Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من جمهورية بشير الجميل إلى حكومة ميشال عون (6-6)

الشيخ أمين لم يكن من ضمن المشروع الذي عمل عليه شقيقه ومسيرة جديدة بدأت مع الرئيس الحالي وسلسلة معارك أخذت البلاد إلى "الطائف"

الرئيس بشير الجميل ووالده رئيس حزب "الكتائب" بيار الجميل (ويكيبيديا)

ينتظر لبنان انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون. مع هذا الاستحقاق تفتح "اندبندنت عربية" ملف رؤساء الجمهورية في لبنان على مرحلتين قبل اتفاق "الطائف" وبعده، هذه الحلقة من حلقات رؤساء ما قبل الطائف مع عهد الرئيس بشير الجميل الذي انتخب في 23 أغسطس (آب) 1982 واغتيل في 14 سبتمبر (أيلول) ولم يحكم، وعن عهد الرئيس أمين الجميل (1982 – 1988).

في ثكنة الجيش اللبناني العسكرية في الفياضية (جبل لبنان)، انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية اللبنانية في 23 أغسطس عام 1982، وكان الوضع السياسي والعسكري يشهد انقلاباً كبيراً في لبنان بفعل الاجتياح الإسرائيلي الذي كان بدأ في السادس من يونيو (حزيران).

وكانت لدى الفلسطينيين معلومات عن أن شيئاً ما يتم تحضيره على هذا الصعيد حتى أن بشير الجميل حاول أن يوصل لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات مثل هذه المعلومات من طريق وسطاء توصلاً إلى إمكانية تفاهم على حل معين للأزمة اللبنانية مع استحقاق رئاسة الجمهورية، لكن القيادة الفلسطينية اعتبرت أن هذه المعلومات التي يتم اطلاعها عليها ليست إلا للتضليل، حتى أن صحافياً لبنانياً أميركياً كان يغطي أخبار البيت الأبيض في واشنطن تناهت إليه مثل هذه المعلومات من داخل دائرة القرار في الإدارة الأميركية وأرسلها إلى قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيروت فنقلتها بدورها إلى قيادة المنظمة، لكنها أهملت أيضاً.

ولم يكن أحد مقدراً الحدود التي يمكن أن يقف عندها الاجتياح الإسرائيلي، وبعدما بدأ لم تكن قيادة المنظمة تتوقع أن يصل إلى بيروت ويفرض خروجها من لبنان، كان التقدير أنه يمكن أن يصل إلى حدود الليطاني أو صيدا (جنوب) كما حصل في اجتياح عام 1978، ولكن خلال أربعة أعوام كان المشهد السياسي قد انقلب في إسرائيل.

عهد بشير

في 23 أغسطس، بدا وكأن ما كان يعد مستحيلاً أمراً واقعاً، وفي وقت كانت الوحدات الفلسطينية تخرج تباعاً من لبنان، وكانت وحدات الجيش السوري تنتقل من بيروت إلى البقاع (شرق)، كان بشير الجميل يبدأ عهده رئيساً منتخباً، قبل انتخابه زار السعودية في الأول من يوليو (تموز) والتقى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل والأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي، وكان المطلوب إعطاء ضمانات تتعلق بالشراكة في الحكم وبموضوع اللاجئين الفلسطينيين.

وأعطى الجميل انطباعاً راسخاً بأنه يريد أن يبني دولة فعلية وقوية، في خطاباته بعد انتخابه وفي جولاته ولقاءاته أعرب بوضوح عن إرادته بالانتهاء من "دولة المزرعة" كما كان يسميها ومن دولة المحسوبيات وتحدث عن دولة المؤسسات، ولذلك بقي هذا الانطباع محفوراً في ذاكرة الناس بعد اغتياله في 14 سبتمبر  1982 إلى الحد الذي يعطي كثيرون اليوم فترة رئاسته مثلاً لما يجب أن تكون عليه مهمة رئيس الجمهورية والجمهورية مقارنة مع الانهيار الذي حصل مع عهد الرئيس ميشال عون الذي كان عضواً في فريق عمل بشير في أول لقاء عقده للتحضير لمسيرة الوصول إلى رئاسة الجمهورية وانتهى إلى نقيضه في كل شيء يتعلق بالسيادة والمؤسسات وقوة الحكم والتوازنات واستبعاد المحسوبيات من خلال تحالفه مع "حزب الله".

لم يقبل الرئيس الياس سركيس أن تمدد ولايته، كان رافضاً رفضاً مطلقاً هذه الفكرة من الأساس، بعد اغتيال بشير أعيد طرح مسألة ترشيح الرئيس كميل شمعون ليكون خلفاً له، ولكن الخيار عاد ووقع على شقيق بشير أمين تحت ضغط الحزن العائلي وقرار حزب "الكتائب" إعلان ترشيحه في مأتم بشير، في ظل والده الشيخ بيار الجميل.

عهد أمين الجميل

في 21 سبتمبر، صار الشيخ أمين الجميل رئيساً للجمهورية، ودخل إلى قصر بعبدا في ظل ظروف سياسية وعسكرية صارت أكثر تعقيداً بعد اغتيال بشير خصوصاً أنه لم يكن من ضمن المشروع الذي عمل عليه بشير ووصل من خلاله إلى رئاسة الجمهورية.

واعتمد الرئيس الجميل على فريق عمل خاص وعلى محاولة الاقتراب من الإدارة الأميركية لتشكل له عملية توازن مع الاحتلالين الإسرائيلي الذي امتد حتى بيروت والجبل، والسوري الذي بقي في البقاع والشمال خصوصاً أن قوات متعددة الجنسيات من "المارينز" والمظليين الفرنسيين والإيطاليين كانت وصلت إلى لبنان لمواكبة خروج القوات الفلسطينية والسورية من بيروت.

المعضلة الأولى التي واجهها الرئيس الجميل هي الطريقة التي يمكن أن تغطي عملية الانسحاب الإسرائيلي، لذلك تمت الموافقة على مفاوضات مباشرة بمشاركة الأميركيين تم التوصل بنتيجتها إلى اتفاق 17 مايو (أيار) في عام 1983، ولكن من دون أن يوقعه رئيس الجمهورية على رغم موافقة الحكومة ومجلس النواب عليه فبقي حبراً على ورق.

لكن التحدي الأكبر لم يكن في هذه المفاوضات بل على الأرض، ففي سبتمبر، عندما قررت الحكومة الإسرائيلية سحب جيشها إلى ما قبل خط نهر الأولي عند مدينة صيدا، مع هذا الانسحاب انفجر الوضع العسكري في ما سمي "حرب الجبل" التي دعم فيها الجيش السوري والقوى الفلسطينية المؤيدة لدمشق قوات الحزب التقدمي الاشتراكي ضد "القوات اللبنانية" وأدت هذه الحرب إلى انسحاب "القوات" إلى بلدة دير القمر في الشوف (جبل لبنان)، بينما اضطر الجيش اللبناني إلى تشكيل خط دفاع من عاليه إلى سوق الغرب أي المناطق المحيطة بالقصر الجمهوري، في هذه المرحلة كان الاتحاد السوفياتي بقيادة يوري أندروبوف قد مد النظام السوري بالدعم اللازم لرد اعتباره وللرد على الاجتياح الإسرائيلي والنتائج التي ترتبت عنه في لبنان، وكان أندروبوف رئيساً للاستخبارات السوفياتية الـ "كي جي بي" من عام 1967 حتى عام 1982 قبل أن يصبح في نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام الأمين العام للحزب الشيوعي خلفاً للزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف في مرحلة تحولات كبيرة في الاتحاد السوفياتي أدت إلى بقاء المنصب شاغراً 15 شهراً بعد وفاته في فبراير (شباط) من عام 1984.

انكسار الأمل وتغيير المسار

الضربة الثانية التي تلقاها العهد الجديد كانت في سيطرة "حركة أمل" برئاسة نبيه بري (رئيس مجلس النواب الحالي) على الضاحية الجنوبية وبيروت الغربية وطرد الجيش اللبناني منهما في السادس من فبراير 1984. حربا الجبل وبيروت أدتا إلى انقسام كبير في الجيش اللبناني نتيجة التحاق الجنود من الطائفة الدرزية بالحزب التقدمي الاشتراكي والجنود الشيعة بحركة "أمل" والسنة بمنطقة الشمال ولاحقاً تم تشكيلهم ضمن ألوية بقيت على صلة مع قيادة الجيش من دون أن تكون لها الإمرة المباشرة عليها.

سياسياً، ونتيجة هذه الخسارات العسكرية انعقد في جنيف، في نوفمبر 1983، مؤتمر للحوار الوطني من دون التوصل إلى نتيجة ثم انعقد مؤتمر آخر في لوزان في مارس (آذار) 1984 وأيضاً من دون نتيجة، إلى جانب هذه التطورات كانت بدأت عملية خلق تنظيم "حزب الله" بعد وصول الوحدات الأولى من الحرس الثوري الإيراني إلى البقاع بعد الاجتياح الإسرائيلي، وقد تجلت أولى عمليات هذا التنظيم، الذي لم يكن اتخذ هذا الاسم بعد أو أعلن عن نفسه، بتفجير مقري قوات "المارينز" والمظليين الفرنسيين قرب مطار بيروت في 23 أكتوبر 1983، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرار بسحب القوات الأميركية أولاً من لبنان ثم القوات الفرنسية، وكانت تلك إشارة إلى التخلي عن الدعم الذي كان يحظى به العهد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجاه هذا الواقع ونتيجة عدم التدخل الأميركي المباشر وبنصيحة أميركية خلال زيارة قام بها الرئيس الجميل إلى واشنطن، اتخذ القرار بالعودة إلى فتح صفحة جديدة مع سوريا، ولذلك شكلت حكومة جديدة برئاسة الرئيس رشيد كرامي ضمت رموز الصراع من وليد جنبلاط إلى نبيه بري وكميل شمعون وبيار الجميل وتم تغيير قائد الجيش العماد إبراهيم طنوس وتعيين العماد ميشال عون محله، ولاحقاً تمت الإطاحة برئيس مجلس النواب كامل الأسعد الذي كان له دور كبير في تأمين انتخاب الرئيس بشير الجميل ثم أمين الجميل، وكل ذلك مُهّد له بسلسلة زيارات بدأها الرئيس الجميل إلى دمشق وبلقاءات مع الرئيس السوري حافظ الأسد.

مواجهات في كل الاتجاهات

لم تقتصر مواجهة الرئيس الجميل على ما حصل ضد عهده في بيروت والجبل بل امتدت المواجهة لتشمل "القوات اللبنانية" التي كان الرئيس الجميل يريد إعادتها إلى كنف حزب "الكتائب"، في 12 مارس 1985، حصلت انتفاضة قواتية ضد العهد أكدت على استقلالية "القوات"، وكانت بقيادة ثلاثية مكونة من سمير جعجع وإيلي حبيقة وكريم بقرادوني تشكلت بعدها هيئة تنفيذية لإدارتها أخفت صراعاً بين جعجع وحبيقة الذي ترأس الهيئة بعد انتخابات داخلية بينما بقي جعجع رئيساً للتنظيم العسكري، ولكن عندما فتح حبيقة خط تواصل مع السوريين واتجه للتوقيع على "الاتفاق الثلاثي" مع وليد جنبلاط ونبيه بري في دمشق برعاية سورية في تجاوز واضح لدور السلطة الشرعية وللرئيس الجميل، الذي كان هو من بدأ محادثات من هذه الخلفية مع السوريين، حصلت انتفاضة ثانية بقيادة سمير جعجع ضد إيلي حبيقة وقف فيها الجميل إلى جانب جعجع لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التداعيات التي أثرت في العهد، نتيجة هذه الانتفاضة قاطع رئيس الحكومة رشيد كرامي رئيس الجمهورية وتحولت الحكومة إلى ما يشبه الوزارات المستقلة بينما كان النظام السوري يعود تدريجاً إلى بيروت.

في المرحلة الأولى عادت مفارز المخابرات، ثم في فبراير 1987، عاد الجيش السوري بعد الاشتباكات التي حصلت بين حركة "أمل" والفلسطينيين ثم بين الحركة والحزب التقدمي الاشتراكي في فبراير، وهدفت هذه العودة إلى الإمساك باستحقاق رئاسة الجمهورية الذي سيحين موعده في سبتمبر 1988.

النهاية غير السعيدة

لم يفلح الرئيس أمين الجميل في إعادة تصحيح العلاقة مع الرئيس حافظ الأسد الذي اعتبر أن إسقاط "الاتفاق الثلاثي" الذي كان برعايته الشخصية وبحضوره وكان يريد أن يرد الاعتبار للنكسة التي تعرض لها، في عام 1982، التي أعطته في الوقت نفسه ورقة مهمة بالتخلص من نفوذ ياسر عرفات في لبنان بطرد مؤيديه من البقاع، ثم محاصرته في طرابلس في عام 1983، وإجباره على الخروج مرة ثانية من لبنان ثم تطويق المخيمات الفلسطينية في بيروت وطرد مؤيدي عرفات منها في عام 1987 إلى مخيمات الجنوب، ولذلك صار النفوذ السوري هو الغالب في المواجهة مع الحكم في لبنان واستطاع بفعل عودته الأمنية والعسكرية أن يفرض قراراته على كل المعارضين لحكم الرئيس الجميل.

التوجه السوري ظهر في شكل مباشر عندما رشح الأسد الرئيس السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية بعدما كان رئيس مجلس النواب حسين الحسيني حدد موعداً لجلسة الانتخاب في 18 أغسطس 1988، في مواجهة هذا الفرض التقى كل من قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع وقائد الجيش العماد ميشال عون على معارضة هذا الترشيح فلم تنعقد الجلسة بسبب افتقادها النصاب النيابي المطلوب.

الخوف من الفراغ جعل الرئيس الأميركي رونالد ريغان يوفد السفير ريتشارد مورفي إلى لبنان ليبدأ وساطة للتوصل إلى حل رئاسي، ولكن الزمن كان تغير كثيراً بين السفير فيليب حبيب الذي أمن انتخاب بشير الجميل رئيساً في عام 1982 وبين مورفي الذي وصل إلى لبنان في 13 سبتمبر، وبدأ وعاد من سوريا في الـ 18 منه حاملاً عرضاً واحداً تقبل به سوريا، وهو انتخاب النائب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، رفضت القيادات المسيحية هذا العرض الذي اعتبرته عملية فرض، وتجاه هذا الواقع تم ترتيب زيارة للرئيس الجميل إلى دمشق في 21 سبتمبر، حيث التقى الرئيس الأسد للبحث في الموضوع الرئاسي، ولكن في لبنان التقى سمير جعجع وميشال عون على رفض ما يمكن أن ينتج عنه.

هكذا كان يوم 22 سبتمبر يوم الفرص الضائعة الذي بحث فيه تشكيل حكومة انتقالية تتسلم السلطة في ظل الفراغ الرئاسي الذي كان يحصل للمرة الأولى في لبنان، قبل انتهاء ولايته بربع ساعة، أصدر الرئيس الجميل مرسوم تشكيل الحكومة العسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون الذي ستبدأ معه مسيرة جديدة من الحكم وسلسلة من المعارك والمواجهات أخذت لبنان إلى اتفاق "الطائف" الذي عدل الدستور في 22 أكتوبر 1989. ولكن هذا الاتفاق لم يكن كما أريد له بداية الخروج من الحرب إلى السلام ومن الفوضى إلى الانتظام في عمل الدولة والمؤسسات، ولم يكن ذلك الاتفاق إلا بداية طريق لسلسلة من التطورات والرئاسات بدأت بالفراغ وبتمسك عون بالسلطة وتنتهي في عام 2022 مع الرئيس ميشال عون إلى فراغ جديد.

المزيد من تقارير