Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الآلية الثلاثية" تستعد لإطلاق حوار مباشر حول الأزمة السودانية

العملية السياسية التي يجري التمهيد لها تختلف عن سابقتها التي وُئدت في مهدها

مقترح تقدمت به "الآلية الثلاثية" لبدء المحادثات الرسمية بين الأطراف السودانية وتشمل المجلس المركزي والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية وتتسع لاحقاً لتضم قوى ثورية أخرى (اندبندنت عربية – حسن حامد)

تجدد التفاؤل مرة أخرى لدى الأوساط السياسية السودانية بانتهاء حال الجمود التي لازمت الأزمة السودانية منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إذ من المنتظر أن يشهد منتصف هذا الشهر الاختراق الأكبر في الأزمة السودانية بجلوس الأطراف لتحديد آلية الحوار المباشر، وفق المقترح الذي تقدمت به الآلية الثلاثية لبدء المحادثات الرسمية بين أطراف الأزمة السودانية، إذ تشمل في المرحلة الأولى المجلس المركزي والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية وتتسع لاحقاً لتضم قوى ثورية أخرى.

استئناف الحوار

وشكل استئناف الآلية الثلاثية جولات جديدة من مشاورات الحوار غير المباشر بين فرقاء الأزمة السياسية في السودان خلال الأسابيع الماضية، بهدف توسيع قاعدة التوافق حول مقترح دستور نقابة المحامين الانتقالي كأرضية للحوار، بارقة أمل في مشوار استكمال مشاورات تحديد آلية الحوار المباشر في منتصف نوفمبر الحالي، تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جديدة.

وكانت "الحرية والتغيير" اقترحت أن تقتصر المرحلة الأولى من الحوار على المجلس المركزي لهذه القوى، المكون العسكري وأطراف عملية السلام من قوى الثورة، على أن تنضم للمرحلة الثانية من المحادثات المرتقبة قوى جديدة تشمل المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني وجماعة "أنصار السنة".

وبحسب مصادر لـ "اندبندنت عربية"، فإن العملية السياسية التي يجري التمهيد لها تختلف عن سابقتها التي وئدت في مهدها، ومن المنتظر أن تقوم هذه المرة على ثلاثة محاور تتمثل في مرحلة المشاورات الأولية الراهنة ثم تعقبها ورقة شاملة تتضمن رؤى وملاحظات كل الأطراف المعنية بالحوار، لتشكل هذه الورقة منطلقاً للحوار السياسي على خلفية موافقة المكون العسكري على مقترح الدستور الانتقالي المقترح بواسطة لجنة تسيير نقابة المحامين وتسليمه ملاحظاته حولها إلى الآلية.

مبدأ التوافق

وأشارت المصادر نفسها إلى أن السياق العام للحوار المتوقع يؤكد مبدأ الحل الشامل المطلوب التوافق عليه ورفض أي نوع من الحلول الثنائية، مبينة أن المبدأ العام المتوافق عليه، وفق ما جاء في مسودة مشروع الدستور، هو خروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي وتسليم قيادة البلاد لحكومة مدنية يتم تشكيلها بوجود المكون العسكري ومجلس السيادة الحالي، كآخر مهمة لهما ينتهي بعدها أي دور لها بحل المجلس وذهاب العسكريين إلى مجلس الأمن والدفاع تحت إشراف رئيس الوزراء المدني فور توقيع الاتفاق بين الأطراف المعنية.

وتابعت المصادر أن نقاط الالتقاء في شأن ما جاء في مسودة الدستور المقترح أكبر بكثير من نقاط الخلاف، لكن القليل الباقي من النقاط يمثل القضايا الجوهرية ذات الحساسية العالية بالنسبة إلى استكمال مسيرة التحول الديمقراطي، مشيرة إلى أن ملاحظات الجيش على مسودة الدستور المقترح تركزت على تحفظه على كل النصوص التي تهدف إلى الإدانة المباشرة للقيادات العسكرية، فضلاً عن حسم وضع قوات الدعم السريع كجزء من الجيش إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بتشكيل مجلسي القضاء والنيابة العامة ومبدأ تكوين الجهاز القضائي والنيابة، واقترحت أن تقوم "قوى الثورة" بذلك وليس بواسطة قوى "الحرية والتغيير" كما جاء في مسودة الدستور التي قدمت له.

وبخصوص هياكل الحكم رجحت المصادر أن يكون هناك توافق على أن تتكون من مجلس سيادي مدني مصغر، إضافة إلى مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، كما سيكون هناك مجلس للأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء.

مشاورات متواصلة

وشملت لقاءات "الآلية الثلاثية" في سياق الحوار غير المباشر عبر مشاوراتها الفردية المتواصلة خلال الأيام الماضية، بعدد مقدر من الأحزاب والكيانات السياسية والمدنية وعلى رأسها تحالف "الحرية والتغيير" المجلس المركزي والحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي وجماعة "أنصار السنة" والجبهة الثورية.

والتقت الآلية بقيادة الجبهة الثورية برئاسة الهادي إدريس والطاهر أبو بكر حجر ومالك عقار وعضوي مجلس السيادة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد إن الآلية طرحت خطتها لإطلاق الحوار السوداني المشترك، مشيراً إلى أن الجبهة الثورية تتعاطى مع هذا الطرح بشكل إيجابي باعتبارها طرفاً أساسياً في الحوار. ووصف سعيد مسودة الدستور الانتقالي المقترح من نقابة المحامين بأنه يمثل وثيقة وطنية يجب أن تشترك فيها كل الأطراف لإبداء ملاحظاتهم عليها، وكشف أن الجبهة اطلعت على كل من ملاحظات المكون العسكري و"الحرية والتغيير"، وأبدت تحفظاتها في ما يتعلق بالمساس باتفاق جوبا لسلام السودان وبخاصة في ما يتعلق بقضية هياكل الدولة، مشيراً إلى أن الجبهة تلقت تأكيدات من الآلية بأن اتفاق جوبا أساس وحقق مكاسب كبيرة لمناطق النزاع والأكثر تهميشاً.

ولفت سعيد إلى أن ما تم التوصل إليه في اللقاء مع الآلية يمثل ورقة إطارية سيشترك الجميع في مناقشتها والوصول إلى حوار موسع غير مغرق بأطراف غير رئيسة.

البرهان يثني ويحذر

في الأثناء أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وجود تفاوض مع من وصفهم بشباب لمس فيهم الروح الوطنية ذاتها والخوف على البلاد، مؤكداً عدم السماح بعودة حزب المؤتمر الوطني للحكم مرة أخرى، وقال "يكفيكم 30 سنة من الحكم "، وحذر البرهان في خطابه لمنسوبي القوات المسلحة لدى زيارته قاعدة "حطاب" العملياتية، ومنسوبي المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية، أن يبتعدوا من القوات المسلحة لأن الجيش ليس لديه حزب ولن يدافع في يوم من الأيام عن فئة أو عن حزب، ولن يسمح لأية فئة أن تعود من خلاله، لا مؤتمراً وطنياً ولا حركة إسلامية ولا أي فئة أخرى.

وفي سياق متصل، أوضح أمين العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان أن "الحرية والتغيير" تعكف على درس رد المكون العسكري على وثيقة دستور المحامين والتعقيب عليه، ووعدت بمناقشة تخضعه للدراسة عبر مؤسساتها.

ووصف عثمان الخطوة بأنها لا تخلو من كونها نوعاً من التقدم على صعيد الحوار غير المباشر الذي تديره الآلية كوسيط ومسهل، وأشار عثمان إلى أن الظهور الكثيف لأنصار النظام البائد على الساحة السياسية خلال الفترة الأخيرة أسهم في تقارب أجسام المكون المدني وتناسي كثير من خلافاته، مما يسرع وتيرة العمل على إنهاء الانقلاب.

وقال إن "قوى الثورة المضادة من بقايا النظام البائد تعمل جاهدة لتعميق جذور الخلافات بين قوى الثورة وتفتيت وحدتها في مسعى واضح إلى حرف مسار الحوار وهدفه الإبقاء على وضع الانقلاب الراهن".

استمرار التصعيد

في المقابل، تتمسك لجان المقاومة بمواصلة تصعيد التظاهرات والإضرابات وصولاً إلى العصيان المدني ضمن وسائل إسقاط الانقلاب، متوعدة قادته بـ "حرمانهم من النوم" من خلال إعلانها جدول تظاهرات جديد لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، المتضمن حراكاً يومياً على مستويات عدة وبفعاليات كثيرة تجعل الحراك منتظماً على نحو شبه يومي.

إلى ذلك، نفى تحالف قوى "الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) ما تم تداوله من أخبار في شأن توصله إلى اتفاق مع المكون العسكري في ما يخص الحصانات القضائية الكاملة أو الجزئية لمصلحة أي جهة أو أفراد، لأن ذلك لا يمكن تحقيقه من دون تشاور وقبول واسع لأهل المصلحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد التحالف في تعميم صحافي موقفه المعلن في وثيقة "أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي إلى إنهاء الانقلاب" التي تضمنت رؤيته حول أطراف العملية السياسية وهياكل السلطة الانتقالية المدنية بالكامل، إضافة إلى قضايا الإصلاح الأمني والعسكري بما يقود لجيش قومي مهني واحد وخضوع كل القوات العسكرية والأمنية للسلطة المدنية، وإنفاذ عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية تكشف الجرائم وتحاسب المنتهكين وتنصف الضحايا بما يضمن عدم الإفلات من العقاب وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية.

من المساومات إلى التنازلات

وأعلنت حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم تمسكها بالرؤية التي قدمها تحالف "الحرية والتغيير" (الكتلة الديمقراطية) الناشئ حديثاً، أساساً لحل الأزمة، مطالبة بعدم المساس باتفاق سلام جوبا.

وقال نائب أمين الحركة حسن إبراهيم فضل في بيان إن المكتب القيادي عقد اجتماعاً تمسك فيه أن "تكون الرؤية السياسية لقوى الحرية والتغيير، الكتلة الديمقراطية، إطاراً لحل الأزمة في البلاد، مع ضرورة التواصل مع أطراف السلام والقوى السياسية والثورية والشبابية والمجتمعية إلى بلورة رؤية مشتركة حول تحديات المرحلة".

وقال المحلل السياسي بشير حسن المرضي إن الحوار غير المباشر الجاري الآن من شأنه أن يخرج بالأزمة من مرحلة المساومات والمناورات والضغوط المتبادلة بين المعسكرين الرافض للانقلاب والداعم له إلى مرحلة التنازلات من كل الأطراف والبحث عن المسافة الوسط التي تشكل نقطة الالتقاء بما يجعل أفق الحلول أكثر انفتاحاً.

ورأى المرضي أن المناخ السياسي الآن أفضل بكثير مما كان عليه قبل أشهر قليلة، بحيث يمكن للقوى السياسية أن تتجاوز مرحلة الصدام والمواقف الجدلية إلى توافق تتسع من خلاله قاعدة الحكم المدني بإشراك مزيد من قوى الثورة الحية والتفافها حول تسوية سياسية تنتقل بها إلى مشروع وطني يؤمن مسيرة التحول الديمقراطي المدني بالأفعال وليس مجرد اتفاق سياسي.

تحالف "نهضة السودان"

وعلى الصعيد نفسه رأى رئيس تحالف "نهضة السودان" وحاكم دارفور الأسبق الدكتور التيجاني سيسي أن المشاورات التي تجريها الآلية الثلاثية حالياً ليست شاملة على رغم أنها تشمل بعض الأطراف خارج المجلس المركزي لـ "الحرية والتغيير"، ولكن ليس بالضرورة أن تفضي إلى اتفاق يضمن الاستقرار للبلاد.

ولفت سيسي إلى أن هناك ضرورة لأن توسع الآلية الثلاثية دائرة مشاوراتها أكثر لتشمل مزيداً من أصحاب المصلحة لضمان استدامة الحلول، بخاصة في هذا الظرف الذي تواجه فيه البلاد تحديات وتعقيدات يمكن أن تعصف بأمنها واستقرارها.

وكان المكون العسكري سلم الآلية الثلاثية راعية الحوار ملاحظاته على مسودة الدستور المقترحة من نقابة المحامين، غير أن قوى "الحرية والتغيير" نفت اطلاعها على تلك الملاحظات مؤكدة استعدادها لإخضاعها للدراسة عبر مؤسسات التحالف والرد عليها متى تسلمتها.

ومنذ الانقلاب العسكري على حكومة عبدالله حمدوك الانتقالية في الـ 25 من أكتوبر 2021، دخل السودان أزمة سياسية مستفحلة امتدت أكثر من عام، وظلت خلاله التظاهرات والاحتجاجات المناهضة للحكم العسكري تتصاعد باطراد مطالبة بالحكم المدني الديمقراطي وإسقاط الانقلاب ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات وجرائم قتل المتظاهرين الذين بلغ عددهم حوالى 120 قتيلاً، في وقت تشهد البلاد أزمات اقتصادية وأمنية متفاقمة.

المزيد من العالم العربي