Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبعوث مصر لـ"كوب 27": العالم يشهد عجزا في الثقة وفائضا في الأزمات

محمود محيي الدين لـ"اندبندنت عربية": لا بد لقضية المناخ من أن تكون أولوية والعمل يستلزم تمويلاً كافياً لحماية البشرية

قال محمود محيي الدين إن العمل من أجل حماية الطبيعة يستلزم وجود حلول علمية وتمويل كاف (أ ف ب)

مع قرب اختتام مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب 27" الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ السياحية بمصر، من دون اختراق يذكر بعد على صعيد المفاوضات الماراثونية الجارية بين الوفود الرسمية للدول المشاركة، قال محمود محيي الدين المبعوث الرئاسي المصري إلى مؤتمر الأطراف والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، إن "العمل من أجل حماية الطبيعة يستلزم وجود حلول علمية وتمويل كاف، والنجاح الحقيقي للمؤتمر هو التنفيذ الفعلي لمخرجاته على أرض الواقع".
وعلى هامش قمة شرم الشيخ، التي تعد نتائجها المرتقبة اختباراً لعزم العالم على معالجة ظاهرة ارتفاع حرارة الكوكب في وقت تستحوذ فيه على اهتمام العالم أزمات أخرى تمتد من حرب روسيا في أوكرانيا إلى تضخم أسعار المستهلكين، أوضح محيي الدين في حوار مع "اندبندنت عربية" أن "الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف اهتمت منذ بداية عملها بفكرة التطبيق والتنفيذ من خلال نهج شمولي للعمل المناخي، ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل عالم يشهد اضطرابات شديدة وأزمات كبرى"، مضيفاً أن "العالم يتعرض لعجز في الثقة وفائض في الأزمات".
بشكل رئيس يواجه مؤتمر المناخ في نسخته الحالية تحدي تعزيز تعهداته إزاء الاحترار الآخذ في الارتفاع، وتوفير دعم مالي للدول الفقيرة والأكثر تضرراً من التغير المناخي، لكن وفق من تحدثوا سابقاً لـ"اندبندنت عربية"، تطالب الدول النامية من جانبها بمزيد من الأموال من الدول الغنية التي لم تحترم وعودها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً على شكل مساعدات لخفض الانبعاثات والتكيف مع تداعيات التغير المناخي، فضلاً عن إنشاء آلية منفصلة لمواجهة "الخسائر والأضرار"، وهما من سيقرران نجاح أو فشل "كوب27" على حد وصفهم، الأمر الذي يصطدم بتحفظ من الدول الغنية لا سيما الأوروبية والولايات المتحدة الساعية في الأساس إلى حشد مزيد من طاقات القطاع الخاص أو اللجوء إلى هيئات قائمة مثل "الصندوق الأخضر للمناخ"، من دون الحاجة إلى استحداث آلية جديدة.
وعلى الرغم من الدفعة التي منحها بيان قادة مجموعة العشرين الذي صدر الأربعاء (16 نوفمبر)، في ختام قمته بإندونيسيا، في شأن دعمهم الهدف العالمي الخاص بتقييد ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية والتخلص التدريجي من الفحم والإسراع بجهود تمويل المناخ، ووصول الرئيس البرازيلي المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى شرم الشيخ، الذي تعهد إعادة مشاركة الدولة ذات الغابات المطيرة إلى الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، لا تزال المفاوضات بعيدة عن التوافق في شأن بيانها الختامي، الأمر الذي دفع القاهرة إلى حث المفاوضين على حل خلافاتهم قبل انتهاء أعمال المؤتمر.

منهج شمولي للعمل المناخي

وأوضح محمود محيي الدين في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الإطار التنفيذي لقمة شرم الشيخ وأهم ما يميزها عن المؤتمرات السابقة، أنها اعتمدت منذ البداية "فكرة التطبيق والتنفيذ في الإعداد للقاءات المختلفة، وأن يكون شديد الارتباط بالمنهج الشمولي للعمل المناخي"، موضحاً أنه "بعكس اتفاقية باريس عام 2015، التي تضمنت مخرجاتها أربعة عناصر رئيسة وهي تلك المتعلقة بالتخفيف وأخرى بالتكيف، وثالثة مرتبطة بملف الأضرار والخسائر، ورابعة مرتبطة بالتمويل، لم تكن شاملة بالقدر الكافي، وسعينا خلال قمة شرم الشيخ لوضع كل هذه العناصر في إطار ما هو أشمل وهو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل عالم يشهد اضطرابات شديدة وأزمات كبرى".
واستشهد المبعوث المصري بتعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، أن العالم يتعرض "لعجز في الثقة"، فقال "أضيف إلى ما قاله الأمين العام أن العالم تعترضه أيضاً مشكلات، وأن هناك عجزاً في الثقة وفائضاً في الأزمات، كأزمة الغذاء وأسعارها وأزمة الطاقة وأسعارها وأزمة شح التمويل وزيادة الاعتماد على وسائل الاستدانة من ناحية أخرى"، مضيفاً "حاولنا من خلال كوب 27 معالجة كل هذه الأمور بنهج تطبيقي عملي تنفيذي ويركز في الوقت ذاته على اعتبارات مهمة ندفع بها إلى الأمام في الأطر التعاونية المختلفة".

أزمة التمويل

وفيما لا تزال الانقسامات قائمة بين الدول الأعضاء المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ، حول قضايا أبرزها تلك المتعلقة بالتمويل وما إذا ما كان يتعين على الدول الغنية إنشاء صندوق تمويل لتغطية الأضرار غير القابلة للإصلاح التي يسببها تغير المناخ، أوضح محيي الدين أن "موضوع التمويل ليس مقتصراً فقط على المئة مليار دولار الموعودة منذ مؤتمر كوبنهاغن للمناخ في 2009، وعلى الرغم من أهمية الرقم في حد ذاته، فإنه لا تزال هناك مطالبات من الدول النامية بالاستمرار في الحصول على التمويل المناسب الذي وفق أحدث دراسة طلبت من مجموعة من الخبراء، من جانب رئيس القمة الحالية وزير الخارجية المصري سامح شكري ورئيس القمة السابقة إلوك شارما، أكدت أن احتياجات التمويل للدول النامية من دون الصين لا تقل عن تريليون دولار سنوياً". وأشار إلى أنه من بين 23 دولة متقدمة قدمت تعهد 100 مليار دولار لم تف بحصتها إلا سبع دول فقط، هي: فرنسا وألمانيا وهولندا واليابان وعدد من الدول الاسكندنافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشرح محيي الدين "حين نتحدث عن 100 مليار فإننا نتحدث فقط عن 10 في المئة مما تحتاج إليه الدول النامية، وإذا أضفنا الاحتياجات الأخرى للعمل المناخي، كموضوع الطاقة والتكيف مع الأخذ في الاعتبار ملف الأضرار والخسائر، فإن الرقم سيكون أكبر من ذلك بكثير". وتابع "مؤتمر الأطراف الـ27 اهتم بأبعاد العمل المناخي التي لا تحظى بالاهتمام والالتزام الكافيين، مثل إجراءات التكيف مع التغير المناخي، ومناقشة ملف الخسائر والأضرار الناتجة عن الظاهرة، وتوفير التمويل العادل والكافي للعمل المناخي من خلال تنويع المصادر سواء بدمج التمويل الداخلي والخارجي أو دمج التمويل العام والخاص".
وبحسب محيي الدين، فإن "المؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث تقوم بدور جيد لإيجاد الحلول العلمية لأزمات الطبيعة والمناخ، غير أن تمويل العمل المناخي يواجه تحديات كبيرة ويحتاج إلى حلول مبتكرة"، موضحاً أن "أجندة شرم الشيخ للتكيف تضم فئات من المشروعات التي تحقق الصمود لنحو أربعة مليارات نسمة، فضلاً عن احتوائها آليات لخفض الديون والاستثمار في هذه المشروعات".
وذكر محيي الدين أن الرئاسة المصرية للقمة بالتعاون مع رواد المناخ "قدموا عملاً غير مسبوق بالتنسيق مع المجموعات الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة الخمسة، إذ أعدوا قائمة بأكثر من 420 مشروعاً، تقدمت بها 80 دولة، وتم عمل ملخص لهذه المشروعات بواقع 10 لكل إقليم اقتصادي، أي 50 مشروعاً لتشجيع الشركات والجهات الاستثمارية المختلفة للتقدم بتمويلها"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يأتي "في إطار جهدنا مع أفريقيا، لا سيما بعد ظهور تجمع لأكبر الجهات الممولة والمستثمرة حول العالم، منذ مؤتمر غلاسكو العام الماضي، بأصول تتجاوز 130 تريليون دولار، وامتلاكهم عدداً من مبادرات التمويل"، موضحاً أن "هدف هذه المشروعات هو تقديمها لهذه الجهات والعمل عليها".

هل أثرت الأزمات الدولية؟

ولدى سؤاله عما إذا كانت التوترات الدولية المتصاعدة تسببت في تراجع الاهتمام العالمي في شأن القضايا المناخية، لا سيما على صعيد الحرب الروسية- الأوكرانية أو التوتر الذي يشوب العلاقات بين بكين وواشنطن، قال المبعوث المناخي المصري "على العكس تماماً، هناك اهتمام متزايد انعكس خلال الأيام الأولى من المؤتمر ولا يزال في شكل مبادرات للاستثمار وضخ تمويل جديد في مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة وطاقة الهيدروجين الأخضر". وأوضح أن "ما يراه الناس هو رد الفعل السريع، الذي من الممكن أن يكون متفهماً لدى بعض الدول بسبب أن الحرب الروسية- الأوكرانية على وجه التحديد خلفت أزمة طاقة غير مسبوقة ودفعت بكثير من الدول إلى حرق كل ما تجده في طريقها لتوليد الطاقة".
وتابع محيي الدين "في الوقت ذاته أظهرت هذه الأزمة وبقوة أن المشكلة المرتبطة بالحرب لا سيما على صعيد الطاقة لا يمكن حلها سوى من خلال تنويع مصادرها ليس فقط جغرافياً ولكن من أنواع مختلفة، أي عدم الاعتماد فقط على البترول والغاز الطبيعي والفحم، وأصبح واضحاً أنه يجب القيام بثلاثة أمور، أولها: التخارج العادل والمعتدل من المصادر التقليدية للطاقة، وثانيها: ضخ الاستثمارات المناسبة للتكنولوجيا الجديدة المساندة للطاقة المتجددة بما في ذلك صناعة البطاريات والتعاون مع الأصول التي ستتأثر سلباً بهذا التحول والعاملين في هذه القطاعات، وثالثها: أن يكون هناك مجالات للنفاذ إلى تمويل طويل الأجل واستثمار أكثر تميزاً وانضباطاً مما هو عليه الآن".
وفي شأن عودة بعض الدول الأوروبية إلى استخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، أوضح محيي الدين أن هذه العودة اضطرارية، موضحاً أن "الأزمة الأوكرانية أدت إلى وجود تيار يتجه نحو العودة إلى مصادر الطاقة غير الصديقة للبيئة، وتيار آخر يدعو إلى تعدد مصادر الطاقة وأهمية الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة".

ماذا بعد "كوب 27"؟

وبعد سؤاله عن مدى التزام الدول بتعهداتها المناخية وإمكانية محاسبتها مع إقرار مؤتمر المناخ في بيانه الختامي خطوات عملية لمواجهة تداعيات الأزمة الكارثية، أجاب محيي الدين، بأن "التعهدات المختلفة إما تأتي من دول أو شركات أو مؤسسات غير حكومية. والدول لا تحاسب بعضها البعض في شأن التزاماتها، غير أن المحاسبة ممكن أن تتم عبر البرلمانات ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، بينما تتم محاسبة المؤسسات والشركات والبنوك من خلال الجهات الرقابية التي تخضع لها في حال عدم التزامها أو تلاعبها في ما يعرف بظاهرة الغسل الأخضر".
ونشرت الأمم المتحدة قبل يومين مسودة ختامية لمؤتمر الأطراف الحالي بشرم الشيخ، حددت فيها ما قد يتفق عليه المؤتمر في شأن تقديم مساعدات مالية للبلدان التي تضررت بشدة من تأثيرات تغير المناخ تعويضاً عن "الخسائر والأضرار" التي لحقت بها، وهي مسودة على الأرجح ستخضع لمزيد من النقاش والتعديل من قبل الدول المشاركة قبل اعتمادها كما هو مأمول في ختام القمة.
وتنص "مسودة كوب27" على أن المؤتمر سيشهد إطلاق عملية مدتها سنتان تعمل خلالها البلدان على كيفية توفير تمويل للبلدان النامية التي تعاني "الخسائر والأضرار"، وقدمت خيارين لما يمكن أن تسفر عنه هذه العملية، الأول: هو أن تؤدي العملية إلى "ترتيبات تمويل" للخسائر والأضرار بحلول نوفمبر 2024. وقالت المسودة إن هذا قد يشمل تأسيس صندوق تمويل تابع للأمم المتحدة.
وكان الخيار الثاني هو تأجيل اتخاذ قرار في شأن دور "وكالة المناخ" التابعة للأمم المتحدة في مجموعة أوسع من الخيارات لتمويل الخسائر والأضرار، وذلك حتى عام 2023، الأمر الذي اعتبره بعض المشاركين "غامضاً للغاية".

ولا تزال البلدان المشاركة منقسمة، حول ما إذا كانت ستوافق على تأسيس صندوق جديد، حتى بعد أن اتفقت للمرة الأولى على إجراء محادثات رسمية تحت مظلة الأمم المتحدة في شأن "الخسائر والأضرار"، وهو مصطلح تستخدمه الأمم المتحدة للإشارة إلى الآثار المدمرة التي لا يمكن إصلاحها والناجمة عن الكوارث الناتجة عن تغير المناخ. ولم تصل محادثات الأمم المتحدة السابقة إلى هذا الحد من قبل نظراً إلى مقاومة الدول الغنية التي تشعر بالقلق حيال تحميلها مسؤولية الانبعاثات التي ارتبطت تاريخياً بأنشطة العالم المتقدم.

المزيد من حوارات