Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فنانون عالميون وعرب تحمسوا لكرة القدم في أعمالهم

تمثل اللعبة الجماهيرية وجها من وجوه الثقافة الشعبية التي ألهمت الفن التشكيلي

"حارس المرمى" للرسام البريطاني سيسيل بيتون   (صفحة الرسام - فيسبوك)

ما الذي يجمع بين الفن وكرة القدم؟ قد يكون هذا السؤال مربكاً للبعض، إذ لا يبدو حقاً أن هناك قواسم مشتركة بين كرة القدم والفن، فهما مجالان مختلفان لا يجمعهما أي تاريخ مشترك، لكننا نستطيع بسهولة تلمس الروابط بين الفن وكرة القدم إذا ما التفتنا إلى طبيعة الفن كنشاط إبداعي يعكس ثقافة المجتمعات والشعوب. ومن هنا يمكن الالتفات إلى الروابط الوثيقة التي تجمع بين الفن وكرة القدم باعتبارها أحد أبرز مظاهر الثقافة الشعبية في عصرنا. إن هذه اللعبة الواسعة الانتشار، تمثل جانباً من وعينا وثقافتنا بلا شك، من مشهد الأطفال وهم يلعبون الكرة في الشارع وتصدرها عناوين الصحف والأخبار، إلى الولاء المجنون للفرق والنوادي الرياضية.

 

 

كان لا بد للعبة بهذا الحضور أن تثير قريحة الفنانين حول العالم، ولعل رسوم الغرافيكي المنتشرة في كل مكان في العالم لأبطال هذه اللعبة هي خير مثال على ذلك. غير أن الأمر لا يقتصر على رسوم الغرافيتي للرسامين المجهولين، أو مجرد الاحتفاء بها تقديراً أو إعجاباً. فتناول الفنانين كرة القدم قد تكون له دوافع أخرى ناقدة أو راصدة لظواهر اجتماعية، ويمكنها أيضاً أن تكون مثار خلاف أو سجال. نضرب مثلاً هنا بتمثال الفنان الجزائري عادل عبدالصمد الذي خلد فيه لحظة تاريخية لأحد نجوم هذه اللعبة، وهو اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية زين الدين زيدان. ففي نهائي كأس العالم عام 2006 أقدم زيدان على تسديد ضربة رأس لأحد لاعبي الخصم، لينهي تاريخه الرياضي نهاية مؤسفة بعد طرده من المباراة على أثر هذه الضربة.

 

 

جسد الفنان الجزائري عادل عبدالصمد هذه اللحظة التاريخية في تمثال برونزي بطول خمسة أمتار، وهو عمل نموذجي لموضوع مثالي، ينطوي على عديد من الأفكار والإحالات. غير أن هذا التمثال قد أثار عديداً من السجال والجدل من حوله في كل مكان عرض فيه. في فرنسا وإيطاليا اعتبر كثيرون تمثال عبدالصمد احتفاءً بالعنف الرياضي، وإضفاء نوع من التقدير على فعل شائن. وحين تلقفته دولة قطر لعرضه بشكل دائم على شاطئ الدوحة أثار عاصفة من الاستياء بين الناس، الذين اعتبروا وجوده عدم تقدير للتقاليد الدينية المحلية التي تحرم التماثيل، لذا لم يدم عرضه هناك سوى أقل من شهر.

 

 

في تاريخ الفن الغربي كان لكرة القدم حضور بارز في أعمال عديد من الفنانين، فقد تعامل معها المنتمون إلى المدرسة المستقبلية مثلاً كموضوع مثالي للتعبير عن الديناميكية والطاقة والحركة. يبرز هنا عمل شهير لأحد أقطاب هذه المدرسة وهو الرسام الإنجليزي كريستوفر ريتشارد وين، الذي يصور فيه مشهداً خارجياً يظهر فيه عدد من أبخرة المداخن وقطار بخاري في الخلفية، بينما يتصدر المشهد مجموعة من اللاعبين وهم في خضم صراع على الكرة في إحدى الساحات الشعبية. وتعد هذه اللوحة نموذجاً مثالياً للحركة التي كان يتعمد ريتشارد وين إبرازها في أعماله.

 

 

لم يقتصر تناول لعبة كرة القدم على المستقبليين فقط، إذ كانت موضوعاً محبباً ومتكرراً عند فنانين كثيرين خلال القرن العشرين. بين أبرز الفنانين الذين عبروا عن لعبة كرة القدم يأتي الفنان الإسباني بابلو بيكاسو وتمثاله الخزفي الشهير "لاعب كرة القدم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا العمل الذي أنتجه بيكاسو عام 1965 يتم اختزال حركة اللاعب في عدد من الخطوط الناعمة والبسيطة. يمثل التمثال نموذجاً مثالياً لأسلوب بيكاسو الذي يميل إلى المرح والسخرية. في هذا العمل الشبيه بنجم البحر يجسد بيكاسو هيئة مجردة لأحد لاعبي كرة القدم وهو يقف على ساق واحدة، بينما يمد الأخرى إلى الخلف استعداداً لركل الكرة. هو عمل بسيط يلخص هيئة اللاعب في خطوط قليلة، غير أنه يشع بالطاقة والبهجة، كما يعكس على نحو مباشر أسلوب بيكاسو في اختزال العناصر إلى حدها الأقصى.

 

 

بين أبرز القواسم المشتركة بين الفن وكرة القدم أنهما يشتركان في إشباع غريزة اللعب عند البشر، فكرة القدم لعبة، كما أن الفن في أحد أعمق جوانبه يخاطب هذه الغريزة الكامنة عند البشر. يرى الفنان الليبي عمر جهان أن اللعب هو الأساس الحقيقي للثقافة في نظر بعض المفكرين، بل يمكن اعتباره هو العنصر الأسمى للفن. في مقدمته لمجموعة الأعمال التي أنجزها تحت عنوان "غريزة اللعب" يرى جهان أن اللعب في الفن يعد واقعاً رمزياً على نحو من شأنه أن يجعل بعض العلاقات تتخذ بروزاً ساحراً كما في أعمال كلي وشاغال وروسو وكاندنسكي، وكذلك في أعمال الدادائيين ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.

 

 

يذهب جهان إلى أن جميع الأعمال الفنية الكبيرة تمتلك خاصية اللعب والخيال وسحر التأثير. يتجسد اللعب على نحو مباشر في راقصات ديغا ولاعبي الورق عند سيزان وسيرك لوتريك وأراغوز بيكاسو. غير أن علاقة الفن باللعب لا تقف عند هذا الحضور المباشر كما يقول جهان بل تصل إلى نقطة أبعد وأعمق حينما تتخلل بنية المنهج وسمات الأسلوب الخاص للفنان.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة