نقل مصدر إلى صحيفة "اندبندنت" أن فريقاً منهكاً في خفر السواحل البريطاني كان يعمل لساعات قد تصل إلى 20 يومياً، قد ارتكب أخطاء أثناء البحث والاستجابة لمأساة الغرق الجماعي في القنال الإنجليزي قبل سنة.
يذكر أن 27 شخصاً في الأقل لقوا حتفهم في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 ولم يعثر بعد على جثامين خمسة منهم.
وقد استغرق خفر السواحل البريطاني والإنجليزي 12 ساعة كي يستجيبا في أعقاب طلب النجدة الأول، وكذلك حدث جدال بين السلطات حول المسؤول [عن التعامل مع تلك المأساة]. ومع حلول الوقت الذي وصلت فيه سفن وطائرات الإنقاذ إلى مكان الحادثة، كان جميع الركاب، باستثناء اثنين منهم، قد غرقوا وتوفوا بسبب التعرض [الى ظروف طبيعية بالغة القسوة لفترة طويلة].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
للمرة الأولى، كشف مصدر من قوة "خفر السواحل الملكية"، عن الظروف التي مهدت للحوادث الكارثية التي وقعت قبل عام، مشيراً إلى أن الموظفين كانوا يؤدون نوبات عمل طويلة بشكل خاص [في تلك المرحلة]، وغالباً من دون استراحة، الأمر الذي أدى إلى استنزاف طاقتهم إلى أقصى حد.
وبحسب المصدر "ليس هناك من يأتي إلى العمل ولديه نية مسبقة بترك الناس يموتون، ولكن، في ظروف صعبة للغاية [كتلك] تقع أخطاء".
وتابع "نعم. لقد توفي 27 شخصاً. في المقابل، ثمة ما يزيد على 27 ألف شخص قد نجحوا في العبور. سآخذ هامش خطأ بـ0.1 % في النجاح على إبقاء العابرين على قيد الحياة. لن نتمكن أبداً من إنقاذ الجميع، ولايمكن لأي خدمة طوارئ في العالم أن تدعي ذلك".
وزاد المصدر نفسه، "حينذاك، عملنا لـ20 ساعة في اليوم في بعض الأحيان، أي لفترات طويلة حقاً من دون استراحة. كان الجميع متعبين ومحبطين. يمكنك أن ترى أن الناس كانوا سريعي الغضي ويفقدون أعصابهم مع بعضهم بعضاً".
وأضاف، "عليك اتخاذ قرارات سريعة. ونعم، بطبيعة الحال، يرجى ارتكاب الأخطاء، حينما تعمل تحت هذا القدر من الضغط".
وجاء الكشف [عن ملابسات الحادثة المأسوية] في الوقت الذي حذر فيه ناشطون تابعون لمجموعات خيرية من أنها مسألة وقت فحسب قبل حصول وفيات مماثلة في القنال، إن لم تنشئ الحكومة طرقاً آمنة [للمهاجرين الوافدين].
وأظهرت سجلات المكالمات التي أفرجت عنها السلطات الفرنسية لمحامين في إطار التحقيق المستمر، أن أول نداء استغاثة إلى السلطات الفرنسية سجل قبيل الساعة 2.15 من بعد منتصف الليل. وقد انقلب القارب في حوالى الساعة 3.15 صباحاً.
وبعد ذلك بوقت قصير، أي في الساعة 3.30 من ذلك الصباح، أفاد أحد الركاب بأن بعض أعضاء المجموعة [التي كانت على متن القارب] كانوا في الماء. وأجابت السلطات الفرنسية، "نعم، لكنك في المياه الإقليمية الإنجليزية، يا سيدي".
وأجرى من كانوا على متن القارب ما يزيد على 20 مكالمة استغاثة بين الساعة 3.40 صباحاً و7.30 عند شروق الشمس. وفي حوالى الساعة الثانية من بعد الظهر، وصلت فرق الإنقاذ الى موقع الحادثة، إذ كان جميع أفراد المجموعة، باستثناء اثنين منهم، قد غرقوا أو ماتوا بسبب التعرض لظروف قاسية.
وطوال تلك الليلة، استمر خفر السواحل البريطاني، المسؤول عن تسجيل مكالمات الطوارئ وتنسيق مهمات البحث والإنقاذ في القنال، بإنكار وجود القارب المطاطي داخل المياه البريطانية، طالباً بشكل متكرر ممن كانوا على متنه الاتصال بخفر السواحل الفرنسي. وتوحي السجلات الموجودة لدى فرنسا بأن القارب قد دخل المياه البريطانية في الساعة 2.30 صباحاً.
وتعرف صحيفة "اندبندنت" أنه في ليل 24 نوفمبر 2021، كان هناك 10 من أعضاء قوة خفر السواحل في غرفة التحكم في دوفر ممن تلقوا المكالمات.
وقد تولى مسؤولية العمل قائد بحري تكتيكي، فيما عمد منسقو مهمة البحث إلى فك الرموز المتعلقة بمواقع القوارب الصغيرة والمد والجزر وأحوال الطقس.
وقرابة الساعة 2.45 صباحاً، تبادلت السلطات الفرنسة والبريطانية رسائل بالبريد الإلكتروني تظهر أن قوة خفر السواحل البريطاني حاولت الاتصال بأحد ركاب القارب لكنها تلقت نغمة اتصال فرنسية. وذكر أيضاً أن عناصر القوة خلصوا إلى أنهم لم يكونوا مسؤولين عن القارب بسبب وجوده على الأرجح في المياه الفرنسية.
وفي تفصيل متصل، تابع ستيفن مارتن، وهو عضو في جمعية "تشانل ريسكيو" الخيرية التي تراقب النشاط البحري، الحادثة أثناء وقوعه، وتلقى صوراً للشاشة من أشخاص كانوا على متن الزورق الغارق، فيما شارك كثيرون بيانات مواقع المهاجرين عبر على تطبيق "واتساب" مباشرة، بغية إظهار أنهم كانوا في المياه البريطانية.
ويسهم مارتن حالياً في التحقيق المتواصل في الحادثة البحرية. وقد زود المحامين بأدلة واسعة تظهر أن قوتي خفر السواحل الفرنسي والبريطاني علمتا بمكالمات استغاثة، ولكن حدث تأخير بلغت مدته 12 ساعة بين نداء الاستغاثة الأول وبين الوقت الذي وصلت فيه سفنية إنقاذ إلى موقع الحادثة.
ووفق مارتن "من المحزن بشكل يكاد لايصدق مراقبة ما جرى وعدم رؤية أحد يستجيب. لقد رددنا ’أية مشكلة غريبة هذه التي أصابتنا؟ كيف يجري إبلاغنا بوجود أشخاص في المياه ومع ذلك لم يتم الشروع بعملية [إنقاذ]؟
لا ينبغي أن يتجادل [خفر السواحل الفرنسي والبريطاني] بشأن من يجب أن يستجيب، في وقت كان من الواضح فيه أن هناك أشخاصاً يغرقون. لا يزال هذا يثير غضبي، حتى بعد مرور عام كامل".
وأضاف مارتن "سيكون هناك حادثة أخرى في القنال يسفر عن خسائر جماعية في الأرواح من دون شك. إذ إن المآسي من هذا النوع هي [أكيدة إلى درجة أنه يمكن التساؤل عن] ‘متى‘ [تقع حادثة كهذه] وليس ما ’إذا‘[كان سيقع أم لا]. وستستمر هذه الحوادث في الوقوع إلا إذا أنشأت هذه الحكومة ممرات آمنة. نحن في حاجة إلى تغيير شامل في كيفية التعامل مع ذلك".
في سياق متصل، ذكر ماثيو شانك، خبير البحث والإنقاذ، إن السفن وطواقم العمل والسفن غير المناسبة تشكل القضيتان الرئيستان اللتين يجب حلهما حتى يعمل خفر السواحل البريطاني بشكل أكثر فعالية.
وأضاف "نحن في حاجة إلى مزيد من سفن البحث والإنقاذ في القنال. وليس من العدل أن يعتمد خفر السواحل على متطوعين وسفن قوة الحدود وقوارب مزارع الرياح المستأجرة، وكلها ليست مجهزة أصلاً لهذا الغرض [البحث والإنقاذ]. ويتعين على الحكومة البدء بالاستثمار في الموارد، أي الموارد الموجودة على الشاطئ كتلك المخصصة للتعامل مع المكالمات، والمروحيات وقوارب البحث والإنقاذ في الماء، [على أن تكون من الأنواع] الأكثر ملاءمة". وتابع "لا يمكننا أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونأمل بتحسن الوضع".
وبعد مرور عام على المأساة، ذكر خفر السواحل إنهم ينتظرون نتيجة التحقيق الجاري حالياً في الحادثة البحرية. وكذلك فلن يصار إلى إجراء مزيد من التحقيقات، قبل أن يصل التحقيق الحالي إلى نهايته.
وفي إطار مشابه، أوضح مصدر في خفر السواحل، "إننا لا نلعب لعبة لروليت مع حياة الناس. في كل مرة ترد فيها مكالمة استغاثة، نتصرف بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. وفي أحيان كثيرة، نتلقى مكالمة تستمر مجرد 20 ثانية، ثم يتوجب علينا أن نبني أفعالنا على تلك البيانات المحددة. وفي بعض الأحيان قد يكون هناك 40 شخصاً على متن قارب وسوف نتلقى 30 مكالمة لطلب النجدة من ذلك القارب بعينه. وهناك كثير من المعلومات التي يجب الرجوع إليها والتحقق منها".
وبحسب المصدر نفسه، "نسأل أنفسنا دائماً ’هل تصرفنا بناء على المعلومات التي كانت في حوزتنا في ذلك الوقت؟‘ نحتاج إلى التكيف والتعديل وتغيير خطواتنا التكتيكية على الدوام. فهل الأمر مثالي؟ لا. وصدقني، أن استماعك إلى هذه المكالمات التي ترد يوماً إثر يوم، يجعلها تؤثر فيك بصورة سلبية. إننا على الخط الأول لهذه الأزمة، ونحن نجعل [التعامل معها ينجح] انطلاقاً من النية الحسنة أكثر من أي شيء آخر".
واعتبر مارتن أن اللوم يقع على كاهل الحكومة التي لم تفعل ما يكفي لمعالجة المشكلات التي يعانيها النظام المتعلق بإدارة [أزمة] الأعداد المتزايدة للوافدين في قوارب صغيرة.
ورأى أن "القنال بات الآن أكثر عسكرة من العام الماضي. هناك الآن سفن حربية تقوم بدرويات في القنال، ولاتعمل كسفن بحث وإنقاذ، ولا يمكنها انتشال الأشخاص إذا كانوا في الماء".
وتابع مارتن، "ثمة عناصر تابعين لسلاح البحرية موجودون هناك، غير أنهم لم يرغبوا على الإطلاق في المشاركة. إذ امتلكوا مخاوف تتعلق بأن المهمة تفتقد إلى الوضوح في أغراضها أو أهدافها، ولا تنتهي في تاريخ محدد. ولهذا لم يكونوا يعرفون بوضوح ما الذي كانوا يفعلونه [من خلال وجودهم هناك]. إن الوضع مناسب بالنسبة إلى الحكومة، إذ يمكنهم الإشارة إلى أنهم أحضروا قوات البحرية، الأمر الذي يعني أنهم يعملون [على معالجة الأزمة]، لكنهم في الحقيقة لايفعلون شيئاً. ولا يزال هناك شوط طويل قبل أن تعالج المشكلات الأساسية".
على صعيد متصل، ذكر متحدث باسم "وكالة البحرية وخفر السواحل" إن "قلوبنا مع أسر كل هؤلاء الذين لقوا حتفهم في الحادثة المأساوية في نوفبمر الماضي".
وأوضح أن "الدور الأساسي لقوة خفر السواحل الملكية يتمثل بإنقاذ الأرواح في عرض البحر، من خلال الاستجابة إلى أي شخص يواجه محنة".
وتابع، "على غرار ما هو معتاد في ذلك النوع من الظروف، يحقق 'فرع التحقيق في الحوادث البحرية' بكل ما يتصل بالسلامة ويركز على الاستجابة الطارئة للحادثة، وتتعاون مع التحقيق 'قوة خفر السواحل ووزارة الداخلية' بشكل كامل. ومن غير المناسب التعليق بأكثر من ذلك [على الأمر] في وقت يتواصل فيه التحقيق".
وأضاف متحدث باسم وزارة الداخلية "لا يمكننا ترك هذا الحدث المدمر يتكرر، وهذا هو السبب في أننا نعمل مع شركائنا الدوليين لتعطيل عمل عصابات تهريب البشر التي تقف وراء حالات العبور الخطر[للقنال] التي تعرض الأرواح إلى الخطر مع كل رحلة تنظمها [هذه العصابات]."
وزاد "يعمل ضباط قوة الحدود ومتعاقدون، بالتآزر مع خفر السواحل و'المؤسسة الملكية الوطنية لقوارب النجاة'، ونحن فخورون بالعمل الذي يؤدونه كل يوم من أجل إنقاذ الأوراح في البحر".
© The Independent