Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجتمعات "أتلفها المناخ" تبتكر عبارات لمواجهة الكارثة

"العدالة المناخية" و"الإرهاب المناخي" تعبيرات تبدو معقدة لكن فهمها بسيط بالتطلع في وجوه الضحايا

بسبب الآثار الخطيرة الناجمة عن تغير المناخ باتت حياة الإنسان والحيوان مهددة في مناطق كثيرة حول العالم (أ ف ب)

بدا الأمر وكأن العالم يفتح صفحة جديدة تماماً من الكلمات والمفردات والمعاني في "كوب 27". قمة المناخ أو "مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ" المنعقدة في مدينة شرم الشيخ المصرية حالياً لا تكتفي بإدهاش العالم بالكم المذهل من قضايا المناخ المفزعة الآخذة في التصاعد فقط، لكن تدهشه كذلك بكم مفردات وعبارات لم يظن أحد أن كلماتها يمكن أن تجتمع معاً في جملة مفيدة.

في جملة مفيدة ببرنامج إذاعي على محطة بريطانية، جمع خبير مناخ مفاهيم الإرهاب والجريمة والعدالة والمساءلة مع كلمة "المناخ". قال الخبير إن "الإرهاب المناخي أخطر من إرهاب الجماعات المسلحة المتطرفة" وأن "الجرائم المناخية لا يمكنها أن تستمر بهذه الوتيرة" وأن "العدالة المناخية" لن تتحقق إلا بـ"مساءلة مناخية شفافة وذات مصداقية".

الغالبية العظمى من سكان الأرض، سواء ممن وقعت عليهم آثار بالغة جراء تغير المناخ أو عادية أو متناهية الصغر، باتت على دراية بعبارات كثيفة التداول مثل "تغير المناخ" و"الاحتباس الحراري" و"ارتفاع حرارة الأرض" و"الوقود الأحفوري" و"جفاف قاتل" و"فيضانات مدمرة" و"أزمة غذاء" وغيرها من التسميات التقنية التي أصبحت متداولة بكثرة، لكن الأثير العالمي متخم هذه الأيام بما هو أغرب.

الإرهاب المناخي

غرابة ربط الإرهاب بالمناخ لا تعني أن العلاقة وليدة القمة الحالية. ففي عام 2015، صدر كتاب بالإنجليزية عنوانه "إرهاب المناخ: الجغرافيا السياسية الحرجة لتغير المناخ" للمؤلفين سانجاي شاتورفيدي وتيموثي دويل. واعتبر الكتاب الأول من نوعه الذي يتعرض لقضايا المناخ من منظور جيوسياسي، حيث قدم تقاطعات عديدة بين مفهوم الأمن الشائع من حيث العنف والصراعات السياسية والعقائدية من جهة وبين الأمن البشري والعلوم البيئية من جهة أخرى.

المثير هو أن هذا الكتاب كان الأول في سلسلة إصدارات تتعلق بالتحديات الأمنية الجديدة وغير الكلاسيكية في مفهوم الأمن بالعالم، وبينها تهديدات الأمن الناجمة عن الذكاء الصناعي والرقمنة والأوبئة، ثم صدر كتاب آخر في السلسلة نفسها حمل عنوان "تحول التغير المناخي لقضية أمن" (2021)، وهو ما لفت أنظار البعض من الخبراء والاختصاصيين المهتمين بقضايا المناخ.

لكن "كوب 27" تشهد تجذيراً وترسيخاً لمفهوم ارتباط الأمن الإنساني بالمناخ وتغيراته، وفي أقوال أخرى قابلية المناخ ليكون عاملاً من عوامل الإرهاب.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن تغير المناخ أصبح ضمن التهديدات الكبرى للسلام والأمن الدوليين. فبسبب الآثار الخطيرة الناجمة عن تغير المناخ احتدم التنافس على الموارد مثل الأرض والغذاء والماء، وهي المنافسة التي ستؤدي إن عاجلاً أو آجلاً إلى تزايد التوترات الاجتماعية والاقتصادية.

وتشير المنظمة الأممية كذلك إلى أن الجفاف في قارتي أفريقيا وأميركا الجنوبية يتجرم فعلياً إلى اضطرابات سياسية وعنف. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن ما يزيد على 140 مليون شخص في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وفي أميركا اللاتينية وجنوب آسيا سيكونون مجبرين على الهجرة ولو الداخلية بحثاً عن الطعام والماء بحلول عام 2050 لو بقيت الأحوال المناخية على ما هي عليه أو تدهورت.

اللجوء البيئي

"تدهور المناخ" صارت عبارة دارجة، يعرفها القاصي والداني، لكن "اللجوء البيئ" أو "اللجوء المناخي" وكذلك "الهجرة المناخية أو البيئية" تسميات تفرض نفسها بقوة بعد أن أصبحت مترجمة فعلياً ومتجسدة في نسبة لا يستهان بها في قوائم "الهجرة غير الشرعية" وكذلك موجات النزوح واللجوء بسبب عوامل تتعلق بالمناخ.

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي حين حث قادة العالم إلى الحد من العواقب الإنسانية الهائلة الأكبر لأزمة المناخ وتلافي مستقبل كارثي قد يواجهه ملايين النازحين قسراً قريباً، وذلك أثناء مشاركته في "كوب 27" قطع تشككات البعض في حقيقة "اللجوء البيئي" بيقين المعلومات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حديث غراندي عن مسؤولية المجتمعين بقمة المناخ الحالية في تمكين البلدان والمجتمعات الواقعة على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، ومساعدة أفرادها في الاستعداد للأحوال الجوية القاسية والتكيف معها وتخفيف التأثيرات الناجمة عن حالة الطوارئ المناخية لم يرسخ مفهوم "اللجوء البيئي" أو "المناخي" فقط، بل أخبر الجميع بمزيد من العبارات والمفردات المناخية غير المعتادة.

وعلى رغم أن الطوارئ المناخية وخطوطها الأمامية ليست ناجمة عن تغيرات المناخ فقط، بل تتفاقم بتشابك الصراعات المسلحة وتقاطعها وهو ما ينجم عنه "صدمات مناخية".

الطوارئ المناخية

"الخطوط الأمامية للمناخ" و"حالة الطوارئ المناخية" و"الصدمات المناخية" تعبيرات تبدو معقدة أو نظرية، لكن فهمها سهل بالتطلع في وجوه ضحايا الكوارث المناخية في الأشهر القليلة الماضية. فيضانات تاريخية في باكستان، أسوأ موجات جفاف منذ عقود في القرن الأفريقي، نزوح نحو مليون شخص داخل الصومال بسبب الجفاف وخطر المجاعة، عشرات الآلاف تضرروا من الأعاصير المدمرة في موزمبيق ويتضاعف الضرر بين أولئك الذين نزحوا سابقاً بسبب الصراعات، وفيضانات قياسية في السودان وجنوب السودان للعام الرابع على التوالي وقائمة طويلة من الصدمات المناخية، لا سيما في أفريقيا التي تعاني أصلاً واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم.

في العالم مناطق طاردة لسكانها بسبب تغير المناخ وأخرى جاذبة لهم، لا لأنها بمنأى عن الآثار المدمرة للمناخ، لكن لأنها أفضل حالاً في القدرة على التعامل مع التغيرات. هذه الدول هي الدول الكبرى التي تسعى حالياً لحماية مصالحها في مواجهة التغيرات المناخية لأن تأثيرها يؤدي إلى زيادة في معدلات الهجرة غير الشرعية إليها.

"الهجرة المناخية غير الشرعية" قد لا تكون عبارة جديدة، وربما ليست ذائعة الصيت، لكنها واقع جديد يفرض نفسه ويكشف تناقضات ما كان لها أن تنكشف لولا تغير المناخ القاتل. فالدول الكبرى مسؤولة بشكل رئيس وواضح وصريح عن أكثر من قرن ونصف من التصنيع وإزالة الغابات واستخدام الوقود الأحفوري بمعدلات بالغة الارتفاع ضمن قائمة طويلة. مستشار برنامج المناخ العالمي مجدي علام يحمل هذه الدول المسؤولية الأكبر والأفدح، مشيراً إلى أن انبعاثات أفريقيا والدول العربية لا تتعدي أربعة في المئة، أي أقل من الصين وحدها التي تخطى نصيبها من الانبعاثات خمسة في المئة.

المسؤولية المناخية

"المسؤولية المناخية" أو "مسؤولية إنقاذ المناخ وإصلاحه" عبارة متنازع عليها هذه الأيام. فالدول الصناعية الكبرى، ومنها من يفاخر بانخفاض انبعاثاته ووصول بعضها "صفر انبعاث" أو يكاد، وذلك بعد أن تم ترحيل الصناعات الملوثة إلى دول أخرى، تتأرجح بين الاعتراف ونصف الاعتراف وإنكار أو ترحيل تحمل المسؤولية، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تعصف بأغلب دول العالم.

عامان من الوباء وآثار ما زالت ممتدة، وحرب روسيا في أوكرانيا وتداعيات متفاقمة وغيرها من السياسات الاقتصادية الخاطئة والمتقلبة في عديد من دول العالم أدت إلى تحول ملف "المسؤولية المناخية" إلى ملف ملغوم قابل للإنكار وعرضة للتسويف.

قبل نحو سبع سنوات، ثار جدل شديد في ألمانيا حين دعت جماعات حقوقية تعمل في مجال الهجرة واللجوء إلى قبول الأشخاص الذين يجبرون على الفرار من بيوتهم وبلدانهم لأسباب تتعلق بتغيرات المناخ، لا سيما في أفريقيا، باعتبارهم "لاجئي مناخ" لهم كامل حقوق اللجوء لأسباب تتعلق بالصراعات والأمان والاضطهاد وغيرها.

كوارث ومواثيق

السنوات السبع الماضية جرت خلالها أمور كثيرة. تفاقمت آثار تغير المناخ المدمرة، وتعقدت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في شتى أنحاء الأرض، وفاجأ وباء الجميع ثم تبعته حرب في أوكرانيا تؤثر سلباً على الجميع، كما تزيد معدلات الهجرة غير الشرعية وبعضها ناجم عن تغيرات المناخ.

وعلى رغم أن الميثاق العالمي للاجئين والذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2018 يشير إلى العوامل المناخية والكوارث الطبيعية باعتبارها من العوامل الدافعة بالبعض لطلب اللجوء في مناطق أخرى، إلا أن مصطلحات مثل "لاجئ المناخ" أو "مهاجر المناخ" غير معرفة بشكل واضح أو صريح، بالتالي غير ملزمة.

الإلزام القانوني فيما يتعلق بالمناخ أمر بالغ الأهمية على الرغم من ضبابيته الشديدة سواء على المستوى الوطني للدول أو بين الدول وبعضها. في مصر مثلاً، تقدم عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والقوى السياسية والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أمير صابر قبل أيام بمشروع قانون يتعلق بالتكيف مع التغير المناخي والتخفيف من آثاره. وفي حال الموافقة عليه، سيكون التشريع المصري الأول من نوعه المتعلق بالمناخ.

لكن "قوانين المناخ" ومنظومته القانونية ودستوره باتت تسميات قانونية وثيقة الصلة بكل ما يخص التصرفات المتعلقة بالمناخ التي من شأنها إلحاق الضرر بصحة البشرية وبقائها أو علتها وفنائها. ومع القوانين تأتي الحقوق. "الحقوق المناخية" أصبحت هي الأخرى منظومة قائمة بذاتها وآخذة في التمدد والانتشار في أرجاء الكوكب.

مفوضية للمناخ

المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لديها مقرر خاص معني بتغير المناخ. وبحسب المفوضية، فإن تغير المناخ أصبح يهدد تمتع الإنسان بالحق في الحياة والعمل والصحة والغذاء والمياه والصرف الصحي. وترى المفوضية أنه في هذا الصدد يقع على عاتق الدول التزام بمنع الآثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ، وضمان تمتع الأشخاص المتضررين من هذا التغير، لا سيما أولئك الذين يعيشون في أوضاع هشة بإمكانية الوصول إلى التعويضات ووسائل التكيف الفعالة لعيش حياة كريمة.

إنها "الحقوق المناخية" إذن التي باتت ذائعة الصيت، وفي الوقت نفسه غير محددة أو ملزمة بقوانين دولية حاسمة تحاسب المقصر أو الممتنع أو المفسد. ولذلك تتصاعد الأصوات المتسائلة عن "العدالة المناخية" في عالم نادراً ما يتسم بالعدل. ومع العدالة المناخية وحقوقها، تأتي "الواجبات المناخية" كذلك. واجبات الدول الصناعية الكبرى تجاه المناخ تختلف عن واجبات الدول النامية والفقيرة لتفاوت القدرات من جهة، ولتفاوت حجم المساهمة في تدمير المناخ من جهة أخرى. كما أن الواجبات المناخية الملقاة على عاتق الأنظمة والحكومات تقابلها واجبات مناخية من قبل المجتمعات والأفراد.

المثير أن كل ما سبق يحتاج إضافة إلى التثقيف والتوعية واتخاذ إجراءات وسن سياسات من شأنها وقف تدهور المناخ وتغيراته، يحتاج إلى تمويل. والتمويل دائماً يعود إلى دائرة الدول الصناعية الغنية المطالبة بتمويل مكافحة ووقف تغير المناخ والدول النامية المنتظرة التمويل لتخرج من دائرة الخطورة المناخية الداهمة. هذه الدائرة تدور رحاها في قاعات وغرف الاجتماعات المنعقدة حول المناخ، والتي يسميها البعض "الفيل الذي لا يغادر الغرفة أبداً".

إنه فيل المناخ وغرفة مفاوضاته وقمته وحقوقه وواجباته وإرهابه وإجرامه وعقوباته وقوانينه ومهاجروه ولاجئوه. وهو الدول الغنية التي أضرت به، والنامية التي تتجرع آثار تغيره، والمنظمات الأممية التي تتبنى قضاياه وتدفع في اتجاه سن قوانينه وكتابة دساتيره، ملايين الأفراد الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من أن يستيقظوا ذات صباح ليجدوا أنفسهم متضررين أو نازحين أو لاجئين أو مشردين أو مظلومين أو ظالمين رافعين راية "مجتمعات أتلفها المناخ" بعد أن بادرت هي بإتلافه.

المزيد من تحقيقات ومطولات