Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحولات اللعبة بين ثلاثة: إمبراطور وقيصر ورئيس

الصراع اليوم يدور على المصالح الاقتصادية والأمنية لا المبادئ

المسرح الساخن هو حرب أوكرانيا حيث الدعم الصيني للروس رمزي في مواجهة الغرب الأميركي والأوروبي (رويترز)

اللعبة خطرة على قمة العالم بين إمبراطور وقيصر ورئيس. إمبراطور لا يجادله أحد. قيصر يملك كل السلطة، والسجن أو القبر لمن يعارضه. ورئيس واسع الصلاحيات، لكن الكونغرس يقف له بالمرصاد ويجادله حتى أعضاء في حزبه قبل الحزب المنافس والإعلام القوي.

وهي ليست جديدة وإن تبدلت فيها المواقع والأدوار. أبطال اللعبة في حرب كوريا أوائل الخمسينيات من القرن الماضي كانوا "القيصر" السوفياتي ستالين و"الإمبراطور" الصيني ماو تسي تونغ والرئيس الأميركي ترومان. ستالين أرسل كيم إيل سونغ للسيطرة على شبه الجزيرة الكورية، وبعث برسالة إلى ماو يطلب منه دعمه بخمس فرق من الجيش الصيني. ترومان دفع قوات أميركية بقيادة الجنرال ماكارثر ومعها قوات من حلفاء الولايات المتحدة. وما انتهت إليه الحرب هو تقسيم كوريا إلى شمالية لا تزال تحت حكم أسرة كيم، وجنوبية موالية لأميركا.

المرة الثانية كان أبطال اللعبة ماو وبريجنيف ونيكسون. لكن ماو الذي عاد واختلف مع ستالين وحلفائه، هزته حادثة حدود عند نهر ميسوري قتل فيها السوفيات مجموعة عسكرية صينية، وأقلقه قول الجنرالات له إن "السوفيات أقوى منا"، قرر التفاهم مع أميركا، فتجاوب معه الرئيس نيكسون. كان منطق الدكتور كيسينجر الذي زار الصين ومهد لزيارة نيكسون هو المثل الصيني القائل "الجلوس على قمة الجبل ومراقبة قتال نمرين".

أما أبطال اللعبة اليوم، فإنهم شي جينبينغ الذي كرسه الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره الـ20 "إمبراطوراً" والرئيس فلاديمير بوتين الذي أخذ بقسوته ودهائه دور "القيصر" والرئيس جو بايدن الذي يزداد وضعه الداخلي صعوبة. لكن المواقع اختلفت، الإمبراطور والقيصر حليفان هذه المرة في اللعب مع الرئيس. المسرح الساخن هو حرب أوكرانيا، حيث الدعم الصيني للروس رمزي في مواجهة الغرب الأميركي والأوروبي. والمسرح الكبير للحرب الباردة الجديدة هو في الشرق الأقصى والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وأستراليا، حيث "الشراكة بلا حدود" بين بكين وموسكو في مواجهة واشنطن. وما اختلف ليس المواقع فحسب بل الدوافع وراء الصراع أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك أن الصراع في الحرب الباردة بين الجبارين الأميركي والسوفياتي كان له طابع أيديولوجي إلى جانب البعد الجيوسياسي. اشتراكية ضد رأسمالية وبالعكس. معسكر يساري ضد معسكر يميني وبالعكس. أممية "تحررية" ضد إمبريالية متسلطة وبالعكس. خروتشوف كرر مقولة "دفن الرأسمالية". ورؤساء أميركا مارسوا استراتيجية "الاحتواء" التي نظّر لها الدبلوماسي جورج كينان على أمل أن تكون النهاية تفكيك الاتحاد السوفياتي. كان الصراع الساخن بالوكالة وليس مباشراً بين الجبارين. وما حدث هو انهيار الاتحاد السوفياتي والشعور في أميركا بالانتصار النهائي لاقتصاد السوق والليبرالية السياسية قبل أن تبرهن الصين وروسيا العكس، وأنه لا نهاية للتاريخ.

أما الصراع اليوم، فإنه يدور على المصالح لا المبادئ، المصالح الاقتصادية والأمنية وكل ما يتعلق بالأمن القومي في الصراع الجيوسياسي. لا أميركا تشكل تهديداً وجودياً للصين وروسيا وإن كان بوتين يتحدث عن "خطر وجودي" ورغبة في "محو روسيا من فوق الخريطة" وهذا طبعاً من باب تبريره لغزو أوكرانيا، ولا الصين أو روسيا تشكل تهديداً مصيرياً لأميركا وإن كانت إدارة بايدن تتحدث عن تحديات صينية كبيرة بالنسبة إلى نفوذها. الصين سوق مفتوحة للرأسمالية تحت عنوان "الاشتراكية بالخصائص الصينية" وهي تؤكد قولاً وفعلاً أنها لا تريد تصدير الأيديولوجيا إلى أي بلد، ولا دعم حزب ماركسي في أي مكان. وروسيا انتقلت من الاشتراكية أيام السوفيات إلى "رأسمالية الشلة" و"الأوليغارشية" و"الكليبتوكراسي" أيام بوريس يلتسين وبوتين. من أسلحة الصين في الصراع مشروع "الحزام والطريق" الممتد من الشرق الأقصى إلى الشرق الأوسط مروراً بأوروبا وصولاً إلى أفريقيا. وسلاح روسيا هو النفط والغاز وبيع الأسلحة للهند وبلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا. وكيفما انتهت حرب أوكرانيا، فإن النتيجة تبقى مجرد صورة في مشهد واسع.

يقول جان بيار كابستان في كتاب "الصين غداً: ديمقراطية أم ديكتاتورية؟" إن شي تلميذ جيد لماكيافيللي ونصيحته للأمير هي "أن تكون مخيفاً أفضل من أن تكون محبوباً". وهذا أيضاً ما اختاره بوتين. بايدن أراد دائماً أن يكون محبوباً، ولم يستطع أو يحاول أن يكون مخيفاً. والقمة تتسع للاعبين آخرين بينهم الهند وأوروبا واليابان.

المزيد من تحلیل