Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتجه الجزائر وتونس وطرابلس لإقامة تحالف إقليمي؟

تساؤلات حول دلالات الحراك الثلاثي في ظل الأزمات التي تعصف بفكرة إنشاء اتحاد للمغرب العربي

رئيس حكومة الوحدة الوطنية  عبد الحميد الدبيبة ورئيس ورزاء تونس نجلاء بودن (أ ب)

أثار الحراك الدبلوماسي الواسع، الذي شهدته منطقة شمال أفريقيا خلال الأيام الماضية، تأويلات واسعة النطاق، خصوصاً أنه جاء ليعزز التقارب بين الجزائر وتونس من جهة وتونس وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس من جهة أخرى.

الدبيبة، الذي لا تزال حكومته تواجه محاولات لإطاحتها في ليبيا، زار تونس بينما كانت رئيسة الحكومة نجلاء بودن في طريق عودتها من الجزائر، التي أوفدت وزير خارجيتها رمطان لعمامرة مبعوثاً خاصاً من الرئيس عبدالمجيد تبون لتسليم نظيره قيس سعيد رسالة.

هذه التحركات، التي بدت منسقة بشكل كبير، أثارت تساؤلات حول دلالاتها، خصوصاً في ظل الأزمات التي تعصف بفكرة إنشاء اتحاد للمغرب العربي، لا سيما مع النزاع على الصحراء بين الرباط وجبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر.

تحالف ثلاثي

الحراك الأخير الذي عرفته المنطقة فرضته تطورات متسارعة في ليبيا وتونس، ففيما تعرف الأولى استمرار الانقسام السياسي والفوضى الأمنية، تشهد الثانية واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، مما يجعلها تبحث عن دعم إقليمي ودولي للتخفيف من وطأة الانهيار الاقتصادي.

وترى أوساط دبلوماسية ليبية أن الدبيبة بات في حاجة إلى دعم إقليمي، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن إمكانية تشكيل حكومة ثالثة بعد فشل رئيس حكومة الاستقرار الوطني فتحي باشاغا في دخول العاصمة طرابلس ورفض الدبيبة تسليم السلطة.

الدبلوماسي الليبي فتحي البعجة يعتقد أن "الدبيبة يحتاج إلى مثل هذه الزيارة بعد استنفاده أوراقه التكتيكية الداخلية، فهو بحاجة إلى تحالفات خارجية، لذلك توجه إلى تونس باعتبارها ورقة مهمة جداً".

 

وقال البعجة، في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية"، إن "تقديم وعود وتوقيع اتفاقيات مسألة مهمة بالنسبة إليه، خصوصاً أن تونس تمر بأزمة اقتصادية، والتحالف معها يعد مهماً للغاية بالنسبة إلى الدبيبة، لكن تونس لا تضع كل أوراقها الخارجية في تحالف مع طرف ليبي واحد".

وأضاف أن "تونس سترضى بتحالف مع الدبيبة بسبب أزمتها الاقتصادية، على رغم أنها بحاجة إلى التعامل مع كل الأطراف الليبية، فالتحالف مع قوة واحدة بالنسبة إلى تونس ليس مفيداً، وهي تدرك ذلك".

وشدد البعجة على أنه "من الممكن جداً أن يكون هناك تحالف ثلاثي، الجزائر موقفها واضح من حكومة الدبيبة وهي متحالفة معها ومتحالفة حتى مع حكيم بالحاج والجماعة المقاتلة في ليبيا، والدبيبة محتاج إلى تقوية عسكرية من الجزائر، بخاصة أن لها طائرات مسيرة هو بأمس الحاجة إليها في حال تغير موقف تركيا".

واستنتج الدبلوماسي الليبي "بالفعل هناك تقارب قوي بين تونس والجزائر والدبيبة في مواجهة مصر والمغرب بدرجة أولى، لا سيما مع وضع جبهة البوليساريو".

استمرار حكومة الدبيبة

الحراك، الذي عرفته المنطقة خلال الأيام الماضية ليس بمعزل عن التحركات المكثفة لكسر الجمود السياسي في ليبيا، بما قد يشمل تشكيل حكومة جديدة تتولى قيادة البلاد إلى انتخابات بشقيها البرلماني والرئاسي، خصوصاً في ظل التوافق بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة.

لكن التقارب القوي بين طرابلس والجزائر وتونس قد يحول دون ذلك، خصوصاً أن حكومة الدبيبة التي تواجه معارضة واسعة في ليبيا قد يمنحها هذا التقارب دفعة جديدة.

وكان الدبيبة قد حل بتونس مرفوقاً بعدد من الوزراء ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ووعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية بسداد ديون الليبيين في تونس.

وقال بحسب ما نقلت عنه منصة "حكومتنا" التابعة لحكومته على موقع "فيسبوك" إن "الحكومة الليبية ستسدد 250 مليون دولار ديوناً مستحقة لتونس قبل نهاية العام الحالي، وهي متعلقة بديون علاجية لمرضى ليبيين ومستحقات الكهرباء".

عمر حكومة الدبيبة

وقال البعجة إن "هذا التقارب قد يطيل في عمر حكومة الدبيبة، خصوصاً أن موقف القوى المناهضة له ضعيف للغاية، لأن مصر ليست مستعدة للدخول في نزاع مع القوى المتحالفة مع الدبيبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أنه "يتم الآن تجميد الملف الليبي في ظل تحالف عقيلة صالح وخالد المشري، على رغم التناقضات بين الطرفين، لكن الجامع بينهما محاولة تثبيت مكانهما بالمشهد السياسي".

وغذى الصراع بين جبهة البوليساريو والمغرب الجدل في شأن دلالات الحراك الدبلوماسي الأخير في منطقة شمال أفريقيا، لا سيما أن البعض ربطه بفكرة إنشاء اتحاد المغرب العربي من دون الرباط، وهي فكرة طرحت حتى داخل الأوساط الرسمية خلال وقت سابق.

في عام 2021، دعا زعيم حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس، راشد الغنوشي، الذي كان وقتذاك يرأس البرلمان، إلى إقامة اتحاد مغاربي يستثني المغرب وموريتانيا، في خطوة أثارت وقتها جدلاً واسع النطاق واستهجاناً من الرباط ونواكشوط.

عمل أكثر واقعية

المحلل السياسي الجزائري جيلالي كرايس اعتبر أن "الجزائر تريد خلق عمل مغاربي أكثر واقعية وأكثر جدية حتى من دون المغرب عن طريق التنسيق مع تونس كدولة وازنة في المنطقة".

واستدرك كرايس، في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية"، "لكن أستبعد أن تفرض الجزائر على جيرانها موقفاً سيادياً في ما يخص ملف الجمهورية العربية الصحراوية، التي تدعمها دعماً مطلقاً، لذلك فلا يمكن أن ترهن الجزائر تعاونها المغاربي بتلك القضية التي يمكن اعتبارها قضية حساسة لكل دولة، وكل دولة تتعامل معها بحسب أولويتها، والجزائر تحترم هذا جداً".

وأردف أن "التنسيق الجزائري التونسي لا يستدعي الاستغراب، فهو أمر طبيعي بين دولتين شقيقتين وتتقاسمان الكثير من المواقف المشتركة، والجزائر دائماً تبحث عن العمل المشترك القائم على الاحترام المتبادل، وعلى سيادة كل دولة، بما لا يمس أمن جيرانها ولا يؤثر في استقرار المنطقة".

وحول ليبيا، رأى كرايس أن بلاده "تتعامل مع الحكومة التي تتمتع بالشرعية الدولية، التي جاءت نتيجة تفاهمات ليبية - ليبية وبرعاية أممية، ولذلك نجد تقارباً بين الجزائر وحكومة طرابلس".

وشدد على أن "الجزائر تدعو باستمرار إلى استكمال مخرجات الحوار وإنهاء فوضى السلاح والذهاب إلى الانتخابات وإنهاء حالة الانقسام الداخلي، وهي تدعم كل ما يصب في هذا الاتجاه".

أمر خطير

اللافت أن الحراك الدبلوماسي الأخير وضع تونس في قلب المعادلة الإقليمية، مما يضع مجدداً موقفها تجاه القضايا في المنطقة على غرار الأزمة الليبية وقضية الصحراء على المجهر.

وشهد الموقف التونسي إزاء قضية الصحراء تطوراً مثيراً عندما استضاف الرئيس قيس سعيد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، في خطوة سارعت المغرب بالرد عليها بسحب سفيرها من تونس مما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين.

ولم يستبعد الدبلوماسي التونسي أحمد ونيس أن تكون الجزائر تسعى إلى إقامة اتحاد مغاربي من دون الرباط، محذراً من خطورة ذلك على بلاده إذا انخرطت في هذه المساعي.

تحذيرات من القطيعة

وقال ونيس، في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" إن "من الخطر أن تنساق تونس وراء مساعي لإحداث قطيعة مع المغرب لعزلها عن المصير المشترك المغاربي، هذا أمر خطير جداً ولو ليبيا ذهبت في هذا الاتجاه باعتبار أنها منذ البداية دعمت المقاتلين الصحراويين إبان حكم معمر القذافي فإن من الخطر أن تسعى تونس لذلك".

وشدد على أنه "إذا المغرب الكبير أفلت مجدداً من بين أيدينا فإن ذلك خطير جداً، الموقف التونسي سيكون حاسماً وإذا تنازلنا عن تصور المغرب الكبير بخمس دول بما فيها المملكة المغربية وموريتانيا فإن ذلك سيكون عملية خطيرة بالنسبة إلى العالم العربي، وخصوصاً للمغرب العربي".

ورأى ونيس أن "الرباط اضطرت إلى الدفاع عن وحدة أراضيها مدة 45 سنة، وهو ما دفعها إلى التطبيع مع إسرائيل، الحرب متواصلة وهناك قطيعة دبلوماسية واقتصادية للمغرب مع الجزائر التي حاولت منذ فترة الضغط على المغرب لدفعها إلى التطبيع ثم إلقاء اللوم عليها".

موقف حاسم

ومن المرتقب أن يكون موقف تونس، التي تواجه أزمات اقتصادية وسياسية، حاسماً تجاه أي تحالف جديد في المنطقة، سواء استثنى المغرب أو لم يستثنها، خصوصاً أن أوساطاً عدة تقول إنها تواجه ضغوطاً اقتصادية وسياسية من أجل ذلك.

وقال أحمد ونيس إن "موقف تونس سيكون محورياً تجاه أي خطوة، لكن ما يخدمنا كتونسيين هو منع تقويض فكرة اتحاد المغرب العربي وتأسيسه بتمامه وكماله من ليبيا وتونس إلى المغرب وموريتانيا كوحدة حضارية أسست في القرن الثامن ولا تنقطع، لأنه حتى الاستعمار تغلبنا عليه جميعاً بالتضامن بين بعضنا بعضاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير