Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين في الرياض... قمة تاريخية لا تلغي الحاجة لنقاش مع أميركا

اللقاءات المرتقبة بالسعودية تسعى لترسيخ الاعتراف بالمصالح الخليجية والعربية الثابتة سياسياً واقتصاديا وأمنياً

الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الصيني شي جينبينغ في الرياض  (أ ف ب)

الأسبوع الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2022 سيشهد سلسلة أحداث فائقة الأهمية، فخلال أيام متتالية ستستضيف الرياض ثلاث قمم، "سعودية-صينية" و"صينية- خليجية" و"عربية- صينية"، وستكون السعودية مرة أخرى في قلب الحدث، إذ ستتجه نحوها أنظار الأصدقاء والخصوم من الولايات المتحدة الأميركية الحليف التاريخي التقليدي إلى إيران الخصم الإقليمي، وروسيا الشريك المتجدد للخليج والعالم العربي.

هؤلاء جميعاً يحتاجون العالم العربي مثلما تحتاج الدول العربية إلى إقامة أفضل العلاقات المتكافئة معهم، عندما يحين موعد اللقاءات الصينية العربية، ستكون الصورة العربية أوضح وأقوى بقيادة السعودية ودول الخليج التي تكرسها التطورات والتحديات الإقليمية والدولية قاطرة للنهوض والعمل العربي المشترك.

خلال السنة الفائتة كان العالم العربي مركزاً لسلسلة لقاءات إقليمية ودولية بارزة، من القمة العربية في الجزائر إلى قمة المناخ العالمية في شرم الشيخ (مصر) إلى قمة الفرنكوفونية في جربة (تونس) إلى القمة الكروية الدولية في مونديال قطر، وباستضافته هذه الأنشطة قدم هذا الجزء من العالم صورة جيدة وواعدة لما يمكن أن يكون عليه في عالم متوتر، والدور القادر على لعبه في المستقبل في تخطي معوقات تعترضه على شكل أزمات تعانيها بعض بلدانه، وفي التحول إلى نقطة استقطاب مؤثرة في التطورات الإقليمية والدولية.

كان لقاء الجزائر بمثابة تأكيد لرغبة العالم العربي في مواصلة التشاور في شأن قضاياه، على رغم أن النتائج لم تكن على قدر طموحات الشعوب العربية، وكرس اجتماع تونس الحضور الفرنكوفوني العربي، وشكلت قمة المناخ امتحاناً لدور مصر وقدرتها على إدارة حوار عالمي شائك يتعلق بمصير البشرية حاضراً ومستقبلاً، أما مونديال قطر فكان فرصة لدولة عربية خليجية صغيرة لأن تستضيف إحدى أكبر المناسبات الرياضية العالمية، وجاء فوز منتخب كرة القدم السعودي في أولى مبارياته على الأرجنتين ليعزز معنى المشاركة العربية استضافةً وحضوراً.

تعطي كل هذه المناسبات دفعاً لشعور بحضور عربي فاعل في عالمنا، لكن الأثر الفعلي سنجده في بناء القدرات السياسية والاقتصادية لحجز موقع متين بين القوى الفاعلة في عالمنا وعصرنا، وهذا ما تقوم به السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي موظفة فيه قدراتها ورؤيتها للمستقبل.

خلال السنوات والأشهر القليلة الماضية كانت السعودية مقراً لسلسلة لقاءات خليجية وعربية ودولية، بنت المملكة شراكات متنوعة وتمسكت بعلاقات وتحالفات تقليدية، واتجهت نحو روسيا والصين ووطدت مشاورات عميقة مع فرنسا ورسمت سياساتها النفطية الخاصة في إطار منظمة " أوبك" واجتماعات "أوبك+" من دون أن تتأثر بحملات شنها بعض المسؤولين الأميركيين بمن فيهم مسؤولون حكوميون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استقبلت الرياض الرئيس جو بايدن في يوليو (تموز) الماضي وهي متمسكة بمواقفها المستقلة في شأن طروحات واشنطن حول السلام مع إسرائيل وقيام "ناتو" عربي وسياسات الطاقة، وجاء الرئيس الأميركي إلى حليفه مثقلاً بمواقف مسبقة جعلت المسؤولين العرب يشككون في نواياه، بدءاً من موقفه من السعودية مروراً بتساهله مع الحوثيين وإيران وإعلانه العزم على تخفيف الحضور العسكري الأميركي في الخليج والشرق الأوسط.

لم تكن تلك التوجهات ملائمة لقيام حوار عميق بين حليفين، ولا يمكن أن تكون العلاقات بين الحلفاء على هذا النحو من السطحية، لكن الحرب الروسية ضد أوكرانيا ورفض إيران السير في الاتفاق النووي وانعكاسات أزمة الطاقة جعلت بايدن يسارع إلى القيام بزيارته والقول في المناسبة، إنه لن يسمح للصين وروسيا وإيران بملء الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي في الشرق الأوسط.

لم يكن في تلك التصريحات ما يطمئن، بل زادت في أهمية سياسات الاعتماد على النفس وبناء العلاقات الندية مع جميع القوى الفاعلة والمؤثرة في العالم.

من حيث الشكل ستكون زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى السعودية القريبة مشابهة لزيارة بايدن، فبرنامجها سيتضمن قمةً ثنائية سعودية- صينية وقمتين مع دول مجلس التعاون والمجموعة العربية، وسيكون التعاون والتبادل التجاري أساساً في المباحثات من دون أن تغيب شؤون التعاون السياسي وسط التوتر الذي تشهده المنطقة والعالم، فالصين شريك لروسيا ولإيران، ومع أنها تخوض صراعاً مع الولايات المتحدة فإنها تحرص كما يفعل الأميركيون على عدم دفع هذا الصراع إلى حدود الصدام المسلح.

لقد تطورت العلاقات السعودية- الصينية منذ زيارة جينبينغ إلى المملكة في عام 2016، ثم زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين في العام التالي، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والبلدان العربية أكثر من 330 مليار دولار، ليحل في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي ولتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة من حيث حجم التبادل مع بكين، ومن الطبيعي الاعتقاد أن التعاون العربي- الصيني سيتطور بعد قمم الرياض، ما يفتح آفاقاً جديدة في العلاقة المتعددة الأطراف التي تنتهجها السعودية ومعها الدول الخليجية ومعظم العالم العربي.

وكانت روسيا أحد تلك الأطراف التي أقامت معها المملكة علاقات تعاون ونقاش استراتيجي، وعلى رغم أن إيران أرادت من قمة طهران التي عقدتها مع روسيا وتركيا بالتزامن مع مجيء الرئيس الأميركي إلى المملكة في يوليو الماضي توجيه رسالة تهديد مبطنة إلى دول الخليج، فقد حرص الرئيس فلاديمير بوتين على إبداء لفتة ود واحترام لهذه الدول من طهران بالذات، وفي تعليق لها مطلع الشهر الماضي لاحظت صحيفة "غارديان" البريطانية أنه "بعد قرابة ثمانية أشهر من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وصلت العلاقات بين الرياض وموسكو إلى أوجها".

على الأرجح سيقال كلام مشابه في بعض الأوساط الغربية عن العلاقات السعودية- الصينية، لكن ذلك لن يلغي الحاجة إلى نقاش صريح بين العرب والولايات المتحدة انطلاقاً من الاعتراف بالمصالح الخليجية والعربية الثابتة في السياسة والاقتصاد والأمن، وبحق الدول العربية في بناء سياساتها الدولية انطلاقاً من هذه المصالح بالذات، وهذا ما ستؤكده قمم الرياض في سياق نهج عربي راسخ وثابت.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء