Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشعل الحرب في أوكرانيا تهافتا على التسلح النووي؟

لماذا قد يعزز الغزو الروسي منع انتشار هذه الأسلحة الفتاكة؟

إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات في ميرني، روسيا، أكتوبر 2022 (رويترز)

أطلق الغزو الروسي لأوكرانيا العنان لموجة من القلق بشأن النظام النووي في العالم. ويمكن تفهم هذه المخاوف. فهنالك دولة مسلحة نووياً تقوم باجتياح جارتها التي لا تملك هذا السلاح محاولة احتلالها ومهددة باستخدام الأسلحة النووية للفوز إذا تطلب الأمر. وما زاد الأمر سوءاً، هو أن تلك الجارة، أوكرانيا، وافقت على عدم التحول إلى دولة مسلحة نووياً، وتخلت عن الترسانة التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب الباردة في مقابل ضمانات أمنية من روسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً لعدد من المحللين، فإن انتهاك روسيا الصارخ لهذه الضمانات وتهديداتها باستخدام الأسلحة النووية لردع التدخل الخارجي في أوكرانيا، يرسل إشارة قوية إلى الدول غير النووية: احصلي على أسلحة نووية بأسرع ما يمكن، لكي لا تصبحي أوكرانيا التالية. وكما يرى مايكل أوهانلون وبروس ريدل من معهد بروكينغز، إذا لم تساعد واشنطن أوكرانيا في الدفاع عن نفسها وضمان الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، قد يتبين في نهاية المطاف أن توقعات الرئيس الأميركي السابق جون إف كينيدي بأن العالم يمكن أن يرى ما يصل إلى 25 دولة مسلحة نووياً "قد تكون سابقة لأوانها، ولكن ليست خاطئة". وهذه المخاوف لا تساور الخبراء غير الحكوميين فحسب. ففي اجتماع للأطراف الموقعين على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في أغسطس (آب) الماضي، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إن غزو روسيا لأوكرانيا أرسل "أسوأ رسالة ممكنة" إلى أية دولة تفكر في امتلاك الأسلحة النووية من أجل أمنها.

ولكن على رغم أن الحرب الروسية خلقت أخطاراً نووية، إلا أن خطر إطلاقها لموجة سعي نحو الحصول على سلاح نووي أقل مما يعتقده كثيرون. هناك أسباب وجيهة للخوف من انتشار الأسلحة النووية والتقنيات ذات الصلة، بخاصة بين حلفاء واشنطن وشركائها. في الواقع، بدأ بعضهم في التشكيك في صدقية الالتزامات الأمنية الأميركية على سبيل المثال، كما تضاءلت قدرة الولايات المتحدة على ثني هذه الدول عن السعي لامتلاك أسلحة نووية من خلال تقديم (أو رفض تقديم) المساعدة في مجال الطاقة النووية المستعملة لأغراض سلمية، فيما أصبحت روسيا والصين أكثر قدرة على المنافسة في تقديم هذه التكنولوجيا. أخيراً، أدت العلاقات المتوترة بين القوى العظمى إلى جعل التعاون في مجال منع انتشار الأسلحة النووية أكثر صعوبة. لكن هذه التحديات موجودة قبل وقوع الأزمة في أوكرانيا. ولكن عوضاً عن جعل تلك التحديات أسوأ، قد تقدم الحرب فعلياً للولايات المتحدة فرصة لوقف بعض الاتجاهات السائدة الأكثر إثارة للقلق في مجال الانتشار النووي، أو على الأقل تخفيفها.

بالرغم من تخلي كل من عراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي عن طموحاتهما في التسلح النووي إلا أنه تمت الإطاحة بهما لاحقاً

 

في أغلب الأحوال، يريد حلفاء واشنطن غير النوويين البقاء تحت المظلة النووية الأميركية، حتى لو اتبع بعضهم ما يسمى باستراتيجيات التحوط التي تتضمن تطوير قدرات نووية سلمية يمكن استخدامها يوماً ما لأغراض عسكرية. واستطراداً، أدى الغزو الروسي إلى زيادة الطلب على الشراكات الأمنية مع الولايات المتحدة وجعل بعض الدول حذرة من المساعدة النووية ذات الأغراض السلمية التي تقدمها روسيا، مما أعطى واشنطن مزيداً من النفوذ. لن تكون الاستفادة من هذه اللحظة سهلة، وستتطلب التزاماً حكومياً قوياً بتنشيط الصادرات الأميركية النووية لأغراض سلمية. ولكن إذا تم التعامل مع الأزمة بشكل صحيح، فقد ينتهي الأمر بتعزيز جهود الولايات المتحدة الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية عوضاً عن إشعال موجة من التسلح النووي في مجموعة جديدة من الدول.

الأمل الأخير والأسوأ

هناك أربعة أسباب للشك في أن الحرب الروسية في أوكرانيا ستؤدي إلى زيادة انتشار الأسلحة النووية.

أولاً، على رغم أن التهديدات النووية الروسية كانت صريحة بشكل غير عادي، فهذه ليست المرة الأولى التي توجه فيها قوة نووية تهديداً إلى دولة ضعيفة نسبياً. خلال الحرب الباردة، كانت ألمانيا الغربية تخشى الغزو السوفياتي، فيما توجست تايوان من هجوم الصين الشيوعية. فكرت كلتا القوتين غير النوويتين في الحصول على رادع خاص بهما، لكنهما عزفتا في النهاية عن بذل جهود في هذا الخصوص. كما أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها دولة هجوماً وجودياً بعد تخليها عن برنامج أسلحتها النووية. في ذلك السياق، بالرغم من تخلي كل من عراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي عن طموحاتهما في التسلح النووي إلا أنه تمت الإطاحة بهما لاحقاً بعد حصول عمليات عسكرية غربية. ولا يوجد دليل على أن أي من التجربتين قد دفع البلدان الأخرى إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية.

ثانياً، يدلل التاريخ بأن الحصول على القنبلة هو أمر يسهل قوله أكثر من فعله. لقد بذلت واشنطن جهوداً كبيرة من أجل منع ألمانيا الغربية وتايوان ودول أخرى من امتلاك أسلحة نووية، من خلال استخدام مزيج من الضمانات والتهديدات بالنبذ إذا استمرت في المسار النووي. وبطريقة موازية، وجدت دول الشرق الأوسط صعوبة مماثلة في الحصول على أسلحة نووية. لقد تمت عرقلة برامج العراق وسوريا بسبب الهجمات الإسرائيلية والأميركية، في حين عانت إيران ثلاثة عقود من العقوبات والتخريب خلال تقدمها نحو عتبة التسلح نووياً. باختصار، الطريق نحو امتلاك الأسلحة النووية مليء بالعقبات والأخطار. على رغم أنه على واشنطن العمل جاهدة من أجل إبقاء هذه الحواجز في مكانها، إلا أن الدول لا يمكنها ببساطة التلويح بعصا سحرية والحصول على أسلحة نووية. ومن غير المرجح أن يتغير هذا بعد الحرب في أوكرانيا.

ثالثاً، إن الدول التي تتمتع بحماية الحلفاء هي أقل عرضة من أوكرانيا للعدوان الخارجي، بالتالي فهي أقل عرضة للشعور بأنها مضطرة إلى السعي وراء رادع نووي. خلافاً لأوكرانيا، كثير من البلدان التي تقع في مرمى النيران المحتمل لمعتد مسلح نووياً تعتبر تحت حماية المظلة النووية الأميركية، على غرار أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ومعظم الدول الأوروبية، أو لديها علاقات أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة، على غرار تايوان وعدة دول خليجية. والدعم الأميركي يجعل هذه البلدان أهدافاً أقل إغراء للعدوان مقارنة مع أوكرانيا، ليس من قبيل الصدفة أن روسيا امتنعت عمداً عن مهاجمة أعضاء حلف الناتو، على رغم دعمهم الكبير للجهود الحربية الأوكرانية. في الحقيقة، توفر الولايات المتحدة هذه الحماية جزئياً حتى لا يحتاج حلفاؤها وشركاؤها إلى أسلحة نووية خاصة بهم. بيد أن ضمانات من هذا النوع لا تكفل أن حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها لن يقرروا يوماً ما تطوير أسلحة نووية، لكنها تعني أن بناء ترساناتهم الخاصة سيكون الخيار الأخير وليس الملاذ الأول، كما أنها تعني أن الولايات المتحدة ستتاح لها فرصة محاولة إقناع هذه الدول بعدم السير في المسار النووي.

أخيراً، على رغم أن انتهاك روسيا للضمانات الأمنية التي كانت قد قدمتها لأوكرانيا، وتهديداتها باستخدام الأسلحة النووية قد قوضت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الضعيفة أصلاً، فمن غير المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى انسحاب جماعي من الاتفاق. في الواقع، لا ترى معظم الدول قيمة تذكر في الخروج من المعاهدة وإنتاج أسلحة نووية خاصة بها، ويعود ذلك جزئياً للأسباب الموضحة أعلاه. أما تلك التي قد تميل إلى القيام بذلك، فما قد يحركها على الأرجح هو اعتبارات الأمن القومي، وليس الإحباط من أن الدول المسلحة نووياً تسيء استخدام امتيازاتها وتتجاهل التزاماتها بعدم الانتشار النووي.

على شفا التحوط

لا شيء من هذا يعني أن على واشنطن إعلان النصر عندما يتعلق الأمر بمنع انتشار الأسلحة النووية. إذ إن سعي حلفاء الولايات المتحدة وشركائها للحصول على أسلحة نووية يشكل خطراً حقيقياً. لكن هذا الخطر بدأ قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو إلى حد كبير نتيجة المخاوف المتزايدة بشأن صدقية الولايات المتحدة وسط صعود خصوم أقوياء ذوي نزعات انتقامية، وكذلك تباين وجهات النظر بين واشنطن وحلفائها، وتنامي القلق من الضغوط المناهضة للتحالفات في السياسة الأميركية.

وعلى رغم ذلك، فإن الاستعجال في الحصول على أسلحة نووية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا سيحمل أخطار كبيرة، ومن المحتمل أن يستفز الخصوم، ويفرض عقوبات اقتصادية، ويدفع واشنطن إلى سحب ضماناتها الأمنية. نتيجة لذلك، من المرجح أن يسعى حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى خيار الأسلحة النووية، وهي استراتيجية تعرف باسم "التحوط". في الواقع، تقوم الدول التي تعتمد هذه الاستراتجية بتطوير القدرة على بناء قنبلة نووية لأغراض سلمية ظاهرياً، مثل تزويد محطات الطاقة النووية بالوقود أو إدارة النفايات المشعة. في بعض الأحيان، تطور أيضاً صواريخ غير نووية أو قدرات إطلاق صواريخ إلى الفضاء يمكن تعديلها لاحقاً لتصبح أنظمة إيصال نووية. والجدير بالذكر أن استثمارات من هذا النوع تضمن بوليصة تأمين للدولة ضد عدوان الخصوم أو ضد تخلي الحلفاء عنها، إذ يمكن استخدام جزء كبير من التكنولوجيا نفسها لبناء أسلحة نووية في وقت لاحق عند حدوث أي تدهور في البيئة الأمنية.

ويبدو أن بعض البلدان سبق وأن بدأت باتباع هذه الاستراتيجية. في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، يدعم أكثر من 70 في المئة من الشعب، إلى جانب عدد متزايد من خبراء الأمن القومي، فكرة تطوير سلاح نووي محلي. في المفاوضات مع واشنطن، سعت سيول منذ فترة طويلة لاكتساب القدرة على تخصيب الوقود النووي وإعادة معالجته. وفي العام الماضي، ألغت كوريا الجنوبية أيضاً القيود المفروضة على برنامجها الصاروخي التقليدي، مما سمح لها بتطوير صواريخ أكثر تطوراً وأطول مدى لمواجهة كوريا الشمالية وربما الصين. وبطريقة موازية، سعت سيول أيضاً إلى تكامل أكبر مع التخطيط النووي الأميركي، لا بل طالبت حتى بإعادة الأسلحة النووية الأميركية إلى شبه الجزيرة [الكورية].

يشير التاريخ إلى أن الحصول على القنبلة هو أمر يسهل قوله أكثر من فعله

 

كذلك، فالسعودية أيضاً أخذت الحيطة والحذر، ورفضت التخلي عن التخصيب أو إعادة المعالجة، وحافظت على ترتيب عفا عليه الزمن مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يحد من وصول المفتشين الدوليين إلى المنشآت النووية. فضلاً عن ذلك، هددت علناً بصنع أسلحة نووية إذا فعلت إيران الشيء نفسه، ووفقاً لتقارير صادرة عن "سي أن أن" وغيرها من وكالات الأنباء، فهي تعمل على تعزيز قدراتها الصاروخية بمساعدة صينية. وعلى رغم أن الولايات المتحدة لا تزال الشريك الدفاعي الأقرب للسعودية، إلا أن العلاقة بينهما يشوبها التوتر وقد سعت الرياض إلى إنشاء علاقات أعمق مع موسكو والصين.

وإضافة إلى خيار تطوير قنبلة، فإن التحوط النووي يمنح حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها نفوذاً على واشنطن، فالتباهي بالقدرة على الانسحاب من التحالف بترسانة نووية مستقلة هو وسيلة فعالة لتعزيز الالتزامات الأمنية من الولايات المتحدة. ولكن على رغم أن هذه الديناميكية قد تجبر واشنطن على تحمل مزيد من المسؤوليات الدفاعية أو تجهيز حلفائها بشكل أفضل، إلا أنها قد تخلق أيضاً فرصة لتعزيز منع الانتشار النووي، إذ إنه في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، من المحتمل أن يسعى حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها إلى حماية أميركية أكبر عوضاً عن التوق للحصول على الأسلحة النووية.

إذا، يجب على واشنطن أن تستفيد من هذه الرغبة في الحصول على ضمانات مطمئنة لإدارة أخطار الانتشار النووي. في ذلك السياق، لن تسعى جميع الدول إلى نوع الحماية نفسه، وسيتعين على الولايات المتحدة أن تدرس بعناية ما هي مستعدة لتقديمه وأين. بالنسبة إلى دول مثل كوريا الجنوبية، قد يكون هناك مجال لمزيد من التخطيط العسكري المتكامل ومناقشة أكثر تفصيلاً حول دور الأسلحة النووية في الدفاع. في منحى مقابل، بالنسبة إلى دول مثل السعودية، حيث قد لا يكون تعزيز أساليب الردع النووي مجدياً من الناحية السياسية، ستحتاج واشنطن إلى بذل جهود أكبر من أجل مساعدة الحكومة هناك على تطوير قدرتها في الدفاع ضد التهديدات الإقليمية، كالصواريخ والطائرات من دون طيار الإيرانية. وتعد خطط البنتاغون الهادفة إلى إقامة منشأة في السعودية لتطوير واختبار القدرات المتكاملة المضادة للطائرات من دون طيار، خطوة في الاتجاه الصحيح. كما أن زيادة التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والدفاع والطاقة ستؤتي ثمارها.

واستطراداً، فإن ما يسمى بشراكة أوكوس AUKUS بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة يقدم مثالاً آخر على كيفية قيام واشنطن بتقوية التحالفات، وتعزيز القدرات التقليدية للحلفاء، وفي معرض ذلك، إرساء سابقة إيجابية لمنع الانتشار النووي. خلاصة القول هي أن الطلب المتزايد على الدعم الأمني ​​الأميركي يمنح واشنطن مزيداً من النفوذ لربط قيود منع الانتشار النووي بأي ضمانات تقدمها.

المساعدة في مجالات الطاقة الذرية

إن خلق حوافز لمنع انتشار الأسلحة النووية من خلال الضمانات الأمنية أمر صعب، والأخطار الناجمة عن التقيد بالتزامات أو كسر التزامات تمليها التحالفات، هي أخطار كبيرة بشكل لا يصدق. لحسن الحظ، يمكن للولايات المتحدة أن تعزز هذا النهج من خلال استخدام نهج آخر أصبح أكثر جاذبية في أعقاب الحرب في أوكرانيا: المساعدة النووية لأغراض سلمية. خلال الحرب الباردة، ساعدت الولايات المتحدة الدول في إنشاء برامج نووية غير عسكرية من أجل تقوية التحالفات، ومغازلة شركاء جدد، وكسب النفوذ. كانت هذه المساعدة أداة مهمة لتعزيز منع الانتشار، إذ منحت واشنطن القدرة على وضع قيود على البرامج النووية السلمية داخل الدول الشريكة، ضامنة عدم استخدام التكنولوجيا في صنع أسلحة نووية. وإذا ما بدأ أحد الحلفاء بتطوير برامج للأسلحة سراً، كان بإمكان المسؤولين الأميركيين التهديد بوقف تلك المساعدة النووية ذات الأغراض السلمية رداً على ذلك.

وعلى رغم ذلك، تنازلت الولايات المتحدة في نهاية المطاف عن السوق النووية لروسيا والصين. في الحقيقة، 19 من أصل 33 محطة طاقة نووية تجارية تم تصديرها في جميع أنحاء العالم بين عامي 2000 و2020 جاءت من هذين المنافسين الاستبداديين. نتيجة لذلك، لم يتضاءل نفوذ الولايات المتحدة فحسب، بل ربما زادت أخطار الانتشار النووي. غالباً ما تكون الضوابط التي تفرضها روسيا والصين على مشاريع الطاقة النووية الأجنبية أكثر مرونة من تلك المفروضة بموجب اتفاقات التعاون النووي الأميركية.

في كثير من الأحيان، تقدم موسكو وبكين لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها حزم مساعدة ذرية قيمة، وذلك جزئياً لإضعاف تحالفهم مع واشنطن. في ذلك الإطار، قدمت كلتا القوتين عطاءات [مناقصات] لبناء محطات طاقة نووية في السعودية، على سبيل المثال، مما وضعهما في منافسة مباشرة مع عروض عطاءات قدمتها الولايات المتحدة ودول أخرى. إذا استمرت واشنطن وموسكو وبكين في التنافس على الهيمنة على الصادرات النووية ذات الأغراض السلمية، يمكن للدول الذكية أن تستغل هذه المنافسة من أجل بناء برامج للطاقة النووية في ظل اتفاقات إمداد سخية وربما متساهلة.

إذن، لقد خلق الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة لواشنطن لكي تقوض الهيمنة الروسية على السوق النووية. وفي الواقع، أصبحت موسكو مثالاً يمثل إدارة نووية سلمية غير مسؤولة عندما قصفت قواتها محطة للطاقة النووية في زابوريجيا الأوكرانية ثم احتلتها بوحشية. والجدير بالذكر أن أخطار الاعتماد على روسيا من أجل الحصول على الطاقة دفعت بعض الدول إلى طرح المشاريع النووية لأغراض سلمية مرة أخرى على الطاولة. ألمانيا، على سبيل المثال، أجلت خطتها للتخلص التدريجي من الطاقة النووية، فأبقت عدداً من محطات الطاقة النووية قيد التشغيل بعد أن كان من المقرر إيقافها. في المقابل، درست حكومات أخرى بناء محطات طاقة نووية جديدة لتعزيز أمن الطاقة بعد أن فقدت الوصول إلى الغاز الروسي.

وكانت واشنطن سريعة في اغتنام هذه الفرص، فضخت موارد إضافية في الجهود الرامية إلى دعم إنتاج الوقود النووي، وتطوير المفاعلات المتقدمة، وتعزيز القدرة التنافسية للتصدير، وعلى الأخص من خلال تقديم منح من الوكالة الأميركية للتجارة والتنمية إلى الشركات الأميركية التي تطور برامج الطاقة النووية خارج البلاد.

وفي الواقع، كانت النتائج الأولية واعدة. في الأشهر الستة الماضية فحسب، أعلنت رومانيا اتفاقاً مبدئياً لشركة "نوسكايل باور" NuScale Power ومقرها أوريغون، لبناء نوع جديد من محطات الطاقة النووية، فيما وقعت السويد صفقة مع شركة "ويستنغهاوس" Westinghouse ومقرها بيتسبرغ، والشركة الفرنسية "فراماتوم" Framatome لتحل مكان عقود إمدادات الوقود النووي الروسية. في منحى مقابل، استخدمت أوكرانيا شركة "ويستنغهاوس" للمساعدة في إنهاء اعتمادها على الوقود النووي الروسي، واختارت بولندا "ويستنغهاوس" لتطوير أول محطة للطاقة النووية في البلاد. في غضون ذلك، انسحبت فنلندا من صفقة مع شركة "روساتوم" الروسية المملوكة للدولة لبناء محطات طاقة نووية. بعبارة أخرى، وضعت الحرب الروسية على أوكرانيا الولايات المتحدة في الوضع الأمثل الذي يخولها تزويد التكنولوجيا النووية ذات الأغراض السلمية حول العالم، وبخاصة في الغرب.

سيعتمد نجاح واشنطن أو فشلها في تنشيط صادراتها النووية ذات الأهداف السلمية على مدى استعدادها للاستمرار في توفير دعم قوي للشركات النووية الأميركية في مواجهة المنافسة الشديدة من الشركات الروسية والصينية التابعة للدولة. تظل بعض الدول، بما في ذلك أعضاء حلف الناتو على غرار تركيا والمجر، مدينة بالفضل لروسيا بسبب العقود أو الاستثمارات النووية، هذه الدول لا تريد أن تبقى في انتظار محطات للطاقة النووية لم ينته بناؤها بعد. تواجه روسيا أيضاً ضغوطاً أكبر للتنافس على النفوذ عبر الصادرات النووية ذات الأغراض السلمية، نظراً إلى أن هذا المجال هو إحدى ميزاتها التفاضلية القليلة. قد تكون التكاليف السياسية والمادية للاكتتاب في مشاريع الطاقة النووية مرعبة، لكن المكاسب تعد بأن تكون كبيرة. من خلال استعادة قدرتها على إمداد الحلفاء والشركاء بالتكنولوجيا النووية السلمية، يمكن لواشنطن الحصول على وسيلة فعالة تمكنها من أن تصبح قوة مقابلة لموسكو وبكين، فيما تعزز في الوقت نفسه الجهود العالمية الرامية إلى منع الانتشار النووي.

أعادت الولايات المتحدة تحديث استراتيجياتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لتتماشى مع الهدف الشامل المتمثل في التنافس مع الصين وروسيا. وقد حان الوقت لواشنطن للقيام بالشيء نفسه بالنسبة إلى استراتيجيتها الهادفة إلى منع انتشار الأسلحة النووية. يمكن أن تسوء الحرب في أوكرانيا بشكل كارثي من نواحٍ متعددة، بما في ذلك الاستخدام النووي، لكنها أوجدت أيضاً فرصة لمنع الانتشار النووي. ويجب ألا تفوت واشنطن هذه الفرصة.

 

*إريك بروير هو المدير المسؤول في مبادرة التهديد النووي، وقد عمل في مجلس الأمن القومي ومجلس الاستخبارات الوطني.

**نيكولاس ل. ميلر أستاذ مساعد في الدراسات الحكومية بكلية دارتموث ومؤلف كتاب "إيقاف القنبلة: مصادر وفعالية سياسة الولايات المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية".

 ***تريستان فولب أستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا البحرية، وزميل غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومؤلف كتاب "الاستفادة من الكمون النووي [القدرة على صنع سلاح نووي]: كيف يستخدم الضعيف التكنولوجيا النووية لإكراه القوي".

 

عن "فورين أفيرز" 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022

المزيد من آراء