Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السباحة الأولمبية يسرى مارديني: كوكبنا يتسع للجميع

عام 2015، ساعدت السباحتان يسرى مارديني وشقيقتها في إنقاذ قارب لاجئين من الغرق كان متجهاً من سوريا إلى اليونان. تتحدث يسرى والمخرجة سالي الحسيني عن كيفية تحويل قصتهما إلى فيلم يعرض على "نتفليكس"، والعبر التي تأملان أن يستخلصها الناس

(نتالي ومنال عيسى في دور يسرى وسارة مارديني (نتفليكس

بلغت الاحتجاجات في سوريا ذروة العنف في 18 مارس (آذار) عام 2011، بعدما أطلقت قوات مسلحة النار على متظاهرين سلميين في مدينة درعا جنوب البلاد مودية بحياة ثلاثة أشخاص. أعلن هذا الشهر بداية حرب أهلية وحشية متعددة الأطراف أدت منذ ذلك الحين إلى تهجير أكثر من 13 مليون إنسان، كانت يسرى مارديني واحدة منهم.

عندما اندلعت الحرب في وطنها، كانت مارديني تبلغ من العمر 13 سنة وتقيم في العاصمة دمشق. قبل ذلك، كانت تعيش حياة طبيعية، تقضي وقتها مع عائلتها وتلهو مع أصدقائها على أسطح المنازل في المدينة. إلى جانب ذلك، كانت تتنافس في مسابقات السباحة. بعد أربع سنوات من اندلاع القتال، غادرت مارديني، ابنة 17 ربيعاً حينها، برفقة شقيقتها سارة إلى ألمانيا هرباً من العنف المستمر والعشوائي الذي عصف بوطنهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لما توقف محرك القارب المطاطي الذي كان يقلهما و16 لاجئاً آخر فجأة في عرض بحر إيجة، أدركت سارة أن القارب غير قادر على مواصلة الرحلة بسبب الحمولة الزائدة. غطست في المياه الباردة مع شقيقتها، وسبحتا بجانب القارب لمدة ثلاث ساعات ونصف إلى أن أوصلتاه إلى بر الأمان في جزيرة ليسبوس اليونانية.

لا يوثق فيلم "نتفليكس" المذهل ’السباحتان‘The Swimmers  - من تأليف جاك ثورن وإخراج سالي الحسيني - تلك الرحلة المشؤومة وحسب، بل الأحداث المذهلة التي تلتها أيضاً. فقد شاركت مارديني في التصفيات الأولمبية مرتين عامي 2016 و2020. وأصبحت أصغر سفيرة على الإطلاق لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وهي في الـ19 من عمرها. يشكل الفيلم تصويراً معقداً وإنسانياً ومتزناً لرحلة الشقيقتين إلى بر الأمان، إضافة إلى الثورة السورية وواقع أزمة اللاجئين.

تحول القرار بمغادرة الوطن الوحيد الذي عرفته الفتاتان على الإطلاق إلى حقيقة بسيطة. تقول مارديني وهي تبلغ من العمر حالياً 24 سنة: "إما أن تخاطر بحياتك مرة لتعبر البحر، أو تبقى في سوريا وتخاطر بحياتك يومياً، لذا قررنا الرحيل... عشنا أربع أو خمس سنوات تحت وطأة الحرب، وكنا نحاول النجاة بأنفسنا فقط".

ومع ذلك، تدرك مارديني أن قصتها وكفاحها ليسا فريدين، وتقول: "كانت فعلاً رحلة صعبة وقد خاضها كثير من اللاجئين". اتخذ آلاف المسار ذاته من الساحل التركي إلى ليسبوس بحثاً عن الأمان. توفي الشهر الماضي 22 شخصاً، بينهم طفل يبلغ أربع سنوات، بعد غرق قاربهم في الرحلة نفسها. تضيف مارديني: "كنا محظوظين لأننا وصلنا على قيد الحياة".

كانت الواقعية عاملاً أساسياً في فيلم "السباحتان" الذي تلعب بطولته شقيقتان حقيقيتان هما الممثلتان الفرنسيتان اللبنانيتان نتالي ومنال عيسى في دوري يسرى وسارة. كذلك، شارك لاجئون حقيقيون في المشاهد التي تصور رحلة الشقيقتين من دمشق إلى ألمانيا. تقول المخرجة الحسيني: "الأصالة كانت مهمة حقاً بالنسبة إلي". حتى أصغر التفاصيل أخذت في الاعتبار، إذ استخدمت المخرجة قميصاً وربطة رأس مماثلين تماماً للذين ارتدتهما مارديني خلال الرحلة، كما أصرت أن تكون مشاهد الفيلم في سوريا باللغة العربية.

كان الهدف من تجسيد الشقيقتين عيسى شخصيتي الأختين مارديني هو جعل المشاهد يسترجع علاقات الأخوة الخاصة به، إذ تنقلان تعقيدات العلاقة الأخوية بشكل ممتاز. تقول الحسيني: "كانت تجربة عاطفية للغاية بالنسبة إليهما، لكن وجود علاقة إنسانية حقيقية تستقي منها قصتك كان حلماً بالنسبة إلي كمخرجة. شكلت المتطلبات الجسدية لدوريهما التحدي الأكبر لهما. جدير بالذكر أن الممثلتين لم تمارسا السباحة سابقاً، وقبل التصوير خضعتا لتدريب مكثف يتضمن السباحة يومياً لمدة شهرين".

تضيف المخرجة: "من البديهي أنهما لن تصلا إلى المعايير الأولمبية"، مبينة أنها استخدمت فريقاً من الممثلات البديلات لمشاهد السباحة الأولمبية، حتى أن مارديني نفسها كانت إحدى البديلات في الفيلم. وتتابع المخرجة: "أرادت مارديني تقديم مزيد لكن لم يكن ذلك بمقدورها لأنها كانت تتدرب تحضيراً لأولمبياد طوكيو".

شاركت الشقيقتان مارديني عن كثب في صناعة الفيلم من البداية حتى النهاية. بدأت عملية بناء النص مع قيام الشقيقتين برواية قصة حياتهما للحسيني وكاتب السيناريو جاك ثورن، ثم وثقتا بهما لنقلها بدقة وعناية. تقول مارديني: "عليك فقط الوثوق في الناس أحياناً، وهذا بالضبط ما فعلناه، لم نتدخل، ولم نقل لهما ’أوه، لا تكتبا القصة بتلك الطريقة، وعندما كنا نرى شيئاً لا يعجبنا، كنا نتحدث مع سالي فتوضح الأمر لنا‘".

تأمل مارديني والحسيني أن فيلم "السباحتان" لن ينشر الوعي بمحنة اللاجئين وحسب، بل سيضفي طابعاً إنسانياً على تجاربهم. تقول الحسيني: "من السهل أن تنخدع بالأرقام، إذ تسمع أرقاماً عن الناس واللاجئين طوال الوقت، ومن السهل أن تنسى أنهم بشر، وما تتقن السينما القيام به هو منح المشاهدين فرصة الإحساس بشعور شخص آخر، وبأن يخوضوا حرفياً الرحلة ذاتها".

اتخذ قرار إبداعي للغاية متعلق بعدسة الكاميرا المستخدمة في تصوير الفيلم، والسبب بحسب الحسيني هو "إخراج الفيلم قدر الإمكان من إطار الصور التي كنا نراها في الأخبار، فالهدف ليس التعاطف بل العاطفة، فقد اعتدنا أن نشعر بالتعاطف عندما نشاهد تلك الصور، لكن عندما تتعاطف مع شخص ما، فأنت مجرد مراقب تتابع شخصاً آخر، هناك مسافة بينكما، لكن مع العاطفة، التي آمل أن تصل من خلال الفيلم، فأنت تضع نفسك بالفعل مكان الشخص الآخر".

يمثل التفهم والثقافة جوهر فيلم ’السباحتان‘. توضح مارديني: "عندما يعاملك أحدهم بلطف من الممكن أن يتغير كل شيء... سأتذكر من عاملني بعطف لبقية حياتي. عموماً، نريد من الناس فعلاً أن يبدؤوا في مد يد العون للاجئين، وأن يدركوا أن هذا اللاجئ قد يكون أنت أو أنا أو أي شخص آخر. هكذا سنحدث فرقاً".

هذا التأثير مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، حيث تتصاعد المشاعر المعادية للاجئين والهجرة في بريطانيا عقب تقارير عن "معاملة لاإنسانية أو مهينة" في مركز مانستون للاجئين في منطقة كنت، وبعد تعليقات لوزيرة الداخلية سويلا بريفرمان تصف فيها اللاجئين الوافدين إلى المملكة المتحدة بأنهم "غزو"، الأمر الذي تجده الحسيني "مقززاً"، مضيفة: "نحتاج إلى نقاش معمق... من المخزي حقاً أن يصدر هذا الخطاب عن الحكومة. اللاجئون هم بشر مثلك ومثلي ببساطة... وأتساءل أين هي إنسانيتنا في هذا البلد".

تضيف مارديني أن "المملكة المتحدة شيدت على أكتاف اللاجئين ... هناك كثير من العائلات التي أتت إلى هنا وعملت ونجحت، وهذا وطنهم أيضاً. من المؤسف أن [بريفرمان] تتجاهل بشدة أن اللاجئين أناس عاديون. أنا لا أدعي أن كل اللاجئين جيدون ولكن هذا هو واقع الدنيا... هناك الجيدون وهناك السيئون، هناك من سينجحون وآخرون لا ينجحون، هذه هي الحياة... المملكة المتحدة بلد عظيم وبإمكانه استقبال كثير من اللاجئين ومساعدتهم في إعادة بناء حياتهم والاندماج، وأرى أن لديهم كثيراً ليقدموه إلى هذا المجتمع. أتمنى أن تلتقي سويلا بريفرمان مزيداً من اللاجئين لتتعرف عليهم، ولو قابلتها يوماً ما ربما سأغير وجهة نظرها".

يقدم فيلم "السباحتان" وجهات نظر مختلفة إزاء تصريحات بريفرمان. تقول الحسيني: "آمل أن تكون عقليات الناس أكثر انفتاحاً، وأن يدركوا عندما يسمعون خطاباً معيناً وجود جانب آخر للقصة، فالأمر ليس أسود وأبيض، هناك كثير من أطياف اللون الرمادي بينهما". وتلخص مارديني الموضوع بشكل جميل قائلة: "سيبكي المشاهدون كثيراً". ربما سيذكر الفيلم المشاهدين بأن أي شخص قد يصبح لاجئاً في أية لحظة. تتابع مارديني: "لم نختر أن نكون لاجئين، أصبحنا كذلك لأننا هربنا من الحرب والعنف، وحين غادرت، فكرت بعائلتي وأردتها أن تكون بأمان، وحينما سمحت لي أمي بالرحيل عبر البلدان والبحار، كانت تريد أن أكون أنا وأختي بخير وننشأ في بيئة سليمة".

عندما فرت مارديني من موطنها في دمشق فكرت في أولادها في المستقبل. تقول: "لا أريدهم أن يولدوا في بلد حيث لا أعلم إن كانوا سيعودون إلى المنزل أم لا، وأتمنى حقاً أن يفهم المشاهدون أن بإمكانهم تقديم العون فعلاً، وأن هذا الكوكب يتسع للجميع".

يعرض فيلم "السباحتان" على منصة "نتفليكس" حالياً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما