Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خامنئي" باعتباره مرشحاً ينافس "ترمب"

ماذا يعني أن يفكر "الولي الفقيه" جدياً في منازلة "الشيطان الأكبر" انتخابياً؟

مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي (أ.ف.ب)

أن يقال إن المرشد الإيراني السيد علي خامنئي قدم نفسه مرشحاً للانتخابات الأميركية ليس على سبيل السخرية. أو استدعاء ماض من الكوميديا السوداء بين إيرانٍ اعتادت وصف أميركا الدولة بغض النظر عن رئيسها بأبشع الأوصاف، أو رجال البيت الأبيض ممن ردوا الشتيمة دائماً بأسوأ وإن غلفوها بالرصانة أحيانا مثل "محور الشر". قبل أن يأتي ترمب فيجد من "اللدغ" مفردة لائقة بالولي الفقيه الذي ما فتئ يشير إليه بـ"الشيطان الأكبر" وما تيسر من تحقير.

فبتقدير العديد من المحللين السياسيين، فإن الإيرانيين بعد الاقتراب من الحرس الثوري بفرض العقوبات عليه "تجاوزوا الخطوط الحمراء" كما أقر الإيرانيون أنفسهم. ذلك أن حراس "بيت القائد" يفهمون على أي شيء تحوم أفكار ساكن البيت الأبيض، فهو أراد أن يقول إن رأس النظام نفسه ليس بمعزل عن تحركاتنا.

خامنئي من جهته رد على نرجسية ترمب بمثلها حين أهان مبعوثه للوساطة الياباني، الذي كان بعثت تعابير وجهه التي بثها الإيرانيون على نطاق واسع، ما قصُر عنه استهداف ناقلة بلاده النفطية في بحر عمان قبل أن يخرج من طهران يجر أذيال الخيبة، كما يقول العرب الأوائل.

وهنا قرر الشيطان الأكبر فيما يبدو "لدغ" الولي الفقيه، فخط رسالته التي أفقدت حراس الفقيه بعض توازنهم "وارتكب حماقة" تسميم خامنئي بعد أن كان يكتفي بالحوم حول حماه فقط.

لماذا يصف الإيرانيون تلك الحادثة بالحمق، مع أنها في شكلها الطبيعي، جاءت في سياق عقوبات فرضت بالتدريج من الأدنى إلى الأعلى؟ لأنها ظهرت كما لو أنها تحدياً ومنازلة للرجل الذي لا يقهر. المؤيد بالمعجزات والنائب عن إمام الزمان المهدي المنتظر. والعديد من الألقاب التي قد يظن البعض أنها فلكلورية بيد أنها جدية. وتعني الأتباع والمريدين أكثر من الملقب بها.

ربما قبل هذ الإجراء، يمكن للإيرانيين أن يجدوا لغة مشتركة مع الاميركيين، خصوصاً عبر حلفائهم العمانيين والعراقيين، أو جيرانهم الديموقراطيين من المقربين للبيت الأبيض وبعض دوائر صنع القرار المهمة مثل الكونجرس أو البنتاجون أو حتى الاستخبارات، مثلما يرجح المحلل السياسي السعودي المتخصص في الشأن الأميركي الدكتور أحمد الفراج.

لكن بعد هذا التطور، "عينك ما تشوف إلا النور"، كما اعتاد السعوديون أن يعبروا عن أوار الحرب إذا اشتعلت، وبدأت ترمي بالشرر. ولا ندري إذا انجلى غبارها من سيمتطي من الرجلين جواداً ومن سيعلو حماراً. ومن من الرجلين سيتجرع سم الهزيمة؟

الجيد الوحيد في انحراف التوتر بين الدولتين إلى هذه الزاوية من السجال، أن المعركة أصبحت "شخصية" بين خامنئي وترامب، وليس بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية. وهكذا غدت أشبه بنزال انتخابي بين الرجلين، مرهون بفوز أسعدهما حظاً في الانتخابات الأميركية العام المقبل 2020، فيومها يكرم المرشد أو يهان إن خاب مسعاه ومعه الديموقراطيون، ويعز الرئيس أو يدان إن فعلها كما يثق ويخطط. فمن يصدق أن يكون الإيرانيون يقومون بهذا الكم من الاستفزازات لو لم يكن ترامب مكبلاً بالاستحقاق الانتخابي؟ بمعنى آخر هل يتصور هكذا عنتريات من الإيرانيين بعد فوز ترمب في الانتخابات العام المقبل؟

ومع أن هذه النتيجة ليست حاسمة بالنسبة للعديد من المحللين أمثال الفراج، الذي يرى أن كسب الانتخابات ليس دائماً مرهونا في أميركا بعدم خوض الحروب، بمعنى أن الخوف منها لا يفسر كل هذا الصبر الأميركي. إلا أن الفراج نفسه يقر بأن قاعدة ترمب اليمينية ليست كقاعدة بوش الاب والابن من المحافظين الجدد الذين لا يخشون الحروب، فقاعدة الرئيس الحالي ترفع شعار "أميركا أولا"، وهمُّها الأكبر ازدهار الداخل الأميركي، وهي في ذلك تتلاقى مع الجانب الآخر من ترمب رجل الأعمال.

غير أن الإيرانيين الذين لديهم معرفة وثيقة بالداخل الأميركي، يعرفون كيف يتلاعبون بمشاعر الناخب الأميركي، بما يجعل ترمب والمحيطين به يفضلون حالة "العض على الأصابع" الحالية بدلاً من الدخول في حرب ليس لها ثمن عند الإيرانيين أهم من خسارة ترمب الانتخابات أمام خامنئي، الموعود من الديموقراطيين بتعويضات عن عهد سيد البيت الأبيض الشعبوي، ترضيه.

بقي الآن كيف سنقضي عاماً كاملاً على هذه الوتيرة الساخنة؟ الكلمة الأخيرة ستكون عند خامنئي، فهو المتحكم بقواعد اللعبة حتى هذه اللحظة، إذا صدقت الفرضية السابقة. فهو بين محاولة التكيف والالتفاف الجزئي على العقوبات، أو استعجال الدمار، طالما أن التفاوض ليس وارداً الآن. ذلك أن أي رد أميركي على استفزازات خامنئي الراهنة سيكون غالباً غير مباشرة أو بالعقوبات، وإن بلغت الروح الحلقوم فعبر إسرائيل.

يعود ذلك إلى الاعتقاد بأنه لا خامنئي يمكنه ارتكاب خطيئة يُعجز أميركا الصبرعنها فتمحوه، ولا ترمب سيغامر بتفويت أربع سنوات في البيت الأبيض مهما كان حجم المغامرة ضئيلاً، يساعده في ذلك أكثر تقدير حلفائه في المنطقة للموقف، القائم على أن تضرر إيران من العقوبات الحالية أكثر من أي حرب محدودة، وبقاء الرئيس في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى لا يعوض بأي ثمن في هذا الظرف الحرج من التاريخ، الذي يأتي بعد ثماني سنين عجاف من عهد أوباما.

وحتى حين تسوء الأمور في نشرات الأخبار، اعتاد الإيرانيون كما تقول جويس كرم في "الحرة" الأميركية، أن يحافظ الإيرانيون على خيوط اتصال مع الأميركيين.

ولا ريب حسب توثيق معهد الدراسات الإيرانية في الرياض، أن السجال والتلاوم الداخلي الذي يموج في إيران، إثر العقوبات الاقتصادية الخانقة يعكس حاجة النظام إلى ضجيج هذا التوتر الخارجي لإلهاء الرأي العام الداخلي إلى حين. وهكذا بتوازن الرعب وحالة "لا حرب ولا سلم" بين الفريقين نكون أقرب لمنطق "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم".

 

المزيد من تحلیل