Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هاريس في مانيلا والعيون تترقب بكين

تسعى الفيليبين إلى الحصول على دعم واشنطن لحقوقها في "البحر الجنوبي"

ينظر إلى زيارة هاريس واللقاء الأول بالرئيس الفيليبيني الجديد بأنها الخطوة الكبيرة لتقوية العلاقات الأمنية بين الجانبين (أ ف ب)

بدأت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس زيارة مجدولة إلى مانيلا، حليف الولايات المتحدة الأكبر في منطقة جنوب شرق آسيا.

وتأتي الزيارة عقب لقائها الرئيس الصيني شي جينبينغ ولقاء محوري بينه وبين بايدن على هامش "قمة العشرين" في بالي، أسفر عن عودة الاتصالات بين البلدين عقب انقطاعها إثر زيارة بيلوسي إلى تايوان.

ويُنظر إلى زيارة هاريس واللقاء الأول بالرئيس الفيليبيني الجديد بأنها الخطوة الكبيرة لتقوية العلاقات الأمنية بين الجانبين، وجاهزية أميركية في حال حدوث أي هجوم محتمل على جزيرة تايوان.

الحليف الأقدم

تمثل الفيليبين أقدم حليف للولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، إذ جمعتهما معاهدة تحالف منذ عام 1951 عقب استقلال الأولى بحوالى خمس سنوات، تلاها في ما بعد اتفاق القوات الزائرة التي عززت التعاون الدفاعي بين الجانبين عام 1998.

ويسهل اتفاق القوات الزائرة على الولايات المتحدة وقواتها وسفنها العمل في الفيليبين والقيام بتدريبات حربية كبيرة، فيما يمنح الاتفاقان صلاحية مبيعات للأسلحة وتبادل المعلومات المخابراتية ومناقشة التعاون العسكري بين البلدين بأشكال عدة، منها إرسال واشنطن معداتها وعتادها مع عدد كبير من قواتها للانخراط في التدريبات العسكرية وغيرها من الأنشطة المشتركة مع القوات المسلحة الفيليبينية.

وخلال عهد باراك أوباما والرئيس الفيليبيني السابق رودريغو دوتيرتي طور الجانبان العلاقات الدفاعية والأمنية بينهما من خلال "اتفاق التعاون الدفاعي المحسن" عام 2014، ويتيح الاتفاق للولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية الفيليبينية في التدريبات المشتركة والتموضع المسبق للمعدات وبناء المنشآت مثل المدارج ووحدات تخزين الوقود والتسكين العسكري، من دون السماح بالوجود المستمر للقوات.

لكن العلاقات مع الحليف الأقدم خلال فترة حكم الرئيس السابق دوتيرتي لم تكن في أحسن أحوالها، إذ شهدت اضطرابات عدة، كان أبرزها قراره إيقاف "اتفاق القوات الزائرة" عام 2019 قبل العودة عنه وإعادة تفعيله عام 2021 بعد زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى مانيلا.

وكحليف رئيس للولايات المتحدة تلقت الفيليبين أكبر قدر من المساعدات العسكرية بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، ومنذ العام 2015 وحتى فبراير (شباط) هذا العام قدمت واشنطن مساعدات بقيمة 1.4 مليار دولار لمانيلا في صورة طائرات وعربات مسلحة وأسلحة صغيرة ومختلف المعدات والمنشآت العسكرية.

أرفع زيارة لمسؤول أميركي

وتأتي زيارة هاريس إلى مانيلا لتكون أرفع زيارة لمسؤول أميركي إلى الفيليبين منذ وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، وسبقت الزيارة لقاءات عدة بين مسؤولي البلدين، كان أبرزها لقاء الرئيس ماركوس نظيره بايدن في نيويورك على هامش حضور الرئيس الفيليبيني اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبحسب المصادر الأميركية تتضمن زيارة هاريس لقاء يجمعها مع الرئيس المنتخب حديثاً ماركوس بونغ بونغ ونائبته سارة دوتيرتي، وسيركز اللقاء على تقوية العلاقات والتحالفات الأمنية بين البلدين إلى جانب الشراكة الاقتصادية، وتأكيد التزام الأولى تجاه الأخيرة وتحالفهما في الأمن والاستقرار بمنطقة بحر الصين الجنوبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتهدف الزيارة كذلك إلى العمل من قرب مع الفيليبين لتقوية العلاقات الاستثمارية والاقتصادية بين البلدين، إلى جانب طرح مبادرات اقتصادية جديدة مرتبطة بالاقتصاد الرقمي، بخاصة في ظل الإطار الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ الذي أطلقه بايدن منتصف العام الحالي.

وتتضمن المبادرة أربع ركائز تدفع بالوجود الاقتصادي لواشنطن داخل المنطقة، وتشمل تسهيلات التجارة ومرونة سلاسل التوريد والبنية التحتية، والتخلص من الكربون، إلى جانب الضرائب ومكافحة الفساد.

وتعد زيارة هاريس الأولى من نوعها إلى "جزيرة بالاوان" الواقعة في بحر الصين الجنوبي والتي تبعد 330 كيلومتراً عن إحدى الجزر الصينية التي ينظر إليها باعتبارها موقعاً استراتيجياً في حال حدوث أي هجوم على جزيرة تايوان.

وخلال السنوات الأخيرة أجرت الفيليبين والولايات المتحدة عدداً من التدريبات والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب، فيما يشير مراقبون إلى أنها "جاءت رداً على الضغوط المتزايدة من الجيش الصيني في منطقة البحر الجنوبي"

 وكانت قوات البلدين اشتركتا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بتدريبات بحرية في عدد من مناطق البلاد تأكيداً للتحالف العسكري والعلاقات الأمنية بينهما، كما جمعتهما مناورات "كتف بكتف" هذا العام بقوام أكبر وصل إلى 9 آلاف جندي من الجانبين بعد توقف عامين بسبب جائحة كورونا.

نزاعات المياه الإقليمية

النزاعات البحرية والمياه الإقليمية تمثل نقطة الخلاف الأبرز بين مانيلا وبكين، وهي المحرك الأقوى للتدريبات البحرية التي تجريها الفيليبين بين فترة وأخرى، وتتمسك بقرار التحكيم الدولي الصادر عام 2016 عن تبعية بعض الجزر لها بالمنطقة المتنازع عليها، وهو القرار الذي لا تعترف به الحكومة الصينية.

وبين فترة وأخرى تتعرض المنطقة البحرية فيها لاختراقات بكين، وفي العام الماضي بعد اختراق ما يقرب من 220 قارباً صينياً المياه الإقليمية، أقدمت الفيليبين على رفع مجموعة من المذكرات الدبلوماسية ضد بكين لتعديها على المنطقة الحصرية الخالصة بها.

وتجدد النزاع بين مانيلا وبكين هذا العام أيضاً، إذ ذكرت وزارة خارجية الأولى أن سفينة بحرية صينية دخلت للمياه الإقليمية من دون إذن، متجاهلة المطالب المتكررة بالمغادرة، وهذه الحادثة التي تعود إلى مارس (آذار) الماضي دفعت الفيليبين إلى استدعاء السفير الصيني لتوضيح ما سمّته "التدخل غير القانوني" لقوارب بلاده في مياه أكبر جزر الأرخبيل.

تايوان حاضرة

يشير السفير الفيليبيني في الولايات المتحدة إلى أن قضية تايوان ستكون من أبرز الملفات محل النقاش بين هاريس وبونغ بونغ خلال الزيارة، إذ يتوقع أن تثير خلال لقائها قضية تايوان وتخوف واشنطن من احتمال غزو صيني مرتقب للجزيرة، كما تمثل الزيارة المرتقبة إشارة إلى بكين بأن واشنطن قريبة للمنطقة ويمكنها الاستعداد لأي غزو مرتقب.

أهداف الزيارة تتماشى مع الرسالة التي بعثت بها هاريس خلال "قمة أبيك" في العاصمة التايلاندية بانكوك، وأكدت فيها بقاء واشنطن كقوة فاعلة في منطقة المحيط الهادئ، وأن شبكة التحالفات الأمنية للولايات المتحدة مكنت آسيا من الازدهار، وشددت على التزامات واشنطن الاقتصادية تجاه المنطقة والمرتبطة بعقود وأجيال من التعاون.

كما تجيء الزيارة عقب اجتماع قصير جمع هاريس والرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش "قمة أبيك" في تايلاند، والذي جددت خلاله تأكيد ما جاء في اجتماعه مع بايدن في بالي أثناء انعقاد "قمة العشرين"، من ضرورة بقاء خطوط التواصل مفتوحة لإدارة المنافسة بشكل جيد بين البلدين.

مانيلا بدورها لا تفضل أن تكون طرفاً في أي صراع قد يندلع في جزيرة تايوان، وفي تصريحات سابقة ذكر سفير الفيليبين في واشنطن أن بلاده قد تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية في حال اندلاع أي صراع في تايوان، فقط إذا كان الأمر مهماً للفيليبين ويمس الأمن القومي للبلاد، فيما تقترح الولايات المتحدة إضافة خمسة مواقع للاتفاق، ويتوقع خبراء أن تتيح الزيارة الحالية التوصل إلى اتفاق في شأن هذا الأمر.

لعبة التوازن

وعلى عكس الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي الذي أبدى في عدد من التصريحات والسياسات ميله إلى بكين وعدوله عن واشنطن، يحاول الرئيس الجديد ماركوس بونغ بونغ منذ وصوله إلى القصر الرئاسي الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوتين الدوليتين، ويؤكد باستمرار تمسك بلاده بحقوقها في الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، ورفضه التفريط في أي جزء تابع لها للقوى والدول الأجنبية، ويعمل على تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة. 

وعلى جانب آخر يعمل بونغ بونغ على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بما يخدم مصلحة بلاده مع الصين، وبحسب ما يذكر خبير العلاقات الدولية ورئيس الجمعية الفيليبينية لدراسات الاستخبارات والأمن روميل سي بانيلاو، "يعمل بونغ بونغ على تنويع العلاقات الخارجية محاولاً أن يصبح صديقاً للكل، مع عدم كسب عداء أي طرف".

وتذكر جريدة "فايننشال تايمز" الأميركية أن واشنطن رحبت بالخطوات التي اتخذها بونغ بونغ لعودة العلاقات بين مانيلا وواشنطن وإعادة تقويتها، بخاصة بعد الاضطراب الذي ساد العلاقة بين البلدين خلال فترة حكم سابقه رودريغو دوتيرتي.

ويشير أحد مستشاري الأمن القومي في إدارة بونغ بونغ إلى أن "الفيليبين تعمل على التعامل مع الصراع بين الجانبين الصيني والأميركي بطريقة توافق مصالحها".

ومن المرتقب أن تعمل الزيارة على توطيد العلاقات الدفاعية بين البلدين، وحصول الفيليبين على تأكيدات من واشنطن بالدفاع عن حقوقها في بحر الصين الجنوبي، والتزام مانيلا كحليف بإتاحة الوصول إلى القواعد العسكرية الفيليبينية حال نشوب أي صراع بين تايوان وبكين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير