Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

11/ 11 في مصر... كيف تصنع "هاشتاغ" وتحرك ثورة من دون ثوار؟

الدعوات التنظيرية من أماكن الإقامة الاختيارية في المنافي الغربية دائماً ما تنتقص من مصداقية الداعي

بات العقل الجمعي المصري قادراً على التعرف على المراحل المختلفة لحياة الثورة المولودة من رحم مواقع التواصل (أ ف ب)

الشبكة العنكبوتية المنغمس فيها ما يزيد على خمسة مليارات إنسان على ظهر هذا الكوكب عامرة بوصفات صناعة ونشر ونثر "الهاشتاغات" أو الوسوم، وهي الصناعة التي باتت كفيلة بصناعة رأي عام، وإطلاق أيديولوجيات سواء من عدم أو بناءً على هجن.

يمكن للمستخدم أن يبحث ليس فقط عن طريقة صناعة الخبز من دون طحين أو الحلوى بلا سكر، لكن يمكنه كذلك الخروج بتوليفة مثالية من صناعة الثورة من دون ثوار أو الرأي العام من دون عوام أو الغضبة الشعبية العارمة ولو كانت مشتقة من أوضاع اقتصادية عالمية لم تترك بلداً إلا وطالته.

الأرقام المتناسقة

طيلة السنوات التسع الماضية، والمصريون يعاصرون دورات حياة باتت معروفة لإقامة ثورات ودعوات تحرر وموجات غضب وهوجات إسقاط وإفشال وإعلاء لقيم الحق والخير والجمال، أو الشرع والدين.
تبدأ دورة الحياة في تاريخ متناسقة أرقامه مثل يوم 2/2 أو 4/4 أو 6/6 أو 8/8 أو 11/11 الذي بات على الأبواب، وعادةً تبدأ بداية مفاجئة تشهد لقاء الأضداد.

أعضاء فاعلون وأساسيون في جماعة "الإخوان المسلمين" في مغارب الأرض ومشارقها يستيقظون ذات صباح لدعوة المصريين في مصر إلى الخروج في اليوم المتفق عليه من أجل "تحرير بلادهم من الطغيان".

الدق على الأوتار الدينية يُترَك لأشخاص غير معروفة أسمائهم، بالتالي غير محسوبين على الجماعة وذلك درءاً لاتهام الجماعة بمحاولة العودة إلى حكمها الديني القائم على شعار "الإسلام هو الحل"، يتفرق الأشخاص، أفراداً وجماعات على الأثير العنكبوتي ويبدون كأنهم مواطنون اكتشفوا حاجة ملحة فجائية لتحرير الوطن وتخليص المواطنين، عوامل التحرير تختلف وأسباب الخلاص تتراوح، لكنها مدروسة بشكل يغطي تفاصيل الحياة اليومية، سكن وصحة وتعليم ومواصلات وفقر وخبز وأزر وسكر وزيت ولحوم وشاي وهلم جرا.

دورة حياة الثورة

دورة حياة الثورة في المرحلة نفسها تحوي كذلك أشخاصاً معروفين للجميع بأنهم الأعضاء المتأرجحون بين يمين الجماعة ويسارها، ويحلو لهم وربما يصدقون أنفسهم بأنهم خرجوا عن طوع الجماعة وأصبحوا مستقلي الفكر أحرار التوجه، أغلب هؤلاء هم من شباب الجماعة وأخواتها الذين أصبحوا الآن في العقدين الثالث والرابع من العمر يقدمون أنفسهم عبر تغريداتهم وتدويناتهم على صفحات "التواصل الاجتماعي" بأنهم المظلومون والمظلومات، المنفيون والمنفيات، المقهورون والمقهورات، المضطرون والمضطرات للإقامة خارج مصر الحبيبة بعيداً من حضن الأهل لا لجرم اقترفوه إلا لأنهم "يطالبون بالحق"، وعادةً يتلون محتواهم في المرحلة الأولى من الدعوة إلى "الثورة"، بهالة دينية وسطية جميلة كتلك التي يحبها المصريون بشكل عام.

وينضم إلى تلك الكوكبة أطراف النقيض ممن يفترض أنهم يقفون على الجانب الآخر من جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها "الجماعة". هؤلاء أيضاً يستيقظون ذات صباح إنجليزي غائم أو إسباني مشمس أو أميركاني يختلف باختلاف الولاية، ليقترحوا على جموع المصريين أن يثوروا على الحكم وينزلوا إلى الشوارع والميادين ويعيدوا بناء "مصرنا الحبيبة" بناءً على قيم الديمقراطية.

مفردات للمثقفين

سمة دعوات هؤلاء أن مفرداتها تدغدغ مشاعر المثقفين وتغازل ميول الشباب والمراهقين سواء لجاذبية أفكار الثورة والغضب من أجل غايات سامية راقية أو تخاطب مشكلاتهم وتدق على أوتار معضلاتهم من حيث فرص العمل وطموحات الثراء وأحلام الفرص الضائعة.

لكن سمة دعوات هؤلاء أيضاً أنها دعوات تنظيرية، حيث الإقامة الاختيارية في المنافي الغربية دائماً ما تنتقص من مصداقية مطالبةً الآخرين عبر البحار والمحيطات بالثورة، ويبدو أن بعضهم استشعر ذلك فخرجت دعوات الثورة هذه المرة مغلفةً بتحميل الثائر مسؤولية ثورته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على سبيل المثال لا الحصر، الممثل المصري المعارض المقيم في الخارج عمرو واكد يطلق مئات التغريدات هذه الأيام حول حتمية نزول المصريين إلى الشوارع والميادين المصرية، وأكد الممثل الذي يعرف عن نفسه في صفحته على "تويتر" بأنه "سينمائي وموسيقي على باب الله وصوت لمن لا صوت له" أنه يأخذ على عاتقه في هذه الآونة تحفيز وتشجيع ودفع إما "المظلومين" أو "الحالمين بانتهاء الظلم" أو "الراغبين في إنهاء الظلم الواقع على الآخرين" للنزول، فبين تغريدة تدق على وتر المشاعر الإنسانية والتكافل في رفع الظلم عن الآخرين، حيث كتب إن "أهم خطوة لتملك الشعب قدرته هي الدفاع عن حق الغير كما لو كان حقك، وطول ما في ناس أنت تعلم أنهم مظلومون ولكنك ساكت وعايش حياتك ومش مستعد تضحي بأي شيء عشان الظلم ده يترفع لن تكون هناك قدرة للشعب".

وتغريدة أخرى غرضها التحفيز والدعم للمشككين في قدرة الشعب، وثالثة متنمرة على عدم الراغبين في النزول إلى الشارع معتبراً أنهم "يحبون أن يأخذوا على دماغهم" (أي الوقوع في براثن الظلم والعبودية)، ورابعة على سبيل إبراء الذمة، حيث يقول "سواء ينوي المواطن المصري النزول يوم 11/11 أو لا، عليه أن يعرف أن هناك احتمالاً ألا يعود، وأن هذا هو قراره، لكن لو شعر بالخوف فالأفضل ألا يفعل".

يدور واكد وغيره من الشخصيات غير الإخوانية المقيمة في الخارج دورهم في كل دورة من دورات الثورات، وفي كل مرة تلقى دعوات هؤلاء ردود فعل مختلفة بين نقيضين، الأول دعم وتأييد وتعضيد من قبل أعضاء "الجماعة" وحلفائها والخارجين من أحضانها والجالسين في كنفها، والثاني اعتراض وتنديد من قبل مصريين يرون في الدعوة العابرة للبحار للقيام بثورة قمة النفاق وأقصى درجات الأنانية.

أما واكد من جهته فينتهج نهجين في الردود، إما السب والشتم، أو القول إن الظروف ليست مؤاتية. المثير في ذلك هو أن رموز الجماعة يجدون أنفسهم في دورات الثورات واقفين على الجبهة ذاتها مع طرف نقيض، متمثل بتيارات كانوا يصفونها حتى الأمس القريب بـ"المارقة" أو "الفاسقة" أو حتى "عدوة الدين".

العداء للدين

يظل "العداء للدين" مرحلةً في دورة حياة الثورات الموسمية على الأثير العنكبوتي، اتهامات "العداء لله" أو "العداء للدين" أو العداء للمتدينين، ومعها بالطبع مجموعة "مشهيات" من قبيل أن فلاناً يهودياً وآخر كافراً إلى آخر قائمة بكائيات عداء الدين الموجهة للمستلبة أفكارهم والمسروقة عقولهم.

العقل الجمعي المصري بات قادراً على التعرف عبر الأثير إلى المراحل المختلفة لحياة الثورة المولودة من رحم العنكبوت والمدفونة في ترابه أيضاً. وتماماً كما يحدث في دورة حياة الضفدع حيث ينتقل من "البيضة" والمقابل لها "الدعوة إلى الثورة"، إلى "الشرغوف" حيث تفقس الضفادع الصغيرة من البيضة مع وجود خياشيم وفم وذيل ضعيفة النمو، "تفقس" الدعوات عبر ابتداع "الهاشتاغات".

وكما بات معروفاً، وكما هو متاح لدى مرجعيات منصات التواصل الاجتماعي المخصصة لترويج السلع والبضائع والأفكار عبر "هاشتاغات" موجهة لجمهور متخصص له مفرداته ونقاط الضعف والقوة، تعمل الجهات الداعية على نثر الهاشتاغات لتبدو كأنها "ترند" حاكم وشغف طاغ واهتمام مهيمن.

اللافت أن الهيمنة المصطنعة لهذه الهاشتاغات تتلقفها وسائل إعلام عديدة وتعتبرها مصادر موثوق فيها لما يجري في مصر، هذا التلقف حار كثيرون في تفسيره، بين كونه تلقفاً ذا مغزى يعكس التوجهات السياسية في بلد ما والتحالف الأيديولوجي أو الاقتصادي أو كليهما في هذا البلد مع تيارات بعينها، أو كونه تلقفاً سهلاً حيث التعامل مع أثير العنكبوت باعتباره نبضاً حقيقياً للشارع وقياساً موضوعياً للتوجهات والمزاج العام.

الهاشتاغ بالهاشتاغ

وهنا تأتي المرحلة الرابعة في دورة حياة الثورات الموسمية التي يقابلها في دورة حياة الضفدع حيث يتحول من شرغوف لا حول له أو قوة إلى ضفدع بالغ، التوجهات الشعبية والمزاج العام (عبر الخبرة التي باتت طويلة في الدعوات الموسمية للثورات عبر الهاشتاغات) تحول الضفدع البالغ لتنهي دورة حياته.

فبدلاً من خروج الضفدع البالغ من مرحلة الهاشتاغات الافتراضية والمعضدة بفيديوهات قديمة معاد تدويرها وتصوير أخرى حديثة في فناء بيت مهجور أو ركن في حقل معزول، تماماً كما يفعل الضفدع البالغ القادر على التنقل ما بين البر والشارع وبين الماء والأثير، يجد نفسه وقد تغذى أحدهم عليه.

ولأن القاعدة الذهبية تقول إن "العين بالعين والسن بالسن"، فإنها في عصر الثورة الرقمية تتسع لعبارة "والهاشتاغ بالهاشتاغ" والبقاء للأصلح والأصدق.

صدقية وصلاح الهاشتاغات مسألة لها قواعد وأصول وفنون وأدلة إرشادية. لكن في دورات الحياة المتكررة للدعوة للثورات والغضبات الشعبية بأنماط متكررة لحد التطابق يصبح "الهاشتاغ" أداة والواقع الافتراضي وسيلة، أما الغاية فمعروفة.

ورغم المعلومات التقنية والأخرى المتوافرة والمازجة التقنية بالسياسة في عصر الثورة الرقمية، حيث معرفة باتت يقينية بأن الهاشتاغ يلعب منذ ظهوره أدواراً لصنع توجهات لدى جماعات بعينها، أو حشد المعارضة أو الغضب ضد أشخاص بأعينهم، أو صناعة مواقف ما بهدف دعم أو مساعدة أو زعزعة أو خلخلة، إلا أن تحليل "الهاشتاغات" في زمن التسييس ومواسم الثورات بات هو الآخر مسيساً مؤدلجاً من الجميع.

في المقابل، فإن "11/11 نهاية الإخوان" و"تحيا مصر" و"كمل وإحنا معاك" (للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) وغيرها تناطح هاشتاغات "الثورة الموسمية".

واللافت أن قوائم الترند المصرية تبدو بعيدة في خضم الدعوة إلى الثورة الموسمية والدعوة المضادة، السطوة الغالبة لكرة القدم ومجريات مباريات الدوري المصري، ثم تأتي "القمة العربية"، و"كوب 27"، وصحة الفنانة شيرين، وعملية تجميل مطرب المهرجانات عمر كمال، والمثير هو أن الدولار اختفى من على قوائم الترند، يقول بعضهم إنه اختفاء مؤقت بدافع الأولويات. ويرجح بعضهم الآخر أن اختفاءه ناجم عن "رمي طوبته" أي فقدان الأمل فيه وفي سعر صرفه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات