Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتهاكات الـ "آي إن إف"... هل اقتربت المواجهة بين روسيا وحلف الأطلسي؟

"ناتو" يطالب موسكو بتدمير نظامها الصاروخي (أس أس سي -8) المنشور في أوروبا والأخيرة ترفض... ومراقبون يتخوفون من احتمالات التصعيد

جنود روس يحاولون تثبيت أحد الصواريخ الروسية (أ.ف.ب)

بين الحين والآخر، يعود شبح الحرب الباردة بين محوري الشرق والغرب، المنتهية "نظرياً" منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، على وقع أزمات كبرى تتضارب فيها مصالح روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي والغرب ممثلاً في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو).

ومن بين تلك الأزمات يأتي تبادل انتهاكات معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى (The Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty)، المعروفة اختصاراً بـ(INF)، والمبرمة عام 1987، إذ على مدار اليومين الأخيرين، تبادلت موسكو وحلف ناتو الاتهامات بشأن الصواريخ الباليستية الروسية المنشورة في أوروبا، وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، "رفض روسيا تدمير تلك الصواريخ"، وذلك في وقت تحللت فيه واشنطن وتبعتها موسكو من الالتزام ببنود المعاهدة.

وفيما يتخوّف مراقبون من قرب احتمالات التصادم بين الطرفين وسط تضارب حدة المصالح في ملفات عدة، ومن بينها أوكرانيا منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، يتوقع آخرون أن تكون قوة الردع المتبادلة كافية لمنع تصاعد التوتر، وذلك قرب حلول أجل الثاني من أغسطس (آب) المقبل، إذ يطالب الـ"ناتو" بأن "تدمر روسيا نظامها الجديد للصواريخ (أس أس سي -8) بحلول ذلك التاريخ، وهو موعد انتهاء العمل بمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى".

تصاعد الأزمة
في الخامس من يوليو (تموز) الحالي، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، "رفض روسيا تدمير الصواريخ الجديدة المنشورة بأوروبا في انتهاك للمعاهدة المبرمة في 1987".

وقال ستولتنبرغ، خلال مؤتمر صحافي، "لم نسجّل أي بوادر على إرادة روسيا الالتزام بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية المتوسطة المدى من خلال تدمير هذه الصواريخ قبل الثاني من أغسطس (آب)، والعواقب في غاية الخطورة للحد من التسلّح".

 

وأوضح، "إذا تبيّن أنه من المستحيل إنقاذ المعاهدة عندها سيكون رد فعل الحلف الأطلسي منسقاً ودفاعياً. سنضطر إلى التحرك".

وفي 26 يونيو (حزيران) الماضي وافق وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي على "سلسلة تدابير عسكرية وسياسية"، أهمها ترسيخ الدفاع المضاد للصواريخ.

وبينما أقر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بأن "الدفاعات الحالية عاجزة عن إسقاط صاروخ عابر للقارات يطلق من روسيا، وأن أوروبا لا تنوي نشر صواريخ جديدة مجهزة برؤوس نووية"، قال إن "هذه الصواريخ قادرة على نقل رؤوس نووية واستهداف مدن أوروبية خلال دقائق"، مضيفاً أنه "يصعب رصدها".

وتابع "هدفنا إنقاذ المعاهدة. أمامنا أربعة أسابيع حتى الثاني من أغسطس (آب)".

وقبيل تصريحات ستولتنبرغ بيومين، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صادق على تعليق مشاركة بلاده في المعاهدة، التي وقّعت في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 1987، بين الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، والزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، إذ سمح ذلك الاتفاق بالقضاء على الصواريخ الباليستية والعابرة القارات من طراز (أس أس -20) الروسية و(بيرشينغ) الأميركية المنشورة في أوروبا.

وحسب ما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، فإن بلاده "سترد بالمثل على أي خطوات يتخذها حلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بقرار روسيا وقف العمل بمعاهدة للصواريخ النووية".

ويقول مراقبون إن "خطورة الانسحاب من هذه الاتفاقية تكمن ببدء منافسة جديدة بين البلدين في التسلّح، هذا إلى جانب تهديد العمل باتفاقية (ستارت) حول الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، التي ينتهي مفعولها أصلاً عام 2121".

وبالتزامن مع تلك التطورات، نشرت وزارة الدفاع الروسية لقطات فيديو صُوّرت من قمرة قيادة طائرة هليكوبتر تحلّق فوق ما قالت إنها سفن بحرية تابعة لحلف الأطلسي تشارك في المناورات العسكرية "نسيم البحر 2019".

وتجرى تدريبات "نسيم البحر" في أوكرانيا سنوياً منذ عام 1997، ويشارك نحو 900 من مشاة البحرية، إضافة إلى 30 سفينة بحرية من 14 دولة شريكة لحلف شمال الأطلسي في تدريبات هذا العام، التي ستستمر حتى 12 يوليو (تموز) الحالي، حسبما ذكر بيان صادر عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في أبريل (نيسان) هذا العام، إذ يثير ضم روسيا شبه جزيرة القرم ودعمها الانفصاليين الموالين لها في شرق أوكرانيا أسوأ أزمة في العلاقات بين موسكو والغرب منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وفق مراقبين.

هل يقود التوتر إلى مواجهة؟
وسط تصاعد التوترات على المستوى الرسمي بين الطرفين، تتباين آراء المحللين والمراقبين بشأن مستقبل التصعيد، وذلك في وقت توصّلت فيه دراسة أجرتها مجموعة (سي. إن. إيه كورب) للأبحاث، أنه سيكون من الأصعب على كل من الولايات المتحدة وروسيا استكشاف نيات كل منهما الأخرى، إن انتهت معاهدتهما للحد من الأسلحة النووية المنشورة، مما سيعطيهما الحافز لتوسيع ترسانتهما.

وكتب فينس مانزو، الخبير بمجموعة (سي. إن. إيه كورب)، في الدراسة، "لن تكون لدى أي بلد نفس الدرجة من الثقة بقدرته على تقييم مستوى الرؤوس الحربية لدى الآخر بدقة".

وبات من المرجّح أيضاً أن يخطط كل جانب لكيفية مواجهة أسوأ التصورات المتوقعة.

 

وأضاف مانزو "انعدام الشفافية المتزايد بين القوى النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية سيظهر في الصورة الأكبر المتمثلة في تزايد انعدام الثقة واتساع هوة المعرفة بالاستراتيجيات والنيات".

وفي غياب البيانات والمعلومات، حسب الدراسة، ستضطر الولايات المتحدة إلى إعادة رسم مهام أقمارها الصناعية التي تعمل بكثافة بالفعل، وربما تخصص المزيد لمراقبة روسيا على حساب متابعة الصين وإيران وكوريا الشمالية.

من جانبه، يقول توم روغان المتخصص في دراسات الحرب من جامعة كنجز كوليدج بلندن، إن "ما ينبغي على الـ(ناتو) القيام به هو تأكيد أن قوة الحلف لا تكمن فقط في انضمام أعضاء جدد متشاركين في القيم والأهداف، إنما أيضاً تقوية المخاوف من تحالفهم"، وهذا يعني حسب روغان، وفق ما كتبه بصحيفة "واشنطن إكسامينر"، "إدراك روسيا الدائم أن الـ(ناتو) مستعد للحرب من أجل الفوز".

وتابع، "تعتقد موسكو أن استخدام أسلحة نووية منخفضة العائد سيسمح لها بتخويف أعضاء الحلف الأقل قوة، لكن في المقابل على دول الحلف، لا سيما النووية منها، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تقوية إجراءاتها النووية لردع أي تهديد روسي".

 

بدورها، تنقل قناة "فوكس نيوز" الأميركية، عن محللين معنيين بملف التسليح النووي قولهم، "توجد قناعة في الأوساط الأميركية بخرق روسيا المستمر المعاهدة منذ العام 2012، من خلال نشر صواريخ كروز من طراز (9M729)، التي يقع نطاقها ضمن المسافة المحظورة بموجب المعاهدة"، فيما تنفي موسكو أي انتهاكات، وتكرر أن "الولايات المتحدة هي التي لم تمتثل إلى بنود المعاهدة من خلال نشر صواريخ ومضادات في قواعد أوروبية عدة".

ووفق أحد المحللين، فإن تصاعد الأزمة الناشبة في هذا الأمر يُبقي كل الخيارات مطروحة، موضحاً "ربما يأتي موقف نشهد فيه أزمة صواريخ، ليست قريبة فقط من أزمة الثمانينيات، بل من أزمة الكاريبي".

وتنتقد روسيا خطط الولايات المتحدة المتعلقة بنشر أنظمة الصواريخ في أوروبا الشرقية، كما أنها لم تكن راضية عن انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الأسلحة النووية في أكتوبر (تشرين الثاني) 2018.

ماذا نعرف عن الـ(INF)؟
حظرت المعاهدة التي أبرمها الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، مع الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، الصواريخ الأرضية التي يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5500 كيلومتر (300 - 3400 ميل)، ووضعت حداً لأزمة اندلعت في الثمانينيات بسبب نشر الاتحاد السوفييتي صواريخ (إس إس 20) النووية، التي كانت تستهدف عواصم أوروبا الغربية، ليرد عليها حلف شمال الأطلسي الـ"ناتو" بنشر صواريخ "بيرشينغ" في أوروبا موجهة إلى الاتحاد السوفييتي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبموجب المعاهدة، أقرّ تدمير الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر في السنوات الثلاث التالية لدخول المعاهدة حيز التنفيذ. ومن النقاط التي وردت فيها وضع إجراءات للتحقق من عمليات التدمير في كل دولة، من قبل مفتشين من الدولة الأخرى.

وأجبرت المعاهدة، (الأولى والوحيدة من نوعها بين القطبين النوويين الكبيرين في ذلك الوقت)، الطرفين على سحب أكثر من 2600 صاروخ نووي تقليدي، من الأنواع القصيرة والمتوسطة المدى. وبين الصواريخ الأميركية التي قضت المعاهدة بتدميرها، صواريخ (بيرشينغ 1 إيه)، و(بيرشينغ 2).

ورغم أن معاهدات سابقة أُبرمت قبل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية متوسطة المدى، مثل اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت 1) في 1972، و(سالت 2) في 1979 للحد من القاذفات الجديدة للصواريخ الباليستية، فإن القطبين تعهدا للمرة الأولى بتدمير فئة كاملة من الصواريخ النووية في معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات