Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا تتهم الولايات المتحدة بالتربح من حرب أوكرانيا

أميركا تبيع الغاز للقارة العجوز لكن أسعاره ترهق اقتصاداتها

مارة يعبرون في الليل أحد ميادين كييف الرئيسة في 24 نوفمبر 2022 (أ ف ب)

أوردت صحيفة "بوليتيكو" على موقعها الإلكتروني أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يهاجمون الرئيس الأميركي جو بايدن لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار الغاز ومبيعات الأسلحة والتجارة، في وقت تهدد فيه حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا بتدمير الوحدة الغربية. ونقلت عن مسؤول أوروبي بارز، "تتمثل الحقيقة في أنه إذا نظرتم إلى الأمر بهدوء، فإن البلد الأكثر استفادة من هذه الحرب هو الولايات المتحدة لأنها تبيع مزيداً من الغاز وبأسعار أعلى، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأسلحة".

وأعرب رسميون أوروبيون في السر والعلن عن قلقهم من الغضب المتزايد في أوروبا حيال الدعم الذي تقدمه أميركا للغاز والطاقة في أراضيها، فيما ترتفع أسعارهما في القارة العجوز، "مما يهدد بتدمير الصناعة الأوروبية. ومن المرجح أن يرحب الكرملين بتسمم الأجواء بين الحلفاء الغربيين"، وفق الموقع الإلكتروني لـ"بوليتيكو".

واستطراداً، وصف مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي ذلك الوضع بأنه "منعطف تاريخي"، مضيفاً أن الضربة المزدوجة الناجمة عن تعطل التجارة بسبب ذلك الدعم الأميركي وارتفاع أسعار الطاقة، تخاطر بتأليب الرأي العام ضد المجهود الحربي والتحالف عبر المحيط الأطلسي. وبشكل كبير، تتأثر التجارة بين ضفتي الأطلسي لأن أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا، بسبب شراء الغاز من أميركا، تؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع الأوروبية، مما يضعف قدرتها على المنافسة. ووفق المسؤول الأوروبي نفسه، "على أميركا أن تدرك أن الرأي العام يتغير في عدد من دول الاتحاد الأوروبي".

وقد دعا جوزيب بوريل كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، واشنطن إلى الاستجابة للمخاوف الأوروبية. ونقلت "بوليتيكو" عنه عتابه على ذلك الوضع الذي يتسبب فيه الأميركيون "أصدقاؤنا"، ويؤثر اقتصادياً في أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الأسابيع الأخيرة تمثلت أكبر نقطة توتر بين ضفتي الأطلسي في الإعانات والضرائب الخضراء التي يطبقها بايدن، خصوصاً أن بلداناً أوروبية كثيرة عادت إلى الاعتماد على الفحم الحجري، مما يرفع تلك الضرائب عليها، بالتالي ترى بروكسل أن ذلك التصرف من بايدن يؤدي إلى ميل التجارة في شكل غير عادل بعيداً من الاتحاد الأوروبي، ويهدد بتدمير الصناعات الأوروبية. وعلى رغم الاعتراضات الرسمية من أوروبا، لم تظهر واشنطن حتى الآن أي علامة على التراجع.

وفي الوقت نفسه أضاف الموقع، "يدفع الاضطراب الناجم عن غزو بوتين أوكرانيا الاقتصادات الأوروبية إلى ركود مع ارتفاع معدلات التضخم ومعاناة إمدادات الطاقة ضغوطاً تهدد بانقطاع وتقنين للتيار الكهربائي خلال هذا الشتاء. وفي الوقت الذي تحاول فيه بلدان الاتحاد الأوروبي تقليل اعتمادها على الطاقة الروسية، فإنها تتحول إلى الغاز المستورد من الولايات المتحدة، بدلاً من ذلك. ولكن الثمن الذي يدفعه الأوروبيون مقابل الغاز الأميركي أعلى بأربعة أضعاف تقريباً مقارنة بثمنه في أميركا. ثم هنالك تلك الزيادة المحتملة في الطلب على المعدات العسكرية الأميركية الصنع مع معاناة الجيوش الأوروبية نواقص بعد إرسالها أسلحة إلى أوكرانيا".

وفي سياق متصل، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الأميركي ليس "ودياً". وكذلك دعا وزير الاقتصاد الألماني واشنطن إلى إظهار مزيد من "التضامن" والمساعدة في خفض كلف الطاقة. وأعرب وزراء ودبلوماسيون مقيمون في دول أوروبية أخرى عن إحباطهم من الطريقة التي تتجاهل بها حكومة بايدن ببساطة أثر سياساتها الاقتصادية المحلية على الحلفاء الأوروبيين. وخلال قمة "مجموعة العشرين" التي التأمت في بالي، الأسبوع الماضي، تواصل قادة الاتحاد الأوروبي مع بايدن في شأن ارتفاع أسعار الغاز الأميركية. وببساطة، بدا الرئيس الأميركي غير مدرك لأبعاد تلك المسألة، وفق ما نقله إلى "بوليتيكو" مسؤول أوروبي بارز. واتفق مسؤولون ودبلوماسيون آخرون في الاتحاد الأوروبي على أن الجهل الأميركي بالعواقب المترتبة على أوروبا يمثل مشكلة كبرى.

واستطراداً، تحدث إلى "بوليتيكو" ديفيد كليمان، الاختصاصي من "مركز بروغل للبحوث"، فأوضح أن "الأوروبيين محبطين بشكل واضح بسبب نقص المعلومات والمشاورات المسبقة". ولفت الموقع إلى أن المسؤولين على جانبي المحيط الأطلسي يدركون المخاطر التي قد يشكلها الجو المسمم في شكل متزايد على التحالف الغربي. ويعني ذلك أن المشاحنات تشكل بالضبط ما يتمناه بوتين، وفق ما يُجمع عليه دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي المقابل، لقد وضع النزاع المتزايد حول قانون بايدن للحد من التضخم، المكوّن من حزمة ضخمة من الضرائب والتدابير المناخية والرعاية الصحية، [وضع] المخاوف في شأن حرب تجارية عبر المحيط الأطلسي على رأس جدول الأعمال السياسي مرة أخرى. وكان من المقرر أن يناقش وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي ردهم، الجمعة الماضي، في وقت يضع فيه المسؤولون في بروكسل خططاً لإنشاء صندوق للدعم الطارئ في حال توسع الحرب، بغية إنقاذ الصناعات الأوروبية من الانهيار.

وفي ملمح مغاير، شدد مسؤول أميركي على أن تحديد أسعار الغاز للمشترين الأوروبيين يعبر عن قرارات تتعلق بآليات السوق، ولم يأت نتيجة لأي سياسة أو إجراء للحكومة الأميركية. وبحسب الموقع، اعتبر ذلك المسؤول الأمركي أن الشركات الأميركية شكلت مورداً موثوقاً وشفافاً للغاز الطبيعي بالنسبة إلى أوروبا.

ويضاف إلى ذلك أن حادثة وقعت في يونيو (حزيران) 2022 أجبرت منشأة رئيسة أميركية على الإغلاق. وأضاف المسؤول أن الفارق بين أسعار التصدير والاستيراد لا يذهب في معظم الحالات إلى مصدري الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، بل إلى الشركات التي تعيد بيع الغاز داخل الاتحاد الأوروبي. مثلاً، فإن أكبر جهة أوروبية حاملة لعقود الغاز الأميركية بعيدة الأجل هي شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية.

وفي مقلب معاكس، نقلت "بوليتيكو" عن مسؤولين أوروبيين، أن الحجج الأميركية الآنفة الذكر ليست جديدة، لكنها لا تقنع الأوروبيين على ما يبدو. "تبيع الولايات المتحدة لنا غازها بسعر مضاعف يساوي أربعة أضعاف [سعره في أميركا] عندما يعبر الغاز المحيط الأطلسي"، وفق ما نقل المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون إلى "التلفزيون الفرنسي"، الأربعاء الماضي. وأضاف، "بالطبع الأميركيون حلفاؤنا، لكن حينما يحدث خطأ ما، يكون من الضروري أيضاً بين الحلفاء أن يعبروا عنه".

وفي ملمح متصل نقلته "بوليتيكو"، فقد أصبحت الطاقة الأرخص ميزة تنافسية ضخمة للشركات الأميركية أيضاً، إذ باتت تلك الشركات تخطط لاستثمارات جديدة في الولايات المتحدة، أو حتى نقل أعمالها الحالية بعيداً عن أوروبا إلى المصانع الأميركية. ومثلاً، خلال الأسبوع الحالي، أعلنت شركة "سولفاي" الكيماوية المتعددة الجنسيات أنها ستختار الولايات المتحدة بدلاً من أوروبا كمركز لاستثمارات جديدة، في أحدث سلسلة من إعلانات مماثلة صدرت من شركات صناعية عملاقة في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من الخلافات حول الطاقة، بحسب "بوليتيكو"، أعلنت واشنطن عن خطة دعم صناعي بقيمة 369 مليار دولار بهدف مساندة الصناعات الخضراء. واتخذت الخطة شكل "قانون خفض التضخم" Inflation Reduction Act. وسرعان ما شعرت بروكسل بالذعر الكامل، "لقد غير قانون خفض معدل التضخم كل شيء"، وفق دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي الذي أضاف، "هل لا تزال واشنطن حليفتنا أم لا؟". بالنسبة إلى بايدن يعد التشريع إنجازاً تاريخياً على صعيد أزمة المناخ. واستطراداً، ذكر المسؤول الأميركي آنف الذكر، "سينمي القانون كعكة استثمارات الطاقة النظيفة، ولن يقسمها".

على الضفة الأخرى للأطلسي، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى "قانون خفض التضخم" بشكل مختلف. وبحسب مسؤول من وزارة الخارجية الفرنسية، فإن التشخيص واضح، ويتمثل في أن الدعم الأميركي المقدم وفق ذلك القانون المتعلق بالتضخم، ليس سوى "إعانات تمييزية من شأنها أن تشوه المنافسة". وقد ذهب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير هذا الأسبوع إلى حد اتهام الولايات المتحدة بالسير في طريق الانعزالية الاقتصادية التي تنتهجها الصين، وحض بروكسل على تكرار هذا النهج. ووفق كلمات لوميير، "يجب ألا تكون أوروبا آخر من يسلك الطريق".

وبحسب الموقع نفسه، ثمة غضب متصاعد وراء الكواليس حيال الأموال المتدفقة إلى قطاع الدفاع الأميركي. وحتى الآن، شكلت الولايات المتحدة أكبر مزود للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، إذ قدمت أكثر من 15.2 مليار دولار من الأسلحة والمعدات منذ بداية الحرب. وقدم الاتحاد الأوروبي حتى الآن نحو ثمانية مليارات يورو من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا، وفقاً لبوريل. وفي المقابل، أشار أحد كبار المسؤولين في عاصمة أوروبية إلى أن إعادة الامتلاء إلى مخازن بعض الأسلحة المتطورة قد تستغرق "سنوات" بسبب مشكلات في سلسلة الإمداد وإنتاج الرقائق الإلكترونية. وقد تغذت هذه المخاوف من أن صناعة الدفاع الأميركية يمكن أن تستفيد أكثر من الحرب.

وبالفعل، يعكف البنتاغون على وضع خريطة طريق لتسريع مبيعات الأسلحة، مع تزايد الضغط من الحلفاء للاستجابة إلى الطلبات المتزايدة على الأسلحة والمعدات. وقد سمعت "بوليتيكو" من دبلوماسي آخر في الاتحاد الأوروبي أن "الأموال التي يجنونها من الأسلحة" يمكن أن توصل الأميركيين إلى خلاصة مفادها أن القول بأن كسب "هذه الأموال كلها يأتي من الغاز" قد يكون "أكثر من اللازم بعض الشيء" [بمعنى أنه يمكن لأميركا أن تربح أيضاً من بيع الأسلحة إلى الأوروبيين]. وبالتالي شدد ذلك الدبلوماسي الأوروبي على أن خفض أسعار الغاز يمكن أن يساعد في"الحفاظ على توحيد آرائنا العامة"، والتفاوض مع بلدان ثالثة في شأن إمدادات الغاز. وأضاف الدبلوماسي نفسه، "ليس من الجيد، لجهة السمعة، إعطاء الانطباع بأن أفضل حليف لكم يحقق بالفعل أرباحاً ضخمة من مشكلاتكم".

المزيد من دوليات