Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق بين التزام الديمقراطية أو الاحتكام إلى مركزية القرار

الفساد يلاحق الحكومات وتراكماته تحرج وزراء السوداني

رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني أثناء التصويت على الثقة في الحكومة الجديدة (أ ف ب)

هل النظام السياسي في العراق "ديمقراطي" كما يجاهر آباء العملية السياسية الذين خاضوا نضالاً مريراً ليكونوا معارضة تسقط النظام البعثي (1968 -2003) كما تخيلوا وعملوا مع معظم الأجهزة والأنظمة المعادية لنظام صدام حسين وتحالفوا كما يقول كثيرون منهم مع الشيطان حتى وصلوا إلى حرب عام 2003 وأطلقوا دستوراً بعد سنتين صاغوه بمساعدة ومشورة راعي العملية السياسية المحتل الذي مكث في البيت العراقي بآلته الحربية (2003-2011) ولم ينسحب إلا بعد التوقيع من البرلمان بألا يقوم بالتقاضي حول حقبة المكوث الأميركي الثقيل في العراق ومنع أي دعوى تظلم أو مطالبة بالتعويضات جراء ما ارتكبته القوات الغازية من قبل أفراد أو هيئات قد تطالب بتعويضات أو محاكمات وإيداع ذلك في مجلس الأمن كي يكون ذلك قراراً ملزماً لحكومة نوري المالكي عام 2011 والحكومات التي تليها من دون استفتاء الشعب حول ذلك.

بداية المحنة

هي سابقة لنظام سياسي جرد الشعب من حق المطالبة بحقوقه بتطوع سياسييه "الديمقراطيين" الذين أطلقوا عملية قال عنها أحد أهم الفاعلين فيها زعيم حزب الوفاق ورئيس كتلة الوطنية إياد علاوي بعد 20 عاماً "إنها انتهت، بل هي مثيرة للاشمئزاز لما وصلت إليه من فساد وتعويم الدولة برمتها، أداء ميليشيات ولائية تتحكم بالقرار والأموال" وتغلب اللادولة على الدولة وتنزع أموالها بأساليب عنيفة، وبرلمانية من خلال الاستحواذ على المقاعد بالترغيب والترهيب معاً، حتى غدا النظام البرلماني فوضى ليست خلاقة.

ضربات قاتلة

تأتي المطالبة بوقف تداعيات العملية السياسية والرجوع إلى النظام الرئاسي في العراق بعد 20 عاماً من إنفاق ما يزيد على تريليون و200 مليار دولار ذهب معظمها إلى الفاسدين وإلى مشاريع وهمية وموظفين "فضائيين" وتمكين الميليشيات بمسميات عدة من الاستحواذ على خيرات البلاد وإفقار شعبه وسرقات أسطورية لمليارات الدولارات بحماية سياسية ومتورطين كبار فوق القانون تشي بأن النظام السياسي العراقي يدخل في دوامة الوتيرة الرابعة من انهياراته التي بدأت عام 2006 عندما فجر مرقدا العسكريين في سامراء التي قادت البلاد إلى الحرب الأهلية وتكريس الطائفية التي سرعان ما أوقفها الأميركيون والمرجعية في النجف والدوامة الثانية لاهتزاز النظام السياسي سيطرة "داعش" على ثلث مساحة العراق خلال الفترة من 2014-2017 مما أشاع القتل والدمار اللذين مارسهما بطريقة وحشية مع هدم مرتكزات الحضارة والمدنية التي بنيت عبر أجيال حتى تم طرده وتقويضه وتأسيس "الحشد الشعبي" الشيعي الذي دخل كتشكيل تحت القوات المسلحة وانتقاله من تحشيد شعبي لوقف الند "الداعشي" إلى مؤسسة عسكرية تنفق عليها الدولة تحت إدارة القائد العام للقوات المسلحة، ثم حدثت تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) التي هزت بنية النظام السياسي وطالبت بتغييره وطرد أتباعه وإسقاط وزارة عادل عبدالمهدي بضغط الشارع والمرجعية في النجف التي أحرجتها أعداد القتلى والضحايا من الشباب العراقي المحتج وجلهم من الشيعة العرب، فكانت جرس الإنذار للنظام السياسي الذي عمل المستحيل لاستمالة المحتجين المطالبين بـ"وطن وخدمات"، وهذه الحال دعت إلى وقفة النظام السياسي ليسأل نفسه نحن إلى أين؟

ويأتي صوت أحد المرشحين لرئاسة الحكومة وهو محمد توفيق علاوي محذراً يذكر السياسيين العراقيين من معيته باحتمالية سحلهم في الشوارع، كما فعل العراقيون في تجارب سابقة وهي ليست بعيدة في التاريخ المعاصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الديمقراطية المفرغة

الديمقراطية التي يجاهر بها النظام السياسي في العراق ويسعى إلى تكريسها لا تصمد أمام واقع محلي تحرجه المعايير الدولية، لا سيما مؤشر الديمقراطية لعام 2021 الذي صنف النظام السياسي بأنه "سلطوي" عن مجمل سلوكه الانتخابي والمشاركة السياسية وضمان الحريات المدنية والسلوك الحكومي الذي حصل بمجمله على ثلاثة من 10 ووضع العراق في المرتبة 116 في السلم العالمي، بل تدنى إلى المرتبة 172 بمؤشرات الحريات الصحافية للعام الحالي، وفق منظمة "مراسلين بلا حدود"، على رغم شكليات وإشكالات الممارسات التي يظن النظام أنه يتبعها كالانتخابات العامة وكثرة إصدار الصحف والفضائيات الممولة من جهات سياسية وحزبية ومكونات مشتبكة مع بعضها، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي التي هي في الغالب من جيوش إلكترونية تابعة لممولين سياسيين.

يقول الكاتب محمد عبدالجبار الشبوط "الديمقراطية طائر بجناحين، الحكومة والمعارضة، لكن في الواقع أن النظام الحالي في العراق قائم على المحاصصة أو مشاركة الجميع على أساس ما يسمى ’الاستحقاق الانتخابي‘ ولهذا لم تشهد مجالس النواب السابقة كتلة برلمانية معارضة، ومما زاد الطين بلة في البرلمان الحالي انسحاب الكتلة الصدرية التي كان من الممكن أن تكون معارضة فاعلة في البرلمان، وبذلك أصبحت المعادلة السياسية كما يلي، الحكومة في البرلمان والمعارضة في الشارع، وهذا خلل في النظام الديمقراطي بل في النظام السياسي برمته".

أثار انسحاب التيار الصدري من البرلمان تحدياً جديداً بعد مطالبته بحكومة غالبية تخرج من التوافقية والمحاصصة السياسية وإصرار قوى الإطار التنسيقي على الإبقاء على واقع أدمنه السياسيون المندمجون مع حال تقاسم السلطة والحكم طائفياً وقومياً التي تكرست خلال الاحتلال وبعده، وأطرت بدستور يصر على "الثلث المعطل" لقرارات دولة أحكمت قبضة ثلاثية على حكم المحاصصة بين شيعة وسنة وكرد، مع تمثيل شكلي للأقليات وسوّغت لإبقاء حال المغانم في حكومات متعاقبة أضعفت قبضة الدولة في السيطرة على قرارها السياسي وأطلقت يد قوى اللادولة تحت وصاية سلطة ثيوقراطية عابرة للحدود الوطنية ألغت سيادة القرار من جهة، وأباحت تدخلاً قوياً غير عراقي في فرض أجندات وأيديولوجياتها وأضحى الحكم البرلماني على رغم كل مزاياه النظرية جهازاً حكومياً مصلحياً يخلو من المعارضة التي تعاين القرارات وتناقشها بإسهاب وتخضعها للمعاينة وللتصويت.

ويحمل الشبوط الكتلة الصدرية اللوم على انسحابها غير المسوغ قائلاً "التيار الصدري قوة سياسية كبيرة ذات حضور شعبي ضخم يمثل شريحة مهمة، فليس من الصحيح بقاؤه خارج الحياة السياسية البرلمانية وقرار الانسحاب لم يكن صحيحاً ولا دستورياً لأن الناخبين اختاروا النواب ليمارسوا دورهم في تمثيلهم داخل البرلمان وليس من شأنهم الانسحاب من البرلمان وحرمان الذين انتخبوهم ممن يمثلهم داخله وهذا يشكل خللاً آخر في الحياة السياسية والثقافة الديمقراطية بالعراق".

يجمع كثيرون من المراقبين للشأن السياسي العراقي على أن أزمة النظام السياسي في البلاد ومستقبله الغامض يعودان إلى لحظة تأسيس هذا النظام عام 2003، كما يذكر إحسان الشمري أن "التشكيل الطائفي- القومي لإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية 2003-2005 دفع باتجاه تثبيت سيطرة المكونات على الدولة والنظام، فضلاً عن أن من تصدّر المشهد والقرار السياسي في العراق لا يؤمن بالديمقراطية كنظام يقود الدولة، بل كان مؤمناً بفكر إسلاموي طائفي وهذا ما يتعارض مع التأسيس الصحيح للديمقراطية"، ويضيف "كانت التجمعات السياسية تعمل على التعاطي مع الدستور والقانون كحاكم للنظام وأسهمت في تشكيل صورة أنها مصدر للسلطات وهذا أثر في عدم التعاطي مع الديمقراطية، في وقت لم تؤمن القوى السياسية بدولة المؤسسات ومبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد أساساً لنظام ديمقراطي رصين، وزاد الطين بلة أن المجتمع لم يمر بمرحلة انتقالية يمكن من خلالها صياغة تنشئة سياسية ديمقراطية وهذا عطل إلى حد ما دعم الديمقراطية كنظام".

أزمة تلد أخرى

الأزمة اليوم تزداد تعقيداً جراء الفساد وفقدان ثقة المواطن بالدولة وليس نظام الحكم فحسب، نتيجة إدارة البلاد من قبل أحزاب أمسكت بالقرار وتسببت في نشوء الصراعات واستشراء الفساد والصراع الداخلي بين المكون الواحد، جميعها مقدمات أسهمت في وضع النظام السياسي عند مفترق طريق أمام مساعي رئيس الحكومة الجديد الذي يحاول أن يوحد بين المتنازعين من خلال محاربة الفساد واسترضاء الأطراف التي ظلمت طيلة الأعوام العشرين الماضية، وهو يقف أمام ملفات خلفتها الحكومات الست التي تداولت السلطة وجل زعمائها قدموا من بيوت المعارضة الخارجية العلمانية والدينية. لعل عراقيته كونه لم يغادر البلاد تعطيه قدرة على فهم ومعالجة الأزمات المتراكمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل