Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثروة لبنان النفطية محاصرة بفساد محلي وقرار إسرائيلي

"توتال" لا تستطيع البدء في استكشاف الحقول قبل إتمام الترتيبات المالية مع تل أبيب

عملية الحفر تستغرق ما بين ثلاثة وستة أشهر حداً أقصى للحصول على نتائج (أ ف ب)

على رغم إتمام صفقة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لا تزال الأخيرة تمتلك مفتاح انطلاق مرحلة البدء في استكشاف البلوك رقم "9" الحدودي مع لبنان، الأمر الذي يجعلها صاحبة القرار في موعد استفادة لبنان من غازه، إذ تشير المعلومات إلى أن شركة "توتال" الفرنسية التي تدير تحالف الشركات الدولية المستثمرة في الحقل اللبناني، تنتظر الاتفاق النهائي التفصيلي مع إسرائيل وتحويل عائداتها المالية التي ستعوضها "توتال" من استثمارها في حقل قانا، بالتالي لن تبدأ العمل قبل إتمام الترتيبات المالية مع إسرائيل.

وربط إتمام الترتيبات المالية مع تل أبيب ببدء مرحلة الاستكشاف يعطي انطباعاً بأن إسرائيل ستحصل على معلومات حساسة حول حقول البلوك رقم "9" يفترض أن تكون ملكاً للدولة اللبنانية. وإضافة إلى كون إسرائيل حصلت على "صك" ملكيتها لحقل "كاريش"، وانضمت إلى جانب قبرص ومصر ببدء تصدير الغاز إلى أوروبا، فقد لا تستعجل إبرام الاتفاق التفصيلي مع "توتال"، خصوصاً أنها ستنتظر حسم هوية الشركة الثالثة التي ستنضم إلى التحالف مكان شركة "نوفاتيك" الروسية، ما يضع لبنان على قارعة الطريق بانتظار الإشارة الإسرائيلية.

ووفق المعلومات، فإن انسحاب الشركة الروسية كصاحبة حق غير مشغلة في الرقعتين "4" و"9" في المياه البحرية اللبنانية بنسبة مشاركة 20 في المئة في كل رخصة بترولية، كان نتيجة اتفاق دولي مع الولايات المتحدة وفرنسا رعته قطر، وذلك لسحب فتيل العراقيل المرتبطة بالعقوبات الغربية على روسيا. ولم تحسم الجهة التي حصلت على الحصة الروسية، إذ تضاربت المعلومات بين اقتسامها بين "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، في وقت أشارت معلومات أخرى إلى أن شركة قطر للطاقة هي من استحوذت على الحصة الروسية في البلوكين "4" و"9".

ومنذ أيام، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة سعد شريدة الكعبي أن قطر تجري محادثات مع الحكومة اللبنانية للاستحواذ على حصة 30 في المئة في منطقة استكشاف بحرية، وتتفاوض أيضاً مع "توتال إنرجيز" و"إيني" بهذا الشأن، مؤكداً أنه سيتم التوقيع قريباً على الاتفاق الذي بات في مرحلة وضع اللمسات النهائية.

إسرائيل تقرر

وتشير الفقرة "هـ" من الاتفاق المبرم بين لبنان وإسرائيل إلى حق التفاوض المباشر بين تل أبيب و"توتال" من دون العودة إلى لبنان، إذ ينص البند الأول من هذه الفقرة على أن "إسرائيل ومشغل البلوك رقم 9 يخوضان بشكل منفصل نقاشات لتحديد نطاق الحقوق الاقتصادية العائدة لتل أبيب من المكمن المحتمل". وهذا يعني أن إسرائيل شريكة في هذا المكمن ولها حقوق اقتصادية من دون تحديد أو شرح ماهية هذه الحقوق، إنما ترك هذا الموضوع ليحدد لاحقاً.

اما البند الثاني فيقول إن "إسرائيل ستعقد مع مشغل البلوك رقم 9 اتفاقية مالية قبيل اتخاذ المشغل قرار الاستثمار النهائي". وهذا يعني أن هذا الاتفاق سيعقد بعد إتمام عملية الحفر وتقييم المكمن التي قد تحتاج إلى ما بين سنة وسنتين.

وعلى رغم ذلك تشير المعلومات إلى أن فرنسا وأميركا هما ضمانتان لمنع إسرائيل من تأخير الاتفاق، إذ تؤكد مصادر مواكبة للترسيم أن "توتال" بدأت استدراج عروض لسفينة حفر ستدخل إلى البلوك "9" في الربع الأول من عام 2023. ولتكفل إسرائيل مصلحتها، فإن عمليات الاستكشاف والحفر التي قد تجري جنوب الخط رقم "23" ستجري "وفقاً للقوانين والأنظمة الإسرائيلية"، كما ورد في الاتفاق.

وفي موازاة ذلك على لبنان أن يحسم آلية تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية، لا سيما أن متخصصين في النفط يعتبرون أن الخيار الأنسب يكون عبر خط الغاز العربي الذي تدور حوله حالياً نقاشات حول إمكانية أن يحصل لبنان منه على الغاز المصري لإنتاج الكهرباء، إذ بالإمكان لاحقاً إعادة توريد الغاز إلى المنشآت المصرية.

حدث غير عادي

وفي السياق أعلن المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية ليئور شيلات أن الاتفاق مع شركتي "توتال إنرجيز" و"إيني"، "سيسمح بتطوير خزان غاز عابر للحدود بين بلدين عدوين، وهو حدث غير عادي في سوق الطاقة العالمية". وبعد ثلاثة أسابيع على ترسيم الحدود، أعلنت "توتال إنرجيز" الفرنسية وشريكتها "إيني" الإيطالية توقيعهما مع إسرائيل اتفاقية إطار تطبيقاً لاتفاق الحدود البحرية الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل ولبنان في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت "توتال إنرجيز" إلى أنه تبعاً لتوقيع اتفاقية الإطار هذه، سيبدأ الشركاء في الرقعة الرقم "9" عمليات استكشاف لمنطقة يحتمل أن تحتوي على الغاز، قد سبق وتم تحديدها، وقد تمتد في كل من الرقعة الرقم "9" والمياه الإسرائيلية جنوب خط الحدود البحرية الذي تم تحديده أخيراً. ويبدأ الآن التحضير لأنشطة الاستكشاف من خلال تجهيز الفرق وشراء المعدات المطلوبة والحصول على سفينة الحفر.

بدوره، ذكر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "توتال" باتريك بوياني، "إننا نفتخر بصفتنا الشركة المشغلة للرقعة رقم 9 بارتباطها بالترسيم السلمي للحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. من خلال تقديم خبرتنا في عمليات الاستكشاف في البحر، سنستجيب لطلب البلدين بتقييم حجم الموارد الهيدروكربونية وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة".

أربع مراحل

وفي المراحل التي يطلبها لبنان للوصول إلى مرحلة الإنتاج أوضح المتخصص الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي أبي عاد أنه بعد الاتفاق على البدء بالعمل، هناك ستة أشهر للتحضيرات المتعلقة بتركيب المعدات واستئجار البواخر، ومن بعدها عملية الحفر في النقطة المحددة تحتاج إلى ما بين ستة وتسعة أشهر، وذلك يتوقف على عمق المنطقة وسهولة الحفر فيها. وبعدها تحتاج الشركة إلى ثلاثة أشهر لفحص ما توصلت إليه وتحليل دقيق، بالتالي تحتاج المرحلة الأولى إلى عام ونصف العام على الأقل.

ويستخلص أن الفترة ما بين الانتهاء من عملية الترسيم وتحضير الشركات نفسها والحفر والتحاليل والاستكشافات تتطلب ما بين ثلاث وأربع سنوات، لكن الأهمية "ليست بالاستكشاف، بل بعملية التسويق وهي المرحلة الأهم". وفي رأيه أن سارت الأمور بشكل سلس، فإن لبنان يمكنه الإفادة من السوق الأوروبية لفترة ما بين خمس و10 سنوات، علماً أنه ليس لدى لبنان حظوظ في الأسواق الآسيوية، في ظل وضع روسيا كل ثقلها لتزويد الأسواق الآسيوية من إنتاجها وتعويض ما خسرته من أوروبا.

أما المتخصص في مجال اقتصادات النفط والغاز فادي جواد فرأى أن عملية الحفر تستغرق ما بين ثلاثة وستة أشهر حداً أقصى للحصول على نتائج، مستنداً إلى تجربة قبرص في بئر "كرونوس 1" الذي استغرق حفره نحو أربعة أشهر عبر السفينة نفسها التي قامت بحفر بئر "بيبلوس" في البلوك الرقم "4" اللبناني. وأشار إلى أنه بعد الحصول على النتائج التي تم تأخيرها سنتين، تبدأ إجراءات حفر الآبار الاستكشافية لتكوين حقل كامل، وهذه المرحلة تستغرق بين أربعة وتسعة أشهر، وتوازياً، يتم العمل على تطوير البئر الأولى عبر اختبارات عدة، إضافة إلى مراحل "تكسير" لتهيئته للتوصيل إلى منصة عائمة دائمة أو موقتة. أما في الحالة اللبنانية ومع عدم وجود صناعة نفطية سابقاً، فسيكون الطريق الأنسب لتسريع الإنتاج والتصدير هو استئجار منصة عائمة قادرة على السحب والتخزين ومعالجة الغاز من الشوائب وتكريره للوصول إلى الإنتاج، والتي لن تستغرق بجميع مراحلها ثلاث سنوات حداً أقصى. وفور بدء الإنتاج، سنكون بحاجة إلى نقله إلى دمياط (مصر)، حيث محطات التغويز ليكون جاهزاً للتصدير عبر الناقلات إلى أوروبا.

بقعة مثيرة

من ناحيته رأى المتخصص الدولي في شؤون الطاقة رودي بارودي أن لبنان سيكون قادراً على استخراج الغاز في فترة تمتد حتى 36 شهراً، إلا أن الوصول إلى تلك المرحلة يستدعي قيام الدولة بالإصلاحات، لأن الشركات تتخوف من التعامل مع دول ينخرها الفساد. وأضاف أنه في حال تم اكتشاف كميات تجارية من الغاز والنفط في البلوكين "4" و"9"، فإن مرحلة الاستخراج "هي الأصعب بالنسبة إلى لبنان وتحتاج إلى تكاتف وجهود سياسية واقتصادية على جميع الصعد، وذلك حتى يتمكن من استعادة مكانته الجيو - سياسية في المنطقة والعالم".

وعن تقديرات ثروة لبنان النفطية أشار إلى أنه لا يمكن تقديرها في مكمن قانا قبل وصول الشركة المنقبة وإطلاق العملية، مشدداً على أن منطقة حوض شرق المتوسط هي بقعة مثيرة ومعقدة للغاية لأسباب جيو - سياسية تحتوي على آفاق إمكانية وجود كميات كبيرة من البترول والغاز لم يتم اكتشافها واستغلالها بعد.

ثروة محاصرة

أما المتخصص في دراسات النفط والغاز فادي جواد فأشار إلى أن المسوحات التي أجريت خلال السنوات الـ20 الماضية قدرت كمية الغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بنحو 120 إلى 130 تريليون قدم مكعبة، وحصة لبنان منها بنحو 32 تريليون قدم مكعبة، موضحاً أن الأرقام هي تقديرية. وقال إنه بناءً على تقديرات أولية أجريت عام 2018 وفق سعر الغاز في حينها، كانت تبلغ الثروة الغازية للبنان نحو 180 مليار دولار، والثروة النفطية نحو 40 مليار دولار، بالتالي الثروة بمجملها كانت تقدر بنحو 220 مليار دولار. وتابع أنه مع صعود سعر الغاز بنسبة 400 في المئة، في وقت كان سعر المليون وحدة حرارية للغاز التي كانت تبيعها روسيا لأوروبا خمسة دولارات، بات سعرها 65 دولاراً الآن، من هنا يمكن فهم حجم ارتفاع أسعار الغاز عالمياً، بالتالي ارتفاع قيمة ثروة لبنان الغازية التي باتت تقدر حالياً ما بين 500 و600 مليار دولار.

بنية تحتية محلية

لكن التحدي الأبرز أمام لبنان في الاستفادة من ثروته الغازية والنفطية يكمن في طريقة إدارة حكومته هذه الواردات وسبل استثمارها، إذ إن الاستفادة لا تتوقف على الثروة النفطية بذاتها، إذ إن الشركات المشغلة لشركات أخرى تقدم لها الخدمات مثل المروحيات للتنقل من وإلى منصات التنقيب، وفي هذا السياق مثلاً أنشأ رئيس مجلس إدارة شركة "الميدل إيست" محمد الحوت شركة للمروحيات لتقوم بنقل الموظفين من وإلى عملهم في البحر، وبذلك باتت هناك شركة جديدة للنقل الجوي في لبنان.

وأيضاً هذه الشركات ستسهم بصناعة النقل البحري، لا سيما لمعداتها الثقيلة التي تحتاج إلى سفن لنقلها، إضافة إلى النقل البري، فضلاً عن الإسكان، حيث ستحتاج هذه الشركات إلى مساكن لموظفيها، ما من شأنه أن ينشط عمل السوق والفنادق والمساكن، وهناك التموين من مأكل ومشرب وغيره يحتاج إلى شركات تموين، وإلى جانب كل ذلك هناك حاجة إلى عمال وحدادين وموظفي صيانة وإطفاء وغير ذلك من الحاجات التشغيلية اللازمة، بالتالي يمكن القول إنه مع تطور الصناعة النفطية سيتكون اقتصاد موازٍ مؤلف من شركات محلية ودولية لتقديم الخدمات اللوجيستية والفنية والتقنية للشركات الكبرى المشغلة.

المزيد من تقارير