Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لن ينتهي الصراع بأوكرانيا في أي وقت قريب؟

خشية القادة على بقائهم وسوء تقدير قوة الطرفين والخوف من عدم الالتزام

لم يضع المخططون الروس في الحسبان المقاومة الشديدة للقوات الأوكرانية (رويترز)

عندما بدأت حرب روسيا في أوكرانيا نهاية فبراير (شباط) الماضي، تخيل قليل من المراقبين أن الحرب ستستمر حتى اليوم، وعلى الرغم من الضغوط الأميركية والغربية على كييف للبحث عن تسوية مع موسكو، فإن القتال يمكن أن يستمر لأشهر أخرى، إن لم يكن سنوات على عكس معظم الصراعات الدولية خلال القرنين الماضيين، وأسباب ذلك تعود إلى عوامل عدة أبرزها أن القادة يشعرون أن الهزيمة تهدد بقاءهم، وافتقارهم إلى إحساس واضح بقوتهم وقوة عدوهم، فضلاً عن خشيتهم من أن خصمهم سيزداد قوة في المستقبل، واعتقادهم أن التنازلات بغيضة، وهو تعنت يكمن وراء عديد من حروب الغرب في القرن الـ21، بما في ذلك غزو العراق وأفغانستان، فهل يمكن أن تتغير هذه العوامل، وإذا حدث ذلك فمتى؟

هل تغيرت التوقعات؟

في 24 فبراير الماضي لم يضع المخططون الروس في الحسبان المقاومة الشديدة للقوات الأوكرانية أو الدعم الهائل الذي ستحصل عليه أوكرانيا من أوروبا وأميركا أو أوجه القصور المختلفة لجيشهم، وهي عوامل أساسية جعلت الحرب تطول كثيراً عما كانوا يتوقعونه، والآن بعد تسعة أشهر من المكاسب والخسائر للأراضي، يتخندق كلا الجانبين في مواقف دفاعية ويستعدون لحرب طويلة، يمكن أن تستمر لأشهر، إن لم يكن لسنوات، بحسب ما يرى كثير من الخبراء في النزاعات الدولية.

وعلى الرغم من التقدم العسكري الذي أحرزته أوكرانيا منذ سبتمبر (أيلول) الماضي وتمكنها من استعادة بعض الأراضي التي سيطر عليها الروس، فإنه غالباً ما تفسر الانتصارات أو الهزائم في معركة معينة بشكل خطأ، على أنها تشير إلى تغيير في احتمالية إنهاء الحرب بحسب ما يقول هيين جيومانز أستاذ العلوم السياسية في جامعة "روتشستر"، لكن الأهم هو متابعة ما إذا كانت التوقعات لدى كل من الجانبين ستتغير وكيف ستتغير.

وفي هذه الحال، من الواضح أن التوقعات الروسية بتحقيق نصر سريع قد تغيرت، والدليل على ذلك هو تجنيد 300 ألف روسي إضافي، ما يعني أن روسيا أصبحت أكثر تشاؤماً في شأن تحقيق أهدافها الحربية الأصلية، وإذا أصبحت أوكرانيا أكثر تفاؤلاً، فإن النقطة الأساسية التي يجب إدراكها هي أن الفجوة بين الحد الأدنى من المطالب لدى الطرفين لم تتقلص على الإطلاق، بل على العكس ربما تكون أوكرانيا هي من يضع الشروط الآن، وهذا يعني أن كلا الطرفين أصبحا متباعدين عما كان من قبل.

اختبار صبر الغرب

غير أن ماثيو ساسكس الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية، يرى أن استمرار الحرب يناسب أكثر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأقل في الوقت الحالي، لأن الأراضي المحدودة التي سيطر عليها حتى الآن لا يمكن نسجها على أنها نصر عظيم سواء في الداخل أو في الخارج، ولأن حساباته العسكرية هي الاستمرار في الاستيلاء على الأراضي وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية لأوكرانيا، كما أنها تتوافق مع حساباته الاستراتيجية في انتظار خروج الغرب تدريجياً من دعم أوكرانيا، ففي التجارب السابقة في الشيشان وجورجيا وشبه جزيرة القرم، توقع بوتين بشكل صحيح أن صبر الغرب مع المواجهة المطولة قصير، ويمكن الاعتماد عليه لتحقيق أهدافه.

وعلى الرغم من أن النخب الغربية تتوصل إلى إدراك مفاده بأن بوتين لا يمكن توقع أفعاله أو التحكم فيه بطريقة أو بأخرى، فإن هناك خطراً كبيراً من سقوط الصراع عن دائرة الاهتمام الدولي أو أن يتخذ القادة الغربيون مواقف مترددة مع استمرار الصراع، بخاصة أنه من المرجح ألا يكون قادة أوكرانيا أو روسيا سعداء بأي تسوية نهائية للحرب، وسيشجع هذا الصراع المجمد موسكو على انتظار فرصة للمحاولة مرة أخرى في المستقبل.

وفي حين كان أداء القوات المسلحة الأوكرانية أعلى بكثير من التوقعات في حرمان الكرملين من فرصة الفوز، على الأقل من حيث طموحاته الأصلية، فإن رغبة كييف في استعادة كل أراضيها المفقودة بما في ذلك شبه جزيرة القرم، لا يوجد احتمال واقعي لها من دون مساعدة عسكرية غربية تتجاوز بكثير طلباتها وهو أمر من الصعب تصوره حالياً.

ثلاثة أسباب

لكن كريستوفر بلاتمان أستاذ مساعد العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة "كولومبيا"، لديه تفسير آخر لاستمرار هذه الحرب التي تختلف عن معظم النزاعات القصيرة خلال القرنين الماضيين، التي كانت تمتد فقط إلى ثلاثة أو أربعة أشهر وتنتهي عندما تتضح تكلفة الحرب وتدفع الخصوم إلى إدراك حقيقة أن الحرب هي أسوأ طريقة لتسوية الخلافات السياسية.

ويشير بلاتمان في مقال نشره موقع "فورين بوليسي" إلى ثلاثة أسباب استراتيجية رئيسة تجعل الحرب مستعرة في أوكرانيا لأشهر أخرى مقبلة وربما لسنوات، وتوجد هذه الأسباب في أي حرب طويلة أخرى عندما يعتقد القادة أن الهزيمة تهدد بقاءهم، وعندما لا يكون لدى القادة إحساس واضح بقوتهم وقوة عدوهم، وعندما يخشى القادة من أن خصمهم سيزداد قوة في المستقبل، وهذه العوامل متوفرة في صراع أوكرانيا.

التنازلات فكرة بغيضة

ويزيد على هذه العوامل أن الحرب متجذرة أيضاً في الأيديولوجيا من الطرفين، إذ إن بوتين ينفي صحة الهوية والدولة الأوكرانية، بينما يتمسك قادة أوكرانيا بعدم استعدادهم للتضحية بالحرية أو القبول بسيادة روسيا على أراضي أوكرانية مهما كان الثمن، وهذا يعني أن كل جانب يرفض السياسة الواقعية ويحارب استناداً إلى المبادئ التي يعتقد بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالتالي تصبح فكرة تقديم تنازلات للخصم عملية بغيضة، وهذا التعنت يكمن وراء عديد من حروب الغرب في القرن الـ21، بما في ذلك غزو الولايات المتحدة العراق وأفغانستان، حيث كانت الإدارة في واشنطن تعتقد أنها تدافع عن المبادئ والقيم الراسخة، ما جعل السلام بعيد المنال، وتعد الحرب في أوكرانيا أحدث مثال على القتال الذي يستمر ويتواصل، ليس بسبب المعضلات الاستراتيجية وحدها، ولكن لأن كلا الجانبين يجدان فكرة التسوية السياسية بغيضة.

لماذا لا تنتهي بعض الحروب؟

تبدأ الحروب وتستمر عندما يعتقد القادة أن بإمكانهم تأمين نتيجة أفضل من خلال القتال بدلاً من الدبلوماسية، إذ تخوض الدول حروباً طويلة لثلاثة أسباب محسوبة على الأقل، أولها أن الحكام الذين يخشون على بقائهم يستمرون في ساحة المعركة، وإذا  كان بوتين يعتقد أن الهزيمة يمكن أن تنهي نظامه، فمن المؤكد أن لديه حافزاً لمواصلة القتال مهما كانت العواقب بالنسبة للروس.

أما السبب الثاني، فهو أن الحروب تستمر في ظروف من عدم اليقين، عندما يكون لدى كلا الجانبين إحساس غامض بقوتهم النسبية أو عندما يستخفون بالعواقب المدمرة للصراع، وفي كثير من الحالات، تبدد بضعة أشهر من المعركة هذا الضباب وحال اللايقين، ثم يكشف القتال عن قوة كل جانب بما يزيل المفاهيم الخاطئة، وهنا يجد الخصوم طريقة لإنهاء الحرب من خلال التوصل إلى اتفاق يعكس توازن القوى المرئي في هذه اللحظة، ونتيجة لذلك، فإن معظم الحروب قصيرة.

لكن في بعض الحالات، يرتفع ضباب الحرب ببطء وتتزايد حالة اللايقين، وعلى سبيل المثال تجاوزت القوات الأوكرانية خلال الأشهر الأخيرة توقعات الجميع، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكانها إخراج القوات الروسية من البلاد، وقد يؤدي الشتاء البارد إلى تآكل رغبة أوروبا وأميركا في استمرار تسليم مزيد من الأموال والأسلحة إلى أوكرانيا، بينما من المتوقع أن تظهر آثار التعبئة الجزئية لروسيا على ساحة القتال في سبتمبر أي بعد أشهر من الآن، ووسط هذه الغيوم والشكوك المستمرة، قد يجد الخصوم صعوبة أكبر في إبرام اتفاق سلام.

مشكلة الالتزام

ويجادل بعض علماء السياسة والمؤرخين في أن السبب الثالث في كل حرب طويلة، يعود إلى ما يسمى "مشكلة الالتزام" أي عدم قدرة أحد الجانبين أو كليهما على الالتزام بشكل موثوق باتفاقية سلام بسبب التحولات المتوقعة في ميزان قوة، ويطلق البعض على ذلك "الحرب الوقائية" حين يشن أحد الجانبين هجوماً للحفاظ على ميزان القوة الحالي قبل أن يميل ميزان القوة لصالح الخصم، وهناك أمثلة تاريخية على ذلك مثل جهود ألمانيا لمنع صعود روسيا عام 1914 وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن تنهار صفقات السلام قبل أن تتم.

وفي أوكرانيا، تبدو الحرب مليئة بمشكلات الالتزام، فعندما يقترح زعيم أوروبي أو جنرال أميركي أن الوقت قد حان لتسوية سياسية مع روسيا، يرد الأوكرانيون بأن بوتين لا يستطيع الالتزام بصفقة سياسية بصدقية، ويحذرون من أن روسيا ستقوم بإعادة تنظيم صفوفها وتهاجم أوكرانيا مرة أخرى. ومع ذلك، لا تنبع مشكلات الالتزام التقليدية لدى روسيا أو أوكرانيا من الحسابات الاستراتيجية وتصورات التحولات في السلطة فقط، ذلك أن القوى غير المادية تجعل الاتفاق صعباً، وتغذي مبادئ وهواجس القادة الأوكرانيين والروس الصراع، ولهذا لا توجد صفقة وشيكة لأن كلا الجانبين يفضل القتال على التنازل.

حواجز الأيديولوجيا

ويشرح بلاتمان سبب تعنت مقاومة القادة السياسيين والبرلمان والشعب في أوكرانيا لأي اقتراح للتسوية بأنه ليس غريباً، لأنه تكرر على مر التاريخ كلما قررت الشعوب المستعمرة النضال من أجل حريتهم على الرغم من كل الصعاب، إذ يرفضون القهر لأسباب عديدة، منها السخط واقتناع الأوكرانيين بفكرة عدم قابلية المبادئ التي يقنع الناس أنفسهم بأنه لا يمكن تقسيمها أو المساومة عليها بأي شكل من الأشكال وهي ظاهرة ليست نادرة.

وعلى سبيل المثال رفضت الحكومة البريطانية لسنوات طويلة التفاوض مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، على اعتبار أنه منظمة إرهابية لا يجوز من حيث المبدأ التفاوض معها، ولكنها قبلت ذلك في النهاية، وهو ما جعل جوناثان باول كبير مفاوضي الحكومة البريطانية في إيرلندا الشمالية يعرب عن أسفه لهذا الموقف في كتابه "الإرهابيون على الطاولة" قائلاً، إن شيطنة العدو ورفض كل حوار كان قصر نظر وسبباً دائماً لوفيات لا داعي لها، وأن السلام مستحيل إذا كانت الحواجز الأيديولوجية تمنع القادة من التفاوض.

ومع ذلك، لم تصل الأحداث في أوكرانيا إلى النقطة التي يمكن فيها للأوكرانيين قبول التسوية، ففي الآونة الأخيرة، حث الواقعيون مثل وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أوكرانيا على التغلب على حواجزها الأيديولوجية وتبادل درجة معينة من السيادة مقابل السلام، لكن الفرق بين الواقعيين والمثاليين الذين يريدون لأوكرانيا أن تستمر في القتال، يتعلق بتكلفة التنازلات التي قد يتعين على أوكرانيا تقديمها للتوصل إلى صفقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل