لا تزال أسعار الذهب تواصل قفزاتها القياسية في الأسواق المصرية تحت ضغط الدولار الأميركي بالأسواق الموازية (السوداء) وكذلك ارتفاع الأسعار في البورصة العالمية تزامناً مع شهية مفتوحة من قبل المستهلكين للشراء في ظل ندرة المعدن النفيس وتراجع حجم المعروض بالأسواق.
ويصل حجم الذهب المتداول بالقاهرة في هيئة مشغولات ذهبية أو سبائك أو جنيهات إلى أكثر من 12 طناً بقيمة تتخطى حاجز الـ30 مليار جنيه (1.2 مليار دولار أميركي).
عيار 21 بـ65.12 دولار
على رغم تراجع أسعار الذهب، الجمعة الثاني من ديسمبر (كانون الأول)، على المستوى العالمي بأكثر من واحد في المئة بعد صدور بيانات قوية للوظائف الأميركية أثارت مخاوف من أن يتمسك مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بسياسة التشديد النقدي، إلا أن سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر شعبية في القاهرة) قفز، السبت، إلى نحو 1600 جنيه (نحو 65.12 دولار أميركي) للمرة الأولى في مصر.
وسجل سعر غرام الذهب عيار 24 (الأكثر نقاء) نحو 1828.50 جنيه (74.42 دولار) في سابقة لم تحدث من قبل، بينما بلغ سعر غرام الذهب عيار 18 نحو 1371.50 جنيه (55.82 دولار)، وسجل سعر غرام الذهب عيار 14 نحو 1070 جنيهاً (43.54 دولار)، ووصل سعر الجنيه الذهب (يزن ثماني غرامات ذهب عيار 21) إلى نحو 12800 جنيه (520.96 دولار) من دون احتساب مصنعية أو دمغة أو ضريبة.
البورصة العالمية
اتفق المتخصصون خلال حديثهم إلى "اندبندنت عربية" أن تشابك عوامل عدة محلية ودولية في وقت واحد شكلت سبباً رئيساً في الارتفاع القياسي بأسعار المعدن النفيس.
سكرتير عام شعبة الذهب السابق في غرفة القاهرة التجارية نادي نجيب أكد أن "أسعار الذهب في مصر مرتبطة بالسعر في البورصة العالمية للمعدن النفيس، إذ يجب على التجار مواكبة الأسعار العالمية لحظة بلحظة".
وحول ارتباط الذهب بالدولار الأميركي، قال إن "المعدن النفيس يقيم عالمياً وفقاً لسعر الدولار ومصر جزء من العالم وعند استيراد الذهب يدفع التاجر قيمة الخام بسعر الدولار".
ورداً على توقف عمليات الاستيراد بالنسبة إلى الذهب، أوضح نجيب أنه "على رغم عدم قدرة التجار على استيراد المادة الخام من الخارج لشح الدولار وعدم تمكن البنوك المحلية من توفيره، نحن كتجار يجب علينا أن نواكب الأسعار العالمية المقيمة بالدولار".
أسعار الذهب تتراجع عالمياً
في تلك الأثناء تراجعت أسعار الذهب عالمياً بأكثر من واحد في المئة، الجمعة، بعد بيانات قوية للوظائف الأميركية أثارت مخاوف من أن يتمسك مجلس الاحتياطي الاتحادي بسياسة التشديد النقدي.
ووفقاً لوكالة "رويترز" انخفض الذهب في المعاملات الفورية 1.1 في المئة إلى 1783.41 دولار للأوقية (الأونصة) بعد أن بلغ أعلى مستوياته منذ 10 أغسطس (آب) عند 1804.46 دولار للأوقية في وقت سابق من الجلسة.
وهبطت العقود الأميركية الآجلة للذهب واحداً في المئة إلى 1797.40 دولار للأوقية بعد أن أظهرت البيانات أن أرباب العمل في الولايات المتحدة وظفوا عمالاً أكثر من المتوقع خلال نوفمبر (تشرين الثاني) ورفعوا الأجور على رغم المخاوف المتزايدة من الركود.
القلق من "الفيدرالي"
في غضون ذلك قال مدير تداول المعادن في "هاي ريدج فيوتشرز" ديفيد ميغر مع صدور بيانات الوظائف الأميركية التي كانت أقوى بكثير من المتوقع إن "ما نراه هو القلق من أن مجلس الاحتياطي الاتحادي قد يحتاج إلى المضي قدماً في الزيادات المتوقعة بأسعار الفائدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد صدور التقرير، صعد الدولار 0.6 في المئة مقابل العملات الرئيسة المنافسة مما يجعل الذهب أكثر كلفة لحائزي العملات الأخرى، كما ارتفعت أيضاً عوائد سندات الخزانة الأميركية، وعلى رغم ذلك تتجه أسعار الذهب لتسجيل مكاسب للأسبوع الثاني على التوالي وقفزت 1.6 في المئة حتى الآن هذا الأسبوع.
من جانبه، قال رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة في غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات إيهاب واصف إن "العوامل الرئيسة في تحديد سعر الذهب بالسوق المحلية هي البورصة العالمية وسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، وأخيراً قوى العرض والطلب"، وأضاف أن "قوى العرض والطلب بشكل عام غير مؤثرة في أسعار الذهب إلا أن العام الحالي، خصوصاً منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، كان لتلك القوى عامل كبير في تلك القفزات السعرية مع الندرة، علاوة على التعويم"، موضحاً أن "هناك ندرة في حجم المعروض من الذهب مقابل ارتفاع في حجم الطلب أخيراً".
المضاربات لأعلى سعر
وعن أسباب ندرة خام الذهب وتراجع حجم المعروض من المعدن الأصفر في القاهرة، قال واصف إن "هناك مصدرين رئيسين لجلب الذهب، أولهما المصدر المحلي وهو مبيعات المستهلكين من المصوغات الذهبية متعددة الأشكال، إذ يشتريها التجار ثم يعيدون تشكيلها من جديد ويضخونها في الأسواق للبيع"، أما بالنسبة إلى المصدر الثاني، فشرح صافي أنه "الاستيراد من الخارج لدعم حركة السوق"، مستدركاً "لكن خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لم يكن هناك نقص في حجم المعروض ولم تكن هناك حاجة إلى استيراد الذهب من الخارج لتراجع القوة الشرائية كأحد التداعيات السلبية للجائحة العالمية".
وأضاف أن "ما يحدث في الوقت الحالي أن المستهلك أدرك خلال الستة أشهر الماضية أهمية الاستثمار بالذهب، مما أثر في حجم الطلب المحلي مع شح المعروض وحدثت الندرة في الأسواق".
وعن ارتفاع أسعار الذهب محلياً على رغم تراجع أسعاره أو ثباتها عالمياً، قال واصف إن "هناك تجاراً في المحافظات والقرى لديهم كميات كبيرة من الذهب يطوفون بها على أصحاب المحال للبيع وفقاً لنظام المضاربات لأعلى سعر، بالتالي يشتري صاحب المحل بضاعته بالسعر الأعلى لاقتناء كمية في ظل شح المعروض وزيادة الطلب ليحقق ربحاً، ولذلك تسري الحركة كسلسلة بيع حتى تصل إلى المستهلك بأسعار مرتفعة".
في وقت سابق خفض البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي على دفعتين، الأولى بقيمة تصل إلى 15 في المئة عقب جلسة استثنائية في 20 مارس (آذار) 2022 رفع خلالها البنك أسعار الفائدة بمقدار واحد في المئة، بينما جاءت الثانية قبل نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد زيادة أسعار الفائدة بمقدار اثنين في المئة لتهبط قيمة العملة المحلية مقابل العملة الأميركية بنحو إجمالي إلى 55 في المئة بعد قراري التعويم.
السوق السوداء
في المقابل، أرجع عضو شعبة الذهب والمجوهرات في اتحاد الغرف التجارية رفيق عباسي الارتفاع القياسي والتاريخي في أسعار الذهب بمصر إلى الدولار الأميركي في الأسواق الموازية (السوداء)، موضحاً أن "تجار الذهب يقيمون الأسعار وفقاً لسعر الدولار الرسمي من البنك المركزي المصري" ومستدركاً "لكن في الوقت الحالي هناك سعرين لصرف الدولار أحدهما رسمي والآخر في السوق السوداء لذلك يقيم التجار سعر غرام الذهب وفقاً لسعر الدولار في السوق الموازية الذي تخطى حاجز الـ30 جنيهاً تقريباً مقابل كل دولار".
وتوقع عباسي أن يكسر سعر غرام الذهب عيار 24 حاجز الـ2000 جنيه (82 دولاراً) قبل نهاية العام مع استمرار شح العملة وعدم توافرها بشكل رسمي على أن "يصل سعر الجنيه الذهب إلى نحو 15000 جنيه (610.5 دولار) قبل نهاية 2022".
وأشار عضو شعبة الذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية إلى أن "التجار يتجهون إلى السوق السوداء لتدبير العملة الصعبة بأي سعر حفاظاً على صفقاتهم التجارية وعملائهم".
مكاسب الجنيه الذهب
تحركت أسعار المعدن الأغلى عالمياً في مصر بشكل متسارع عقب قرار تحرير سعر الصرف (التعويم) وقفز سعر الغرام من عيار 21 من 891 جنيها (36.26 دولار) في مارس 2022 إلى 1600 جنيه (65.12 دولار) حتى اليوم السبت الثالث من ديسمبر، محققاً ارتفاعاً قدره 710 جنيهات (28.90 دولار) بنسبة تصل إلى 80 في المئة، بينما زاد سعر الجنيه الذهب في 10 أشهر بنحو 5687 جنيهاً (231 دولاراً) بعدما صعد من 7113 جنيهاً (290.25 دولار) إلى نحو12800 جنيه (521 دولاراً).