ضم القرم عام 2014 أي بعد 14 عاماً من اعتلائه سدة الحكم في الكرملين، لم يحدث إلا بعد اندلاع الموجة الأخيرة من موجات "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا وما أسفرت عنه من انقلاب أطاح الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش وتقدم وحدات بحرية أميركية صوب القرم التي تتخذها روسيا وعلى مدى عقود طوال، القاعدة الرئيسة لأسطول البحر الأسود. ونأتي إلى ما اعترفت به الدوائر الغربية، بل الأوكرانية متمثلة في شخص الرئيس السابق بيتر بوروشينكو الذي قال إنه وقع اتفاقات مينسك عام 2015 رغماً عن يقينه بأنه لن يقوم ينفذها. ومضت المصادر الغربية تقول إن الأعوام الثمانية التي أعقبت التوقيع على هذه الاتفاقات، كانت الفترة التي احتاجت إليها الدوائر الأميركية والغربية لإعداد وتدريب القوات المسلحة الأوكرانية وإمدادها بأحدث الأسلحة والقوات تمهيداً لاستعادة شبه جزيرة القرم وما فقدته أوكرانيا من أراضي منطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا، على اعتبار أن ذلك كله سيكون خطوة على طريق تنفيذ الحلم المؤجل وهو إطاحة نظام بوتين وهو ما كان كشف عنه أوباما وما عاد إليه الرئيس جو بايدن بقوله "إن هذا الرجل يجب أن يرحل"، وما كانت وتظل تضمره الإدارة الأميركية من مخططات تقسيم روسيا على طريق التقدم نحو الصين، المحطة الأخيرة لقطار الهيمنة الأميركية وتدعيم أركان عالم القطب الواحد!

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات