Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدق وفاة إبراهيم منير مسماراً جديداً في نعش جماعة الإخوان؟

مراقبون توقعوا أن يتجه التنظيم نحو مزيد من الانقسام والتشدد وآخرون رأوا أن التغيير لن يكون كبيراً

أعلنت جماعة الإخوان وفاة إبراهيم منير عن عمر ناهز 85 سنة من دون الكشف عن ترتيبات الجنازة أو أسباب الوفاة (مواقع التواصل)

على مدار عقود كان إبراهيم منير رقماً مهماً في معادلة جماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها بالأنظمة الحاكمة، سواء في مصر أو أوروبا، وازدادت تلك الأهمية خلال العامين الأخيرين بتوليه منصب القائم بأعمال مرشد الجماعة، عقب القبض على سلفه محمود عزت، ويبدو أن أهمية منير ستمتد تبعاتها لما بعد وفاته، باعتباره ترك فراغاً كبيراً في الجماعة المنقسمة بشدة وفق مراقبين.

وأعلنت جماعة الإخوان وفاة إبراهيم منير عن عمر ناهز 85 سنة من دون الكشف عن أي ترتيبات خاصة بالجنازة أو أسباب الوفاة. ووصف بيان النعي الصادر عن المتحدث الرسمي باسم الجماعة، المصنفة إرهابية في مصر، منير بأنه "أحد أبرز رجالات الدعوة وأعلام الجماعة".

وعقب إعلان وفاة منير خرجت التساؤلات عن خليفته، ورد المتحدث الإعلامي باسم الجماعة صهيب عبدالمقصود، على ذلك في لقاء تلفزيوني من مقر إقامته في تركيا، قائلاً إن مؤسسات الجماعة منعقدة منذ الوفاة "لترتيب جميع الأمور الإدارية في الشق الخاص بمتابعة الأعمال إلى حين الاستقرار على التصور النهائي".

وأوضح أن منير كان كلف محيي الدين الزايط بموقع نائب رئيس الهيئة العليا للجماعة، وسيستمر في ذلك حتى إعلان القائم بالأعمال الجديد.

رسالة طمأنة

حاول عبدالمقصود "طمأنة" أعضاء الجماعة بأن هناك خطوات إدارية جرى اتخاذها بالفعل في شأن موقع نائب المرشد العام والقائم بعمله، لكنه أشار إلى أنه "وفقاً للوائح والقواعد المعمول بها، يلزم بعض الإجراءات لإعلانها، وهذا سيتم في وقت قصير".

وشدد على أن منصب المرشد العام للجماعة يشغله محمد بديع، المحكوم عليه في قضايا عدة والموجود في السجن بمصر منذ أغسطس (آب) 2013.

لكن تلك الصورة السلسة في انتقال السلطة و"المطمئنة" لأعضاء الجماعة، بحسب المتحدث باسمها، لا تبدو كذلك بحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية منير أديب، إذ يرى أن وفاة إبراهيم منير ستؤدي إلى زيادة حال الانقسام الموجودة بالأساس إلى ثلاث جبهات، أولها كان بزعامة منير في لندن، والأخرى في إسطنبول بقيادة الأمين العام للجماعة محمود حسين، والثالثة جبهة "المكتب العام" أو ما يسمّى تيار التغيير أو الكماليين الجديد (نسبة للقيادي الإخواني محمد كمال الذي تمت تصفيته على يد قوات الأمن المصرية عام 2016).

وقال أديب لـ"اندبندنت عربية" إنه من المنتظر أن يضرب الانقسام جبهة لندن نفسها، متوقعاً أن تؤول الأمور نسبياً داخل الجماعة إلى جبهة إسطنبول، باعتبار محمود حسين عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجون، مشيراً إلى أن لائحة الجماعة تنص على أنه في حال وفاة المرشد أو أحد نوابه تؤول المسؤوليات التنظيمية إلى أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سناً، وبما أن حسين العضو الوحيد خارج السجون فإنه لائحياً يستحق نقل الصلاحيات إليه.

خليفة منير

لكن الباحث في شؤون الحركات الإسلامية يشير إلى الخلاف الذي نشب بين الجبهتين وأدى إلى إعلان جبهة حسين فصل منير في يوليو (تموز) الماضي، وفي المقابل تشكيل منير هيئة عليا لإدارة شؤون الجماعة لا تضم حسين، وذلك سيجعل جبهة منير ترتب أمورها بعيداً من محمود حسين، وتقفز على اللائحة لاختيار شخص غيره، وهو ما يعزز التشظي التنظيمي.

كما أشار إلى أن لائحة الجماعة يمكن تفسيرها بأكثر من صورة، فهي لائحة كتبت منذ عشرات السنين، ولا تعبر عن واقع التنظيم وكل جبهة تتمسك بتفسيرها الخاص لها.

وعن خليفة إبراهيم منير، توقع أديب أن يكون بين محمد البحيري ومحمود الإبياري ومحمد الدسوقي ومحيي الدين الزايط، وهم جميعاً أعضاء في الهيئة العليا للجماعة التي شكلها منير، لكن جميعهم يعد وزنهم أقل بكثير من نائب المرشد الراحل.

ويرى أديب أن شعبية إبراهيم منير، وأنه أحد أفراد تنظيم عام 1965، والمسؤول عن نشاط الإخوان في الخارج، تجعل كل من سيقع عليه الاختيار "لن يملأ الفراغ الذي خلفه، وسيكون كذلك أقل تنظيمياً من محمود حسين".

الاتجاه للتشدد

إبراهيم منير الذي كان يعد من أنصار التهدئة ومهادنة الدولة المصرية، رأى بعض المراقبين أن وفاته مقدمة لمرحلة أكثر تشدداً في تاريخ الجماعة، خصوصاً أن جبهة إسطنبول بزعامة محمود حسين رفضت دعوات منير إلى القبول بالاكتفاء بالعمل الاجتماعي لبعض الوقت سعياً للتهدئة مع النظام المصري.

وأشار أديب إلى أن آخر فاعلية حضرها نائب المرشد الراحل كان اجتماعاً لعدد من قيادات الإخوان في لندن شعر خلاله بالإعياء وتعرض لجلطة ومات بعدها بساعات، ودعا خلاله إلى التعامل بإيجابية مع دعوات التظاهر في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في مصر.

وأوضح أن تصوير إبراهيم منير باعتباره أحد "الحمائم" كان مناورة سياسية من قبل الجماعة، فإذا كان من يوصف بالوسطية يدعو إلى التظاهر ضد النظام الذي يرى ضرورة مهادنته، فكيف سيكون موقف من يعرفون بـ"الصقور"؟

وإبراهيم منير ألمح في أكثر من مناسبة إلى إمكانية المصالحة مع السلطات المصرية، بغرض الإفراج عن المنتمين للجماعة في السجون، وكانت أبرز تصريحاته منذ نحو ثلاثة أشهر عندما قال إن "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة بعد إطاحتها من الحكم قبل تسعة أعوام".

صك الشرعية

بدوره يرى المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب أن من يخلف إبراهيم منير سيحدد ما إذا كانت الجماعة تتجه للتوحد أم مزيد من الانقسام الذي قد يصل إلى انشقاق جبهة عن الجماعة، موضحاً أن خليفته إما أن يحصل على صك شرعية من جبهات الجماعة الثلاث، أو يتكرس الانقسام داخلها.

وأضاف حبيب لـ"اندبندنت عربية" أن التغيير في واقع الجماعة داخل مصر "لن يكون كبيراً، باعتبار منير كان مقيماً في الخارج بشكل دائم". كما أن البيان الصادر أخيراً عن قيادات الإخوان داخل السجون لرفض محاولات التوافق مع الدولة التي كان يقودها منير تظهر أن "سلطة المسجونين" هي الحاكمة في المشهد الإخواني، مؤكداً أن تلك القيادات لو اتفقت على شخص واحد يمثل الجماعة سيحصل على صك الشرعية من جميع الجبهات.

واستبعد حبيب أن تتجه الجماعة نحو مزيد من التشدد بعد وفاة منير، معتبراً أن ظهور جبهات ذات طابع هجومي قد حدث تحت ضغط واقع معين، في إشارة إلى عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، على أثر ثورة 30 يونيو (حزيران)، وتظل تلك الجبهات على هامش الجماعة وذات تأثير محدود، مضيفاً "سيبقى تيار التهدئة ومحاولة التصالح موجود ولن ينتهي أو يهزم".

دعوات إلى التظاهر

في شأن تأثير وفاة إبراهيم منير على دعوات الإخوان إلى التظاهر في مصر يوم الجمعة المقبل 11 نوفمبر، توقع أديب ألا تلقى تلك الدعوات قبولاً، رغم اتفاق أنصار جبهات الإخوان الثلاث عليها، مؤكداً أن ضعف الجماعة "أدى إلى ضعف الفعاليات التي تدعو إليها".

كذلك توقع أن "يقف كثير من أنصار الإخوان داخل مصر في المنطقة الوسطى تجاه تلك الدعوات"، بسبب قوة الدولة والإنجازات التي أحدثتها، أو ضعف الجماعة وزيادة الانقسامات الداخلية، خصوصاً بعد وفاة منير.

وأوضح حبيب، "الوفاة ستحدث نوعاً من الارتباك بشأن دعوات التظاهر، سواء داخل كوادر الإخوان خارج مصر أو داخلها". مشيراً إلى أن تلك الدعوات "تأتي من مواقع إخوانية وغير إخوانية خارج مصر". واعتبر أن الأخطر من عناصر الحشد الخارجي "الخلايا الصغيرة في الريف والصعيد".

واستبعد المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أن يكون محمود حسين مهتماً بالتعبئة والحشد داخل مصر، كما أشار إلى أن الإخوان دائماً ما يتبعون سياسة الترقب تجاه دعوات التظاهر مثلما حدث في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور ثم اتخاذ قرار النزول من عدمه.

تسيير الأعمال

كان نائب رئيس الهيئة العليا بجماعة الإخوان محيي الدين الزايط قد أكد أن الجماعة ستعلن خلال أقل من شهر عن كل الأمور الإدارية الجديدة، موضحاً في تصريحات تلفزيونية أن "الأمور تسير كما رسمها إبراهيم منير قبل وفاته".

ونفى وجود انقسام في الجماعة، وقال "90 في المئة منها على قلب رجل واحد بالداخل والخارج، وإنه خلال الفترة الأخيرة حاول بعضهم منازعة إبراهيم منير في ما تولاه وهو لم يكن حريصاً عليه أبداً". واعتبر أنه منذ تولي منير إدارة الجماعة استطاع لم شمل أعضائها وتجميع "الشباب الذين تفرقوا" وإعادة بناء مؤسسات التنظيم.

وأضاف الزايط أنه يقوم بالمهمات الإدارية داخل الجماعة موقتاً، حتى استكمال المؤسسات الداخلية لمن يقوم بقيادتها في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن منير طلب خلال آخر اجتماع له مع أعضاء هيئة الشورى منذ نحو خمسة أشهر ترشيحات لمن يساعده أو يكون نائبه.

بين السجن ولندن

ولد إبراهيم منير عام 1937 في مدينة المنصورة شمال القاهرة، وتخرج في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وعند بلوغه سن الـ28 وتحديداً في عام 1965، دين منير في قضايا تتعلق بنشاطات التنظيم، وحكم عليه بالأشغال الشاقة 10 سنوات في قضية عرفت حينها بـ"إحياء تنظيم الإخوان"، في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

ورغم خروجه من السجن وتوجهه إلى العيش في الخارج فإن نشاطات الرجل الذي كان قطباً بارزاً بالتنظيم الدولي لم تتوقف، وأصبح في عام 1995 أميناً للتنظيم الدولي، ومتحدثاً باسم الجماعة في أوروبا، بالتزامن مع انتخابه عضواً بمكتب الإرشاد عن الخارج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في عام 2009 حوكم منير في قضية متعلقة بالتنظيم الدولي خلال عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، قبل أن يصدر قرار بالعفو الرئاسي عنه من قبل الرئيس الراحل المنتمي إلى الجماعة محمد مرسي في أواخر يوليو (تموز) من عام 2012، أي بعد نحو شهر فقط من توليه منصبه.

وطوال بقائه في لندن كان منير يدير نشاطات الجماعة ومؤسساتها بالخارج، التي من أبرزها "الجمعية الخيرية الإسلامية للإغاثة الإنسانية وصندوق التكافل ومؤسسة النهضة"، التي لطالما أحاطتها الشكوك في شأن دعمها العنف والتطرف.

ولم تنته إدانات منير بقضية عام 2009، ففي سبتمبر (أيلول) 2021 دين بالمؤبد بعد اتهامه "بقيادة جماعة إرهابية تهدف إلى استخدام القوة والعنف والتهديد والترويع في الداخل، بغرض الإخلال بالنظام العام وتمويل الإرهاب وتوفير الملاذ الآمن للإرهابيين"، ووُضع "على قوائم الإرهاب"، وهي القضية التي ضمت 25 متهماً.

وفق ما يقول مراقبون معنيون بالحركات الإسلامية، فعلى مدى العقود الأخيرة تمكن منير من أن يكون الذراع الرئيسة لإدارة مختلف الملفات في الخارج بحكم سيطرته على مكتب التنظيم الدولي، وعضويته بالتنظيم الخاص، وتاريخ اقترابه من المرشدين الأوائل للجماعة.

خلافات السلطة

تولى منير منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان بعد القبض على القائم بالأعمال محمود عزت في القاهرة أغسطس (آب) 2020، وكان قائداً لما يعرف بجبهة لندن التي واجهت خلافات مع جبهة إسطنبول التي يقودها محمود حسين، بعد هروب بقية القيادات خارج مصر منذ ثورة 30 يونيو 2013.

ومطلع العام الحالي، عزلت جبهة منير أو إخوان لندن، محمود حسين وقيادات في مجموعته، مما وضع الإخوان للمرة الأولى في تاريخها أمام أزمة شرعية المنصب الأعلى بالجماعة وهو المرشد العام، في ظل تعطيل صلاحيات مرشد الجماعة محمد بديع القابع في السجون المصرية على ذمة عدد من القضايا وصدور أحكام بالإعدام ضده.

وخلال الأشهر الماضية كان الصراع بين جبهتي إسطنبول ولندن قد شهد هدوءاً موقتاً، بعد أن زعم كل منهما وصول رسالة دعم وتأييد له من جانب مرشد الجماعة الموجود بالسجن محمد بديع، إذ أكدت جبهة إسطنبول تلقيها رسالة دعم من المرشد لزعيمها من محمود حسين، ومطالبته بوقف أي انقسام في صفوف التنظيم، وبذل كل الجهد لحل أزمة المعتقلين، وهو ما ذكرته أيضاً جبهة لندن.

وكان الانشقاق قد بدأ رسمياً في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، مع إعلان جبهة إسطنبول إعفاء إبراهيم منير من مهمات القائم بعمل المرشد العام للجماعة، وتكليف مصطفى طلبة بالقيام بمهماته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير