Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في "كوب-26" سألت قادة العالم أن يفتحوا قلوبهم والآن عليهم أن يفتحوا أعينهم

الأزمة الإنسانية التي تحدثت إليهم في شأنها العام الماضي لم تزدد إلا سوءاً

 ما على الزعماء السياسيين إلا أن يفتحوا أعينهم ليروا الخراب الذي سبق أن جلبه تقاعسهم عن مواجهة تغير المناخ (أ ب)

طوال سنوات عدة كانت التحذيرات حول التقاعس في التصدي لأزمة تغير المناخ واضحة وضوح الشمس، ولكن كثيراً من القادة في أنحاء العالم لم يأخذوا أزمة المناخ على محمل الجد، وكان لا بد من أن تكون خطى الاستجابة أسرع وبالحجم والوتيرة اللتين نعي أنهما ضروريتان.

عوض ذلك نجد أن المجتمعات التي تقف عند الخطوط الأمامية في مواجهة أزمة المناخ على شاكلة المجتمع الذي أنتمي إليه، تتحمل فعلاً الوزر الأكبر على رغم أن دورها في التسبب بالمشكلة يكاد لا يذكر، وببساطة تدفع هذه المجتمعات ثمن التقاعس عن العمل من أجل خير المناخ. العدالة المناخية تعني مواجهة هذا التخاذل وعدم ترك المجتمعات المتضررة تواجه مصيرها لوحدها، وعبر خطاب ألقيته أمام قادة العالم في مؤتمر الأطراف الـ26 المعني بالتغير المناخي "كوب-26" الذي عقد في غلاسكو الاسكتلندية، سألتهم أن يفتحوا قلوبهم قبل البدء بالمحادثات، وناشدتهم أن يتضامنوا مع المجتمعات الأكثر تضرراً من أزمة المناخ.

وبينما نستعد الآن للترحيب بهم في القارة الأفريقية بعد مرور سنة على "كوب-26"، لم تزدد الأزمة الإنسانية التي وصفتها لهم العام الماضي إلا سوءاً، ذلك أن الجفاف المستمر طويلاً ما انفك يطبق الخناق على القرن الأفريقي فيما تعصف الفيضانات المدمرة بغرب أفريقيا ووسطها، وما على الزعماء السياسيين إلا أن يفتحوا أعينهم ليروا الخراب الذي سبق أن جلبه إلى شعبي تقاعسهم عن مواجهة تغير المناخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في "كوب-27" ينبغي أن تكون الأولوية الوحيدة بالنسبة إلى هؤلاء القادة الحرص على حشد التمويل بصفة عاجلة من طريق صندوق تمويل تعويضات الخسائر والأضرار، بغية مساعدة المجتمعات الموجودة على خط المواجهة مع تغير المناخ على مجابهة الواقع المزري الذي وجدوا أنفسهم فيه نتيجة أزمة المناخ، والحال أننا في زمن الخسائر والأضرار، وقد كشف التقرير الأخير الصادر عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC) في شأن تأثيرات المناخ أن كوكبنا يواجه عواقب غير مسبوقة ناجمة عن تغير المناخ.

بالنسبة إلى القارة الأفريقية يكابد ملايين الناس هذا الواقع يومياً، فمثلاً أحوال القحط الطويلة الأمد الناجمة عن أزمة المناخ التي تضرب القرن الأفريقي تعتبر الجفاف الأطول منذ 40 عاماً، ويعاني أكثر من 50 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد هذا العام.

الأرقام والتقارير غنية عن التفسير، لكنني أمضيت بعض الوقت أيضاً مع مجتمعات الخطوط الأمامية في بلدي الأم كينيا، واستمعت إلى قصصهم وكونت رؤية واضحة حول تجاربهم، فلقد هلكت المحاصيل والماشية تحتضر ولا طعام ولا ماء، ولقد تقطعت السبل بالمزارعين وهم إزاء واقع مفجع يدمي القلوب.

في مقاطعة واجير الكينية التقيت مجموعات تعاني أزمات المناخ والطبيعة والغذاء المتشابكة التي تجتاح أفريقيا، ورأيت كيف كانت الطرق مفروشة بجيف منكمشة من الماشية والحيوانات التي أصابها الهلاك.

يعتمد سكان واجير على الماشية في 80 في المئة من رزقهم وعيشهم، ولقد تركهم الجفاف في حلقة مفرغة تعجز فيها الأسر عن إرسال بناتها إلى المدرسة أو إطعام أطفالها.

محيطنا البيئي الطبيعي، أنظمة الدعم الحياتية، أُودي به كذلك إلى ما دون الهاوية، ويقول لي الناس إنه لا شيء لديهم ليخسروه إلا الأمل.


ومع ذلك نجد أن أكبر اقتصاداتنا التي تسجل المعدلات الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة غير المسبوقة لا تتخذ الإجراءات السريعة اللازمة لدعم المجتمعات الأكثر عرضة لكوارث المناخ. في "كوب-27" على القادة إثبات أنهم يهتمون بالناس وحياتهم وسبل عيشهم من طريق استغلال القدرات والموارد والقوة المتاحة لهم في الاستجابة لأزمة المناخ على وجه السرعة، وسيكون تقديم التمويل تعويضاً عن الخسائر والأضرار بمثابة الاختبار الأساس لـ "كوب-27"، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكي تحظى العدالة بفرصتها فليس أمام العمل السريع ترف الانتظار.

العدالة لا تتمثل في غرق البلاد بمزيد من الديون بسبب كوارث مناخية لم تتسبب بها، والعدالة تعني الوفاء بالوعود التي قطعت ولم تلبّ، وتشمل العدالة تخفيضات جذرية لانبعاثات غازات الدفيئة وترك الوقود الأحفوري في الأرض وحماية النظم البيئية على نطاق واسع.

لا تزال الموارد الطبيعية تحظى بالاهتمام وينالها الاستغلال من أجل الأرباح الاقتصادية التي تجلبها وليس قدرتها على العمل كحاجز ضد الحوادث المناخية المتطرفة، والحفاظ على توازن الأرض وامتصاص انبعاثات الكربون.

اليوم نشهد تدمير الغابات بوتيرة أسرع من أن تسمح لها باستعادة نفسها في مختلف أنحاء كوكبنا، وليس هذا السبيل الأمثل إلى المضي قدماً [في مواجهة أزمة المناخ].

لا يمكننا تنفيذ "اتفاق باريس" في شأن المناخ والبقاء عند حدود 1.5 درجة مئوية [مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي] من الاحترار العالمي من دون حماية النظم البيئية وترميمها، ووفق التقديرات فإن نحو 23 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية مصدره الزراعة وتربية المواشي والحراجة واستخدام الأراضي، ووجدت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" أن في مقدور زيادة مساحة الغابات والأراضي الحرجية والسافانا الخشبية في العالم أن تخزن ربع الكربون اللازم للحد من ظاهرة الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، وكذلك يتعين على قمة "كوب-27" أن تضع الطبيعة في قلب المفاوضات.

يتمحور المستقبل حول ترميم وتجديد وحماية الموارد والخيرات التي نملكها أصلاً، لكن لفترة طويلة تجاهل القادة هذا الحل الحاسم الذي يتصدى لتغير المناخ، ويمكن أن يشكل "كوب-27" لحظة فارقة، إذ يصار إلى وضع النواة الصلبة لاتفاق عالمي من أجل خير الطبيعة في إطار التحضير لـ "اتفاق التنوع البيولوجي" "كوب-15" Convention on Biological Diversity Cop 15 والذي سيعقد في ديسمبر، وتستضيفه كندا في مونتريال.

يطلق الناس على "كوب-27" تسمية قمة "كوب الأفريقية"، وسيجتمع قادة العالم على الرقعة الأرضية عينها حيث يواجه أكثر من 20 مليون شخص مجاعة تعزى إلى أزمة المناخ، وكذلك ينبغي أن يستند معيار نجاح مفاوضات المناخ إلى مدى انعكاس حاجات الشعوب الأفريقية وأصواتها وأولوياتها في النتيجة، وإلا فما الفائدة من ذلك كله؟

كلما شعرت بالإرهاق من حجم الآثار المدمرة لأزمة المناخ بسبب التقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة أستمد إلهامي من أحد أعظم أبطالي، البروفيسورة الراحلة وانغاري ماثاي Wangari Maathai.

لقد أظهرت قيادة شجاعة في الكفاح من أجل حماية الطبيعة ومناخنا، ولم توفر جهداً في سبيل تأمين مستقبل صالح للجيل الذي أنتمي إليه.

قالت البروفيسورة وانغاري إن "ما يراه الناس شجاعة هو في الحقيقة مثابرة". بغض النظر عن الأزمات المتعددة التي نواجهها فالأجدر ألا يغيب عن بالنا أبداً بأن في وسعنا العمل معاً من أجل إيجاد الحل.

وبينما يجتمع قادة العالم في "كوب-27"، أريدهم أن يثابروا معاً وأن يركزوا على التضامن والتعاون العالميين، ولا بد من تكاتف بلدان الشمال والجنوب والتعاضد مع النشطاء والمدافعين عند خطوط المواجهة في سبيل تعزيز طموح العمل من أجل المناخ، والتآزر مع المجتمعات الضعيفة التي تواجه تأثيرات المناخ الحالية، والعمل الجماعي من أجل مستقبل مزدهر، فعندما نتعاون تصبح العدالة المناخية ممكنة.

إليزابيث وانجيرو واتوتي ناشطة كينية في مجال البيئة والمناخ ومؤسسة "مبادرة الجيل الأخضر" Green Generation Initiative

© The Independent

المزيد من آراء