Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سبر اللوبيا" مهرجان حصاد سوداني يجمع كل ألوان الفنون

منافسات "الصراع" تشعل الأفراح عبر الرقصات المختلفة والعادات والتقاليد التي ما زالت حاضرة

يزخر السودان بتراث شعبي متنوع وعادات مختلفة نظراً للتركيبة الإثنية المتباينة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

يزخر السودان بتراث شعبي متنوع وعادات مختلفة نظراً للتركيبة الإثنية المتباينة، وفي منطقة جبال النوبة التي تقع جنوب غربي الخرطوم تقام سنوياً احتفالات بأعياد موسم الحصاد تهدف لتعزيز التعايش بين المكونات الثقافية المتعددة من طريق الفنون الشعبية، وهي تقاليد متوارثة يطلق عليه شعبياً "الدرت".

يمتد الحصاد بين منتصف سبتمبر (أيلول) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، وخلالها يشرع الشباب "التربالة" بحصاد ثمار الموسم، ويبدأ بطقوس تعرف بـ"سبر اللوبيا" أو "سبر النتل".

ترتبط تلك الاحتفالات بنشاط رياضي يسمى "الصراع" يشبه إلى حد بعيد المصارعة الحرة الشهيرة، ويعد ذو عمق ثقافي واجتماعي في مناطق التماس بين قبائل النوبة ذات الجذور الزنجية، وتجري مراسم المنافسات بالتزامن مع موسم الحصاد، في سياق الاحتفالات السنوية التي تمتد لمدة أسبوع.

معتقدات خاصة

الباحث في تراث النوبة توحيد خميس تبيسة قال "يقوم مساعدو الكجور، وهو روحاني في مقام رجل الدين، بالطواف على مناطق الزراعة للتأكد من نضج المحصولات، ومن ثم الإعلان عن بداية موسم الحصاد".

في يومي "الخميس والجمعة" السابقين ليوم الصراع في مناطق "الواركي والصبي" في مدينة الدلنج الواقعة بولاية جنوب كردفان، تشترك النساء والأطفال والأرامل واليتامى في إعادة بناء بيت "الكجور" وتعطيره بالبخور.

ثم يبارك السكان خروجه من "كوخه" الذي يعتكف فيه أعلى الجبل لأربعة أشهر تمثل موسم الخريف صبيحة "السبت" التالي، ويتزامن مع خروج "الكجور" من معتكفه الخريفي اختيار الشباب من الجنسين لأزواج وزوجات أعلى في قمة الجبل التي يصعدون إليها، ويعد الحصاد في جبال النوبة موسماً للتكافل على طريقة السكان المحليين.

وأضاف تبيسة "المزارع الذي يرزق بصبي بكر يخصص من محصوله سبع سنابل أو "قناديل" للكجور تسلم له في منزله، أما من يرزق بفتاة فيخصص له أربعة قناديل تجمع من كل القبيلة، ثم توزع على الأرامل والفقراء والمساكين، بما يحول بينهم والحاجة وقلة الطعام".

احتفالات شعبية

الباحث في تراث النوبة وصف مهرجان الحصاد "سبر اللوبيا" بقوله "ينزل كل السكان من الجبل إلى الساحة لتقديم أجمل طقوس فنون الأداء التعبيري، يشارك فيها المواطنون جميعاً بطوابير حسب الأعمار، إذ يقف الرجال لوحدهم وكذلك تقف النساء لوحدهن، ثم يبدأ الرقص على إيقاع الإرشاد وهو إيقاع موسيقي اشتهرت به المنطقة، ويتسم بأنه بطيء، راسمين مشهداً من التلاحم والترابط الحميم".

أثناء طقوس الرقص يحمل الشباب أسلحتهم التقليدية، مثل الحراب والسكاكين والفؤوس الصغيرة تأهباً للدفاع عن النفس، أما النساء فيتزين بحلي من الذهب والفضة وحلي محلية يطلق عليها "تربلول".

 

وتعد رقصة "كرنق" التي تميز قبائل جبال النوبة، واحدة من أهم الرقصات التي يبدأ بها "سبر اللوبيا" بعد منتصف الظهيرة"، وبحسب تبيسة فإن "المرأة تقف معتدلة القامة وتنظر إلى الأمام ويداها في الجنب مع تحريكها وضرب الرجل اليمنى على الأرض ثم التقدم إلى الأمام، أما الشباب فيقفون معتدلي القامة وعصيهم في أيديهم ويمدون أيديهم إلى الأمام مع ضرب الأرجل والتحرك إلى الأمام والخلف بخفة ورشاقة".

ويمضي قائلاً "عادة يستمر الرقص لوقت متأخر من الليل، وإلى جانب رقصة كرنق هناك رقصة "كمبلا"، وفيها تصطف الفتيات في شكل نصف دائري يغنين ليدخل بعد ذلك إلى الساحة الشباب وهم يرتدون الريش و"الكشاكيش" والثياب الملونة في تشكيلات متتالية ليستمتعوا ويمتعوا الحضور بمهاراتهم في هذه الرقصة التي تعد الأولى في جبال النوبة".

صراع النوبة

يعد الصراع أشهر رياضات مجتمعات جبال النوبة ويلقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً، ويتعصب مشجعو كل مصارع لفارسهم بما يفوق تعصب مشجعي كرة القدم.

وعادة وفقاً للباحث التراثي، تقام المنافسة بين مصارعين من قبائل مختلفة، يفوز بها من يتمتع بمهارات عالية وقوة جسدية خارقة، وعند بداية المنافسة يدخل الحلبة متصارعان وبرفقتهما رجل ثالث يعرف محلياً بـ"السباري" ويقوم بمقام الحكم، فهو يحدد قوانين وقواعد اللعبة، وتنتهي المصارعة بإسقاط المهزوم أرضاً وتسمى باللهجة المحلية "أردمية" أو سقطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعد تبيسة "الصراع" ممارسة اجتماعية وطقساً احتفالياً ورياضة شعبية تمارس عادة بعد موسم الحصاد، ولأهميتها تبدأ تحضيراتها باكراً بإدخال المصارعين في معسكرات مقفولة خارج دائرة سكنهم أسوة بمعسكرات لاعبي كرة القدم، يخدمهم خلالها بعض المساعدين "السبارة"، ويعتمد المتصارعون في غذائهم خلال "المعسكر" على الحليب واللحوم والدخن والسمن"، ويمنعون من تناول الحمضيات تماماً.

ولا تقتصر المعسكرات على التغذية، بل يمارس اللاعبون تدريبات اللياقة ودراسة قوانين اللعبة التي تقرها التقاليد المحلية، ومن قواعدها ألا يتصارع أبناء قرية واحدة، ويشترط أن يكون الطرفان كلاً من قرية، كما تمنع المنافسة بين الأقارب "ابن العم والخال وزوج الأخت والشقيق"، وهؤلاء بحسب التقاليد المحلية لا يمكن أن يكونوا خصوماً.

وتعد حلبة مصارعة "النتل" غرب مدينة الدلنج من أكبر حلبات المصارعة في جبال النوبة، يتجمع فيها فرسان الصراع من "جبال النوبة" لتعلن بداية "سبر اللوبيا" من هناك.

طقوس الزواج  

تترافق مع مواسم المهرجانات "طقوس الزواج" وفيها يختار الصبي فتاته، وهنا يقول الباحث في تراث النوبة الطاهر سليمان تيه "يحتفل السكان في جميع مناطق جبال النوبة بنجاح موسم الزراعة وبداية حصاد المحاصيل الجديدة، ويسمى هذا التقليد بسبر "اللوبيا" بلغة مجتمع "كقولو تانجارا" وهم سكان الأودية الجبلية، وهم من بين المجموعات اللغوية العشرة التي تكون شعب النوبة، ويعرفون بمجموعة "كادقل وكرنقو وتلشي"، وتضم عشيرة "كتولسي".

وتقدم خلال طقوس الاحتفال وجبة شعبية تعرف باسم "كوودي" تطبخ من ورق نبات "اللوبيا" المعطون في مسحوق السمسم "دكوة"، ويطلب من الفتيات في سن الزواج توزيعه على القرى الست المكونة لمجتمع العشيرة، ومقابلها يحصلن على هدايا عينية ومادية".

وأضاف تيه، "أما الفتيان فيخرجون إلى الميادين ويعدون أغنياتهم ليشاركوا بها رصفاءهم في بقية القرى، باعتبارها إيذاناً بعبور ضفة العزوبية إلى ساحل الزواج".

وقبل بدء احتفالات الزواج، يتقارع الصبيان بالسياط المصنوعة من جلود الماعز ولحاء الأشجار "ترن كسو"، ويحصل من يفوز في حفل الجلد على جائزة عبارة عن إناء فخاري له فتحتان، يطلق عليه "كتو".

وتختتم طقوس الاحتفال برقصة لاستعراض القوة بين الشباب البالغين في سن الزواج وتسمى "تنكلي"، وتعني أن الشاب عبر مرحلة المراهقة وأصبح في عداد الرجال، وتنتهي الفعالية بإكمال الزيجات، وتقدم القبيلة للعرسان الهدايا وعادة تكون من الأبقار والماعز والحلي لكل المتزوجين.

متنفس من الاحتقان

وأوضح تيه "تلعب الفنون مثل رقصة (الكرنق، الدسول)، بجانب الصراع دوراً في تخفيف الاحتقانات التي قد تنشب بين المجموعات السكانية، فالمبارزات بين الشباب تمثل متنفساً للاحتقانات الناتجة من الأزمات التي قد تشهدها المنطقة ودفعت بالآلاف من أبناء النوبة إلى حمل السلاح والانحياز لقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ عشرات السنوات".

 

ويتابع "ومع الحروب في المنطقة فقد حافظت التقاليد الاجتماعية على ما يطلق عليها مناطق التماس بين النوبة والقوات الحكومية، وعلى العلاقات بين المجتمعات المحلية بما في ذلك المصاهرات بين المجموعات السكانية، ما خفف من حدة التوتر".

ويرى الباحث في تراث النوبة أن "الصراع" بشكله التنافسي يعزز الإحساس بالنصر والتفوق ويحقق له السلام النفسي، بما يكفي الفرقاء شر الدخول في معارك وقتال، فخلال الاحتفالات السنوية تذوب الفوارق العرقية والثقافية بين القبائل المختلفة وتختفي، ويعم السلم الأهلي والاجتماعي بجانب حفظ التراث المتنوع للنوبة.

تكافل الزراعة والرعي

وأشار تيه إلى أنه "على رغم تعدد وتباين مكونات سكان المنطقة، لكن الصراع على المزارع والمراعي توقف منذ سنوات، بفضل القوانين المجتمعية الصارمة".

وأضاف "يضع كجور الزراعة، وهو زعيم روحي يحظى باحترام الجميع قواعد تلزم كل شخص أرضه، وعدم التعدي على مناطق الرعي المحددة سلفاً، وهو الأمر الذي أسهم في تقليل حدة النزاعات".

ونوه بأن مجتمع النوبة يعلم الأطفال مبكراً على الزراعة، ويبدأون بمزرعة صغيرة خلف المنزل يطلق عليها "جبراكة"، بما يحمهلم المسؤولية ويجعلهم مسهمين في توفير الأمن الغذائي للأسرة، فهم يعملون بجانب أمهاتهم ويتدربون بذلك على العمل في المشاريع الخلوية الكبيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات