في خطوة اعتبرها كثيرون استمراراً في التصعيد والتضييق ضد حزب المؤتمر الوطني المنحل، تم على نحو مفاجئ إعادة قيادات الحزب (الإخوان المسلمين) الذين تجري محاكمتهم كمتهمين في انقلاب يونيو (حزيران) 1989 وعلى رأسهم عمر البشير إلى سجن كوبر الاتحادي.
والخطوة تأتي بعد أيام من تحذيرات رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان لقيادات الحزب والإخوان بالابتعاد عن الجيش والكف عن أحلامهم بالعودة للسلطة على ظهر القوات المسلحة، وبعد نحو عام كامل أمضوه في المستشفيات بحجة حاجتهم إلى عناية طبية لصيقة.
البشير إلى السجن
تحت حراسة أمنية مشددة، جرى نقل الرئيس المخلوع عمر البشير ووزير دفاعه عبدالرحيم محمد حسين من مستشفى علياء التخصصي بالسلاح الطبي إلى غرفهم داخل السجن المركزي بالخرطوم.
وفيما لم يصدر أي تأكيد رسمي حول مصدر القرار، نفى محامي المتهمين أبوبكر عبدالرازق تلقيهم قراراً بذلك من المحكمة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي أشارت إلى أن الأمر ربما تم بتوجيهات سيادية.
كذلك شمل إجراء الإعادة للسجن، بحسب محمد الحسن الأمين محامي البشير، كلاً من عبدالرحيم محمد حسين وزير الدفاع الأسبق، وإبراهيم السنوسي أمين هيئة شوري حزب المؤتمر الشعبي، وبكري حسن صالح نائب الرئيس السابق، وعلي الحاج أمين حزب المؤتمر الشعبي، ويوسف عبدالفتاح الوزير الولائي الأسبق، وذلك باستثناء متهم واحد لا يزال بالمستشفى هو الفريق محمد الخنجر، نظراً لوضعه الصحي.
تقارير طبية
وصف الأمين وجود قيادات النظام السابق بالمستشفيات بأنه كان إجراء طبيعياً بناء على تقارير طبية تؤكد حاجتهم إلى رعاية طبية لصيقة، لافتاً إلى أن طول الفترة التي أمضوها بالمشافي هو ما دفع هيئة الاتهام إلى التقدم للمحكمة بطلب إرجاعهم إلى السجن.
وأكد محامي البشير أن التقارير الصادرة عن الأطباء الاختصاصيين المشرفين على علاج المتهمين كافية ومقبولة لدى الأجهزة القضائية، ولا علاقة للقومسيون الطبي بهذا الإجراء، مبيناً أن قرار السماح للمتهمين بالبقاء في المستشفيات تم بواسطة المحكمة المعنية، وأن حالهم لا تزال تقتضي الرعاية الطبية الخاصة.
لا يرى الأمين أية علاقة بين إعادة البشير وبقية المتهمين للسجن والتحذيرات التي أطلقها الفريق البرهان خلال الآونة الأخيرة، في تصعيد واضح ضد قيادات الإسلاميين من النظام السابق، معتبراً تلك التحذيرات مجرد رسائل موجهة إلى جهات أخرى معنية يعلمها المرسل وحده، لذلك فهم غير معنيين بها بكل مباشر.
مكانهم الطبيعي
في المقابل وصف المحامي المعز حضرة عضو هيئة الاتهام بمحكمة مدبري انقلاب يونيو 1989 إعادة المتهمين للسجن بأنه قرار سليم يصحح خطأ كانت وقعت فيه كل من المحكمة وإدارة السجون، لأن اللوائح تقتضي معالجة المتهمين في المشافي الحكومية، كما أن المتهمين أمضوا عاماً كاملاً بالمستشفيات ولم يكونوا يحضرون الجلسات.
وشدد حضرة، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، على أن السجن هو المكان الطبيعي للمتهمين، لأن الجريمة التي يحاكمون فيها لا مجال بها لإمكانية الإفراج بالضمان، فضلاً عن أنهم كانوا أصلاً بالسجن، لكن بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وتماهيه مع حزب المؤتمر الوطني المنحل، تم نقل قياداته بتقارير وصفها بأنها مموهة إلى مستشفيات خاصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار عضو هيئة الاتهام إلى أنهم سبق وأن اعترضوا على هذا الإجراء مراراً وتكراراً، وطالبوا بأن يكون قرار ذهاب المتهمين إلى المستشفيات بواسطة لجنة طبية من القومسيون الطبي وليس بتقارير من الأطباء المعالجين.
ولم يستبعد حضرة أن يكون إجراء إعادة رموز النظام السابق إلى السجون له علاقة وثيقة بخطاب البرهان الأخير، كما أنه يدل على مدى تأثير انقلاب 25 أكتوبر 2021 في كثير من مجاري العدالة.
حول جهة إصدار القرار بإعادة المتهمين إلى السجن، قال عضو هيئة الاتهام "لا يملك الفريق البرهان الحق في تحديد المكان الذي يوضع فيه المتهمون، لأن ذلك يحدد بأمر القضاء، أما إذا اتضح أن رئيس مجلس السيادة وراء القرار فلا يسعنا إلا أن نقول إن على العدالة في السودان السلام، إذا أصبحت الأجهزة العدلية تأتمر بأمر العسكريين، مما يؤكد حاجة الأجهزة العدلية إلى إصلاح حقيقي.
النقل ليلاً
من جانبه أشار عضو فريق الدفاع عن المتهمين هاشم الجعلي إلى أن البشير يعاني اضطراباً في ضغط الدم، الأمر الذي يتطلب وجوده في المستشفى لمعاينته كل ساعتين، بينما يعاني بكري من مضاعفات إصابته بفيروس كورونا ويحتاج إلى الاستمرار تحت الرعاية الطبية، فيما يواجه عبدالرحيم محمد حسين مضاعفات مرض السكري.
على الصعيد ذاته أكد حزب المؤتمر الشعبي أن قوة أمنية وعسكرية مشتركة اقتادت علي الحاج الأمين العام للحزب ومعه إبراهيم السنوسي رئيس هيئة الشورى، من مستشفى يستبشرون إلى السجن.
وكشف عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الحزب، المحامي أبوبكر عبدالرازق، أن قوة أمنية قامت في نحو الساعة التاسعة مساء الأربعاء التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بنقل المتهمين الإثنين إلى السجن، مضيفاً "لا ندري حتى اللحظة الجهة التي تقف وراء القرار".
وكان كلا المتهمين قد أمضيا نحو عامين بمستشفى يستبشرون، بناء على تقارير طبية تؤكد حاجتهما إلى العناية طبية إلى السجن.
وأوضح عبدالرازق أن كلاً من علي الحاج والسنوسي دخلاً المستشفى بأمر المحكمة، بعد موافقتها على طلب هيئة الدفاع عنهما، وكذلك إعفائهما من حضور جلسات المحاكمة تقديراً لحالتهما الصحية التي تقتضي ذلك، مشيراً إلى أنهما نقلاً إلى السجن على رغم أنهما ما زالا تحت العلاج.
لا أمر من المحكمة
عبدالرازق أضاف لوسائل إعلام محلية "بحسب ما علمنا، ليس هنالك أمر من المحكمة بنقل المتهمين إلى السجن، إذ إنه وفي آخر جلسة الثلاثاء الماضي وتحديد الجلسة المقبلة لم يصدر أي قرار من المحكمة ولم يكن هنالك بالأصل طلباً لترحيلهم، وأن نقلهما تم فقط بواسطة هذه القوة العسكرية وبلا أمر من المحكمة".
الكاتب الصحافي والقيادي الإسلامي عبدالماجد عبدالحميد حذر عبر صفحته بـ"فيسبوك" من موجة اعتقالات قادمة قال إنها "لن تكسر شوكة الإسلاميين ومن خلفهم وأمامهم التيار الوطني العريض الذي حسم أمره واستجمع طاقة التوكل على الله لمواجهة الهجمة الشرسة ضد تفكيك السودان أرضاً وعقيدة وتراباً".
وقال "الذين يظنون أن إعصار الاعتقال والسجون سيثني قيادات وقواعد الإسلاميين عن خطهم الوطني الأصيل، واهمون ولا يعرفون عظة الأيام وعبرة التاريخ".
وكان البرهان قد أطلق تحذيراً شديداً للمؤتمر الوطني المنحل وقادة الحركة الإسلامية من الاحتماء بالجيش، مما اعتبره كثير من المتابعين توجهاً جديداً في محاصرة الإسلاميين والتضييق عليهم، بعد الخطوات المتسارعة التي تمضي بها التسوية السياسية مع قوى الحرية والتغيير.
غياب طويل عن المحكمة
يحاكم البشير إلى جانب نحو 33 من القيادات العسكرية ومدنيين من الصف الأول بالحركة الإسلامية بتهمة تدبير انقلاب يونيو 1989، لكنه ومجموعة من المتهمين ظلوا يشكلون غياباً عن جلسات المحاكمة منذ نقلهم إلى المستشفيات قبل نحو عام، نتيجة تقارير طبية تؤكد حاجتهم إلى رعاية صحية مباشرة قدمتها هيئة الدفاع عنهم ووافقت عليها المحكمة.
قاد الانقلاب العميد (وقتها) عمر حسن أحمد البشير، في ليلة الجمعة 30 يونيو 1989، واستولى على السلطة بتخطيط من حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الراحل حسن الترابي، ليطيح بالحكومة الحزبية المنتخبة التي حكمت البلاد خلال الفترة من 1986 إلى 1989.
نصب العميد نفسه رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع، ثم قرر في 1993 حل المجلس ليصبح رئيساً للجمهورية، وقام بتكوين حزب المؤتمر الوطني (الحركة الإسلامية) وظل يفوز بالمنصب من دون منافس في الانتخابات العامة التي ينظمها الحزب، إلى أن تمت إطاحته في ثورة ديسمبر (كانون الثاني) 2018، وتم إيداعه سجن كوبر الاتحادي لمحاكمته.