Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجحت تجربة الخصخصة البريطانية الكبرى؟

هناك إجابتان عن ذلك. الأولى هي الأكثر وضوحاً في نظر كل من يعيش ويعمل في المملكة المتحدة: طبعاً لم ينجح

ما يحصل في بريطانيا هو "خصخصة الأرباح وتعميم الأخطار" (رويترز)

"الغرض من أي نظام هو ما يقوم به". هذه هي الكلمات الشهيرة لستافورد بير، المنظر الذي قضى حياته المهنية في محاولة فهم الأنظمة الإدارية والتنظيمية.

للقول المأثور – الذي كثيراً ما يختصر إلى "بوسيويد" POSIWID [الأحرف الأولى من الجملة بالإنجليزية] – نتيجة طبيعية مفادها: "لا جدوى من الزعم بأن الغرض من أي نظام هو القيام بما يفشل به في شكل مستمر". لا ينبغي للمرء أن ينظر في ما يزعم الناس أن أي نظام يقوم به، أو ما قد يعتقدون بأنه يقوم به، أو حتى ما يرغبون في أن يقوم به.

على غرار النظريات الجيدة كلها، هي في الوقت نفسه تافهة إلى درجة أنها تكاد لا تستحق أن ينطق بها، وهي بالتزامن مع ذلك تقدم معطيات عميقة. على رغم وضوحها وتفاهتها، قلما يطبقها معظم الناس عملياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خذوا، مثلاً، القطاع العام في المملكة المتحدة. لعقود قيل لنا إننا يجب أن نحقق الخصخصة، والتعاقد الخارجي، وإعادة الهيكلة، والتحول إلى اقتصاد السوق، وتطبيق "مبادئ الأعمال" في ما يتصل بتوفير المرافق الأساسية والبنية التحتية. ويقال لنا إن هذا من شأنه أن يزيل أوجه القصور المرتبطة بالعمليات غير الفاعلة الثقيلة التي تسم إدارة الدولة، وأن تحل محلها الممارسات الرشيقة والمبتكرة التي تسم القطاع الخاص. وستكون النتيجة خدمات أفضل وأرخص للجميع.

لقد تجاوزت المملكة المتحدة كثيراً غالبية الاقتصادات المتقدمة الأخرى في المضي قدماً في تجربة هذا النظام، وبيع كل ما لم يكن مرسخاً إلى مصالح خاصة مختلفة، في الأغلب بأسعار منخفضة عمداً وبحوافز ضريبية متنوعة لتشجيع الاستثمار الخاص. وعلى هذا فإننا في موقع جيد جداً يسمح لنا بأن نسأل: هل نجح النظام؟

هناك إجابتان عن ذلك. الأولى هي الأكثر وضوحاً في نظر كل من يعيش ويعمل في المملكة المتحدة: طبعاً لم ينجح.

هذا العام، أفلست 28 جهة موردة للطاقة في القطاع الخاص في البلاد عندما تعثرت سوق البيع بالجملة بعض الشيء. وقالت الهيئة التنظيمية، مكتب أسواق الغاز والكهرباء، إن الجهات الموردة المستمرة كلها، البالغ عددها 17 جهة، لا تراعي العملاء الأكثر ضعفاً. وتبلغ حالياً كلفة إنقاذ شركة "بالب" Bulb، وهي جهة موردة للطاقة، 6.5 مليار جنيه استرليني (7.77 مليار دولار)، مع قدر ضئيل من الشفافية في ما يتصل بالطريقة والسبب.

هذا ما يحصل في قطاع الطاقة فقط. أما أنظمة السكك الحديدية لدينا، فعبارة عن كابوس من سوء الإدارة على مستويات متعددة. وشركات المياه لدينا تصرف مياه المجارير إلى شواطئنا. ومرة تلو الأخرى، نرى نمطاً متكرراً في البنية التحتية المربحة للبلاد وهو التعاقد من الباطن [عملية تعاقد فرعية تقوم من خلالها الشركة بنقل المسؤولية عن مهماتها إلى شركة أخرى متخصصة في هذا النشاط] للقطاع الصناعي. فالحكومة تعرض صفقات حبية [اتفاق تعاقدي، عادة ما يتم التوصل إليه سراً، ويفيد بشكل كبير بعض الأطراف بينما يلحق الضرر بالأطراف الأخرى أو الجمهور بشكل عام] على عدد من مستثمري القطاع الخاص الذين "يبتكرون" بقدر ما يجدون سبلاً أكثر ربحية لملء جيوبهم بالأموال النقدية والمضي وهم يقهقهون إلى جزر كايمان [مركز مالي واقتصادي مهم].

ثم عندما يحدث أي شيء سيئ، يسقط النظام فيعيد المستثمرون الخاصون المبتكرون أنفسهم فجأة اكتشاف قيمة تدخل الدولة، فيلتفتون إلى وزارة المالية وأكفهم ممدودة ليطلبوا بضعة مليارات من المال تنتشلهم من المتاعب.

هذا يعني "خصخصة الأرباح وتعميم الأخطار". عندما يكون عمل شركة ما طيباً، يكسب مساهموها مالاً وفيراً. وعندما يكون أداء شركة ما سيئاً، يتوقف على الحكومة التدخل وتحمل الخسارة.

من الواضح أن إدارة قطاع ما على هذا النحو من شأنه أن ينشئ حوافز للسلوك السيئ، بل حتى الممارسات التي تقترب من الاحتيال، مثلما رأينا بوضوح خلال الأزمة المصرفية عام 2008. لكن من الواضح أيضاً عندما يتحدث المرء عن البنية التحتية الرئيسة التي تدعم التمدن في دولة قومية، فإنه لا وسيلة أخرى لإدارة مرفق "مخصخص".

لا يمكننا أن نسمح بإفلاس شبكة السكك الحديدية أو نظام الطاقة وتوقفهما ببساطة. لا يزال الناس بحاجة إلى الطاقة والنقل والمياه. تحتجزنا هذه الشركات كرهائن لأنه مهما بلغت إدارتها من السوء، لا يمكن السماح للخدمات التي تقدمها بالفشل. ولا يوجد سوى خيارين: فوزها وخسارتنا.

يقودنا هذا إلى الإجابة الثانية المحتملة عن السؤال: "هل نجح هذا النظام؟". إذا افترضنا أن الغرض من النظام يتلخص في توفير خدمات عامة جيدة النوعية على نحو فاعل، فالإجابة هي لا. لكن الغرض من هذا النظام هو ما يقوم به، وحقق النظام نجاحاً كبيراً في ضخ المليارات من الأموال العامة والأصول الإنتاجية العامة بين أيدي طبقة طفيلية من المستشارين، وصناديق الأسهم الخاصة، و"رواد الأعمال". وبهذا المعنى نجح في شكل استثنائي.

يتجاوز نطاق هذه المقالة تحديد أي من أنصار هذا النظام كانوا من المؤمنين الحقيقيين الذين تصوروا حقاً أنه من الممكن إدارة المرافق العامة على أساس شبه مخصخص وتحقيق نتائج طيبة، وأي منهم كانوا من المخادعين الذين عرفوا تماماً أنه لن ينجح لكنهم سيتمكنون من جمع مال كثير على طول الطريق. وليس هذا التحديد أيضاً ذا أهمية خاصة – ذلك أن النتائج النهائية العملية كانت واحدة تماماً.

أياً كانت عملية الوصول إلى المرحلة الحالية، ما يهم هو أننا أنشأنا نظاماً بالغ السوء في توفير الخدمات العامة اللائقة وجيد جداً في تحويل أكوام ضخمة من المال إلى جيوب قلة من الأفراد الذين يتبوؤون مواقع جيدة.

بطبيعة الحال، سيجادل كثر من هؤلاء الأفراد وساستهم المروضين ووسائل إعلامهم المروضة بأن النظام يجب أن يظل كما هو تماماً، بل إنه "لا بديل له". سيجادلون بذلك بكل تأكيد. لن يقولوا: "توقفوا عن شراء يخت جديد لنا كل عام".

لكن ليس علينا أن ننصت إليهم. لا ينبغي لنا أن نحافظ على النظام الذي لا يفعل ما نريد منه أن يفعله. وهناك في واقع الأمر بدائل، وتأخرنا كثيراً في تغيير النظام حتى يتسنى له أن يفعل ما نحتاج إليه في واقع الأمر.

© The Independent

المزيد من آراء