أثارت ولادة الهيئة البرقاوية التي أُعلنت من خلال بيان تأسيسي في 2 يوليو (تموز) الحالي، جدلاً في الساحة الليبية، التي انقسمت بين معارض لها ومتفائل بالنقاط التي تطرق إليها رئيسها عبد الحميد الكزة، الذي دعا إلى الرجوع إلى طاولة المشاورات السياسية، مطالباً قبائل برقة في شرق ليبيا بضرورة الانخراط في صلب الهيئة، حتى الوصول إلى الدولة المدنية المنشودة.
تتخذ الهيئة البرقاوية من العاصمة طرابلس مقراً لنشاطها السياسي والاجتماعي، عوض مدينة برقة تجنباً للتهديدات التي يمكن أن تطال أعضاءها، خصوصاً أن المدينة تخضع في الوقت الحالي لسلطة الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني التي تعد قوات المشير خليفة حفتر ذراعها العسكرية، في حين يمثلها تشريعياً مجلس النواب، الذي أكد أن الهيئة البرقاوية وُلدت ميتة، وفق الناطق الرسمي باسم المجلس عبد الله بلحيق.
في المقابل، لاقت هذه المبادرة استحسان حكومة الوفاق الوطني وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا برئاسة غسان سلامة، الذي كان قد لمّح إلى أهمية الذهاب إلى النظام الفيدرالي إذا كان يمثل حلاً لإنهاء الفوضى الحالية، وذلك خلال زيارته الأخيرة إلى مدينة بنغازي في 22 يونيو (حزيران) الماضي.
إنهاء المرحلة الانتقالية
ما فتئت ليبيا تنهي مرحلة انتقالية حتى تدخل في أخرى بسبب فشل البعثات الأممية في وضع حدٍّ لحالة الانقسام السياسي الذي تدور رحاه منذ عام 2011، لتبلغ أشدها في الآونة الأخيرة، بعدما دخلت طرابلس الشهر الرابع من الاقتتال، الذي لم يميز بين الأحياء السكنية والأهداف العسكرية. وانطلاقاً من مبدأ الاتفاق على أهمية مدنية الدولة التي تكفل العدالة والمساواة بين الجميع، أُسست هذه الهيئة، وفق رئيسها عبد الحميد الكزة.
وقال الكزة إن "الهدف الأول هو الحفاظ على النسيج الاجتماعي وبناء المؤسسات العسكرية والأمنية تحت سلطة مدنية"، مضيفاً أن إرساء دولة المؤسسات القانونية والقطع مع المركزية والتوزيع العادل للثروات المنجمية من أولويات الهيئة البرقاوية. وأكد ضرورة إنجاز مصالحة وطنية شاملة بأسرع وقت وقطع كل السبل التي من شأنها أن تدخل البلد في مرحلة انتقالية جديدة.
وشدد على أن جميع أعضاء الهيئة متفقون على أهمية الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وفق دستور يكفل حق جميع مكونات المجتمع الليبي.
وأشار كزة إلى أهمية المبادرة السياسية التي تقدم بها رئيس حكومة الوفاق فايز السراج إلى بعثة الأمم المتحدة والتي يأتي في مقدمتها إقصاء حفتر من المشهد السياسي واستبداله بأي شخصية أخرى من الشرق الليبي.
وأوضح أن الأولوية هي لمعالجة فترة ما بعد حرب طرابلس والتخطيط لملتقى وطني جامع يضم جميع الأطراف الليبية، بما في ذلك عناصر النظام السابق الذي سقط عام 2011.
عائق أمام توحيد ليبيا
يذكر أن الكزة ينتمي إلى أنصار النظام السابق ولا يحظى بدعم واسع في برقة، كما تختلف أهداف هذه الهيئة مع توجهات حفتر. وبالتالي، فإن الإعلان عنها من طرابلس سيقدم دليلاً على أنها جاءت بإيعاز من حكومة السراج، الذي يتقاتل مع حفتر بغية الفوز بالعاصمة طرابلس، ما سيؤثر في امتدادها في المنطقة الشرقية وسيعمق هوة الانقسام في البلد، وفق عضو لجنة المصالحة الوطنية حسن الأشلم.
الأشلم أضاف "نخشى أن تعود الهيئة إلى الفيدرالية الثلاثية المتشددة، التي قسمت ليبيا إلى ثلاثة أقاليم: إقليم فزان وإقليم برقة وإقليم طرابلس. وهذا توجه من شأنه أن يهدد الأمن القومي الليبي، خصوصاً الثروات التي تتركز في برقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونصح الأشلم أعضاء الهيئة البرقاوية بضرورة تبني نظام المحافظات مع ضرورة القطع مع المركزية. وهذا طرح يسانده عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب الليبي علي التكبالي، الذي نبه من سرقة إرادة الشعب الليبي، قائلاً "الهيئة البرقاوية تفوح منها رائحة الانفصالية في وقت تحتاج ليبيا إلى الترابط الاقتصادي والسياسي".
وأشار إلى أن ليبيا لن تكون إلا دولة واحدة وممنوع منعاً باتاً المساس بوحدة ترابها، كما ينص الإعلان الدستوري.
وتساءل التكبالي عن شرعية هذه الهيئة، التي تتكلم باسم أهل برقة من العاصمة طرابلس، وهي عاجزة عن التوجه إلى مختلف مناطق المدينة.
اللوائح القانونية الليبية
أوضح القانوني حيدر بركان أن مختلف المؤسسات والمصالح تنشأ بموجب سلطة تشريعية أو تنفيذية بتفويض من الأولى. وتتمحور أهدافها حول منفعة خدمية للمجتمع، وقد نبه القانون الليبي من تجاوز الإعلان الدستوري عند مباشرة أي نشاط سياسي.
وقال "قرارات الهيئة البرقاوية تبقى معدومة حتى لو أسند إليها حق التأسيس بموجب قرار من إحدى الوزارات الليبية، إذ إنها خرجت عن المادة 15 من الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2011، التي تنص على وحدة التراب الليبي".
ونوه بركان إلى أن حقها في التعبير عن أفكارها وفق المادة 14 من الإعلان الدستوري التي تكفل حرية التعبير والاتصال، لكن وضع هذه الأفكار موضع تنفيذ لا يصح قانونياً، ويتعارض مع اللوائح القانونية الليبية، وفق تعبيره.