Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانون يناقشون أزمات المسرح التونسي مع انطلاق أيام قرطاج

الدورة الجديدة من المهرجان تنطلق اليوم وعروض عربية وأفريقية تتنافس أمام الجمهور

من أجواء افتتاح مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" في شارع بورقيبة  (خدمة المهرجان)

تفتتح اليوم الدورة الـ23 من مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" في قاعة مسرح الأوبرا- مدينة الثقافة. ويستهل الافتتاح كالعادة كل سنة، في احتفال فني شعبي، الساعة الرابعة بعد الظهر في شارع الحبيب بورقيبة يشارك فيه الجمهور والمارة العابرون، ويتضمن عرضاً موسيقياً تحييه مجموعة دندري، ويعقبه عرض سيرك باباروني. 

ينطلق الافتتاح الرسمي بعرض مسرحيتين تونسيتين "أنا الملك" للمخرج معز حمزة، و"شوق" للمخرج حاتم. ويشارك في المهرجان 82 عرضاً مسرحياً من 23 بلداً، ويضم المهرجان ثمانية أقسام: مسرحيات المسابقة الرسمية (12 عرضاً)، المسرحيات خارج المسابقة (31 عرضاً)، مسرح العالم (12 مسرحية)، مسرح الطفل (سبعة أعمال)، إضافة إلى تجارب طالبية (ستة أعمال)، ومسرح الهواية (أربعة أعمال)، ومسرح الحرية (10 أعمال).

العرض المسرحي التونسي "أنا الملك" للمخرج معز حمزة، مأخوذ عن مسرحية "أوديب الملك" للكاتب توفيق الحكيم، لكنه يعالج بطريقة معاصرة حكاية بلاد سرق الأغنياء فيها ثورة الفقراء وحولوها من ثورة إلى دولة، ومن دولة إلى ثروة، في مراوحة بين الماضي والحاضر، مما يجعل العرض يعيد تشكيل اللحظة الإبداعية الراهنة.

العرض الثاني "شوق" للمخرج حاتم دربال، يتناول حنين الابن الأكبر للقاء عائلته بعد غياب طويل، ليخبرهم بحقيقة مرضه. فيجتمع الأخ والأم والأخت وزوجة الأخ لاستقباله والاحتفال بعودته، لكن سرعان ما تطفو الخلافات القديمة على سطح الذاكرة. لوم وعتاب وحنين واشتياق وصراع يكشف هشاشة الشخصيات وعمق ألمها وعزلتها خلال السنوات الماضية.

ومن أبرز العروض المشاركة في المهرجان، "هاملت بالمقلوب" للمخرج مازن الغرباوي (مصر)، "ضوء" للمخرج الطاهر عيسى بن العربي (تونس)، "تائهون" للمخرج نزار السعيدي (تونس)، "النسر يسترد أجنحته" للمخرج وليد عمر بابكر (السودان)، "شمس ومجد" للمخرج أسامة غنم (سوريا)، و"أنتيغون" للمخرج عقباوي شيخ (الجزائر)، "المجوهرات" للمخرج ويليام شام ويتيش (الكونغو الديمقراطية)، "حدائق الأسرار" لمحمد الحر (المغرب)، "الديار" للمخرج أرونابا (السنغال)، "ايزدان" للمخرج مهند على حميد (العراق)، "لغم أرضي" جورج إبراهيم (فلسطين)، "كوكتيل شقف بلا معنى" للمخرجة جنى مطر (لبنان).

ويكرم مهرجان أيام قرطاج المسرحية تسعة من رموز المسرح العربي والأفريقي. من تونس يكرم المسرحيين: علاء الدين أيوب وسلوى محمد ومحمد اليانقي ومحمد العوني وفاطمة بن سعيدان، والممثلة سهير المرشدي (مصر)، الممثل أيمن زيدان (سوريا)، الباحث المسرحي قاسم بياتلي (العراق)، والكاتب المسرحي حبيب ديمبيلي (مالي).

مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" العريق تبنى منذ تأسيسه الخط العربي الأفريقي ضمن برمجته الرسمية، ومثل انعكاساً للواقع الفني والثقافي والاجتماعي المتنوع لهذه البلدان. ومن هنا يبدأ الحديث عن عراقة المسرح التونسي وريادته إقليمياً، فهو، وعلى الرغم من أنه شكل أحد أهم الفنون التي أسهمت في تطوير الحركة الثقافية في تونس منذ أكثر من قرن من الزمن، يواجه الآن إشكالات عديدة تحول دون إشعاعه داخلياً.

عشية انطلاق مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" استطلعت "اندبندنت عربية" آراء عدد من المسرحيين وأهل الاختصاص حول واقع المسرح التونسي وأهم تحدياته.
تشريعات قديمة وغياب الدعم المادي 
تنطلق الممثلة فوزية بدر في الحديث عن الصعوبات التي يواجهها المسرح في تونس اليوم، وتقول إنها تتمثل أساساً بحسب رأيها "في غياب الدعم المادي والمعنوي، بحيث يطالب أهل المسرح بقانون الفنان وإعادة النظر في إسناد بطاقات الاحتراف، وتشكيل لجان لها الكفاءة في دراسة ملفات الدعم، فضلاً عن غياب سياسة ثقافية واضحة تدعم الشأن المسرحي، أمام هيمنة أجناس مسرحية تستقطب الجمهور وتدعوه للضحك بعيداً من التفكير والسؤال مثل "ألوان مان شو" الذي يبث الثقافة التجارية. أما الجانب الآخر من الصعوبات فيتثمل في غياب الفضاءات المجهزة بالتقنيات الصوتية والضوئية إضافة إلى الوضعية المهترئة لقاعات العرض في تونس".
 
 
وتخلص فوزية بدر إلى أن المسرح التونسي "يشهد عربياً تراجعاً نسبياً بحكم ما يعيشه من تهميش، لذلك فجميع الفاعلين ينتظرهم شغل كبير ومجهود أكبر".
المسرحي حاتم التليلي يحدد الناقد في حديثنا معه أربع أزمات يعانيها المسرح التونسي "أولاً، أزمة معرفية وجمالية. فثمة سطحية مريعة إذ نادراً ما نشاهد أعمالاً إبداعية لها خلفية فكرية وجمالية واضحة، ولها طرح فكري جدير بإثارة السؤال. وثانياً، أزمة نقدية مريعة، إذ بالكاد تحضر الأقلام النقدية الجادة في الحياة المسرحية التونسية وتحل بدلاً عنها الأقلام الإعلامية التي تفتقر للمفاهيم النقدية وتظل انطباعية في أغلبها، ثم ثالثاً، أزمة هيكلية وتشريعية أثرت بشكل مريع على العملية الإنتاجية والإبداعية، إذ تنشد المؤسسة المسرحية حتى الآن تشريعات وقوانين قديمة لم يتم تجديدها. ثم رابعاً، أزمة تكوين: إذ نادراً ما تنجب معاهد التكوين والفضاءات المتخصصة الدراماتورج أو المخرج أو الممثل الجيد".
 
وفي السياق نفسه يقول المخرج التونسي ومدير "مركز الفنون الحركية والدرامية" في القيروان حمادي الوهايبي إن "الصعوبات التي يمر بها المسرح التونسي تشمل كل المبدعين، فأزمة التشريعات هي الأزمة الحقيقية، فلا توجد قوانين وتشريعات تنظم الثقافة عموماً وقطاع المسرح تحديداً، ابتداء من آلية الحصول على بطاقة الاحتراف إلى آليات الدعم التي لم تعد تليق بتطور الحركة المسرحية في تونس، فلا بد من إعادة النظر في هذه السياسة".
ويتساءل حمادي الوهايبي في سياق آخر عن معنى توزيع عروض مدعومة في مناطق لا يحضرها الجمهور، ولا يقوم القائمون على المسرح فيها بالدعاية اللازمة. وكذلك عن التفاوت التقني بين قاعات العروض داخل البلاد والجدوى من إحداث هذا العدد الكبير من مراكز الفنون الدرامية.
ويقول الوهايبي، إن هذه الأمثلة "من بين مشكلات كبيرة يجب الوقوف عندها وعند غيرها، لتدارس واقع القطاع المسرحي.
لكن على الرغم من العثرات والإشكاليات، فالمسرح التونسي بخير".
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

الممثل والمخرج المسرحي غازي الزغباني يصف هذه الفترة بأسوأ فترات المسرح التونسي خصوصاً أنها جاءت بعد جائحة كورونا التي أسهمت في هروب الجمهور نحو العالم الرقمي، على الرغم من حضوره المناسبات  المقتصرة على عدد معين من القاعات الخاصة وعدد من الفعاليات والمهرجانات.
وهنا عدد الزغباني الإشكاليات الحقيقية في القطاع المسرحي في غياب التصورات والآفاق لسياسة ثقافية محددة إضافة إلى مشكلات الإنتاج والترويج وتفاوت البنية التحتية المسرحية بين الجهات.
ويضيف الزغباني "على الرغم من الصعوبات فإن المسرح التونسي- بعيداً من مصطلح الريادة– يظل مسرحاً مطلعاً ومتنوعاً ومنفتحاً على المسرح الغربي وحاضراً بكثافة في المهرجانات باعتبار موقع تونس الجغرافي وتاريخها الثقافي".
الفنانة المسرحية وفاء الطبوبي تتحدث عن ريادة المسرح التونسي في إقليمه العربي، مستشهدة بما يقدمه سنوياً، من نحو مئة عمل بين الاحتراف والهواية ومسرح الطفل والموجه للكبار فتقول إن "هذه الإنتاجات الكثيفة حتى وإن كانت مدعمة من وزارة الثقافة وبعض الجهات الخاصة، فإننا لا نرى مثيلاً لها في العالم العربي من حيث الكم والجرأة والتنوع، وبذلك تمثل تحدياً سنوياً للمبدع المسرحي التونسي، فتونس تتفوق دائماً في عدد طلبات المشاركة في المهرجانات العربية".
وتضيف وفاء الطبوبي "بعيداً من المسرح الكلاسيكي المعتاد، فإن مستقبل هذه الريادة التونسية سيكون في المؤسسات الخاصة التي سيبادر بإنشائها المسرحيون لتنتج وتكون وتضيف للمشهد سنوياً عديد المسرحيين الهواة والمحترفين، وتدعم بذلك التلفزيون والسينما أيضاً.
وعلى الرغم من هذه النظرة التفاؤلية، لم تنكر الفنانة المسرحية الطبوبي العثرات والتحديات الكبيرة التي يواجهها المسرح، وأولها غياب سياسة ثقافية حقيقية تسعى إلى تطوير المسرح التونسي وغياب قانون الفنان وضعف الدعم للمبدعين المسرحين وضعف الدعم للفضاءات الخاصة والدعم للمبادرات الفنية. وتخلص وفاء الطبوبي إلى "أن المسرح التونسي بخير لأن الإنتاج متواصل ولأن  المسرح هو في الأساس فعل نضالي".
وعلى ريادته وجرأته وتنوعه وخصوصاً في المنطقة العربية، فإن المسرح التونسي ما زال في حاجة بحسب أهل الاختصاص، إلى إطار تشريعي مضبوط وأطر قانونية تشجع الاستثمار فيه، وإلى سياسة وأهداف محددة وإلى دعم مادي كبير، ليكون مسرحاً يعكس المجتمع ويستشرف واقعه ويطرح قضاياه الأساسية والمهمة.
اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة