Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطول ركود اقتصادي في بريطانيا قد لا يكون الأسوأ

ترجيحات بأن تبدأ الأسواق بالاستقرار وخفض توقعاتها بشأن سعر الفائدة

محافظ "بنك إنجلترا" أندرو بايلي متحدثاً إلى وسائل الإعلام في لندن، الخميس 3 نوفمبر الحالي (أ ف ب)

بعد قرار رفع سعر الفائدة بأكبر قدر للمرة الأولى منذ 30 سنة، الخميس الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حاول "بنك إنجلترا" (المركزي البريطاني) إرسال رسالة للأسواق بأن رفع سعر الفائدة الأساسية مستقبلاً لن يكون بالشكل الذي قدرته الأسواق من قبل. وبدا من خلال تصريحات محافظ "بنك إنجلترا" أندرو بايلي بعد إعلان قرار لجنة السياسات النقدية، أن البنك يخفف من التوجه القوي نحو تشديد السياسة النقدية.
وصاحب قرار رفع سعر الفائدة تأكيد البنك أن الاقتصاد البريطاني في ركود بالفعل، وطرحت لجنة السياسة النقدية توقعاتها بأن يستمر انكماش الاقتصاد لمدة ثمانية أرباع السنة (أي لمدة عامين). وإذا صح السيناريو الذي طرحه البنك سيكون ذلك أطول ركود اقتصادي في بريطانيا منذ نحو قرن من الزمان. ويعني الركود لهذه المدة أن يفقد الناتج المحلي الإجمالي البريطاني نسبة ثلاثة في المئة من حجمه بحلول عام 2025 وأن ترتفع معدلات البطالة إلى نسبة 6.5 في المئة. وعلى رغم أن ذلك السيناريو للركود الطويل الأمد يبدو كئيباً، إلا أنه لن يكون ركوداً عميقاً كما كانت بعض التقديرات المتشائمة تتوقع.
وإلى جانب هذا السيناريو الأساسي للركود، أصدرت لجنة السياسات النقدية سيناريو آخر يستند إلى احتمال عدم رفع سعر الفائدة أكثر مما وصلت إليه الآن عند نسبة ثلاثة في المئة بعد زيادة الخميس (الثالث من نوفمبر). وبحسب أرقام هذا السيناريو الثاني، "يظل هناك ركود لكنه لن يكون عميقاً، وسيؤدي إلى انكماش الاقتصاد بنحو نصف المتوقع في السيناريو الأساس، ولن يستمر نصف المدة المتوقعة في السيناريو الأول. كما أن معدلات البطالة لن ترتفع بشكل كبير".

السيئ والأسوأ

في كل الأحوال، وكما قدرت الأسواق وأغلب الاقتصاديين والباحثين، يظل الاقتصاد البريطاني في حال ركود. ويعني ذلك أن البريطانيين سيعانون في الفترة القادمة من ارتفاع كلفة المعيشة وستعاني الشركات تراجع الطلب وزيادة كلفة الاقتراض، مما سيؤدي إلى هبوط النشاط بشكل عام. لكن يبقى الفارق في مدى عمق فترة الركود وطولها، أي أن السيناريوهين اللذين أعلنهما "بنك إنجلترا" الخميس يشيران إلى الأسوأ والأقل سوءاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستند السيناريو الأساس إلى وضع الأسواق الذي أعقب إعلان الموازنة التكميلية لحكومة رئيسة الوزراء السبقة ليز تراس ووزير خزانتها كوازي كوارتنغ نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. حينها، فقد المستثمرون حول العالم الثقة ببريطانيا، وهوى سعر صرف الجنيه الاسترليني، لكن الأهم كان تخلص المتعاملين في سوق السندات من سندات الدين السيادي البريطاني، فارتفع العائد عليها نحو عشرة أضعاف (من نسبة نصف في المئة تقريباً قبل عام إلى نحو خمسة في المئة).
وبخروج تراس من الحكم، وفي آخر أيامها جرى تعيين جيريمي هانت وزيراً للخزانة ليلغي أغلب بنود الموازنة التكميلية، فهدأت الأسواق. واستعاد الاسترليني بعضاً مما فقده من قيمته وتراجع العائد على سندات الدين البريطاني إلى أقل من 4.5 في المئة.
في وقت الاضطراب هذا، رفعت الأسواق توقعاتها ليدخل بنك إنجلترا برفع الفائدة بقوة وبسرعة لمواجهة الوضع، ومحاولة الحد من ارتفاع التضخم نتيجة خفض الضرائب الذي تضمنته الموازنة التكميلية لحكومة ليز تراس. وأصبح تقدير السوق أن تصل نسبة الفائدة في بريطانيا إلى ستة أو سبعة في المئة. لكن الهدوء بعد إلغاء تلك الإجراءات، ثم مجيء حكومة ريشي سوناك التي وعدت بزيادة الضرائب وخفض الإنفاق لضبط المالية العامة للدولة، أدى إلى خفض توقعات رفع سعر الفائدة ليصبح الحد الأقصى المتوقع عند نسبة 5.25 في المئة.
ويعتمد مواجهة البريطانيين للسيئ والأسوأ على مدى استمرار البنك المركزي في سياسة التشديد النقدي، وما إذا كان سيواصل رفع سعر الفائدة بقوة لفترة طويلة أم لا. وبانتظار ما ستعلنه حكومة ريشي سوناك في بيانها المالي والاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي ورد فعل السوق عليه، يظل الوضع محل ترقب.

كلفة المعيشة

لذا كانت لهجة محافظ البنك البريطاني المركزي في بيانه بعد اجتماع لجنة السياسة النقدية تستهدف دفع الأسواق باتجاه خفض توقعاتها بشأن ارتفاع أسعار الفائدة. صحيح أن بيان اللجنة لم يستبعد الاستمرار في رفع سعر الفائدة، لكن ربما لا يحتاج إلى رفعها بمقدار كبير ولأكثر من مرة.
مع ذلك، فحتى المستوى الحالي لسعر الفائدة عند ثلاثة في المئة يعني زيادة أعباء تكاليف المعيشة على ملايين البريطانيين الذين يعانون لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والطاقة. ذلك إلى جانب الزيادة في مدفوعات أقساط الرهون العقارية لبيوتهم.
وتوقع تحليل في صحيفة "فايننشال تايمز" أن تبدأ البنوك والمقرضون العقاريون بخفض نسبة الفائدة على القروض العقارية بعد تغير لهجة البنك المركزي بشأن السياسة النقدية، إلا أن ذلك سيحتاج إلى وقت للتراجع عن الزيادة الكبيرة في فائدة القروض العقارية التي أعلنوها عقب الموازنة التكميلية لحكومة ليز تراس واضطراب أسواق السندات.
وكما يقول المحرر الاقتصادي لشبكة "سكاي نيوز" فإن العودة لمستويات الفائدة على القروض العقارية المخفضة محدودة المدة عند نسبة نحو أربعة في المئة، التي كانت متاحة قبل موازنة تراس الكارثية، تبدو مستبعدة الآن. لكن الأرجح أن تنخفض أسعار الفائدة على القروض العقارية التي وصلت إلى ما فوق 6.5 في المئة.
وحسب تحليل "فايننشال تايمز" فإنه حتى سعر الفائدة الحالي عند نسبة ثلاثة في المئة، سيعني عبئاً إضافياً على الأسر البريطانية. فحين يمرر المقرضون تلك الزيادة على فوائد القروض العقارية، سيدفع من اقترض 280 ألف دولار (250 ألف جنيه استرليني) ما يصل إلى خمسة آلاف و700 دولار (خمسة آلاف و76 جنيه استرليني) إضافية سنوياً على قرض شراء بيته.