Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعاهدات الدولية غير آمنة في زمن الحرب والسلم

يترقب الجميع في ظل حرب أوكرانيا مصائر الاتفاقيات الدولية لا سيما تلك المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل

تبين من العرف الدولي أن هناك أسباباً تدعو إلى انقضاء المعاهدات، كإخلال أحد أو بعض أطراف المعاهدة بأحكامها وتغير الظروف (أ ف ب)

أعلنت روسيا في أغسطس (آب) الماضي، أنها أبلغت الولايات المتحدة قرارها تعليق عمليات التفتيش الميدانية المنصوص عليها في معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية التي تُعرف ب"ستارت" أو "ستارت الجديدة"، التي وقّعها الطرفان في 8 أبريل (نيسان) 2010، ما أثار تساؤلات بشأن مصير المعاهدة وغيرها من المعاهدات الدولية، لا سيما في ظل حالة التصعيد الدولي بين روسيا والغرب منذ نشوب الحرب في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) الماضي.

وتلزم "ستارت الجديدة" واشنطن وموسكو بالحد من انتشار الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، وحددت خفضاً بنسبة 30 في المئة للرؤوس النووية المنشورة والأغطية السفلية على قاذفات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المنشورة وغير المنشورة، وقاذفات الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات، والقاذفات الثقيلة المجهزة للأسلحة النووية.

لكن يعود تاريخ تنصل الدول إلى عقود طويلة مضت. فعلى سبيل المثال، بينما وقعت الإدارة الأميركية للرئيس وودرو ويلسون على معاهدة فرساي في عام 1919 التي أنهت الحرب العالمية الأولى، رفض الكونغرس الأميركي المصادقة عليها ولم ينه الأميركيون حربهم ضد ألمانيا والإمبراطورية النمساوية - المجرية السابقة رسمياً حتى عام 1921. وفي الماضي القريب وخلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، انسحبت واشنطن من اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة، فأولاً واتساقاً مع إصراره على أن ظاهرة تغير المناخ "كذبة صينية"، أعلن ترمب الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ في يونيو (حزيران) 2017 قبل أن تعود واشنطن إليه مجدداً في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، كما انسحب ترمب من "اتفاقية العمل الشاملة المشتركة" (الاتفاق النووي) مع إيران في مايو (أيار) 2018، والانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، وسط اتهامات أميركية لروسيا بتطوير صواريخ كروز المحظورة، وهي مزاعم أيدها حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو) آنذاك، وإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية "نافتا" وعقد أخرى جديدة.

المعاهدات بين تأثير الحرب وإشعالها

وفي حين حدثت تلك الانسحابات من دون وجود حالة حرب فاعلة، فإن المشهد الدولي الذي يزداد غلياناً حالياً، يطرح تساؤلات بشأن تأثير الصراعات أو الحروب على المعاهدات الدولية سواء تلك الثنائية أو متعددة الأطراف، وعما إذا كانت بعض المعاهدات تنتهي من تلقاء نفسها بانتهاكها من قبل أحد الأطراف الموقعة؟

يقول أرلوند برونتو، في ورقة بحثية حول تأثير الحرب في الاتفاقيات بين الدول، نشرتها مجلة "كامبريدج للقانون الدولي والمقارن" عام 2013، إن "الحرب عادةً ما تؤدي إلى تمزق العلاقات بين الدول، بما في ذلك العلاقات القانونية التي تؤسسها المعاهدات، حتى أنها يمكن أن تؤثر في الأطراف الأخرى في المعاهدة"، مشيراً في هذا الصدد إلى الحرب بين إثيوبيا وإريتريا كمثال. فالصراعات المسلحة بين الدول عادةً ما تؤدي إلى التأثير في المعاهدات إلى الحد الذي لا يمكن معه الحفاظ على الأساس المنطقي الأصلي للمعاهدة، مما يؤدي إلى تعديلها أو إنهائها.

ويضيف بونتو أن "الدول تخوض حروباً أحياناً للتخلص من المعاهدات المرهقة، وهو ما حدث غالباً في القرن العشرين. فعلى سبيل المثال، مضت ألمانيا نحو خوض الحرب العالمية الثانية نتيجة للأحكام المرهقة التي فُرضت عليها جراء معاهدة فرساي، وبذلك أدت الحرب إلى زوال النظام الدولي الذي أسسته المعاهدة. ومع ذلك، فإن إبطال المعاهدات ليس دائماً نتيجة تلقائية لنشوب حرب، فثمة معاهدات تستمر خلال الصراع المسلح مثل تلك التي تهدف لضبط سلوك الأطراف المتحاربة كمعاهدة جنيف عام 1949، أو لضمان حقوق الأطراف المحايدة أو تلك التي تنظم الشؤون الإنسانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اتفاقية فيينا 1969

وفقاً لمقال بعنوان "المواد المتعلقة بآثار النزاعات المسلحة على المعاهدات"، يوضح لوسيوس كافليش، عضو لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة، الأستاذ الفخري لدى معهد الدراسات العليا الدولية والإنمائية بجنيف، فإن "مسألة نفاذ معاهدة في حالة النزاع المسلح تتعلق بما إذا كانت المعاهدة نفسها تنص على استمرارها في حالة الحرب، كما يتعلق الأمر بطبيعة المعاهدة نفسها، فضلاً عن وجود عوامل أخرى بما في ذلك عدد الأطراف في المعاهدة غير المشتركين في النزاع المسلح وهو ما يوحي باستمرار نفاذها".
ووفقاً للمادة 54 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، فإن إنهاء المعاهدة أو انسحاب أحد أطرافها يجوز أن يتم وفقاً لأحكام المعاهدة أو في أي وقت باتفاق جميع الأطراف. لكن يوضح القانونيون إنه تبين من العرف الدولي أن هناك أسباباً تدعو إلى انقضاء المعاهدات، كإخلال أحد أو بعض أطراف المعاهدة بأحكامها وتغير الظروف التي أبرمت المعاهدة في ظلها أو اندلاع الحرب، وكل هذه الأسباب نصت عليها المادة 56 من اتفاقية فيينا.

ضعف "عدم الانتشار النووي"

في خضم حالة الصراع الدائر في أوكرانيا، يترقب الجميع ما يتعلق بالاتفاقيات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل. ولعل التهديد المتكرر من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستخدام الأسلحة النووية ضد جارته الغربية، يدفع نحو تساؤل جاد عما إذا كان يمكن لمعاهدة "عدم الانتشار النووي" أن تبقى صامدة، إذ يحذر مراقبون بأن الكثير من المستجدات على الساحة الدولية وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا أضعفت بالفعل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي صادق عليها عدد من دول العالم، أكبر من أي معاهدة أو اتفاق آخر للحد من الأسلحة ونزع السلاح النووي.

ويتساءل أوسكار وير، المدرب لدى جامعة العمليات الخاصة المشتركة في فلوريدا، والذي خدم في القوات الخاصة للجيش الأميركي، "كيف يمكن إقناع الآخرين بجدوى معاهدة "عدم الانتشار النووي" وضماناتها في ظل التردد الغربي والمساحة التي مُنحت لروسيا في حربها على أوكرانيا؟ فلسوء الحظ، فإن جولة جديدة من سباق التسلح النووي جاريةً بالفعل، مدفوعةً بالثورة التكنولوجية السريعة والتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن أوكرانيا والتحديث العسكري الصيني ومخاوف كوريا الشمالية". ويحذر من أن "محاولة الإرهابيين الناجحة لشراء أو سرقة مواد أو أسلحة نووية هي الكابوس النهائي للانتشار النووي".
وبحسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تمتلك 9 دول هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل والمملكة المتحدة وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية معاً حوالى 13400 سلاح نووي. وأشار التقرير السنوي للمعهد إلى أن "كل هذه الدول إما تطور أو تنشر أنظمة أسلحة جديدة أو أعلنت عزمها على ذلك"، فكل من الولايات المتحدة وروسيا تنفقان المزيد وتعتمدان بشكل أكبر على الأسلحة النووية في التخطيط العسكري المستقبلي، وتسعى الصين إلى اللحاق بهما. كما تواصل كوريا الشمالية إعطاء الأولوية لبرنامجها النووي العسكري، وتجري اختبارات "صواريخ باليستية" متعددة.

المزيد من تقارير