Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تعلن الحرب على التهرب الضريبي وعينها على 4 مليارات دولار

مشروع قانون جديد لتشجيع الانخراط في الاقتصاد المنظم وتحقيق العدالة الجبائية

التهرب الضريبي في تونس يمثل مبدئياً نحو 50 في المئة من قيمة الموارد (رئاسة الحكومة التونسية)

من المنتظر أن يكون 2023 عام الحرب على التهرب الضريبي في تونس، بعد أن نخر موازناتها وتسبب في أضرار فادحة للمالية العمومية، مما جعل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 تلجأ إلى الاقتراض الخارجي لتعبئة موارد مالية وتمويل الموازنات.

ويقترح مشروع قانون المالية المنتظر إقراره العام المقبل حزمة من الإجراءات والتدابير الجديدة يعتبرها المتخصصون منعرجاً حقيقياً ومفصلياً في تلك الحرب، بخاصة أن هناك هامشاً كبيراً لتونس لتحصيل الضرائب الهاربة من المنظومة القانونية بالتواءات متعددة ومختلفة.

وبالتوازي مع إقرار ضريبة على "ثروة الممتلكات العقارية"، يقترح المشروع الذي اطلعت "اندبندنت عربية" على مجمل تفاصيله ومحاوره، جملة من القرارات لوقف إهدار عائدات مالية سنوية لا تستطيع مصالح الضريبة في تونس تحصيلها أو حتى جمعها.

وتقدر تقارير رسمية أن تونس تخسر سنوياً نحو 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) جراء التهرب الضريبي، وأن هذا المبلغ كان في حال تحصيله يغني تونس من اللجوء إلى القروض الخارجية.

الاقتصاد غير المنظم

في محور محاربة التهرب الجبائي يقترح مشروع قانون المالية للعام المقبل تشجيع الأشخاص الطبيعيين الناشطين في القطاع الموازي على الانخراط في الاقتصاد المنظم من خلال ملاءمة النظام الجبائي للمبادر الذاتي المنصوص عليه بالمرسوم (33) لسنة 2020 مع التشريع الجبائي الجاري العمل به في اتجاه إرساء نظام جبائي ونظام ضمان اجتماعي موحد، يشجع المعنيين بالأمر على التصريح بمداخيلهم والانتفاع في المقابل بمنافع الضمان الاجتماعي.

ومن جملة الإجراءات المزمع تطبيقها العام المقبل لمقاومة التهرب الجبائي، تعتزم وزارة المالية التصدي للتهرب الضريبي في قطاع توزيع المشروبات الكحولية بإخضاع موزعي هذه المنتجات لدفع تسبقة بعنوان "الضريبة على الدخل" أو "الضريبة على الشركات" بنسبة 10 في المئة على اقتناءاتهم لدى المصنعين.

وينص المشروع على مزيد من تأطير عملية استعانة مصالح الجباية بخبراء محليين أو أجانب في إطار ممارسة المهمات التي تستدعي توفر خبرة فنية وكفاءة خاصة، على أن يتم ذلك بتكليف من وزير المالية أو من فوض له ذلك، وإلزامهم بواجب المحافظة على السر المهني الجبائي.

كما ينتظر ملاءمة التشريع الداخلي مع الاتفاقات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف المبرمة بين الدول المتعاقدة والمتعلقة بتفادي الازدواج الضريبي أو المساعدة في الإدارية المتبادلة في المادة الجبائية لاستخلاص الديون، وذلك بتمكين مصالح الاستخلاص من القيام بالإجراءات المخولة بموجب الاتفاقات المذكورة، قصد المساعدة في استخلاص الديون.

ويقترح المشروع أيضاً تحسين جودة الخدمات المسداة للمواطنين من خلال دفع معلوم على السفر إلى الخارج من بعد، وبالطرق الإلكترونية الموثوق بها.

عدالة ضريبية

وتقول وزيرة المالية سهام البوغديري "نستهدف أكثر من 5 مليارات دينار (1.5 مليون دولار) نفقات جبائية متأتية من منظومة الامتيازات، سواء على المستوى الجبائي أو المالي، وفي تقريرنا السنوي الذي تعده وزارة المالية يعتبر مبلغاً كبيراً، وصندوق النقد لاحظ هذه النقطة عندما قال ’أنتم في بلاد تعاني مشكلات وضعية المالية العمومية‘ وفي إطار تحسين المداخيل للدولة وبخاصة الجبائية، فهناك نفقات كبرى تخرج من موازنة الدولة ولا تتجه في إطار تشجيع الاستثمار". 

وتابعت في حوارها مع إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة أنه "يجب أن ينخرط الجميع في منظومة الإصلاح، لأنه سيعزز دور الدولة وهو لمصلحة الجميع".

ويقول المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية محمد صالح العياري إنه "لا توجد عدالة ضريبية في تونس، باعتبار أن هناك من هم ملزمون بدفع الضرائب من طريق الخصم من الموارد مباشرة، والبقية لهم إمكان إيداع التصاريح من عدمها".

وأوضح المتخصص الجبائي أن الموظفين بصفة عامة يتحملون الخصم من الموارد مكرهين، باعتبار أن المؤجر يخصم آلياً من المورد لدفعه إلى خزانة الدولة، مشيراً إلى أن "من يقعون تحت هذا الإجراء يمثلون 67 في المئة من المعنيين بالضريبة على الدخل، بنحو 7 مليارات دينار (2.3 مليار دولار)"، متأسفاً من عدم ترسيخ عدالة ضريبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف العياري عن أن التهرب الضريبي في تونس يمثل مبدئياً نحو 50 في المئة من قيمة الموارد الضريبية، لافتاً إلى أن الإغفال عن التصريح الجبائي يصل إلى 50 و60 في المئة.

وأضاف أن وزارة المالية صرحت سابقاً بأن نحو 40 في المئة من المتمتعين بالنظام التقديري يتهربون جبائياً.

ومن موقعه كعارف بخبايا المسائل الضريبية في تونس، يعتقد العياري أن التهرب لا يقل عن 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) كان من الممكن أن تسهم في تمويل موازنة الدولة، لافتاً إلى أن التهرب الضريبي يمثل على أقل تقدير 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام.

وقال إن مبالغ كبيرة ومهولة لا تدخل إلى تمويل موازنة الدولة، وإنه لا يمكن القضاء على التهرب الضريبي بين ليلة وضحاها، مشدداً على أن العمل على تقليصه إلى النصف سيؤدي إلى تفادي الاقتراض الخارجي.

ودعا العياري إلى أهمية تطبيق القوانين المزمع إقرارها العام المقبل وألا تبقى حبراً على ورق، على غرار بقية الإجراءات الأخرى.

"اجمع أموالك"

من جهته، استحسن أستاذ الاقتصاد والتصرف بالجامعة التونسية عبدالرحمن اللاحقة مضامين الإجراءات الجديدة المزمع اتخاذها في مشروع قانون المالية تجاه التهرب الضريبي، مشيراً إلى أن تونس ظلت لسنوات عدة عاجزة عن تحصيل العائدات الضريبية من قطاعات ومهن لا تؤدي التصريح الضريبي، ومن ثم فإن العبء الضريبي الكبير يتحمله الموظفون بطريقة الخصم من المورد.

وقال المتحدث إن الاتحاد العام التونسي للشغل وفي علاقة بالتهرب الضريبي ولجوء الحكومة إلى الحلول السهلة بالاقتراض الخارجي، رفع شعار "اجمع أموالك"، في إشارة من المنظمة النقابية القوية إلى وجوب أن تؤدي مصالح الضريبة عملها في تحصيل الأموال من الشركات والأشخاص المتهربين.

ويرى الخبير المحاسب أنيس الوهابي أن نسبة الضغط الضريبي في تونس تبلغ 25 في المئة، وهي أعلى نسبة في أفريقيا، معتبراً أن رفع الضرائب والأداءات سيزيد الضغط على الأشخاص نفسهم الذين يؤدون واجبهم الضريبي.

واقترح مراجعة الضغط الضريبي في اتجاه التخفيف منه في مقابل توسيع قاعدة الأداء، بدعم العدالة الجبائية مع التقليص من الضغط على المطالبين بالضريبة، مشيراً إلى أن هناك بعض الإجراءات يجب تضمينها في مشروع قانون المالية للعام المقبل، على غرار توجيه الرقابة الضريبية للنمو غير المبرر للثروة، وتوجيه نشاط الشرطة الجبائية لاكتشاف الأنشطة غير المصرح بها مع فرض تسجيل بيع السيارات وتحديد قيمة رسوم البنوك عند الخلاص بالبطاقات البنكية وتشجيع استعمالها.