Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"معرض الأرجل الخشبية" مسرحية سعودية تجسد ويلات الحروب

ممثلان يقدمان عرضاً ثنائياً في ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي

من جوّ المسرحية السعودية "معرض الأرجل الخشبية" (خدمة المهرجان)

في العرض المسرحي "معرض الأرجل الخشبية"، الذي قدمه فريق جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، السعودية، ضمن ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي، على خشبة مسرح نهاد صليحة في أكاديمية الفنون المصرية، يُطرح السؤال نفسه: هل يستطيع من لم يعايش قضية بعينها، تجسيدها بإتقان على خشبة المسرح.

العرض، الذي أخرجه مخلد الزيودي، مأخوذ عن المجموعة القصصية "دوزان" للكاتب الأردني يوسف ضمرة، كتابة وتمثيل الطالبين كميل العلي ومحمد آل محسن. وجاء اختيار فريق عمل المسرحية للمشاركة في الملتقى بعد أن فاز بجائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان الجامعي الذي نظَّمَته جامعة جازان في ديسمبر (كانون الأول) 2021، لتمنحه هيئة المسرح والفنون الأدائية السعودية، على إثرها، جائزتها المتمثلة في دعم مشاركة الفريق في مهرجان إقليمي أو دولي مخصص للمسرح الجامعي.

يناقش العرض ويلات الحروب ومآسيها، من خلال الشاب فرحان، وهو فنان تشكيلي رصد الحرب، التي دمرت بلدته، من نافذة مرسمه المطل على الشارع العام، ووثق مشاهد منها من خلال لوحاته التشكيلية. إنها الحرب التي بسببها بُترت ساق خطيبته نوال واستبدلت بها ساقاً خشبية، فطاردته أعين بل أحاديث تجار الحروب، بحجة أنه يسعى من خلال لوحاته للتشهير بهم. يجد الرسام نفسه مضطراً لمغادرة بلدته المنكوبة كي يدافع عن الناس الذين يموتون بلا سبب، فتجار الحروب هم الذين يطاردونه، ومن تسببوا في إعاقة نوال وغيرها من أبناء وبنات بلدته. تطلب منه نوال أن يغادر البلدة في أول قطار، ويقيم معرضه لإيصال رسالته للعالم الخارجي. يصر فرحان أن ترافقه نوال، لكنها ترفض طلبه لتبقى شاهداً حياً على ما جرى لها ولأبناء بلدتها، وتكتفي برسالة فرحان الفنان باعتباره خير من يشرح قضيتهم التي وثّقها بصدق. وفي محطة القطار، يتأرجح فرحان بين طرفي السكة، بين ذاته الواعية وظلّه، عليه أن يقرر، وإلا سيضطر أن ينتظر قطاراً آخر لا يعلم عنه شيئاً.

 

تأرجح البطل

ينتهي العرض من حيث يبدأ، في محطة القطار، وذلك التأرجح الذي يعانيه فرحان، بين أن يظل في بلدته أو يغادرها، وما بين البداية والنهاية يتم استرجاع ما حدث. الحرب هنا ليست حاضرة سوى بما يحكي عنها، وكذلك بما تركته من أثر على سكان البلدة، غير المحدد مكانها، وإن كانت هويتها عربية إسلامية، كما تشير الأحداث.

يقوم العرض على ممثلين فقط، فرحان وظله، فهو عرض "ديودراما"، قوامه الحوار بين فرحان وظله، أو هو ضميره أو عقله الباطن، أو هي الذات المنقسمة على نفسها. فهذا الجدل أو الصراع بينهما، هو ما يمنح العرض دراميته، التي تسير بشكل أفقي، لا عمودي. فثمة أحداث يتم تجسيدها، خلال الحوار بين الشخصيتين، هي أحداث منفصلة، ربما لا رابط بينها سوى تأكيدها على ما خلفته الحرب من قسوة واضطراب وتشوهات نفسية وجسدية، وكذلك من استغلال لبعض منتفعي الحرب، الذين تمثل الحرب بالنسبة لهم مصدر رزق لا يريدون له أن ينقطع.

لا ديكور تقريباً سوى شماعات للملابس يتم تحريكها بواسطة الممثلين، تغطي كل شماعة ستارة يستخدمها الممثل في تغيير ملابسه أو أكسسواراته، بحيث جسد كل منهما عدة شخصيات، ذكورية ونسائية. وهو اختيار ذكي من المخرج، أضفى حيوية على العرض، ولم يثقل عليه بكتل ضخمة أو ثابتة. وجاء هذا التقشف في الديكور مناسباً لحالة العرض وأجوائه القاتمة، التي نجح الممثلان في كسرها في بعض المشاهد الساخرة، التي تم أداؤها بخفة ظل طبيعية ومن دون افتعال.

تقنية الاسترجاع

 

اعتمد العرض تقنية الاسترجاع، وإذا كان قد أفرط في مساحة المشهد الخاص بخطيب نوال السابق، الذي ارتبطت به قبل ارتباطها بفرحان، ثم اختفى، ولم يعرف هل هو حي وتم اختطافه على يد بعض الجماعات، أم قتل في الحرب، أم غرق وهو على أحد مراكب الهجرة غير الشرعية... هذا الإفراط في تجسيد مشهد يخص شخصية ثانوية، له ما يبرره، فتجسيد كل الحكايا الخاصة باختفائه والأقوال المتضاربة حول سبب الاختفاء، إنما يجسد الكثير من الحالات الأخرى لأبناء البلدة المنكوبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدا من الأداء التمثيلي أن الممثلين الشابين، كميل العلي ومحمد آل محسن، استوعبا مغزى النص جيداً، وتعايشا مع أجوائه، بخاصة أنهما من قاما بالكتابة. وهو ما يجيب عن السؤال الذي تم طرحه في البداية: هل يستطيع من لم يعايش قضية بعينها، تجسيدها بإتقان على خشبة المسرح؟ المهم هنا هو الإلمام بهذه القضية، ومعرفة أبعادها وما تؤدي إليه من تداعيات، فضلاً عن أن وسائل الاتصال، في تقدمها المتسارع، تنقل لنا الآن وقائع الحروب على الهواء مباشرة، بالتالي فليس شرطاً أن يكون الفنان عايش الحرب واقعياً حتى يستطيع تجسيدها فنياً. إننا هنا أمام عرض لا يتناول الحرب، وإنما يتناول تأثيرها وما تخلفه من دمار على مختلف الأصعدة، والمهم أن يأتي هذا التجسيد عبر مواقف وأحداث، لا عبر خطب ومنشورات، وهو ما كان صناع العرض واعين إليه.

أفصح الممثلان كذلك عن إمكانات طيبة في تجسيد العديد من الشخصيات والانتقال بينها بسهولة ويسر، وعلى رغم إغراءات الكوميديا فإنهما لم يفرطا في استخدامها، بل تعاملا معها باقتصاد، ووظفاها في محلها، كما أفصح المخرج عن وعيه بطبيعة مثل هذه العروض.

الاهتمام بالمسرح

في سيناريو العرض المكتوب، يظل فرحان في صراع، مع ذاته، ظله، مع رسالته كفنان وحبه لنوال التي هي بحاجته أكثر من أي وقت مضى، مع صنّاع وتجار الحروب وصراعه مع الزمن، موعد قدوم وانطلاق القطار، ومع استمرارية صوت هدير القطار الذي بدا يبتعد تدريجاً ووقع الأقدام الخشبية تظهر اللوحات بشكل تدريجي ومتسارع – تقطيع بصري – إلى أن تتحول المحطة إلى معرض للرسم… يتلاشى فرحان وظله… ثبات على المعرض، إظلام تدريجي، مع ابتعاد صوت القطار ووقع الأقدام، إظلام تام، مع استمرار صوت القطار ووقع الأقدام.

هذا المشهد تحديداً، وتحول محطة القطار إلى معرض للرسم، لم يتم تنفيذه كما جاء بالسيناريو، فالعرض ينتهي على صوت قطار وإضاءة موجهة إلى الصالة، وهو أمر جيد، وكأنه تنبيه وتحذير للمشاهدين من ويلات الحرب، ثم سؤال فرحان لظله: من أنت، فيجيب الظل: أنا أنت، فيحتضن كل منهما الآخر، فهل ظروف المسرح الذي تم تقديم العرض عليه لم تسمح بتنفيذ المشهد كما جاء بالسيناريو، أم أن المخرج فضلها هكذا؟

على أية حال فالعرض إجمالاً من العروض اللافتة، والمصنوعة بعناية، والتي تفصح عن اهتمام واضح من الجامعات السعودية بفن المسرح، وعن وجود العديد من المواهب الطلابية، وتشير، كذلك، إلى أهمية المسرح الجامعي عموماً، ودوره في اكتشاف المواهب وتنميتها وصقلها وتطوير وعيها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة