لا يزال الحراك الشعبي في الجزائر يراوح مكانه بعد 20 جمعة، باعتبار أنه لم يحقق أهدافه على الرغم من النجاحات التي سجلها. ويبدو أن تعيين ممثلين عنه يبقى أهم فشل في مساره، يهدد بالالتفاف على مطالبه. فبعد خروج الشعب في 22 فبرابر (شباط) 2019 لمنع العهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ثم رفض تمديد الرابعة، وبعد النجاح في تحقيق أول الأهداف، ارتفع سقف المطالب إلى رحيل كل رموز النظام البوتفليقي ورفض أي انتخابات تنظم بإشرافهم ومحاسبة الفاسدين، ليستقر الأمر عند تغيير النظام، لكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟
لافتات مسيرات الجمعة الـ 20 تكشف عن محاولات الالتفاف
بالنظر الى الهتافات واللافتات المرفوعة في مسيرات الجمعة الـ 20، فإن الحراك الشعبي بات غير منسجم كما كان عليه الحال سابقاً، ما يكشف عن اختراقه من جهات سياسية في محاولة للالتفاف عليه، مستغلةً فشله في تحديد ممثليه، وتحول المطالب الى إطلاق المعتقلين واستبدال الفرنسية بالانجليزية واستهداف قائد الأركان ورفع الرايات المختلفة ودولة مدنية لا عسكرية، ولا للانتخابات وغيرها من الشعارات التي لم تكن ضمن أهداف الحراك، ما أوجد مشهداً يشبه إلى حد ما "مجلساً تأسيسياً في الهواء الطلق" يجتمع كل جمعة، ليكون كل ذلك دليلاً على تراجع الشارع عن أهدافه بشكل يؤكد فشله بعد رفع سقف المطالب.
مومن عوير، المحلل السياحي قال في تصريح لـ "اندبندنت عربية" إن "الحراك الشعبي حقق العديد من الأهداف المهمة، ومنها إسقاط الخامسة وإقالة بوتفليقة، إضافة إلى الدور الكبير للضغط الشعبي الذي أدى إلى تحرر سلك العدالة ومنه فتح ملفات الفساد، ومحاكمة وسجن كثيرين من رؤوس العصابة المالية والسياسية". وأضاف أنه "على الرغم من كل هذه الإيجابيات التي تحققت، غير أن الهدف الأساسي والمهم للحراك لم يتحقق"، معتبراً أن "الجزائر أمام فرصة تاريخية للتغيير نحو الأفضل، مع اختيار رئيس للبلاد بطريقة ديمقراطية".
مطالب الشعب لم تتحقق... لأسباب
في السياق ذاته، رأى النائب والناشط السياسي خوجة الأرقم في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن "الحراك لم يفشل بالكامل، ومن نجاحاته احتكام الشعب للشارع الذي كانت تهيمن عليه السلطة، وانطلاق حملة الحرب على الفساد"، لافتاً إلى أن "مطالب الشعب لم تتحقق بسبب الإصرار على إثارة ما يفرق الشارع، ومن ذلك الشعارات الأيديولوجية والعرقية، إضافة إلى بروز تصدع أفقي وعمودي على مستوى الطبقة السياسية، وتدخّل بعض النافذين لتشتيت الحراك من خلال تغذية الخلافات وتضخيمها".
من يتحدث باسم الحراك في ندوة 6 يوليو؟
ويترقب الحراك الشعبي انطلاق ندوة الحوار المقررة السبت السادس من يوليو (تموز) 2019، لرصد من يتحدث باسمه، ومسيرات الطلبة يوم الثلاثاء التاسع من يوليو 2019، قبل أن يرد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ودار نقاش واسع حول اختيار ممثلين عن الحراك الشعبي، غير أن كل المحاولات فشلت، ما يضع الحراك أمام خطر الاستيلاء والسطو عليه من قبل أحزاب ومنظمات وشخصيات عدة. وقد تنافست الأسبوع الماضي، جهات عدة على قيادة الحراك الشعبي بعد اعتماد كل جهة على بيانات ودعوات إلى الخروج بقوة في الجمعة الـ 20، استعداداً للتحدث باسمه أمام السلطة.
وبحسب الأرقم، فإن تمثيل الحراك في جلسات الحوار مشكلة حقيقية، فالحراك لم يستطع فرز ممثليه المعبرين بحق عن تطلعاته وانشغالاته الكبرى، مضيفاً "إذا استحضرنا امتداد الحراك في الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات، يمكن القول إنه ممثل ولو بشكل جزئي". وتابع "إن توفرت الإرادة يمكن مقاربة إشكالية التمثيل من خلال الأطروحات المقدمة في وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية، ومن خلال تلمس المقدرة على التأثير والتجنيد".
تعيين ممثلين من الحراك أمر ممكن... من يعرقل؟
وفي ظل تمكن الحراك من اعتماد شباب للعمل على عدم الاحتكاك مع رجال الشرطة ومنع أي انزلاقات، في ظل التشديد الأمني الذي تعرفه العاصمة، فإن تعيين ممثلين للمشاركة في جلسات الحوار أو مفاوضة السلطة، أمر يمكن تحقيقه.
في هذا الإطار، رأى عوير أن رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، لم يذكر أسماء الشخصيات التي ستقود الحوار المنتظر، وربما تركها إلى حينها، موضحاً أن "من ينوب عن الشعب في الحوار إن حصل، هم الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات المختلفة، باعتبار أنها منظمة ومهيكلة".
ولفت عوير إلى أن "خطاب بن صالح إيجابي إلى حد بعيد، ويحمل الكثير من النقاط المهمة التي لو تُنقل بشكل جدي الى أرض الواقع، فإن الحراك سيخطو خطوة كبيرة إلى الأمام، بما ينهي الأزمة السياسية".