Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واقع ضبابي يحاصر عمالة الأطفال في الجزائر

تحديد الإحصاءات الحقيقية يستدعي التنسيق مع المجتمع المدني بمختلف مكوناته

ملف عمالة الأطفال يعود إلى الواجهة مجدداً في الجزائر (أ ف ب)

لا يزال ملف عمالة الأطفال يثير الجدل في الجزائر بين الحكومة والحقوقيين، ويتصاعد دخان النقاش مع كل مناسبة تهتم بالطفل على اعتبار أن المسألة تعد واحدة من أبرز التحديات التي تواجه جهود التنمية وحقوق الإنسان، غير أن تضارب الأرقام والتصريحات يجعل واقع عمالة الأطفال يكتنفه الغموض.

وعلى رغم ما تنص عليه أغلبية القوانين الدولية والعربية المصادق عليها من طرف الجزائر التي وضعت بدورها نصوصاً وتشريعات تمنع تشغيل الأطفال قبل سن الـ 15، وحظر الأعمال الخطرة عليهم قبل سن الـ 18، لكن يبدو أن الحاجة تبقى ملحة في زيادة التوعية حول عمالة الأطفال من خلال إبراز أسبابها وآثارها ومخاطرها الجسيمة على الطفل والأسرة والمجتمع، بهدف وضع سياسة واستراتيجية لإيجاد الحلول للظاهرة والحد منها أو القضاء عليها.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الجزائر تعد من الدول التي تتحكم في عمالة الأطفال، ولكن الأمر يتعلق في الأساس بالعمل الرسمي المراقب من طرف مفتشيات العمل، أما في ما يتعلق بالعمل غير الرسمي فيبقى واقعاً آخر، وهو ما كشفت عنه رئيسة هيئة حماية وترقية الطفولة في الجزائر، مريم شرفي، بالقول إن نسبة عمالة الأطفال في الجزائر بلغت أقل من 0.01 في المئة.

أرقام صادمة رغم العقوبات

لكن المسؤولة نفسها اعترفت في يونيو (حزيران) الماضي، بوجود استغلال للأطفال من بعض التجار والمتعاملين الاقتصاديين، وأوضحت أن الهيئة التي تشرف عليها "تتلقى يومياً عبر رقمها الأخضر إخطارات عن ثلاث إلى أربع حالات استغلال اقتصادي"، مبرزة أن القانون الجزائري يشدد العقوبات على كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل بحسب المادة "139" التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصادياً، وتتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أصول الطفل أو المسؤول عن رعايته".

وفي حين تعتمد الجهات الحكومية على إحصاءات القطاع العمومي وتتجنب أرقام الخاص، فإن الشبكة المدنية الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل التي تجري دراسات ميدانية دورية تهتم بظواهر لها علاقة بالطفل، أبرزت أن 13.2 في المئة من الأطفال العاملين في الجزائر تتراوح أعمارهم بين ست و10 سنوات، فيما تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين الـ 11 إلى 14 سنة 31.2 في المئة، وترتفع إلى 55.6 في المئة لدى الأطفال بين الـ 15 والـ 18 سنة، مشيرة إلى أن 77 في المئة من الأطفال العاملين من الذكور.

الحقيقة تستدعي التنسيق

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي خضم الضبابية التي تكتنف الظاهرة، ترى هيئة ترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، أن الوصول إلى تحديد الإحصاءات الحقيقية لعمالة الأطفال في الجزائر يستدعي التنسيق مع المجتمع المدني بمختلف مكوناته، لأن النسبة التي تقدمها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي سنوياً لا تعكس واقع الظاهرة، منتقدة اللجوء إلى مراقبة القطاع الاقتصادي المنظم في الوقت الذي يشكل فيه الإطار غير المنظم مثل الأسواق الفوضوية والشواطئ والمزارع وورشات البناء وحتى التسول، الفضاء الأكثر استقطاباً لتلك الفئة نتيجة عوامل عدة مثل الفقر والتسرب المدرسي، وحذرت أن أخطر ما تفرزه عمالة الأطفال هي تحول شخصية الطفل وميوله نحو العنف والعناد، إذ يؤدي العبء الذي يتحمله نتيجة خروجه إلى سوق العمل في سن مبكرة لكسب لقمة العيش إلى جعله شخصاً قاسياً تغيب عنه ملامح الطفولة وبراءتها.

الظاهرة تشمل الجنسين

في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية سليم بوخاري، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر على رغم التصريحات الرسمية والإصلاحات التشريعية المتعلقة بها لا تزال تحتاج إلى مجهود للسيطرة عليها، وقال "تبدو الظاهرة أكثر انتشاراً في الاقتصاد غير الرسمي بخاصة في المدن، وترتفع نسبها في أيام العطل لا سيما الصيفية وأيام المناسبات، وكذلك في شهر رمضان"، موضحاً أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على الذكور فقط، بل أصبحت تشمل الجنسين معاً، وأبرز أنه على رغم تجسيد مبادئ حقوق الطفل المتمثلة في عدم التمييز والحق في البقاء والنماء وتكريس مصلحته العليا وتوسيع دائرة المشاركة ووجود ترسانة من القوانين الخاصة بهذه الفئة، إلا أن الوصول إلى تحقيق رفاهية الطفل لا يزال بعيداً.

طغيان الثقافة المادية

من جانبه، يعتبر الحقوقي عابد نعمان "مسألة العمالة هي ظاهرة واقعية في الوسط الاجتماعي على رغم أن القوانين رادعة بحيث أن النص العقابي يشير إلى أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصادياً، فضلاً عن تدابير الحماية وتحديد السن بالنسبة إلى التشغيل"، وأضاف بخصوص الأسباب، "نقولها بكل صراحة هو طغيان الثقافة المادية في المجتمع، وقد أصبح الولي يرى ابنه كمصدر دخل ولا يهم نتيجة زرع فلسفة التقليل من شأن التعليم"، مشدداً أن الدينار بات أولى من الحرف مما جعل التلميذ يفضل التسرب من المدرسة من أجل البحث عن المال.

ويواصل نعمان، أنه يجب تنشيط مرشدين اجتماعيين متخصصين، وتطوير نظام عمل المفتشين، واستحداث آلية تنسيق مع المؤسسات التربوية من أجل المعلومة والاستعلام، "لأن عملية الاستغلال على رغم أننا نراها إلا أنها رسمياً هي صعبة التوثيق والتثبيت، ما جعل الطفل دائماً في خطر سواء من أهله الذين يسمحون بذلك أو من أرباب العمل الخواص"، موضحاً أن الحصول على المعلومة في القطاع الخاص صعب نظراً لأن التشغيل يتم بسرية تامة خوفاً من العقاب من جهة وغياب آلية استعلاماتية من جهة أخرى، وختم مثمناً التعليمات الموجهة لمدراء التربية حول تجنب التسريح المدرسي أو الشطب دون سن معينة التي تسهل إمكانية التسجيل في مراكز التكوين المهني.

وسبق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الإعلان أن 400 ألف طفل يهجرون المؤسسات التعليمية في البلاد في سن مبكرة لأسباب عدة على رغم المبالغ الضخمة التي تخصصها الدولة للقطاع، وأنه لا يتجه منهم إلى التكوين المهني والتدريب في الحرف إلا 250 ألفاً أو أقل، وأضافت أن "نزيف التسرب المدرسي يرتفع خصوصاً في الأرياف لبعد المدارس وارتفاع نسب الفقر، وغيرها من الأسباب".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير