Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيرجينيا وولف تبتسم للعابرين على ضفة نهر أوس

جالسة بثوب منحوت من فضة تمنع مكتئبي لندن من الارتماء في الماء

فيرجينيا وولف بثوب منحوت من الفضة (رويترز)

على ضفة نهر أوس في منطقة ريتشموند جنوب غربي لندن، أصبح بإمكانك بعد ما يقرب من قرن من رحيل فيرجينيا وولف أن تجلس بالقرب منها، وهي الروائية الكبيرة وإحدى أيقونات الأدب الحديث في القرن الـ 20، وواحدة من أوائل من استخدم تيار الوعي في الكتابة، ولكن في ثوبها البرونزي الذي فصلته النحاتة لوري ديزنغريميل التي قرأت جيداً سيرتها الذاتية وبعض أعمالها المعقدة، قبل أن تجلسها على مقعد عمومي ليتسنى للمارة الاستمتاع بقراءة الصحيفة جوارها بينما تولي وولف وجهها المبتسم  صوب مياه النهر في المدينة التي عاشت فيها مع زوجها بين الأعوام 1914 و1924 وفيها أسسا مشروعهما الثقافي "دار هوغارث للنشر".

كانت تلك الفترة في ريتشموند بالنسبة إلى وولف فترة إبداعية للغاية، وفقاً للمؤرخة آن سيبا، وهناك أنهت روايتها "الليل والنهار" ونشرتها إلى جانب عدد من المقالات والقصص القصيرة مثل "حدائق كيو"، كما شرعت في كتابة أهم عملين لها "القارئ العادي" و"السيدة دالواي".

في عام 1924 كتبت في مذكراتها "لم أشتك يوماً من ريتشموند حتى أتخلص منها، مثل الجلد المترهل، لقد كانت لدي بعض الرؤى الغريبة جداً في هذه الغرفة أيضاً حينما كنت أستلقي على السرير في حال من الجنون، وأرى ضوء الشمس يرتجف على الحائط مثل ماء من الذهب الرقراق، وهنا سمعت أصوات الموتى وشعرت من خلال كل ذلك بسعادة غامرة".

محاكمة تمثال

كان التمثال قد حصل على موافقة بالإجماع من لجنة البيئة والاستدامة والثقافة والرياضة في ريتشموند وأطلقت حملة لتمويله، استهدفت جمع 50 ألف جنيه استرليني، وربما لهذا تأخر تنفيذه إذ استغرق جمع مبلغ كهذا خمس سنوات كاملة، فضلاً عن أن الحملة واجهت في بدايتها اعتراضات من بعض أعضاء جمعية ريتشموند المسؤولة عن الحماية، فقد وجدوا أن موقعه "حساس ومتهور"، وهو ما جعلهم يعتبرونه اختياراً يفتقر إلى الذوق وأبدوا مخاوفهم من أن يحرض على محاولات انتحار مماثلة، نظراً إلى أن وولف ماتت غرقاً في نهر أوس.

"قد يثير مشهد شخص متكئ على مقعد ويحدق في الماء اضطراب أي شخص يعرف قصتها ويصادف أن يكون في حال ذهنية مضطربة".

لكن أبطال المشروع تمكنوا من الرد على اعتراضات الجمعية ووجدوا أن تمثالاً لكاتبة في حجم وولف يستحق أن يخصص له مكان مميز ومفتوح إلى جانب النهر حيث يمر العابرون، بدلاً من تخبئته في شارع سكني، وأمر كهذا استدعى تصويتين من السكان المحليين لحسم القضية في شأن انتحار وولف، وهل سيجلب عليهم ويلات جديدة مع تصاعد وتيرة الأرق وإفلاس الذات أم يصبح محفزاً لغيرها من النساء اللاتي دافعت عنهن وولف وتبنت قضيتهن كأم؟

الجميل في أمر وولف التي سبق وألهمت بانتحارها فريقاً من العلماء باختراع وسائل لتجنب مصيرها المؤلم، وذلك عبر تحليل نصوصهم ومنشوراتهم ورسائلهم على مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن دوافع اكتئاب قد يودي بحياتهم، أنه تم الاستناد إلى كلماتها ومراحل تطور مرضها وتوفير وسائل للتدخل السريع، وفي هذا الاستفتاء صوت السكان بنسبة تتجاوز 90 في المئة لمصلحة المشروع، وتم تجميع جزء كبير من المبلغ المطلوب من مئات التبرعات الصغيرة.

ودعم التمثال كذلك العديد من الأسماء الشهيرة، ومنهم مارغريت أتوود وكيتلين موران وجودي بيكولت وديبورا فرانسيس وايت وإليزابيث داي وكارولين كريادو بيريز ومارك هادون وسارة غريستوود وجيمس أوبراين وفيليب بولمان ونيل جايمان. وأيد المشروع النائبة ريتشموند سارة أولني واللورد زاك غولدسميث وعدد من أعضاء مجلس ريتشموند.

مدينة بلا نساء

لم تعدم المعارضة صوت المرأة التي وجدتها فرصة مثالية للتنديد بمدينة تتم فيها إقامة تماثيل للحيوانات بنسبة تفوق كثيراً تماثيل المرأة، بالنظر إلى استقصاء حديث أظهر تلك النتيجة المؤسفة، وكأن بريطانيا تفتقر إلى نساء رائدات يستحققن التخليد، ولأجل هذا اعتبر بعضهم، لا سيما الفنانات، أن تمثال فيرجينيا الجديد بمثابة خطوة في تحقيق التوازن.

تقول شيريل روبسون "المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً تماماً في المنحوتات العامة في بريطانيا، وكان عليكِ أن تكوني ملكة أو ملهمة عارية لتستحقي تصويرك، فنحن نرى أعمالنا الفنية في فرجينيا كمحاولة للبدء في تصحيح هذا الخلل".

نشأت فكرة وولف جالسة من تمثال جون كول للشاعر باتريك كافانا الذي يجلس إلى جانب القناة الكبرى في دبلن، وتقول روبسون "يضع الناس أيديهم على ركبته ويدورون حول كتفه". لا شك في أن سكان دبلن يتمتعون بعلاقة خاصة مع تماثيل مؤلفيهم ومفكريهم العظماء، وهناك يمكنك الاستلقاء جوار أوسكار وايلد على صخرته في حديقة ميريون سكوير، والتربيت على ويليام بتلر ييتس في ستيفنز جرين أو جيمس جويس الواقف في وسط شارع إيرل الشمالي، وقد أكسبته ذقنه المائلة وعجازه الأنيق لقب "الواخز بعصاه".

"خالتي فرجينيا"

مساء الأربعاء الـ 16 من نوفمبر (تشرين الثاني) قامت إيما وولف ابنة أخت فيرجينيا وولف برفع الستار عن منحوتة خالتها، فإذا بها على غير عادتها تجلس مبتسمة لنهر أوس بعد قرن من الزمان، وكانت إيما قد غردت على "تويتر" قبل أسبوع قائلة "يسعدني أن أزيح الستار عن التمثال الجديد لخالتي الكبرى فيرجينيا وولف يوم الأربعاء في الساعة 2:30 بعد الظهر".

وخلال مراسم جلوس فيرجينيا على ضفة النهر تم تشجيع المارة على التوقف لالتقاط صورة ذاتية، وتقول لوري ديزنغريميل صانعة التمثال "هناك عدد قليل جداً من النساء مجسدات في النحت، وأجد أن من الرائع أن تكون وولف في المكان الذي سيمشي فيه كثير من الناس، لأنها ستلهم كثيراً من النساء والفتيات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي محطة قطارات سانت بانكراس التي أنقذها جون بيتغمان بقلمه المؤثر ومعاركه الضارية، يمكن للمراقب أن يرى الركاب المشغولين يتوقفون فجأة عن انشغالاتهم اليومية فقط لتأمل بيتغمان للنحات البريطاني مارتن جينينغز وهو ينظر الى الاعلى، وما إن تتحرك العينان لتصلا إلى الأسفل حتى تتفاجأ بسطور الشعر تنبثق قرب قدميه.

يقول النحات "هذا شيء كنت أتوقعه"، ويأمل جينينغز أن تكمل منحوتاته ومواقعها والاقتباسات المنقوشة بعضها بعضاً، ويصرح بمدى استمتاعه حين عرف أن تمثال بيتغمان اكتسب مساحة لامعة من البرونز إثر تربيت أيدي المارة على بطنه.

ترى أي موضع من جسم فيرجينيا ستصقله الأيدي المربتة؟ تقول ديزنغريميل "سيتم فركها وهي ندية ومن حين لآخر سوف تحتاج إلى معالجتها مرة أخرى، إنها صفقة مربحة".

وهكذا تم تجسيد فيرجينيا وولف بتمثال برونزي على ضفاف نهر أوس بوجهها الضاحك ليتحدى الصورة النمطية عن امرأة عاشت المعاناة بكل جوارحها، وفضلت الغياب قسرياً في خضم المياه العميقة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة