Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحويلات اللبنانيين في الخارج "المتنفس الأخير" لاقتصاد منهار

7 مليارات دولار متوسط قيمتها سنوياً والإصلاح ضرورة لجلب الاستثمار

يعاني اللبنانيون تحت وطأة واقع اقتصادي مأزوم  (اندبندنت عربية)

"الأوكسجين" هو التشبيه الأنسب لتحويلات اللبنانيين في الخارج وسط الانهيار المالي والاقتصادي الذي يسود البلاد. فالمليارات السبعة التي تصل إلى البلاد سنوياً من أبنائه الموزعين في أنحاء العالم تحافظ على الحد الأدنى من مظاهر الحياة، وتقي المقيمين جزئياً هم السؤال والعوز. باتت تلك التحويلات تشكل المورد الأساس بالدولار "الفريش"، بعد أن انقرضت الاستثمارات الأجنبية وتراجع التصدير إلى الخارج مع تراجع القدرة التنافسية لكثير من القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية في مواجهة المنتجات الأجنبية. وعلى أعتاب موسم الأعياد، وتحديداً عيدي الميلاد ورأس السنة برزت محاولة جديدة لتحفيز المغتربين على العودة إلى بلادهم في عطلتهم السنوية، بعد أن استقطبت البلاد أكثر من مليوني زائر في موسم الصيف. وشكل هذا نجاح حملة "أهلاً بها الطلة" لتشجيع سياحة المغتربين، مؤشراً إلى التصاق اللبنانيين ببلادهم على رغم سوء الخدمات لتعود وزارة السياحة اللبنانية وتعمل على إطلاق حملة "عيداً بالشتوية"، مع توقعات بدخول ما لا يقل عن نحو 200 مليون دولار إضافية إلى شريان الاقتصاد الوطني.

"المتنفس الأخير"

تاريخياً، تعامل لبنان بكثير من الإيجابية مع تحويلات المغتربين، بل إنها دخلت في صلب الخطط الحكومية والأهلية. يؤكد الأكاديمي حسن علي حمادة أن "لبنان لطالما عاش في ظل عجز بالميزان التجاري، لكنه في المقابل كان لديه فائض بميزان المدفوعات، وشكلت أموال المغتربين عاملاً في ميزان المدفوعات بفعل تحويل مبالغ كبيرة إلى العائلات والأقارب في الداخل، مما يشي بوجود علاقة قوية بين اللبناني المغترب ووطنه الأم". يوضح أنه "تم تصنيف لبنان ضمن أكثر ثلاث دول تسهم التحويلات الخارجية في تعزيز صمود المقيمين، ومعه الهند وإيرلندا، حيث تستقبل تحويلات هائلة إلى الداخل".

ويقر الاقتصاديون بدور كبير لتلك الأموال في منع الانهيار التام بالبلاد، وتأتي غالبية الأموال من الخليج العربي وأفريقيا، حيث تمتاز العمالة اللبنانية هناك بسعيها إلى إعادة أموالها المحققة لاستثمارها وادخارها في البلاد.

يقول حمادة، "النفس الأخير للبنان ما زال بفضل رئة المغتربين، حيث تم تحويل ستة مليارات و700 مليون دولار عبر المؤسسات الرسمية في عام 2021، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد المحلي البالغ حينها 22 مليار دولار"، ولكن في المقابل يلفت حمادة إلى "دولارات إضافية تدخل البلاد عبر الحقيبة الشخصية، حيث يفضل كثيرون توفير كلفة التحويلات، والاستعاضة عنها بشراء تيكيت وقضاء عطلة نهاية الشهر في بلادهم"، لافتاً إلى عدم القدرة على حصر وتقدير حجم ما يأتي بـ"القنوات الرديفة".

أين تصرف الدولارات؟

شكل فصل الصيف قفزة نوعية في سياحة المغتربين على رغم تردي الخدمات في البلاد، حيث تغيب الكهرباء الرسمية وتسوء الخدمات والبنى التحتية. ويتحدث حمادة عما لا يقل عن مليار دولار جاءت خلال الصيف، "دخل ما يقارب مليوني مغترب، في حال أدخل الواحد منهم خمسة آلاف دولار، وهو مما يعني دخلاً كبيراً بالعملة الصعبة"، معبراً عن أسفه من عدم الاستفادة من تلك الأموال قائلاً، "إن الوضع أشبه بمن يسكب الماء في الغربال، لأن تلك الأموال تصرف على الاستهلاك والتضخم في ظل غياب الاستثمارات".

ما ينطبق على ما سبق هو اتجاه الأموال القادمة من الخارج إلى تمويل الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الاستثماري الإنتاجي. وتم إهدار فرصة استثمار 184 مليار دولار هو مجموع الودائع التي كانت ضمن النظام المصرفي اللبناني التي تم إهدارها، وتشكل حصة المغتربين حصة وازنة، فقد كان كثير من هؤلاء يتجه إلى وضع مدخراتهم في المصارف التجارية المحلية، ولكن في المقابل لا يمكن التغافل عن إسهام تلك الأموال في تنشيط قطاعات التطوير العقاري والفنادق والمؤسسات السياحية، وبحسب التقديرات فإن نسبة حجوزات الفنادق والشقق السياحية بلغت 100 في المئة خلال فترة موسمي الميلاد ورأس السنة لنهاية عام 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التنافسية تتراجع

تتراجع تنافسية القطاعات في لبنان، ففي السابق شكلت البلاد ملجأ للعرب والمغتربين في سبيل الحصول على خدمات نوعية بقطاعات التربية والتعليم، والاستشفاء والسياحة العلاجية. ويتخوف حمادة من "خسارة مكانة لبنان في المجالات الخدماتية مع استمرار هجرة الكفاءات، وستكون كلفتها باهظة على الاقتصاد"، واصفاً "الطب والتعليم من القطاعات التي تعتبر أعمدة الاقتصاد اللبناني وفخر البلاد، ولكنها باتت مهددة، ونشهد هجرة معاكسة بسبب فتح باب الهجرة من بعض الدول القريبة والبعيدة".  

الفرصة ممكنة لعودة رأس المال 

يتطلب استثمار الأموال القادمة من الخارج تأمين الظروف والعوامل المساعدة، ولكن عدم الاستقرار وغياب الثقة بالاقتصاد اللبناني يستمران في لعب دور عكسي، ويحولان دون "استغلال القدرات الفكرية والمالية اللبنانية المنتشرة في العالم". ويحتاج لبنان إلى "صدمة إيجابية كبيرة" من أجل إعادة وصل ما انقطع على مستوى الاستثمار الأجنبي. ويأسف حمادة أن "شروط صندوق النقد الدولي أرحم على اللبنانيين مما يتم تخطيطه من سياسات حكومية"، من هنا لا بد من إعادة تأمين بيئة داعمة وآمنة ومستقرة للإنتاج لتأمين إمكانية "الصعود" وعودة الحياة للاقتصاد من جديد، وترتيب البيت اللبناني الداخلي ومنع انهيار الوضع الأمني والسياسي اللبناني.

وفي ظل عدم استقرار لبنان واستنزاف القطاع المصرفي والمالي، اتجه اللبناني للبحث عن ملجأ آمن في الخارج. يقول حمادة، "بعض اللبنانيين في أفريقيا يتجهون لشراء عقارات في تركيا وإسبانيا واليونان وأوروبا بسبب الخوف على مآل مدخراتهم"، وهو يصر على أن "لبنان غني اقتصادياً، ولكن غياب دولة المؤسسات وانتظام العمل المؤسساتي يسهم بصورة سلبية على إمكانات التطوير".

وفي السياق الحالي يمكن الحديث عن منتجات زراعية كانت تملأ الأسواق العربية والخليجية من التفاح إلى مختلف الفواكه، إضافة إلى الصناعات الفاخرة والخفيفة، وشكلت الموضة، وما زالت، علامة فارقة، ولكن في ظل غياب سياسات الدعم للمنتجين الحقيقيين، باتت في وضع صعب، وامتنع كثير من الدول عن استيراد المنتج لبناني المنشأ.

يؤكد حمادة أنه "في غياب خطة نهوض كاملة ومتكاملة لا يمكن إعادة استثمارات المغتربين والخارج في البلاد، لا بد من إقرار (الكابيتال كنترول) وضمان الودائع لدى المصارف وإعادة رسملة القطاع المصرفي لمنع موت القطاع، والمحاسبة لمن أساء استخدام الودائع واستثمارها في إقراض الدولة لقاء فوائد مرتفعة 42 في المئة وسط التصنيف الائتماني السيئ لسندات الخزانة اللبنانية وتهريب الأرباح إلى الخارج، وإتمام الإصلاح القطاعي الشامل". وطالب مالكي المصارف بإعادة ضخ أموال حقيقية إلى قطاع المصارف من أموالها الخاصة.

ولا يعتقد حمادة أن تعديل نظام السرية المصرفية قد يسهم في الحيلولة دون عودة أموال المغتربين، لأن ظهور النظام كان في ظل ظروف المحيط العربي التاريخية بعد نكبة فلسطين، وثورة النفط، إلا أن الأهم حالياً هو "(الكابيتال كنترول) لمعرفة حجم الأموال الموجودة والكتلة النقدية داخل القطاع، على قاعدة إقراره متأخراً خيراً من ألا يأتي، لأنه كان يجب أن يقر مع بدء الأزمة أي قبل ثلاث سنوات. ومن ثم تأمين مصلحة المودعين ومنع استمرار تهريب الأموال إلى الخارج، والسماح لصغار المودعين الحصول على مبالغ ضرورية للعلاج والتعليم والمعيشة. ومن ناحية أخرى، لا بد من إقرار إعادة رسملة المصارف وألا تكون على حساب المودعين، بحيث لا نكون أمام تعريض الودائع التي تفوق 100 دولار للخطر، وعدم تحديد كيفية إعادة الودائع التي تبلغ دون 100 ألف دولار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير