Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهريب الأبقار يثير "قلق الحدود" بين تونس والجزائر

مخاوف تونسية من تهديد الأمن الغذائي على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة

برر الفلاحون في تونس بيع أبقارهم بغلاء ثمن الأعلاف وعدم استجابة الحكومة لمطالبهم بزيادة سعر الحليب (مواقع التواصل)

تعيش المناطق الحدودية بين الجزائر وتونس على وقع ظاهرة تهريب الأبقار التي اتخذت أبعاداً رسمية بعد أن أصبحت في قلب اهتمامات المصالح الأمنية والقضائية، الأمر الذي طرح استفهامات حول أسباب الظاهرة، ومخاوف من أن تتسبب في تهديد الأمن الغذائي.

أخبار ومشاهد وأحاديث

ولا تخلو مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي من أخبار ومشاهد تهريب الأبقار من تونس إلى الجزائر، في ممارسة أثارت دهشة المتابعين في البلدين، وفي وقت اعتبرت أطراف في تونس أن الخسائر المالية الفادحة التي يواجهها الفلاح التونسي في ظل ارتفاع كلفة الإنتاج من بين أهم الأسباب التي فرضت هذا الواقع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل ترى جهات جزائرية أن الظاهرة أخذت أكثر من حجمها وتم تضخيمها، لا سيما بعد تقارير أشارت إلى تهريب أكثر من 250 بقرة يومياً، مما يجعل الحديث عنها مجرد تهويل ليس إلا.

ووفق ما ذكرت وزارة الفلاحة في تونس، فإن الفلاحين برروا بيع أبقارهم بغلاء ثمن الأعلاف وعدم استجابة الحكومة لمطالبهم بزيادة سعر الحليب. وأوضحت وكالة الأنباء التونسية أن نسق تهريب الأبقار إلى الجزائر ارتفع بشكل مقلق خلال الأشهر الأخيرة، بخاصة في المدن المتاخمة للحدود على غرار جندوبة، مشيرة إلى أن تفاقم الظاهرة أثار مخاوف على الأمن الغذائي في البلاد في ظل فقدان المواد الغذائية الأساس من السوق.

صمت جزائري وقلق في تونس

وتلتزم السلطات في الجزائر الصمت حيال الظاهرة، ولم ترد على التقارير القادمة من تونس مما يطرح استفهامات حول التجاهل الذي تمارسه "الشقيقة الكبرى"، غير أن دخول السياسيين على الخط من شأنه إثارة نقاشات في البلدين قد تنتقل إلى مستوى المسؤولين.

عدد من السياسيين والنشطاء في تونس تفاعلوا مع الظاهرة، إذ كتب رئيس حزب "المجد" عبدالوهاب الهاني "نزف رهيب للثروة الفلاحية أمام صمت مريب للسلطات"، بينما علق أحد النشطاء "مشروع خليجي للألبان في الشرق الجزائري ويريدون أبقاراً بأقل كلفة"، ونشر آخر "اقتصادياً الأمر في غاية الخطورة، فعبر جندوبة فقط يتم تهريب 250 رأساً من الأبقار يومياً إلى الجزائر، وسيأتي يوم وتستغربون عندما يصبح كيلوغرام اللحم البقري بـ 40 ديناراً".

وفي السياق يعتبر الناشط السياسي التونسي الفاهم مولدي في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن أسباب الظاهرة تعددت، ولعل أهمها الغلاء الفاحش الذي ضرب الأعلاف وكذا ندرتها، إذ عجزت الدولة التونسية عن توفير حاجات الفلاحين نظراً إلى تدهور الاحتياطات المالية، وهو ما أنعش السوق الموازية التي تسيطر على القطاع، إضافة إلى ظاهرة الجفاف المستمرة، وكلها عوامل دفعت الفلاح إلى البحث على بدائل أخرى فلم يجد أفضل من التخلص من أبقاره في السوق الجزائرية.

تضخيم الظاهرة

من جانبه، يقول الإعلامي الجزائري المهتم بالشؤون المغاربية عمار قردود لـ "اندبندنت عربية"، إن تهريب الأبقار التونسية نحو الجزائر يعود لسنوات عدة، لكن تم تضخيم الظاهرة هذه المرة من جهات تستهدف استعطاف الرأي العام المحلي وتنبيه السلطات التونسية إلى أن الأمر خطر ويستوجب تدخلاً عاجلاً وحاسماً، وهي الجهات نفسها التي كانت تغض الطرف عن ما يتم تهريبه من الجزائر من مواد استهلاكية مثل الوقود والمواد الغذائية المدعمة نحو تونس.

وأضاف أنه لا يمكن اعتبار الأمر مجرد حوادث معزولة، بل ظاهرة تستوجب محاربتها، مشيراً إلى أن العملية تتم بالمقايضة تارة وبالأموال تارة أخرى، فالتونسيون يمنحون الجزائريين الأبقار في مقابل كميات من الوقود وبعض المواد الاستهلاكية الغالية الثمن في تونس، في حين يتم تهريب أخرى عبر مسالك جبلية.

ويعتقد قردود أن الحل بيد السلطات التونسية، بخاصة وزارة الفلاحة، من خلال مرافقة الفلاح ومنحه امتيازات معينة تغنيه عن تهريب أبقاره مقابل بعض الأموال، فغلاء أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية واليد العاملة وحتى المحروقات رفعت كلفة إنتاج الحليب.

وكشف عن أن الفلاح التونسي يبيع البقرة الواحدة بما بين 15 و 20 مليون سنتيم جزائري (1000 و1200 دولار)، مبرزاً أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر يشجع تهريب الأبقار من تونس، لا سيما بعد خفض الحكومة الجزائرية حصص استيراد الأبقار من الخارج منذ عام 2017، إذ سارع التجار الجزائريون إلى شراء كميات كبيرة من الأبقار التونسية مستغلين الأوضاع المتردية للفلاحين في الجارة الشرقية.

الحرب الروسية - الأوكرانية

إلى ذلك يعتقد الناشط الحقوقي آدم مقراني أن تهريب الأبقار من تونس إلى الجزائر يأتي في سياق تمر فيه الفلاحة التونسية بصعوبات على مستوى إنتاج الحليب، إذ تسببت الأزمة الاقتصادية الناتجة من الحرب الروسية - الأوكرانية في ارتفاع أسعار الأعلاف، كما أن الفلاح التونسي المنتج للحليب لم يتمكن من إقناع السلطات برفع أسعار منتجه، وهو ما نتج منه خسائر مالية فادحة جعلته مجبراً على التفريط في أبقاره حتى لا يتكبد مزيداً من الخسائر.

وأضاف أنه تم استغلال هذا الوضع الاقتصادي من قبل المهربين الذين يقودون الأبقار من تونس إلى الجزائر، إذ يتزايد الطلب عليها بأثمان تشجع الفلاح التونسي على الانخراط في هذه الظاهرة.

ويشدد مقراني على أن هذا التدفق للأبقار يهدد الأمن الغذائي التونسي على مستوى تزويد السوق الحالية بالحليب في منظومة استغرقت الحكومات التونسية سنوات لوضع أسسها.

وقال إنه يتوقع استفحال هذا النزف في ظل الأزمة المالية والهيكلية التي تخنق الاقتصاد التونسي في مختلف قطاعاته، بما في ذلك الفلاحة، بخاصة مع عجز الحكومة التونسية عن تقديم الدعم اللازم للفلاح.

وختم بأن الحل لا يكون أمنياً بل يتعلق أساساً بدعم الفلاح التونسي لتجاوز صعوباته المالية، إضافة إلى رفع سعر الحليب حتى يستعيد الفلاح توازناته المالية وإلا سيتواصل النزف.

المزيد من العالم العربي