Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في اليوم العالمي للطفل بماذا تحتفل "أجيال القذائف"؟

يضع أطفال الشرق الأوسط حقوقهم التقليدية جانباً ويفكرون في ما هو أكثر إلحاحاً: الحياة

الأصغر سناً يتجرعون مرارة العيش في منطقة تشهد أشد موجات الاضطراب الإقليمي والصراع الداخلي منذ قرون (أ ف ب)

الأفكار كثيرة لا تنضب، دول تحتفل بأطفالها عبر زيارات مجانية للمتاحف التعليمية والحدائق الترفيهية وتوزيع الحلوى في المدارس الحكومية، جمعيات خيرية تزور الأيتام في دورهم والفقراء في بيوتهم والمرضى في مستشفياتهم، مدارس تنظم للصغار حفلات وأنشطة، قنوات تلفزيونية تخصص برامجها للاحتفال بهم، وقائمة الاحتفاء بالصغار في يوم عيد الطفل لا تنتهي.

العالم يحتفي بصغاره في يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وهو اليوم الذي أعلنته الأمم المتحدة "يوم الطفل العالمي" عام 1954. وكان الغرض الرئيس هو إذكاء الوعي بين أطفال العالم والعمل على تحسين رفاههم.

إعلان حقوق الطفل

هذا اليوم ارتبط كذلك باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل في عام 1959، وكذلك اعتمادها اتفاقية حقوق الطفل عام 1989. وفي عام 1990 قرر العالم أن يحتفل بالمناسبة لتكون توثيقاً سنوياً للاعتماد الأممي لإعلان حقوق الطفل والاتفاقية المتعلقة به.

هذا العام، موضوع الاحتفال بالصغار هو "الشمول لكل طفل". لا صوت يعلو على صوت الحقوق في هذا اليوم. حق الصغار في الحماية من تغير المناخ، حقهم في التعليم والصحة العقلية، حقهم في إنهاء العنصرية والتمييز، حقهم في إعلاء أصواتهم حول القضايا التي تهم جيلهم، حقهم في مطالبة الراشدين بتهيئة مستقبل أفضل من حاضرهم حيث مساواة أكثر وشمول أكبر.

لكن في هذا اليوم، يضع أطفال في منطقة الشرق الأوسط هذه الحقوق وهذا الشمول المشار إليه جانباً، ويتفكرون في ما هو أكثر بديهية من ذلك: سلامتهم الشخصية، واحتمالات بقائهم على قيد الحياة، لا على قيد الطفولة. ويبدو أن الأطفال بلغوا درجة من الرشد جعلتهم يتركون مسألة حقهم في "مطالبة الراشدين بتهيئة مستقبل أفضل من حاضرهم" جانباً، إذ الراشدون هم سبب رئيس لكون الصراع سمة حاضرهم والنزاع ملمح مستقبلهم.

على حساب الصغار

طفل واحد في الأقل من بين كل 38 طفلاً في منطقة الشرق الأوسط مصنف تحت بند "الفئات الأكثر احتياجاً". وهذا يعني أن منطقة الشرق الأوسط تحوي 20 في المئة من مجموع الأطفال المحتاجين في العالم كله، هذا "الاحتياج" بات يصنف أنواعاً وأشكالاً. ومن نكد الواقع على أطفال المنطقة أن يصبح الاحتياج الناجم عن الفقر أفضل بمراحل مقارنة بالاحتياج الناجم عن اللجوء والنزوح والاستهداف والتعرض للقتل في الصراعات والنزاعات.

 

يعيش في دول المنطقة نحو 60.1 مليون طفل في أسر فقيرة، وهو العدد الذي زاد نحو عشرة ملايين طفل فقير لأسباب عدة من بينها الوباء وآثاره، لكن في المنطقة أيضاً ستة ملايين طفل نازح بسبب صراعات، و6.3 مليون طفل لاجئ هرباً من خطر الموت بسبب النزاعات المسلحة.

النزاعات والصراعات التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط ليست جديدة، لكنها تطور من نفسها وتعمل على الإبقاء على نيرانها متقدة. تاريخياً، عرفت المنطقة بأنها من أكثر المناطق التي تشهد نزاعات على مر التاريخ. النزاع العربي - الإسرائيلي هو أقدمها، لكنه ليس الأكثر فداحة أو الأعمق أثراً. فالعقود الخمسة الماضية أغدقت على المنطقة بكم هائل من الصراعات الدموية والنزاعات العنيفة، بعضها مستمر حتى اللحظة، والآخر هدأ ليعطي فرصة لجيل جديد من النزاعات.

لكن يظل هناك دائماً جيل جديد آخر هو الأكثر تجرعاً لهذا الوضع المزمن في التهابه الممتد الأثر، هذا العام يحين موعد "الاحتفال" بالطفل، لكن كلمة "الاحتفال" حين تصل منطقة الشرق الأوسط يشوبها نوع من الحرج فالهوة عميقة بين المعاني التقليدية للاحتفال وواقع الحال.

المنطقة الأكثر نزاعاً

واقع الحال في 20 نوفمبر عام 2022 يقول إن المنطقة بسكانها البالغين وغير البالغين هم الأكثر تعرضاً للنزاعات. وحين تبلغ نسبة السكان المتراوحة أعمارهم بين صفر و24 عاماً (بحسب يونيسف) أكثر من نصف مجموع التعداد، فهذا يعني أن الأثر الأكبر والأطول من حيث المدى من نصيب الأصغر سناً.

 

الأصغر سناً يتجرعون مرارة العيش في منطقة تشهد أشد موجات التشنج والاضطراب الإقليمي والصراع الداخلي منذ قرون، وذلك بحسب ورقة بحثية عنوانها "إشعال الصراعات في الشرق الأوسط أو إخماد النيران" (منشورة على موقع مالكولم كير-كارنيغي للشرق الأوسط).

تشير الورقة إلى أن المنطقة لم تشهد هذا القدر من الاضطراب الإقليمي والتشنج والصراع الداخلي منذ قرون، وأنه في غمرة هذا التداعي في النظام الإقليمي تبدو الحروب الأهلية المتواصلة، وبخاصة في سوريا واليمن وليبيا والعراق، قضايا مستعصية على الحل، كما أن الصراعات الإقليمية على النفوذ على رغم أهميتها، فإن ديناميكيتها الأوسع أطالت أمد هذه النزاعات وجعلتها أكثر قبحاً.

قبح متجل

ويتجلى هذا القبح بشكل واضح وصريح في يوم الطفل العالمي، إذ تشير منظمة "يونيسف" في هذه المناسبة إلى أن الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجهون ارتفاعاً "جديداً" في أعمال العنف، وهذا الارتفاع الجديد يعني أن معاناة الصغار ليست وليدة الأمس أو أول من أمس، بل هي مستمرة منذ أمد طويل، ومتفاقمة.

منذ بداية هذا العام قتل ما يقرب من 580 طفلاً بسبب النزاعات والعنف في عديد من الدول في المنطقة بمعدل يزيد على 10 أطفال كل أسبوع، كما أصيب عدد أكبر بكثير، و"هذا واقع غير مقبول" كما تقول المنظمة الأممية المعنية بالطفولة.

في نزاعات الشرق الأوسط التي طال أمدها، لا يزال الأطفال يعانون الآثار المدمرة والعنف المجتمعي وما ينجم عن الذخائر المتفجرة ومخلفات الحروب، ناهيك بالاضطرابات السياسية والاجتماعية التي تزخر بها دول المنطقة، بما في ذلك إيران والعراق وليبيا والسودان وسوريا واليمن، وتلك المستمرة جراء النزاع العربي - الإسرائيلي.

الهول في "الهول"

الأسبوع الحالي شهد العثور على فتاتين مصريتين مقتولتين بوحشية في مخيم "الهول" في شمال سوريا. جرى العثور على جثمانيهما وبهما طعنات عديدة في حفرة للصرف الصحي بالمخيم.

وبحسب التقارير، فقد تعرضت الفتاتان للاغتصاب ويبدو أن نساء "متطرفات" يقمن في المخيم الذي يحتوي على نسبة كبيرة من عائلات "داعش" تنمرت بالأم بسبب "وصمة العار" المرتبطة بالتعرض للعنف الجنسي.

"مخيم الهول" معلوم للجميع، وهول ما يجري فيه بات معروفاً وإن كان مسكوتاً عنه. يقيم فيه نحو 50 ألف شخص، ونسبة كبيرة منهم نساء وأطفال. ويشهد حوادث أمنية تصل إلى حد القتل والعنف الوحشي بين الحين والآخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين الحين والآخر على مدى العقود السبعة الماضية، يتعرض أطفال في فلسطين للموت والإصابة والاستهداف. فقبل أيام أيضاً، قتلت فتاة فلسطينية في الـ14 من عمرها بالقرب من رام الله. وبذلك يصل عدد الأطفال الذين قتلوا في فلسطين منذ بداية العام الحالي إلى 49 طفلاً وطفلة.

وأدى العنف في طرابلس في ليبيا إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أطفال في مطلع العام الحالي. وفي العراق، ما زالت الذخائر المتفجرة المتبقية من نزاعات سابقة تعرض حياة الصغار لأخطار داهمة سواء بالقتل أو الجرح أو إحداث الإعاقات الدائمة. حصيلة هذا العام وحده بين قتيل وجريح هو 65 طفلاً.

ومن ليبيا إلى اليمن حيث الحرب الدائرة مستمرة في الحصاد. توقع هدنة فتنخفض معدلات موت الصغار وإصاباتهم، ثم تنتهي الهدنة فيعودون إلى ما كانوا عليه. ومن اليمن إلى السودان والصراع في ولايتي النيل الأزرق وغرب كردفان، يتجدد عهد الصغار بالخطر والعنف.

وفي إيران، على رغم شح المعلومات والأرقام، فإن الحديث عن إصابة واحتجاز أطفال يضيف بعداً إضافياً من أبعاد احتفالات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ"عيد الطفل". تقارير غير رسمية أشارت إلى مقتل نحو 50 طفلاً في الاضطرابات في إيران، وأحدثها كان الطفل "كيان" (10 سنوات) الذي فقد حياته قتلاً بالرصاص أثناء وجوده في السيارة مع أسرته.

عادة ما تعرب المنظمات الأممية والجمعيات والمؤسسات عن قلق أو تخوف، لكن هذه المرة "يونيسف" تعرب عن "جزعها لاستمرار الأطفال في دفع ثمن باهظ للعنف والنزاعات، هذا أمر مرعب ويجب أن يتوقف في الحال".

التوقف في الحال أمر غير وارد واقعياً، لكن الوارد هو أن تظهر الدول والأطراف المتنازعة قدراً من الالتزام باتفاقيات حقوق الأطفال، لا سيما في حالات النزاع والعنف. تقول "يونيسف"، "العنف ليس حلاً أبداً، والعنف ضد الأطفال لا يمكن على الإطلاق الدفاع عنه".

دفاع عن العنف

 الدفاع عن العنف أمر غير وارد، لكن استمراره وارد بقوة لا لأنه مقبول، بل لأنه واقع معيش في المنطقة، وهو واقع صار متشابك الأطراف مستعصياً على الحلحلة. في مارس (آذار) الماضي خرجت "يونيسف" بتقرير عن اللجوء في العالم حمل مزيداً من الأرقام المرعبة في ما يختص بالصغار، لا سيما صغار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بلغ عدد الصغار الفارين نحو 36.5 مليون طفل أجبروا على الفرار من أوطانهم، إضافة إلى 22.8 مليون طفل شردوا بسبب الصراعات والعنف. هذه الأرقام شهدت زيادة مقدارها 2.2 مليون طفل لاجئ وفار في العالم منذ عام 2020. ويشار إلى أن هذه الأرقام لا تحوي أطفال أوكرانيا الذين أجبرتهم الحرب على النزوح أو اللجوء.

 

الشخص اللاجئ أو النازح يواجه الأمرين، لكن الطفل اللاجئ يواجه أضعاف الأمرين. ومع بلوغ عدد الأطفال المهجرين واللاجئين مستوى قياسياً العام الماضي، فإن هذا يعني أن حصولهم على الخدمات البديهية مثل الرعاية الصحية والتعليم والحماية من الخطر أمر غير مضمون على الإطلاق. وبحسب "يونيسف" فإن ثلثي الأطفال اللاجئين فقط مسجلون في مدارس ابتدائية، وثلث المراهقين اللاجئين فقط مسجلون في مدارس ثانوية.

وإذا كان الحديث عن التعليم والصحة للأطفال العرب اللاجئين والنازحين ضرباً من الرفاهية، فإن إبقاءهم على قيد الحياة من دون التعرض لأخطار قاتلة أو مسببة لإصابات فادحة أو إعاقات لا يفترض أن تكون اختيارية أو غير إلزامية. تؤكد المنظمات الأممية العاملة في مجالي الطفولة واللجوء أن الأطفال المقتلعين من أوطانهم وبيوتهم، سواء كانوا لاجئين أو طالبي لجوء أو مهجرين داخلياً يتعرضون لأخطار جسيمة تصل إلى خطر الموت. وهو يصبح مضاعفاً في حال الصغار غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عنهم، الذين يواجهون، إضافة إلى خطر الموت والإصابة، التعرض للاتجار في البشر والعنف والاستغلال الجنسي. يشار إلى أن 34 في المئة من ضحايا الاتجار في البشر في العالم أطفال.

العنف لا يكفي

وكأن ما تزخر به المنطقة من نزاعات وصراعات تضع صغارها في فوهة المدفع لا تكفي لتسليط الضوء عليهم في "يوم الطفل"، ليأتي ملف الإجهاد المائي أو شح الماء ويضيف بعداً جديداً من أبعاد البؤس.

تسعة بين كل 10 أطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون في مناطق تعاني إجهاداً مائياً مرتفعاً للغاية، أي شحاً في مياه الشرب، وهو ما يحمل عواقب وخيمة على صحتهم وتغذيتهم وتطورهم المعرفي وسبل عيشهم في المستقبل.

التفكير في مستقبل الأطفال في المنطقة يبدو هذه الآونة كأنه ترف لا طاقة لنا به. وطالما ذكر الترف، فإنه من سخرية القدر أن تتحول ملفات فادحة مثل عمالة الأطفال وأطفال بلا مأوى وزواج الأطفال والعنف الأسري الموجه ضد الأطفال وغيرها إلى قضايا ثانوية تحتمل الانتظار.

في الأقل، الطفل العامل لا يتعرض إلا لعنف صاحب العمل والحرمان من التعليم فقط، والطفل بلا مأوى يبيت في شارع بلا رصاص طائش أو ألغام تنتظر الانفجار. وحتى زواج الأطفال والعنف الأسري وغيرهما من مآسي الصغار تتضاءل أمام الأخطار الناجمة عن الصراع والعنف والنزاع التي باتت لصيقة بالمنطقة.

 اليوم العالمي للطفل الموافق 20 نوفمبر ذكرى سنوية لتبني اتفاقية حقوق الطفل التي توفر معايير عالمية تلتزم بها الدول تجاه أطفالها وأطفال الغير. عدم التمييز، ترجيح مصالح الطفل الفضلى، حق الطفل في التعبير عن آرائه بحرية، عبارات سيرددها الجميع اليوم في هذه المناسبة، لكن التركيز في المنطقة العربية سيكون على حق الطفل الأصيل في الحياة.

المزيد من تحقيقات ومطولات