Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجنيد الإجباري في العراق... تنمية عسكرية أم عسكرة مجتمعية؟

البعض يرحب بالخدمة الإلزامية لحماية البلاد وآخرون يرونها إهداراً للمال ودعماً للديكتاتورية

إحدى مهمات الجيش العراقي (قناة المتحدث العسكري على تيليغرام) 

أرجأ البرلمان العراقي في جلسة يوم الأحد السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) القراءة الأولى لمشروع قانون إعادة الخدمة العسكرية الإلزامية التي توقف العمل بها منذ 20 عاماً، ويثير احتمال إعادتها جدلاً في العراق.

وليس واضحاً بعد ما إذا كان مشروع قانون "خدمة العلم" سوف يحظى بتأييد غالبية النواب. وأرجأ البرلمان في جلسته الأحد القراءة الأولى لمشروع القانون حتى الثلاثاء المقبل، موعد جلسته الجديدة، وفق بيان صادر عن الدائرة الإعلامية لمجلس النواب.

وتسعى وزارة الدفاع العراقية وقيادة الجيش إلى إقرار قانون خدمة العلم الذي سيعيد التجنيد الإلزامي بعد أن تم إلغاؤه من قبل الحاكم المدني الأميركي للعراق بول برمير عام 2003 عقب غزو البلاد.

وزارة الدفاع العراقية بررت دعوتها إلى تشريع القانون بتناقص القوى البشرية الشابة التي تخدم في الجيش منذ سنوات عدة، خصوصاً بعد انتهاء الحرب على "داعش" والحاجة إلى تجديد الدماء وإكمال النواقص في عدد من التشكيلات التي قاتلت التنظيم الإرهابي لسنوات.

وتسلم مجلس النواب خلال دورته السابقة مسودة قانون الخدمة الإلزامية من وزارة الدفاع قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لكن لم يناقشها بسبب قصر الفترة الزمنية التي كانت موضوعة لعمل المجلس حينها قبل حله.

جاهزية تامة

المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيي رسول قال في تصريحات صحافية إن "وزارة الدفاع متهيئة لتطبيق القانون ولديها إمكانات جيدة، وستخصص بعد إقرار مجلس النواب للقانون الأموال اللازمة للبنى التحتية والرواتب وكل ما تحتاج إليه هذه العملية".

وأعرب رسول عن أمله في أن يتم التصويت على القانون الذي أشار إلى أنه "فيه جوانب إيجابية كثيرة"، كما أنه مهم في حال "تعرض البلد إلى أي عمل إرهابي خارجي لكونه يشكل قوة احتياط تسند القوات المسلحة".

مهمة للهوية الوطنية

ويرى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أن "قانون خدمة العلم ضروري في الفترة المقبلة لأمن العراق وهويته الوطنية".

وقال الحلبوسي في تغريدة إن "قانون خدمة العلم يضمن إعداد جيل من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، وملم بالحقوق والواجبات ومتحفز لحفظ الدولة وسيادتها، كما يسهم في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط والالتزام بالهوية الوطنية".

 

وعلى رغم الاعتراضات لعدد كبير من العراقيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى بعض الجهات السياسية كون القانون يمثل عسكرة للمجتمع، إلا أن لجنة الأمن والدفاع البرلمانية كان لها وجهة نظر أخرى.

مهم جداً

يعتقد نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية سكفان يوسف سندي أن مشروع قانون خدمة العلم "من أهم وأفضل القوانين التي سيصوت عليها البرلمان العراقي خلال الفصل التشريعي".

وقال سندي في تصريحات صحافية إن هذا القانون ستكون له "مخرجات ونتائج مهمة أبرزها تعزيز الشعور بالوطنية والحد من البطالة وتوحيد وتقريب مكونات الشباب العراقي بعضهم ببعض بعيداً من عناصر الاختلاف أو الطوائف المختلفة".

ويبدو أن الخلافات حول مشروع القانون كانت واضحة من خلال تأجيل مجلس النواب العراقي مناقشته بعد أن أدرج على جدول أعمال جلسة اليوم الأحد، لكن تم تأجيله للجلسة المقبلة.

التصويت عليه

بدوره رجح عضو لجنة الأمن والدفاع النائب كريم شكور أن يتم إقرار مشروع قانون الخدمة الإلزامية خلال الدورة الحالية لوجود شبه إجماع برلماني على تشريعه، فيما أشار إلى أن تطبيقه سيكون بعد سنتين من تاريخ إقراره ونشره بالصحيفة الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف شكور أن "لجنة الأمن والدفاع واللجان الأخرى المعنية ستقوم بمناقشة القانون بعد القراءة الأولى له في المجلس ليتم إقراره فيما بعد"، لافتاً إلى وجود شبه إجماع على إقراره خلال الفترة الحالية.

وعن أبرز فقرات القانون أوضح شكور أن المسودة حددت السن القانونية من الـ 18، وأن مقدار الخدمة يعتمد على التحصيل الدراسي، إذ تتراوح الخدمة من سنة ونصف السنة للذي لم يكمل دراسته، وسنة للحاصل على شهاد الإعدادية، بينما من يحصل على شهادة الماجستير ستكون خدمته ستة أشهر والدكتوراه ثلاثة أشهر والراتب الشهري يتراوح بين 600 و700 ألف دينار.

كواليس الإلغاء

وكان الحاكم المدني للعراق بول بريمر قرر في مايو (أيار) 2003 إلغاء قانون الخدمة الإلزامية والاعتماد على جيش من المتطوعين في خطوة كانت الأولى من نوعها منذ تأسيس الدولة الحديثة بعشرينيات القرن الماضي، وبدعم من معظم معارضي النظام السابق الذين تصدوا للمسؤولية بعد سقوط نظام صدام حسين.

وبرر الساسة آنذاك إلغاء الخدمة الإلزامية بمخاوفهم من دور الجيش العراقي في الجانب السياسي وإمكان سيطرته على السلطة إذا كان عدد جنوده كبيراً، كما حدث في انقلابات 1936 و1941 و1958 و1963 و1968 وغيرها من الانقلابات، واستغلوا حينها كره شريحة واسعة من الشارع العراقي لهذا الأمر، كونه كان يطبق بقسوة خلال فترة حكم صدام حسين.

هدر مالي

وفيما يرى مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبدالحميد أن إقرار قانون الخدمة الإلزامية لن يعمل على تطوير المنظومة العسكرية وفق أسس علمية، وأنه هدر للأموال والجهود.

وقال عبدالحميد إن القانون كان من المقرر أن يتم إقراره خلال الدورة السابقة إلا أنه تم تأجيله"، مشيراً إلى أن "التطور العالمي والاتجاه نحو الخصخصة في تنظيم الوحدات العسكرية بكل دول العالم، ما عدا دول الشرق الأوسط مثل مصر ولبنان وإيران، ونحن يجب أن نقتدي بالدول المتطورة لبناء المؤسسة العسكرية".

وأضاف أنه يرفض القانون لكونه لا يهتم للتطور الفني والنوعي للوحدات العسكرية المختلفة لأنها بحاجة إلى نوعية معينة من الجنود والمراتب بحسب اختصاصها ووفق كفاءات ذهنية وعلمية، فصنف الكيماوي يستعين بخريجي الكيمياء من الكليات العلمية ويتم تطويعهم بحسب إرادتهم وبحسب حاجة الوحدة العسكرية إلى هذا الصنف، مبيناً أن بقية الصنوف مثل البحرية والجوية يجب أن يتم تدريب طياريها والاختصاصات المتعلقة بها وفق الكفاءة والخبرة.

واعتبر عبدالحميد وجود كم هائل من المراتب والمعسكرات والتدريب مع جهد إطعامهم وتوفير معسكرات تدريب لهم سيعني استهلاكاً للوقت والأموال، ورؤية غير عصرية أن يتم الإجبار للذهاب للعسكرية.

أهداف ديكتاتورية

وأضاف أن مشروع القانون قديم مستهلك ووراءه أهداف ديكتاتورية لإنشاء أجيال بحسب النظرية النازية، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو عسكرة للمجتمع وحدثت في زمن الملكية وتم إعادتها في زمن عبدالكريم قاسم بالمقاومة الشعبية.

وشدد على ضرورة درس القانون من جميع النواحي، وأن يتم الاقتداء بقوانين الدول المتقدمة وليست المتخلفة بالسوق العشوائي للتجنيد وعدم السير وراء العواطف.

وعلى رغم تعدد الدعوات من جهات سياسية واجتماعية خلال السنوات الماضية لإعادة تفعيل قانون الخدمة الإلزامية بضوابط جديدة تضمن تطبيقه في جميع أنحاء العراق من دون اعتراضات تذكر، إلا أن الرفض من معظم الجهات السياسية الحاكمة في البلاد كان الإجابة السريعة بحجة عدم عسكرة المجتمع وتدمير شبابه وقدرة جيشه الحالي على الدفاع عنه ضد الأخطار.

 

لكن ما جرى من انهيار المؤسسة العسكرية خلال يونيو (حزيران) 2014 بعد سيطرة "داعش" على عدد من المدن العراقية، وتطوع عشرات آلاف الشباب العراقي للقتال ضد التنظيم حتى من دون أجور بعد فتوى المرجع الديني علي السيستاني أنهى الحديث عن عسكرة المجتمع وغيره من التبريرات التي تمنع إعادة العمل لقانون الخدمة الإلزامية.

وأشار إلى أن الحديث عاد مجدداً حول القانون خلال السنوات الست الماضية، مع وجود تأييد سياسي واجتماعي بعد الأزمات التي عاناها العراق.

أزمة جديدة

فيما يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن الخدمة الإلزامية استنزاف للأموال وعسكرة للمجتمع وزيادة لأزمات ومشكلات العراق.

وقال الفيلي إن "الوقت الحالي لا يوجد استخدام المشاة بشكل كبير، وإذا استخدم فيجب أن يكونوا بتحصيل عال من الدراسة في ظل التطور العالي"، مشيراً إلى أن القانون في حال إقراره وتطبيقه يعمق الفوارق الطبقية، لأنه لن يخدم أولاد الأغنياء بعد دفعهم البدل المالي، ومن سيخدم فقط أبناء الفقراء.

باب فساد

وبين أن هذا القانون يعد باباً للفساد لأنه سيزيد وجود ظاهرة الفضائيين المتهم بها مسؤولين في الدولة وكذلك المواطنين المتهمين بمخالفة القانون، مبيناً أن الطبقة الفقيرة ستكون هي الطبقة المطاردة لأن الفقر يمنعهم من أداء الخدمة.

وشدد على ضرورة استثمارهم في قضايا الخدمة المدنية وإدخالهم في فيالق إعمار العراق وبنائه وتأسيس شركات عابرة للحدود تتعاقد مع مؤسسات دولية عبر استثمارات في أوروبا وأميركا وبقية الدول، بدل إدخالهم الخدمة العسكرية الإلزامية.

إشغال المواطن

واعتبر أن الغاية من مشروع القانون هو إشغال المواطن من دون فائدة ومن أجل عدم المطالبة بحقوقه، فلدى العراق مليونا مقاتل في كل صنوف الجيش، متسائلاً عن الغاية المرجوة من بناء جيش من المكلفين.

وأبدى الفيلي مخاوفه من استثمارهم في أمور قمعية لأن التاريخ يشير إلى أن كل من شملوا بالخدمة الإلزامية كان يستخدم من قبل النظام أحياناً بمواضيع قمعية لأهداف السلطة، كما أن التجنيد الإلزامي لم يعمق الشعور الوطني، فكثير من الناس يهربون فالذي يأتي بالإكراه نتائجه كارثية على العراق.

واعتبر أن الخدمة الإلزامية تكبيل للطاقات الشبابية والروح الوطنية لأنها تأتي من أسلوب قسري، مشدداً على ضرورة إعداد دراسة دقيقة لمسودة القانون.

وتعمل وزارة الدفاع العراقية على تحديث وتأهيل وبناء معسكرات جديدة ضخمة للجيش في معظم المدن بعد توسع أعداده وترسانته العسكرية بشكل أصبح من الصعب أن تحتويها المقار الحالية التي يعود إنشاء معظمها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وتعرضت معظم معسكرات الجيش العراقي في المدن وضواحيها بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 إلى عمليات نهب وسلب وتدمير لبناياتها، وتحول بعضها إلى أماكن للسكن من قبل بعض الأسر التي توجد فيها مثل معسكر الرشيد، وهو واحد من أضخم المعسكرات العراقية التي يعود تاريخ إنشائه إلى نهايات الحكم العثماني لبلاد وادي الرافدين.

وأبقت المؤسسة العراقية معسكرات وقواعد عسكرية وجوية كبيرة، لكن عددها محدود مثل معسكر التاجي شمال بغداد وسبايكر غرب مدينة تكريت وقاعدة بلد الجوية شمال بغداد وعين الأسد غرب العراق والشعيبة في البصرة وعدد آخر من المعسكرات والقواعد التي أبقيت صالحة للاستخدام من بين العشرات التي تم تدميرها بالكامل.

المزيد من تقارير