Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف قطع ولد عباس تذكرته إلى سجن حراش الجزائري؟

كان يلقّب بالحلقة الأضعف لاعتماده خطاباً هزيلاً في الدفاع عن النظام

ولد عباس كان من المقربين الى الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة (أ.ف.ب)

طوت العدالة الجزائرية، صفحة الوزير والأمين العام السابق، لحزب الغالبية، (جبهة التحرير الوطني)، جمال ولد عباس، بإلحاقه بجموع المسؤولين المحتجزين في سجن الحراش شرقي العاصمة، ما يؤكد الشعارات في المسيرات الشعبية، التي لم تنقطع، والتي كانت تهتف: "الأفالان" (مختصر الاسم الثلاثي للحزب) ... إرحل".

يستمد حزب جبهة التحرير الوطني، قوته من الأوساط الشعبية في الجزائر، ومن نضال مؤسسيه غداة الثورة التحريرية (1954 إلى 1962). فميلاد الجبهة ارتبط بمجموعة الـ 22 التاريخية في يونيو (حزيران) 1954، والتي قررت تباعاً تشكيل جبهة التحرير الوطني، وجناحها المسلح جيش التحرير الوطني، وإطلاق ثورة الأول من نوفمبر (تشرين الثاني).

امتداداً لهذا الرصيد التاريخي، تمكنت الجبهة من الحفاظ على مكانتها لعقود بين الطبقة الوسطى في البلاد، ولتتحول بمرور السنوات إلى "معول" في يد السلطة القائمة، واستأثرت بمعظم السلطات منذ رئاسة أحمد بن بلة للدولة بعد سنة على الاستقلال.

سقوط جبهة التحرير الوطني، في فخ السلطة وانخراطها في " زبائنية الأشخاص" ارتبطا أكثر بفترة حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، فللرجل قصة "انتقام" مع الجبهة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين عام 1978، وتولي الشاذلي بن جديد رئاسة الجمهورية، حينها بدأت متاعب بوتفليقة مع الحكم في الجزائر. وفي عام 1979، سحبت منه حقيبة الخارجية، وعين وزيراً للدولة من دون حقيبة.

عام 1981 طُرد من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير، وطُرد أيضاً مع عائلته من "الفيلا" التابعة للدولة، التي كان يشغلها في أعالي العاصمة الجزائرية. وفي السنة ذاتها، غادر عبد العزيز بوتفليقة الجزائر، ولم يعد إلا بعد ست سنوات.

وفي أغسطس (آب) 1983، أصدر مجلس المحاسبة حكماً يدين بوتفليقة باختلاس أموال عمومية تتجاوز قيمتها ستين مليون دينار جزائري آنذاك. ووردت الاتهامات بالتفصيل في قرار مجلس المحاسبة الذي نشر في جريدة المجاهد الرسمية.

في سنوات حكم بوتفليقة الأولى، كان في صفوف "الأفالان" الكثير من خصوم بوتفليقة السابقين، فبدأت التصفية سنة 2003 حين أُبعد الأمين العام السابق، علي بن فليس، في عملية استعراضية لم تخضع للقانون الداخلي، ولتتوالى الانتكاسات في أكبر حزب سياسي، وصولاً إلى تنصيب بوتفليقة رئيساً للحزب بشكل رسمي، ما مهد لسياسة "العصا والجزرة" في تهديد أو ترغيب لكل قيادي يطمح في الوصول إلى مناصب عليا.

تلقت جبهة التحرير الوطني، صفعة حقيقية في انتخابات البرلمان سنة 1991، التي فازت بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المنحلة. هذا الفوز فسره مراقبون "تصويتاً عقابياً" ضد سياسات الحزب. وبرغم صناعة التجمع الوطني الديمقراطي من طرف "مخابرات الجيش" نهاية التسعينيات ومنحه الغالبية في انتخابات 1997 (شهرين بعد تأسيسه)، سرعان ما شعرت السلطة بحنين للجبهة، لتعيدها إلى الواجهة مع تشريعيات 2002، لكن بأدوار أخرى.

اختارت السلطة، منذ ذلك التاريخ، لجبهة التحرير الوطني دوراً واحداً في الساحة، وهو إضفاء الشرعية على قرارات بوتفليقة، بالتوازي مع تجنيد الفئات الشعبية الريفية، وتسويق نخب بمواصفات محددة، اعتادت الترقية من خلال مصعد الحزب، وتتصارع في ما بينها وتتنافس في أداء الأدوار المطلوبة منها، ضمن خارطة طريق السلطة السياسية نفسها.

وانتقل "الفساد" بالسرعة القصوى إلى داخل جبهة التحرير الوطني، بتغلغل رجال المال بالمئات داخل هياكله النظامية المؤثرة، وبدا ذلك خياراً مباشراً في نهايات ولاية الأمين العام السابق، عبد العزيز بلخادم، ما مكَّن عشرات أصحاب المال المشتبه في فسادهم من الوصول إلى البرلمان، وإنتاج مرحلة فساد غير مسبوقة في السنوات السبع الأخيرة.

بيع قوائم المرشحين

بعد الدفع بعمار سعداني، الأمين العام السابق للجبهة إلى الاستقالة، تمت تزكية جمال ولد عباس أميناً عاماً في توقيت كانت فيه جبهة التحرير تستعد لانتخابات البرلمان وانتخابات المحليات سنة 2017، وصِفَ ولد عباس بـ"الحلقة الأضعف" في الجبهة، وحملَ خطاباً "هزيلا" يكتفي بمدح الرئيس المخلوع لا غير.

وفي ربيع 2017 وفي أوج الاستعدادات للتشريعيات، دهمت فرقة عسكرية منزل الوافي ولد عباس، النجل الأكبر للأمين العام، في إقامة الدولة بنادي الصنوبر، إثر تحقيق في بيع قوائم المرشحين ضمن صفوف الحزب لمن يدفع أكثر، بيد أن اكتشاف أموال وأدلة في إقامة نجل ولد عباس، لم يكن كافياً لاستمرار التحقيق، بفعل تدخل جهة نافذة في تلك الفترة.

أكثر من ذلك، وبمجرد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، والتي عادت الغالبية فيها، بالطبع، لجبهة التحرير الوطني، أجرى ولد عباس تغييراً مفاجئاً في المكتب السياسي للحزب، من دون المرور بأي اجتماع هيكلي نظامي، وهو التغيير الذي "أمر" به أحد أفراد عائلة "كونيناف" المتواجدين جميعهم في سجن الحراش منذ أسابيع في تهم تتصل بفساد مالي.

إلا أن مستوى الفساد باسم "الحزب العتيد"، كان أكبر بتفجر فضيحة ولد عباس في فترة توليه وزارة التضامن، وهي التهمة التي اقتيد بسببها إلى سجن الحراش، فالرجل الذي يقدم نفسه بأحد "المحكومين عليهم بالإعدام" خلال الثورة التحريرية، أدار عمليات تحويل ضخمة لأموال جمعيات خيرية لصالحه الشخصي.

واتهم ولد عباس، والسعيد بركات (سبقه على رأس الوزارة) بالتورط إلى جانب العديد من الشخصيات النافذة بالوزارة، بينهم 9 إطارات سابقة، و12 متهماً تولوا رئاسة جمعيات وطنية وولائية معتمدة، ذات علاقة مباشرة بولد عباس.

واستفادت مثلا "الجمعية الإفريقية لطب الاستعجال" التي يرأسها جمال ولد عباس من مبلغ قدره 52 مليار سنتيم (حوالي 2.5 مليون يورو)، قُدِّم كمساعدة مالية سنة 2007، لاقتناء 250 حافلة نقل مدرسي، من دون أي تنفيذ على أرض الواقع.  لا بل ان الوزير السابق، قام بتأسيس العديد من الجمعيات ذات الطابع الصحي والتضامني، بقصد التلاعب بالمال العام، والافلات من الرقيب المالي.

المزيد من العالم العربي