Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سحرت الموسيقى عشاق كرة القدم في العالم؟

مؤسسات رياضية فطنت إلى دورها في شحذ الجماهير ودغدغة مشاعرها لمتابعة بطولة ما والحرص على مشاهدة مبارياتها

يحرص منظمو البطولات الرياضية الكبرى على تقديم عروض احتفالية وموسيقية راقصة (مواقع التواصل)

بسبب المكانة التي أصبحت عليها كرة القدم اليوم باعتبارها أكثر الرياضات شعبية وذيوعاً في العالم لا تخلو أي بطولة وطنية كانت أو عالمية من تشجيع معنوي يلجأ إليه كثر من الفنانين والمغنين، إذ بات مستحيلاً متابعة كأس العالم من دون موسيقى وأغان ترافق رحلة المتفرج في مشاهداته اليومية. هذا الأمر دفع المدرب الإيطالي جيوفاني تراباتوني عام 2008 إلى قوله "استمع إلى موزارت وسيكون بإمكانك أن تكون لاعباً أفضل".

يؤكد عدد من المتخصصين السحر الذي تحدثه الموسيقى في أجساد اللاعبين لكونها تعلمهم التركيز والتحكم في إيقاع الجسد داخل الملعب على اعتبار أن اللاعب أشبه بالنوتة على مسرح الآلة الموسيقية فيشرع العازف/ المدرب في ضبط مستويات إيقاعها في كل لحظة معينة على أرض الملعب بما يجعل عدوى الموسيقى تنتقل إلى الجماهير في المدرجات، فتدفعها إلى الغناء والرقص والفرح وتصبح الملاعب أشبه بكرنفال فني احتفالي تمتزج فيه الأجساد، فتختفي الهويات المتناحرة وتتشكل معالمها الإنسانية في صورة واحدة.

من المعلوم أنه قبل بداية كل مقابلة تبدأ الجهة المنظمة لكأس العالم ببث الأغنيات عبر مجموعة من مكبرات الصوت الإلكترونية داخل الملاعب مع العمل على تقديم عروض احتفالية وموسيقية راقصة يشارك فيها عن قرب ملايين المشاهدين من خلال أعينهم وقلوبهم وأحاسيسهم، فنعاين الأجساد والأصوات تتماهى مع بعضها البعض.

على هذا الأساس يشكل الملعب في نظر بعض الرياضيين حالاً فريدة على مستوى الاحتفال الجماهيري، إذ بسبب شعبية الموسيقى وعذوبتها واتساع الملعب وسحره وجماليات الأضواء وألوانها يندفع المتفرج إلى اكتشاف ذاته وتقوده الموسيقى إلى الدخول جسدياً في إيقاع المقابلة وموسيقاها.

التشجيع الرمزي

تتخذ صيغة التشجيع بين الفنان وكرة القدم أشكالاً فردية وجماعية. في الأولى يعمل بعض الفنانين على تأليف أغان عن الفريق الوطني كنوع من تشجيع اللاعبين وحثهم على تسجيل أهداف كثيرة في مرمى الخصم، إذ غالباً ما تكون هذه الأغاني حماسية وإنشادية لا تولي أهمية للصناعة الموسيقية ويتبدى ذلك جيداً في بعض الأغاني المعاصرة التي رافقت سيرة الفرق الوطنية داخل المنطقة المغاربية خلال مباريات ومجريات أحداث كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، إذ إن الجانب الاحتفالي يطغى على هذه الأغاني ويحولها إلى نشيد وطني حماسي يفتقر إلى أبعاد جمالية وتبرز حدة هذه الأزمة الفنية من خلال توليفات غنائية يقوم بها بعض العازفين والمغنين حتى تنسجم لحظة إطلاق الأغنية مع بداية المباراة، مما يجعلها سلعة محملة برسالة تنفي عنها صبغتها الجمالية كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف والموسيقي الألماني تيودور أدورنو، فجعلها خطاباً أيديولوجياً كبقية الخطابات الأخرى.

وبغض النظر عن الدوافع التحفيزية لأغاني كرة القدم فإن الهاجس التجاري يبقى غالباً عليها بحكم أن أهدافها ترتبط بشكل خاص بـ"سياسيات الترفيه"، وعلى خلاف ذلك يقول الباحث إبراهيم الحيدري "للفن وظيفة نقدية وثورية لأنه يخلق عالماً جديداً معادلاً لانغلاق الواقع ومواجهته وفي الوقت ذاته لتغييره. ففي المجتمع الصناعي المتقدم تصبح الحياة اليومية أداة سلب للوعي وقمعه، ولذلك فالعمل الفني يخلق فضاء لإعادة إنتاج الوعي الاجتماعي وتثويره ومنحه طاقة رفض جديدة يتجاوز بها ما يفرضه المجتمع الاستهلاكي".

سياسات الترفيه

وعلى رغم تصدع الجانب الجمالي تظل هذه الأغاني ذات بعد رمزي وتتفاعل بشكل مباشر مع الفرق الرياضية الوطنية مع محاولة وضع الموسيقى على أرض الملاعب الوطنية. هكذا تفاعل بعض الفنانين المغاربة مع مجموعة من الأحداث الرياضية بهدف إبراز أنفسهم أمام ما تحبل به الأغنية من أهوال ومآزق.

نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى أغنية "فيفا موروكو" كإهداء للمنتخب الوطني المغربي خلال مشاركته في كأس العرب. لم يعمل المغني حاتم عمور (1981) على وضع مسار الأغنية داخل موسيقى البوب التي يعد وجهاً من وجوهها، بل انصاع كعدد من الفنانين المغاربة إلى الأسلوب التشجيعي الخالي من أي صناعة موسيقية تذكر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في الصيغة الثانية، فلجأت مؤسسات موسيقية عدة مدعومة أحياناً من بعض الأندية الرياضية إلى إنتاج أغنية عادة ما تكون تنتمي إلى الجهة المنظمة لكأس العالم، كما هي الحال منذ سنوات طويلة مع مونديال تشيلي عام 1962، بحيث تحرص مؤسسات عالمية على إنتاج موسيقى شعبية ذات هارمونية موحدة تجد ملامحها الجمالية في التراث المحلي فنجد جميع هذه الأغنيات وقد انطبعت ملامحها بنمط الموسيقى المحلية الرائجة وقتها.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه يستحيل قبل سنوات إمكانية اللجوء إلى استعارة نمط موسيقى آخر خارج مدارات الصناعة والتاريخ والموضة، لكن في المونديالات الأخيرة وبسبب فطنة المؤسسات العالمية إلى اختفاء مفهوم "الهوية" الجمالية، جعل بعضها تعمل على المزج بين تأليف عربي وموسيقى إلكترونية غربية، لكن هذا المعطى الجمالي في نظر بعض الموسيقيين يبرز كاختيار فني مميز له من الوعي الفني ما يجعل مجمل أغاني المونديالات ناجحة وتحظى باهتمام بالغ في العالم.

يقول الكاتب جمال حسن "في تشيلي انطلق شعار موسيقي رسمي لكأس العالم عبر فرقة الروك المحلية los Ramblers. كانت أغنية روك أند رول كلاسيكية، أي إنها جاءت وفق الطراز الموسيقي السائد في الستينيات. اتسمت بلحن أنيق تصبغه حدة الغيتارات بهارمونية الكوردات والحدة الإيقاعية، بما يتسق مع عنفوان هذا النوع الذي بلغ ذروة انفجاره مع إلفيس بريسلي".

صناعة دعائية

فطنت بعض الأندية والمؤسسات الرياضية إلى الدور الذي باتت تلعبه الموسيقى في شحذ الجماهير ودغدغة مشاعرها من أجل متابعة بطولة ما والحرص على مشاهدة مبارياتها، بل السفر صوب الملعب من أجل مشاهدة المقابلات عن قرب ومعايشة مختلف الاحتفالات الرياضية وما يرافقها من سياحة فنية تتعلق بالموسيقى والرقص والمشاركة في إعداد اللوحات الفنية الكروية داخل الملعب.

بهذه الطريقة يبدو الجميع مستفيداً من الأغنية، ذلك أن الملاحظ في أغاني المونديالات أنها أعدت عن طريق فيديو كليبات، مما يفسر السر الكامن وراء انتشارها وذلك لكونها تتوسل "الصورة" لتضفي نسقاً دلالياً مميزاً على الأغنية، فالـ"كليب" يحرر الأغنية من الجمود ويجعلها بشكل مرئي راقصة أمام أنظار المشاهدين.

لذلك يتدخل "الإدراك البصري" ليمارس سلطته في تجميع الصور والمشاهد ومراكمة صور اللاعبين المؤثرين وأهم أهدافهم وجماليات رقصاتهم. هكذا يتم تكثيف الصور والعمل على مزجها بالموسيقى والغناء، ويقول الكاتب نبيل شايب في هذا الصدد إن "التفكير الدلالي في فن الموسيقى الإشهارية (الدعائية)، يضيف وعياً رمزياً بهذا الفن ومن ثم يزيد قدرة متذوقيه على الإحساس به وإدراك معانيه والاستمتاع بالسماع في مستوياته المتعددة والمتكاملة التي تمثل الجوانب الحسية والتعبيرية والفنية، ذلك أن الموسيقى الإشهارية في صلتها بالذات المبدعة والمتلقية تتخذ من الصفات المتشابكة ما يجعلها من المقولات الأكثر تعقيداً على مستوى المعنى".

كما أن الصورة التلفزيونية تأخذ أغاني كرة القدم إلى التحليق خارج مدارات الملاعب بما يضمن لها استمراريتها في نفوس الناس ووجدانهم. ولا شك أن في لجوء عدد من اللاعبين مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو وزين الدين زيدان إلى عوالم الصورة الإشهارية ما يؤكد هذا السحر الذي تتيحه تلك الصورة لأغاني كرة القدم وتجعلها تكتسي طابع الشهرة في العالم.

المزيد من منوعات