Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحولات في “عباءة السعوديات"... والألوان الزاهية تعود بعد هيمنة "السواد"!

على الرغم من الفتاوى الفقهية المتحكمة فيها، أصبحت التصاميم الجديدة تختزل الكثير في طياتها

تُولي المرأة العربية أهمية للأناقة والأزياء، وتحرص على المحافظة على التقاليد الاجتماعية من خلال ارتداء الملابس الوطنية، التي يتم تطويرها بواسطة مصممات الأزياء.

وفي السعودية التي تنظم فيها بشكل دوري عروض الأزياء المحلية والعالمية لعرض الأفكار الإبداعية، تحاول الاختصاصيات في هذا الحقل جذب انتباه المرأة نحو اللباس التقليدي وإغنائه بلمسات الجمال التي تبقي عليه عصرياً حتى وإن كان أصله يعود إلى عقود أو قرون، وليست "العباءة" استثناء من تلك القاعدة.

"اندبندنت عربية" رافقت المتسوقات في أحد معارض أسواق العباءات بمدينة "الخبر" الساحلية شرقي السعودية حيث تُعرض تصاميم عباءات عصرية وحديثة تنعش ما يمثل للكثيرات في السعودية نمطًا في الملبس، إذ تقول آمنة المفتاح مسؤولة مبيعات "إن السعوديات يحرصن في العقود الأخيرة على ارتداء عباءات عصرية تتناسب مع طبيعة خروجهن إلى الجامعة والعمل، مع إدخال بعض التصميمات الملونة لكسر حدة اللون الأسود".

ومنذ بدأت المرأة تستعيد زمام حريتها في البلاد بعد هيمنة التيار الديني المحافظ، شرعت السعوديات في ارتداء عباءات ملونة في السنوات الأخيرة لتظهركما توضح المفتاح "ألوان مثل الأبيض والوردي، بدلا من الأسود المعتاد. كما تزايد انتشار ارتداء العباءة المفتوحة على تنورة طويلة أو سروال يصمم من لون العبادة في بعض مناطق السعودية".

عباءات للرياضة وأخرى ترمز لـ"الحرية"

فاطمة البلوشي متسوقة تروي تجربتها مع هذه النوع من الأزياء، بحكم هوايتها البعيدة نوعاً ما عن اهتمامات أكثر النساء في بلادها في وقت سابق، مضيفة "أرتاد المعارض بحثًا عن عباءات ملّونة بتصاميم بسيطة تتماشي مع موجة التطور الحديثة وتستهويني العباءات الرياضية التي تسمح بالركض أو ركوب الدراجات".

وتؤكد أن اختيار أي صنف من العباءات يخفي وراءه العديد من الاهتمامات والميول، فعادة "تعشق النساء الألوان التي تعبر عن الحرية والمرونة والإقبال على الحياة إضافة إلى الراحة في لباسها وبعد زيارتي للمعرض الذي في الخبر أبهرني فن ألوان العباءات الذي أضاف لها قيمة فنية، فإلى جانب الحجاب أصبحت موازية للموضة عالميا".

وفيما اشتهرت أقطار إسلامية وعربية باقتناء العباءات من كل الألوان تقريباً، كان اللون الأسود شبه مفروض من جانب عدد من علماء الدين في السعودية، من اللذين اعتبروا الخروج عن ذلك اللون، مناقضاً للستر والعفاف الذي وجدت العباءة من أجله، وباعثاً على الفتنة وإثارة اهتمام الرجال، مؤكدين أن بين أهم شروط العباءة أن "لا تكون زينة في نفسها".

 

"الكتف" أم "الفرنسية"؟

ولم تكن الفتاوى تتدخل فقط في لون العباءة ولكن أيضاً في طريقة ارتدائها وحجمها ومتى وأين وكيف، إذ كانت هي الفيصل في حسم مسألة ارتداء عباءات الكتف التي تسمى العباءة الفرنسية على سبيل المثال، فردا على سؤال احد المستفسرين عن حكم وضع المرأة العباءة على الكتف عند الخروج، صدرت فتوى عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية قالت بعدم جواز ذلك، "لما فيه من تشبه بالرجال محرم".

أما الموديل المطرز منها فإنه أشد حرمة، حسب الفقيه السعودي الراحل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فهي تعتبر "من التبرج بالزينة والمرأة  منهية عن ذلك ولا فرق بين  هذه العباءة وبين اللباس الذي تحتها".

 لكن العباءة تطورت ذاتياً على الرغم من الفتاوى الفقهية المتحكمة فيها، فأصبحت صورة تعكس أنماطا مختلفة من التصاميم وألوانا متعددة تختزل الكثير في طياتها. فسابقا كانت العباءة قطعة قماش سوداء تغطي جسد المرأة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، وكانت تدل على مدى تديُّن العائلة وتمسكها بالعادات والتقاليد، حسب ما تقول السعوديات.

وتأتي الدعوات لتغيير اللون الأسود إلى لون يتناسب مع طبيعة المناخ في منطقة الخليج عموما والسعودية خصوصا، لا سيما مع عدم ارتباطه بفرضٍ شرعي، حيث يفضل ارتداء العباءات الملونة أو الألوان المشتقة من ذات اللون الأساسي، وتعد العباءة السوداء زيا رسميا وتقليديا للسيدات في الخليج، وهو أمر غير مرتبط بنص قانوني بقدر ما هو عرف اجتماعي، فيما قام بعض رجال الدين بربط العباءة السوداء بالحجاب.

هجر العباءة في السفر!

وبحسب مصممة العباءات السعودية نوف السديري، وجدت "من الرائع وضع لمسات من التجديد والابتكار على رمز من رموز تراثنا في الملبس، وإدخال تحديثات لونية جديدة عليها يقدم لباسا مختلفا لكنه مرتبط برمز تقليدي قديم، وكوني متخصصة بالشريعة لا أرى أن إضافة لمسات جمالية على العبادة تتعارض مع هويتها الدينية لذا حرصت أن تكون عباءاتي بتصميم بسيط وملون يجعل الفتيات يتقبلن العباءات، لا سيما وأنها بدأت تتلاشى من المشهد العام للمجتمع خلال فترات السفر خارج السعودية".

العباءة أصبحت موضة الفتيات في السعودية لذلك تحرص المصممات على إظهار مهاراتهن في جعلها أكثر أناقة وقبولا لدى جيل الشابات الحالي، نظير اهتمامهن بالأزياء التقليدية والعمل على على تطويرها بما ينسجم مع روح العصر "مما يمكن من حفظ هذا التراث ليبقى خالدا للأجيال القادمة، كما أنها أصبحت مربحاً لرائدات الأعمال في مجال الأزياء". كما تقول السديري.

 

"السواد" ليس ملزما!

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نفى في مقابلة  أجراها مع قناة سي بي اس الأمريكية، أن تكون القوانين السعودية تجبر النساء على زي محدد، وإنما " تنص بموجب الشريعة على واجب أن ترتدي النساء ملابس لائقة ومحترمة مثل الرجال. لكن ذلك لا يعني ضرورة عباءة سوداء، والأمر متروك بالكامل للمرأة لتقرير أي نوع من الثياب اللائق والمحترم تريد ارتداءه".

وبين الفقهاء الذين يساندون في فتاواهم هذا التوجه الذي لا يرى التشديد في إلزام النساء بألوان ولباس معين عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله المطلق، الذي قال في برنامج إذاعي إنه لا يرى "إلزام النساء بالعباءات لأن مقصود الشرع هو الستر، وأن أكثر من 90 في المائة من النساء المسلمات في العالم الإسلامي لا يرتدين العباءات فالمهم هو اللبس الساتر".

غير أن هذا التصريح أثار جدلا واسعا في بعض الأوساط، فاضطر المطلق للايضاح بأنه لا يعني السعوديات بالضرورة، إلا أن "كل لباس يحقق الستر وتتوافر فيه الشروط هو حجاب شرعي ومقبول، وأن هناك بلدانا عربية لا تعرف نساؤها العباءة ولايرتدينها ولكن لباسهن محتشم وساتر فالأصل الستر والاحتشام".

جدل قديم

لكن بالعودة إلى أصل الجدل حول مواصفات العباءة، فإنه ليس جديداً، إذ كان بين عديد النقاشات التي أثيرت في عهد أشهر علماء الحديث المعاصرين في العالم الإسلامي الشيخ ناصر الدين الألباني، إذ أثبت أن أصل حجاب الصحابيات وأمهات المؤمنين "ملونا"، وليس مصبوغاً بالسواد.

 

وقال "اعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوّنا بلون غير البياض أو السواد كما تتوهّم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين، الأول: قوله صلى الله عليه وسلم "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه"، والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة. يقول الشيخ إبراهيم النخعي، أنه "كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيراهن في اللحف الحمر". ويروى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة. أي في الحج. وعن سعيد بن جبير، أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليهنّ ثياب معصفرة". 

 

وفي شق الخليج العربي، توثق الأكاديمية المصرية ثريا نصر في كتابها "تاريخ أزياء الشعوب"، أن الحجاب في المنطقة الخليجية والعراق، مر بمراحل تطور عدة، لا تشبه في كثير من جوانبها الوضع القائم حالياً، إذ كان بين سمات العباءة والبرقع الشائعة في المنطقة "التطريز" بألوان حريرية وذهبية، تضفي عليه مسحة جمال لا تنكر، داعمة قولها ذلك بالعديد من الصور التي توثق المشهد في ذلك الحين.

ويختلف الباحثون والمؤرخون في تحديد التاريخ الذي استحوذ فيه "السواد" على لون العباءة، وهل هو قادم من الأندلس أم من العثمانيين بالنسبة إلى منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا. وتنقب الباحثة اللبنانية بادية فحص عن فرضيات أكثر واقعية في نظرها، بعد أن ساد شبه اتفاق بأن العباءة لم تكن حين نشأتها سوداء، نظير ارتباط لون السواد بالحزن والشؤم والعار أحياناً.

وقالت لدى حديثها عن العباءة النجفية "في الأصل، كان لونها أبيض، انقلب إلى السواد بعدما أحرق المغول بغداد، إذ كان الأبيض المطرز بالرسوم والزهور، والألوان الزاهية، الزي الشعبي لنساء بغداد، لكنهن أبدلنه بالأسود حزناً على مدينتهن بعد اجتياح المغول لها هكذا تقول الرواية التاريخية".

وتضيف: "ربما تنطبق هذ الرواية على العباءة النجفية، وربما يرتبط سواد العباءة النجفية، بأحداث تعود إلى ما قبل غزوة المغول، إلى حادثة كربلاء، كتعبير عن الحزن والأسى على مقتل الإمام الحسين بن علي، حفيد الرسول، في معركة الطف. في الحالين، لا جذور دينية لملازمة السواد العباءة، فالأسود لون مكروه شرعاً، حسب الأحاديث المنقولة. إنما اقترن بالعباءة كإعلان عن الحزن، الذي سببته أحداث تاريخية دموية".

تسييس العباءة!

ومع أن العباءة في أصلها شأن اجتماعي عادي مثل غيرها من الأزياء والألبسة إلا أنها مرت في السعودية والعديد من البلدان الإسلامية والعربية بمراحل تاريخية وسياسية مختلفة، إذ حاولت التيارات المتصارعة على المرأة توظيفها إما بمحاولة فرض شكل معين منها على المرأة، أو بالدعوة إلى خلعها أو قلبها.

وفي الحالة الأولى كان هناك التأثر الواضح بالثورة الخمينية قبل 40 عاماً، إذ انتشر النمط الإيراني بين العديد من التيارات الإسلامية مثل الصحوة في السعودية، وحاولت قياس حشمة المرأة بمدى التزامها بالزي الذي يحمل رمزية سياسية.

وفي الحالة الثانية اشتهرت الناشطة المصرية هدى الشعراوي والمتأثرات بها، وقد حملن مرات عدة على زي العباءة واعتبرنه من أساليب التمييز ضد المرأة، ولا يزال تيار النسويات ينظر للعباءة نظرة غير ودية في أحسن الأحوال.

لكن الباحثة الدكتورة شيخة الحربي وثقت في كتابها "العباءة في المناظر والنصوص العربية القديمة" أن ارتداء النساء للعباءة يعكس مدى انسجامهن مع الطبيعة البشرية السوية التي أكدتها المفاهيم الدينية من أجل الحفاظ على هويتهن وكرامتهن، وحرصت المرأة على اتباع هذه الفطرة السليمة بارتداء العباءة الساترة السوداء.

وتوضح أن هناك أسبابا عديدة قد تدفع المرأة إلى خلع عباءتها منها الحزن والأسى، والاحتقار، فقد لا تتردد المرأة في خلع عباءتها أمام من تراه جبانا من الرجال تعبيرا عن الإزدراء.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات