Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارات وأرقام ومخاطر... ماذا يريد "النقد الدولي" من الجزائر؟

حذر من تداعيات ارتفاع التضخم والاعتماد الكبير على إيرادات المحروقات وزيادة الإنفاق العام

تنص المادة الرابعة من اتفاق تأسيس صندوق النقد على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء (وزارة المالية الجزائرية)

قال صندوق النقد الدولي إن وتيرة التضخم في الجزائر تتسارع كما هي الحال في عديد من البلدان الأخرى، مما يشكل "مصدر قلق كبير" بعد أن بلغ متوسطه على أساس سنوي نحو 9.4 في المئة في الأشهر الأخيرة، وهو مستوى لم يسجل على مدار 25 عاماً، على رغم بروز تحسن في نمو الاقتصاد مدفوعاً بانتعاش أسعار الطاقة.

وأصدرت بعثة الصندوق تقريراً في ختام مشاورات المادة الرابعة مع السلطات الجزائرية، بعد قيام فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو بالصندوق، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد.

وتنص المادة الرابعة من اتفاق تأسيس صندوق النقد على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء تتم في العادة على أساس سنوي. وبنى الصندوق تقريره على معطيات جمعها من قطاعات اقتصادية في الجزائر على غرار وزارة الصناعة ووزارة الطاقة والمناجم.

وقادت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجزائر جنيفييف فيرديي، الوفد الذي زار وزارة الصناعة واستمع إلى الإصلاحات الاقتصادية التي بادرت بها الجزائر أخيراً منذ مجيء الرئيس عبدالمجيد تبون.

وعرض وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار أمام وفد الصندوق الإصلاحات التي مست المنظومة القانونية للاستثمار وما تضمنته من استقرار وضمانات لتعزيز ثقة المستثمرين، والمزايا والتحفيزات للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، وكذا آليات مرافقة ودعم وتوجيه المستثمرين، وهو ما سيسهم في تعزيز مناخ الأعمال في الجزائر.

الوزير زغدار أشار أيضاً إلى الفروع الصناعية الاستراتيجية التي ترغب الجزائر في تطويرها، وعلى رأسها الصناعات الغذائية والمناولة الصناعية والصناعات الميكانيكية والصناعات الإلكترونية والكهربائية والنسيج والصناعات الكيماوية والصيدلانية.

كما قدم زغدار لمحة عن أداء القطاع الصناعي الحكومي بعد جائحة كورونا وتأثيراتها الاقتصادية السلبية، وكذا الإجراءات والتدابير المتخذة لمعالجة الاختلالات المسجلة في تسيير المؤسسات العمومية لضمان حوكمة أمثل لهذه المؤسسات.

الزيارة الثانية التي أجرتها بعثة صندوق النقد في الجزائر كانت إلى مقر وزارة الطاقة والمناجم، حيث استمعت إلى الوزير محمد عرقاب متحدثاً عن المحاور الرئيسة لبرنامج تطوير القطاع، وكذلك الأطر التنظيمية الجديدة التي تحكم أنشطة المحروقات والمناجم وجهود تنويع الاقتصاد الوطني من خلال تطوير البتروكيماويات وتحويل الموارد المعدنية وتطوير الطاقات الجديدة والمتجددة في الجزائر.

وفي حين تتوقع الجزائر نمواً في عوائد النفط والغاز، فإنها تواجه معضلة معقدة لتأمين الغذاء تتمثل في مشكلة التضخم نتيجة التهاب الأسواق العالمية في ظل الأزمة المستمرة في شرق أوروبا، مما ينذر باستهلاك دولارات النفط التي يجنيهاً البلد.

مخاطر ملحوظة

ترى بعثة النقد الدولي أن استمرار الاعتماد الكبير على إيرادات المحروقات، والزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المتوقع لعام 2023، يؤديان إلى مخاطر ملحوظة على المالية العامة وسط تقلب أسعار المواد الأولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت البعثة في تقريرها أن "ارتفاع أسعار المحروقات يساعد في تعزيز تعافي الاقتصاد الجزائري بعد صدمة جائحة كورونا، وقد أدت الإيرادات الاستثنائية للمحروقات إلى تخفيف الضغوط على الحساب الجاري لميزان المدفوعات والمالية العامة".

وأضافت "من المتوقع أن يسجل رصيد الحساب الجاري في 2022 أول فائض له منذ 2013"، مؤكدة ارتفاع الاحتياطيات الدولية إلى 53.5 مليار دولار أميركي بنهاية سبتمبر (أيلول)، مقارنة مع 46.7 مليار دولار في 2021".

وبلغت صادرات الجزائر من خارج قطاع المحروقات بنهاية سبتمبر الماضي خمسة مليارات دولار، وتتوقع السلطات بلوغها سبعة مليارات بنهاية العام، في رقم تاريخي غير مسبوق منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1962.

وتوقعت المؤسسة المالية الدولية أن يستمر تعافي اقتصاد الجزائر من صدمة جائحة كورونا، مع تسارع نمو إجمالي الناتج المحلي خارج المحروقات إلى 3.2 في المئة في 2022، مقارنة مع 2.1 في المئة في 2021.

ويعاني اقتصاد الجزائر تبعية مفرطة لإيرادات المحروقات (نفط وغاز) إذ تمثل نحو 90 في المئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي.

أرقام غير دقيقة

يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر حميد علوان أن تقرير صندوق النقد الدولي مبني على معطيات مالية فقط من دون الاعتماد على التحليل الاقتصادي الكلي الذي يحدد بدقة المؤشرات الحقيقية لاقتصاد البلاد.

ونفى علوان احتمال تضمن التقرير مجاملة للسلطات الجزائرية بإعطاء مؤشرات إيجابية عن اقتصاد البلاد، غير أنه أشار إلى أن تحسنه يرجع أساساً إلى مداخيل المحروقات بعد ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.

وقال إن الجزائر لا تزال دولة مستوردة للسلع والخدمات وهذه الأخيرة تحمل معها معدلات تضخم ينتقل إلى الجزائر، مشيراً إلى أن رقم 9.4 في المئة الذي قدمه صندوق النقد الدولي لا يعبر عن حقيقة التضخم في البلاد الذي يقدر بـ12 في المئة، مضيفاً أن المعدل العام للأسعار ارتفع بنسبة 200 في المئة في الفترة الأخيرة.

وذكر علوان أن "الاقتصاد الجزائري لا يزال غير منتج، كما أن عدد الاستثمارات المحلية والخارجية ليس في المستوى المطلوب".

وبخصوص ارتفاع صادرات الجزائر من خارج قطاع المحروقات، وصف المتحدث الأرقام التي قدمها صندوق النقد الدولي بـ"الإدارية"، مستدلاً بعدم وجود قائمة للمنتجات المصدرة خارج قطاع النفط، وحتى إن وجدت بعض المنتجات فسعر كلفتها لا يعبر عن قيمتها الحقيقية لأنها تستفيد من دعم الدولة.

حركية اقتصادية

يقول عضو لجنة المالية السابق بالبرلمان الجزائري هواري تيغرسي، إن "صندوق النقد الدولي استدرك الأرقام التي قدمها بخصوص النمو ورفعها من اثنين إلى أربعة في المئة، وهو شيء إيجابي للجزائر بالنظر إلى حجم الاستثمارات المسجلة في قطاع المحروقات التي توفر للبلاد مداخيل مالية مهمة".

وأوضح تيغرسي لـ"اندبندنت عربية" أن الجزائر تعرف حركية اقتصادية كبيرة بعد إصلاح المنظومة القانونية والاقتصادية وعلى رأسها قانون الاستثمار الجديد، مشيراً إلى وجود أكثر من 80 في المئة من الموارد في الجزائر غير مستغلة.

وبخصوص حجم التضخم في البلاد، أشار إلى أن "الدول الغربية خصوصاً الأوروبية منها بلغ فيها معدل التضخم أكثر من 10 في المئة خلال الأشهر الماضية، مما شكل مصدر قلق الأوروبيين وانعكس على القدرة الشرائية لهم".

وذكر أنه "بالنسبة إلى الجزائر هناك دعم كبير للمواد الاستهلاكية الأساسية والطاقوية للمواطن بلغ عشرات المليارات من الدينارات في قانون الموازنة لعام 2023".

وأفاد بأن "هناك تنبؤات باستقرار مداخيل البلاد من المحروقات إلى غاية 2024، بعد تسجيل استكشافات نفطية جديدة في جنوب البلاد".

وأوضح أن "الجزائر تعمل على بناء نموذج اقتصادي خارج قطاع المحروقات بالاستثمار في قطاعات منتجة على غرار المناجم والصناعات التحويلية والقطاع الفلاحي".