أعلنت بعض الحركات المسلحة في السودان، رفضها الاتفاق الذي توصل إليه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتباينت أسباب رفضها له. وشكل رفض بعض الحركات الاتفاق تساؤلات عدة، إذ تدخل بعضها ضمن كتل سياسية موقعة على إعلان الحرية والتغيير وجزء من هياكل تحالفاته، وتعد "حركة تحرير السودان" التي يقودها مني أركو مناوي، أحد مكونات تحالف نداء السودان، وهو أحد ممثلي قوى إعلان التغيير والحرية.
مبررات رفض الاتفاق
وقال مناوي، إن الاتفاق لا يعبر عن قضايا الوطن، ولا يقدر تضحياته. وفي بيان تلى إعلان الاتفاق أوضح رئيس الحركة أن "أي اتفاق لم يؤسس على أرضية السلام يعتبر امتداداً لنظام الرئيس المعزول عمر البشير". وأعتبر مناوي أن الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية المحددة في الاتفاق لقضايا السلام جاءت بشكل انتقائي وانتهازي، ولا تخدم بناء السودان الذي عانى من أزمات حادة ومتشعبة. ودعا إلى الوصول لاتفاق ينهي الحرب ويزيل آثارها من خلال عودة اللاجئين والنازحين.
فيما قالت "حركة وجيش تحرير السودان"، التي يتزعمها عبد الواحد محمد نور، إن "الاتفاق خيانة للثورة ودماء الشهداء.
واتهمت الحركة قوى إعلان الحرية والتغيير، في بيان صادر عنها تعليقاً على الاتفاق، بأنها "أعطت المجلس العسكري شرعية زائفة بل اعتبرته جزءاً من الثورة على الرغم من أن جنرالاته مجرمو حرب وارتكبوا الفظائع ضد المدنيين الأبرياء في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، وغيرها من مناطق السودان ويجب أن يقدموا للمحاكمات وليس تقديمهم كقادة للسودان".
وقالت الحركة إن "قوى إعلان الحرية والتغيير" بتوقيعها على الاتفاق وضعت نفسها في مرتبة واحدة مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير بنسخته الثانية، وأضحت شريكاً له في كل الجرائم التي وقعت بحق السودانيين الأبرياء.
تهديد للاستقرار
ويعتبر المحلل السياسي حسن قسم السيد أن تلك الحركات "تعتبر قنبلة موقوتة مهددة للاستقرار السياسي خلال الفترة الانتقالية، ويجب التعاطي مع مواقفها الرافضة بجدية".
ويعتبر قسم السيد أن "بعض الحركات تمارس الابتزاز السياسي، خصوصاً حركة تحرير السودان التي كانت جزءاً من تحالف سياسي مكون للحرية والتغيير، وشريكاً في صناعة قراره وتعلم كافة التفاصيل التي أدت إلى التوصل إلى ذلك الاتفاق، بالتالي فإن رفضها له بلا مبرر منطقي، ويمكننا استعادة التصريحات التي أدلى بها قائد الحركة ومطالبته بما نسبته 35 في المئة من هياكل السلطة الانتقالية، وذلك مطلب غير منطقي في ظل حكومة انتقالية لا مهمات لها سوى تحقيق الاستقرار السياسي وتصفية دولة الحزب الواحد تمهيداً لنظام ديمقراطي".
ويشهد إقليم دارفور غرب السودان منذ عام 2003، نزاعاً مسلحاً بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وتقاتل الحكومة في ذلك الإقليم حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. فيما يقاتل فصيل الحركة الشعبية شمال منذ عام 2011، الحكومة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
العدل والمساوة باقية ضمن "الحرية والتغيير"
وتحدثت تقارير إعلامية محلية عن انسحاب حركة العدل والمساواة التي يتزعمها خليل إبراهيم، من قوى الحرية والتغيير، بحجة أن الاتفاق الأخير لا يعبر عن تطلعات الفصائل التي تولت عملية الكفاح المسلح ضد النظام السابق، بيد أن رئيس الحركة نفى تلك التقارير، التي تحدثت عن انسحابهم من قوى "الحرية". وأوضح إبراهيم في تصريحات صحافية أن "الخبر غير دقيق ولم تقرره الأجهزة التنظيمية في نداء السودان أو قوى الحرية والتغيير في الوقت الحالي على الرغم من أنها ناقشت هذا الخيار".
وأعلن نائب رئيس الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، ياسر عرمان، الأحد 7 يوليو (تموز)، العودة إلى البلاد عقب تشكيل الحكومة الانتقالية وعدم القبول بتجريد عدد من أعضاء الحركة حقوقهم في المواطنة الدستورية والقانونية، تنفيذاً لحكم إعدام سياسي باطل ومُعيب.
وأبعد المجلس العسكري الانتقالي عرمان عن السودان في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي إلى عاصمة دولة جنوب السودان جوبا، بعد اعتقاله من قبل السلطات المحلية، لكن رئيس العسكري الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، قال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية ودولية إن "عرمان أبعد إلى جوبا بطلب منه وليس إجراءً قصرياً فرض عليه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد عرمان في بيان له على أن قضية اعتقاله وإبعاده من الخرطوم، تعد انتهاكاً للقانون والحقوق الدستورية ومطروحة على طاولة حكومة الحرية والتغيير. وتابع "لا توجد استراتيجية واضحة لقوى الكفاح المسلح، فهي متباينة الرؤى، ولم تلتقط المبادرة لطرح قضاياها بشكل موحد في مناخ الثورة الذي يتيح أكثر من فرصة".
وزاد "في ظل هذا الوضع نحتاج إلى تغليب الاستراتيجي على التكتيكي، وهذا يستدعي وحدة قوى التغيير والثورة، بدءاً من قوى الكفاح المسلح وعلى رأسها الجبهة الثورية ووحدة قوى نداء السودان وقوى الإجماع الوطني ووحدة قوى الحرية والتغيير بجميع مكوناتها وفي مقدمها تجمع المهنيين".
اتصالات مع المسلحين
وأعلنت قوى الحرية والتغيير، الاثنين، اتصالها بحركتين مسلحتين لإقناعهما بأن تكونا جزءاً من الاتفاق مع المجلس العسكري، للوصول إلى سلام في مناطق النزاعات. وفي تصريحات صحافية قالت عضو وفد التفاوض في قوى الحرية ميرفت حمد النيل، إنهم "بدأوا اتصالات مباشرة مع رئيس الحركة الشعبية/ شمال عبد العزيز الحلو، ورئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد نور، بهدف التوصل إلى صيغة رسمية حتى يكونا جزءاً من الاتفاق بينهم وبين المجلس العسكري.
وأكدت حمد النيل أن الحرية والتغيير "ترغب في أن يكون قادة الحركات المسلحة، راضين عن الاتفاق والاستفادة منه في تحقيق السلام"، خصوصاً أن القائدين العسكريين المعارضين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد أحمد نور لم يوقعا على إعلان قوى الحرية والتغيير، مثلما وقعت حركة العدل والمساواة، بقيادة إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة مناوي، على ذلك الإعلان ضمن كتلة تحالف نداء السودان.
وفود إلى أديس أبابا
وقال مصدر في قيادة قوى إعلان قوى الحرية والتغيير لـ"اندبندنت عربية"، إن وفداً منها توجه مساء الاثنين إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لعرض الاتفاق الأخير على قادة حركات مسلحة وللسماع إلى آرائهم وإقناعهم بضرورة الالتحاق به".
وقال القيادي في قوى التغيير خالد عمر يوسف، إن "الترشيحات التي ستُقدم للمناصب التنفيذية والبرلمانية سيتم عرضها لقادة الفصائل المسلحة لسماع آرائهم في شأنها". وأكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "نسبة 67 في المئة من مقاعد البرلمان ستراعي التنوع الإثني والجغرافي، كما أن نسبة 33 في المئة من بقية مقاعده ستكون لمرشحي تلك الفصائل المسلحة".
وأضاف "سنعمل على تحقيق أكبر قدر من التوافق بيننا وبينهم وسنشركهم في جميع عمليات اتخاذ القرار كي نحظى باستقرار سياسي يسهم في تحقيق عملية بناء مؤسسات الدولة المختلفة وتحقيق الرفاه الاقتصادي".