Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصادات الخليجية تحلق بـ6 في المئة نمواً متوقعاً خلال 2023

عوائد النفط تعزز ميزانيات دول التعاون وارتفاع الفائدة يرفع كلفة التمويل وقد يؤثر سلباً في قطاعي السياحة والعقارات

منطقة الخليج تتمتع بسيولة ونمو في إجمالي الناتج المحلي مع استهلاك مرتفع وثقة أعمال عالية (أ ف ب)

جاءت النظرة المستقبلية للاقتصادات الخليجية إيجابية لعام 2023 بحسب مجموعة "أتش أس بي سي إيكونوميست رود شو" التي توقعت أن تحقق البلدان الخليجية أعلى معدل نمو في العالم لعام 2022.

ووفقاً لتحليل حديث للمجموعة، من المتوقع أن تنمو اقتصادات المنطقة الخليجية بنسبة 6.5 في المئة عام 2022، مما يجعلها واحدة من أفضل المناطق أداء على مستوى العالم، بتحقيقها أكبر نمو لها منذ عقد في الأقل، مع توقعات بنمو اقتصادي بنسبة خمسة في المئة للعام المقبل.

وللوقوف على أداء الاقتصادات الخليجية خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، وتوقعات النمو لأسواق المنطقة لعام 2023، استطلعت" اندبندنت عربية" آراء عدد من الاقتصاديين والمحللين الماليين ورؤساء الشركات، وأيضاً لرصد تداعيات الارتفاعات المستمرة في أسعار الفائدة والتضخم الذي يجتاح مناطق عديدة في العالم، ناهيك بتداعيات المواجهة الروسية - الأوكرانية، وأزمات الطاقة والغذاء في العالم، إلى جانب مخاوف الركود الذي يلوح في سماء اقتصادات كبرى وانعكاسات تلك الأزمات على اقتصاد المنطقة الخليجية.

خطط الانتقال

جو هيبوورث، مدير شركة "أو سي أو" (OCO) غلوبال الشرق الأوسط، والمؤسس والرئيس التنفيذي للمراكز البريطانية للأعمال (BCB) المتخصصة في تطوير وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر والفرص التجارية والاقتصادية بين منطقة الشرق الأوسط والأسواق الدولية، قال لـ"اندبندنت عربية" إن "الشركات تبحث اليوم عن النمو، وهذا النمو لن يأتي من أوروبا أو المملكة المتحدة، كما من المرجح أن تدخل الولايات المتحدة في ركود العام المقبل، لكن من النقاط المضيئة في هذه الصورة القاتمة أنه من المرجح أن تتجنب آسيا الركود في حين سيكون الأمر صعباً بالنسبة إلى الصين لأسباب جيوسياسة"، مستدركاً "إذا بحثنا عن بيئة تتمتع بسيولة ونمو في إجمالي الناتج المحلي مع استهلاك مرتفع وثقة أعمال عالية فستبرز المنطقة الخليجية". 

وأضاف هيبوورث "التوقعات الاقتصادية الراهنة لنمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2023 في حدود خمسة إلى ستة في المئة وهي أقوى ما يمكن رؤيته في العالم، بالتالي لا يوجد ما يجعلني أعتقد بعدم استمرار هذا النمو وبخاصة في ظل سوق الطاقة القوية إلى جانب السمات الأخرى السائدة في المنطقة التي تمت ترقيتها، لكن على الجانب الآخر السؤال الأبرز هو: إلى متى ستستمر منطقة الشرق الأوسط بما فيها المنطقة الخليجية بمعزل عن الضغوط والاضطرابات العالمية في حال حدوث ركود في مناطق أخرى من العالم، والذي قد يكون له تأثير في قطاعات مثل السياحة التي تعتمد عليها كثيراً دولة مثل الإمارات".

وأشار إلى أن الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة وبخاصة في ظل الكلفة المرتفعة بأوروبا سيكون لديها خطط للانتقال بأعمالها إلى المنطقة، وستجد فرصة كبيرة بسبب الطاقة المتاحة دوماً وكلفتها الأرخص مقارنة بالغرب، وأيضاً في ظل استبعاد حدوث صدمة إمدادات للطاقة كما هو حاصل اليوم في أوروبا.

الفائدة ورفع كلفة التمويل

من جهته توقع حسن الريس، المصرفي في دبي، أن يكون أداء الاقتصادات الخليجية إيجابياً لعام 2023، قائلاً إن العوائد النفطية المرتفعة عززت الميزانيات الخليجية بالسيولة وخلقت فوائض في الدول المنتجة للنفط، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة سيكون لها دور في أداء اقتصادات العالم العام المقبل، ومنوهاً بأن رفع الفائدة لم يؤثر سلباً في الاقتصادات الخليجية حتى الآن، لكنه حذر من أن استمرار ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة الذي يتبعه ارتفاع مماثل في البلدان الخليجية لارتباط عملاتها المحلية بالدولار الأميركي (باستثناء الكويت) قد يكون له تأثير في الشركات والقطاع الخاص في ما يتعلق بتوفير وكلفة التمويلات، بخاصة في ما يتعلق بالتمويل العقاري، مما قد يؤثر في مستقبل القطاع في المنطقة.

وقال الريس إن "كل التنبؤات المتاحة اليوم تتحدث عن دخول أميركا ومنطقة اليورو في ركود خلال الربع الثاني من 2023. وباعتبار أن دول الخليج ليست منفصلة عن العالم في ظل نظام العولمة القائم، فقد يكون لاستمرار رفع الفائدة تداعيات وبخاصة على قطاعي العقارات والسياحة".

وأشار الريس إلى أن "الحرب دفعت كثيراً من أصحاب الثروات من روسيا وأوكرانيا إلى البحث عن وجهات آمنة لأموالهم في منطقة الخليج، وكانت الإمارات ودبي تحديداً من تلك الوجهات، حيث تقدم الدولة عديداً من عوامل الجذب للمستثمرين، من بنية تحتية عالمية وقطاع خدمات عالي الجودة وفرص استثمارية واعدة". 

وتحدث الريس عن استفادة المغتربين في الخليج من قوة الدولار في تحويلاتهم المالية لأسرهم بأوطانهم، إذ أصبحت المبالغ النقدية التي يرسلونها أقل لكنها لا تزال مرتفعة في الجانب الآخر، كما أشار إلى استفادة المستثمرين الأجانب أيضاً من قوة العملات الخليجية في تحقيق عوائد أعلى على استثماراتهم. 

لكن على الجانب الآخر، يرى الريس أن قطاع السياحة في المنطقة الخليجية قد يتأثر سلباً مستقبلاً، مشيراً إلى ارتفاع الكلفة على السائح اليوم بنحو 30 في المئة، فقوة العملات الخليجية لا تخدم السائح كما يقول، منوهاً بأن القطاع السياحي في الخليج "لم يتأثر" إلى الآن، لكن هذا التأثر وارد مع استمرار ارتفاع الفائدة والدولار الأميركي وكذلك العملات المحلية الخليجية.

الخليج مستقر في أمن الطاقة

وتوقع ديفيد بيرنز، رئيس مجلس إدارة الأعمال الإنجليزي في الإمارات، أن ينمو الاقتصاد السعودي سبعة في المئة هذا العام، مرجحاً أن يصل من اثنين إلى ثلاثة في المئة العام المقبل. وقال بيرنز إن السعودية تتمتع بإنتاج نفطي قوي، وهو أحد العوامل التي تقف وراء تعافي سوقها، كما توقع أن يواصل القطاع غير النفطي نموه، قائلاً إن هناك كثيراً من النشاط الحاصل في السوق السعودية مما يجذب المستثمرين من العالم، وأنه إضافة إلى الاستثمارات المرتبطة بقطاعي النفط والغاز هناك فورة في قطاع الضيافة والفندقة وبات يحظى باهتمام المستثمرين. 

وعن منطقة الشرق الأوسط ككل يقول بيرنز إن "هناك دولاً كان أداؤها جيداً وأخرى غير جيد. ففي الإمارات وتحديداً في دبي وأبوظبي نجد أنهما تقودان في قطاع التكنولوجيا والأسواق المالية في ما يتعلق بـ(بلوك تشين) و(العملات المشفرة)"، متوقعاً أن ينمو اقتصاد المنطقة خمسة في المئة هذا العام وأن يكون هناك نمو مماثل في عام 2023. ويرى بيرنز أنه من الصعب التنبؤ بشكل دقيق عما سيحدث العام المقبل، لكون العالم لم ينته بعد من الجائحة، إضافة إلى ما يحدث في أسواق العالم بسبب أزمة الطاقة والحرب الروسية - الأوكرانية وجميعها ستؤثر بلا شك في التوقعات الاقتصادية في العالم للعام المقبل، لكنه يقول إنه وبالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط فهي الأكثر استقراراً وتتمتع بأمن الطاقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف بيرنز "في الإمارات على سبيل المثال نجد تدفقاً أكبر للشركات كي تؤسس أعمالها بصورة أكبر مقارنة بالعام الماضي بسبب تخفيف القيود على التأشيرات، كما أن العلاقات الوثيقة بين بريطانيا والإمارات سيكون لها تأثير إيجابي كبير في الاقتصاد"، مشيراً إلى تنامي اهتمام الشركات البريطانية بالسوق السعودية أيضاً.

وتابع "بشكل عام المنطقة ستحافظ على استقرارها عام 2023 في ظل العوائد النفطية المرتفعة مع ارتفاع أسعار النفط، كما تعزز المنطقة الخليجية محفظتها الاستثمارية وموقعها تكنولوجياً وحضورها الرقمي في البلوك تشين والعملات الرقمية وكذلك الأصول المصرفية وفي قطاع الضيافة، وأتوقع استمرار النمو الاقتصادي في المنطقة الخليجية بحدود خمسة إلى ستة في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة".

عوائد نفطية كبيرة

وقال باراس شهدادبوري، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "نيكاي"، وعضو المجلس الهندي لرجال الأعمال والمهنيين في دبي (IBPC)، إن إيرادات الخليج لعام 2022 جذابة للغاية بقيادة السعودية والإمارات والكويت، كما عزز تزايد الطلب على الغاز من قطر الإيرادات الحكومية، ونمت عائدات الدول الخليجية الأخرى.

وتوقع شهدادبوري أن تبقى أسعار النفط خلال الأشهر الخمسة إلى الستة المقبلة في حدود 80 إلى 100 دولار للبرميل، مما سيولد مزيداً من العائدات النفطية لدول الخليج. وأشار إلى أن الحرب الروسية - الأوكرانية عززت الطلب العالمي على الطاقة، متوقعاً ألا تنتهي هذه الحرب في المستقبل القريب، مستدركاً "حتى لو انتهت فإن العقوبات الغربية على روسيا لن ترفع، وسيبقى الغاز والنفط تحت الضغوط، مما سيضع مزيداً من الضغط على دول أوروبا والهند والصين". 

وأشار إلى أن هناك عاملين عالميين قد يؤثران في توجهات النمو في المنطقة العام المقبل، الأول، أسعار الفائدة المرتفعة. والثاني، المخاوف من تراجع النمو، قائلاً "في رأيي أن المخاوف من حصول ركود في العالم لن تكون قبل عام 2025-2024. فالمشكلة القائمة اليوم تتمثل في التضخم الجامح على مستوى العالم ومن أجل السيطرة عليه يتم رفع الفائدة".

وعن رفع أسعار الفائدة في الخليج وإمكانية أن يؤثر سلباً في إقراض وتمويل شركات القطاع الخاص، قال شهدادبوري "أتفق تماماً مع هذا الطرح، قد يتراجع النمو في القطاع الخاص لكن إنفاق الحكومات الخليجية سيدفع لضمان استمرارية نمو اقتصادات بلدانها، حيث ستضخ الأموال في السوق وسيكون هناك كثير من مشاريع البناء في البنية التحية والعقود الحكومية، مما سيعوض الخسارة الصغيرة التي قد تلحق بالقطاع الخاص بسبب استمرار رفع أسعار الفائدة".

وأضاف "أود أن أشير هنا إلى العلاقات القوية التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي مع الهند، مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الهندي من المتوقع أن يحقق نمواً بحدود 6.5 إلى سبعة في المئة عام 2023، بالتالي أي نمو سيحصل في الهند سيجلب معه أيضاً النمو للمنطقة الخليجية بحكم العلاقات الاقتصادية والتاريخية بين الجانبين".

الصناديق السيادية 

وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، قال "قد نرى تسارعاً في اتجاه مشاريع رأس مالية بسبب الوفورات التي تولدت من ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الدولار الذي انعكس على العملات المحلية الخليجية، الأمر الذي قد يؤدي بالتفكير إلى توسيع نطاق الخطط الاقتصادية، ففي السعودية كان هناك مبادرة لإنشاء هيئة فضاء، وفي الإمارات كان هناك تركيز على الاقتصاد الرقمي".

وأعرب الطه عن تفاؤله بأداء الاقتصادات الخليجية في عام 2023، متوقعاً أن يكون النمو الاقتصادي مرتفعاً العام المقبل، بقيادة الاقتصاد السعودي بسبب ارتفاعات أسعار النفط، قائلاً "بالإمكان خلال الفترة المقبلة أن نتوقع خروج مبادرات إضافية في الدول الخليجية بهدف تعزيز الاستثمارات الأجنبية والحكومية، وكذلك تعزيز استثمارات الصناديق السيادية في المنطقة".

ويتفق الكاتب الكويتي والمحلل الاقتصادي محمد رمضان على أن الأداء الاقتصادي للمنطقة الخليجية سيكون جيداً العام المقبل، قائلاً "الأمر يعتمد على عوامل كثيرة، منها توجهات أسعار الفائدة، وسعر الدولار الأميركي، وأسعار النفط وكيفية توزيع الإنفاق الحكومي في الدول الخليجية ومدى الاهتمام بسوق الأسهم ونظرة المستثمرين الأجانب والمحليين أيضاً. منوهاً بوجود أزمة سيولة لدى بعض رواد الأعمال، ومن ثم سيكون من الصعب التنبؤ بشكل دقيق بأرقام النمو للعام المقبل، لكنه استدرك "بشكل عام أداء الاقتصاد الخليجي سيكون جيداً في ظل المداخيل والفوائض المالية التي تحققها بلدانه والتزامها تنويع اقتصاداتها بعيداً من النفط". 

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في تقريره الأخير الذي حمل عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الذي صدر في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أن ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمنطقة بنسبة 5.0 في المئة عام 2022، من 4.1 في المئة في عام 2021.

وقال الصندوق إن الظروف العالمية المتدهورة تلقي بثقلها على آفاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.