Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصم والبكم في العالم العربي... إشارات مبعثرة وحقوق تائهة

نشر الوعي والعمل على دمج ذوي الحاجات السمعية والنطقية في محيطهم ما يكفل لهم حياة كريمة

بعض المجتمعات العربية غير مؤهلة للتخاطب مع شريحة الصم والبكم (أ ف ب)

ذكرت إحصاءات الاتحاد العالمي للصم أنه يوجد حول العالم نحو 72 مليون أصم، 80 في المئة منهم يعيشون في البلدان النامية، ويستخدمون أكثر من 300 لغة إشارة.

ولأن لغة الإشارة هي جسر التواصل الوحيد بين فئة الصم والبكم والعامة من المتكلمين، فمن واجب الحكومات والمجتمعات والمنظمات إطلاق برامج تثقيفية تعليمية لتلقين هذه اللغة بهدف معرفة كيفية التخاطب مع هذه الشريحة.

كما لا بد من نشر الوعي والعمل على دمج ذوي الحاجات السمعية والنطقية في محيطهم وإعطائهم حقوقهم التي تكفل لهم حياة كريمة، بالتالي الاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم ومواهبهم.

فما التحديات التي تواجهها فئة الصم والبكم؟ وكيف تتعامل المجتمعات العربية معهم؟ وكيف يمكن دمجهم في مجتمعاتهم ومحيطهم.

الأردن... معركة وعي حول حقوق الصم والبكم 

يعاني الصم والبكم في الأردن والذين يفوق عددهم 100 ألف شخص تحديات وصعوبات أبرزها النظرة المجتمعية الدونية لهم والبيئة غير الصديقة.

وعلى رغم محاولة جمعيات الصم والبكم في الأردن جاهدة لتوفير الفرص المتساوية تعليمياً واجتماعياً لهذه الفئة، إلا أن الواقع لا يزال بحاجة إلى كثير من العمل، إذ لا تزال لغة الإشارة غير منتشرة على نحو واسع، كما أن حقوق هؤلاء لا تزال منقوصة.

قصص نجاح

إسلام الجدوع هي أحد أمثلة النجاح، إذ تمكنت من الحصول على درجة الدكتوراه من الجامعة الأردنية في تخصص التربية الخاصة، وإلى جانب إسلام ثمة قصص نجاح للصم والبكم في الأردن، ومن الأمثلة على ذلك إحدى الجمعيات الخاصة التي تمكنت من فتح آفاق عالم الكمبيوتر والإنترنت للصم والبكم، وهناك أيضاً العديد من قصص النجاح لنساء حققن إنجازات عظيمة في أسرهن ومجتمعاتهن ظلت خلف الكواليس.

وفي المقابل تبرز قصة تطبيق "ساين بوك" الأردني الذي يقدم ترجمة فورية مباشرة للغة الإشارة الخاصة بالصم والبكم مما يجعله يلعب دوراً فعالاً في تحسين وصول أفراد هذه الفئة إلى الخدمات والمعلومات.

أسس هذا التطبيق الأردني أشرف عودة، وهو مترجم لغة إشارة، بعد أن استوحى الفكرة من والديه، وهما من الصم والبكم، إذ عانيا طوال حياتهما بسبب عدم وجود ترجمة فورية متاحة بسهولة في أماكن تقديم الخدمات العامة والخاصة.

واليوم تستخدم العديد من الهيئات والشركات الخاصة والعامة، مثل البنوك وشركات الاتصالات والمستشفيات والبلديات في الأردن هذا التطبيق الذي يجسد التزام الأردن دولياً، بعد مصادقته على اتفاق حقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وعلى رغم ذلك يقول تقرير المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص الذين يعانون مشكلات في السمع والنطق إن الخدمات التي تقدمها معظم المؤسسات للصم والبكم في الأردن غير كافية.

معركة وعي

ويعتبر مراقبون أن الوضع الحالي لهذه الفئة من الأشخاص غير مثالي، فهناك نقص في الفهم والوعي حول حالتهم مما يؤدي إلى العديد من التحديات في حياتهم اليومية، وعلى سبيل المثال فالعديد من الصم والبكم غير قادرين على الحصول على التعليم أو فرص العمل بسبب النظرة الاجتماعية والتحيز الذي يواجهونه من المجتمع، فيما يطالب متخصصون بمساواتهم بأقرانهم الطبيعيين وحصولهم على الفرص نفسها.

وثمة العديد من المنظمات التي تعمل على تحسين أوضاع الصم والبكم في الأردن، ومن بينها مركز متخصص بالدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، وهو يعمل على تقديم معلومات عن منظمات المجتمع المدني الأردني، في حين تعمل مجموعات أخرى على زيادة الوعي بحقوق هؤلاء، كما أن هناك مراكز تقدم دورات مجانية تمكن الصم البالغين من الانخراط في سوق العمل.

تحديات

ويواجه الصم والبكم في الأردن العديد من التحديات في حياتهم اليومية، ويعد الوصول إلى التعليم أحد أكبر هذه التحديات، إذ لا تقدم الحكومة الدعم الكافي للأطفال الصم والبكم لتلقي تعليم جيد وبخاصة في المدارس الحكومية، حيث يضطر أهلوهم إلى تسجيلهم في مراكز صعوبات التعلم المكلفة.

وفي أحسن الأحوال تواجه هذه الفئة التمييز والتنمر من المجتمع ككل، مما يفاقم شعورها بالعزلة والوحدة.

أما التحدي الآخر فهو التوظيف والحصول على فرصة عمل تعينهم على متطلبات الحياة اليومية، فهناك عدد قليل جداً من الشركات التي ترغب في توظيف أشخاص من هذه الفئة ضمن نسبة محددة، وفي الغالب تترك هذه الشريحة من دون فرص عمل لكسب العيش الكريم، وبالتالي الحيلولة دون الحصول على كثير من الخدمات والحاجات مثل العلاج والرعاية الطبية.

وهناك عدد من خدمات الدعم المتاحة للصم والبكم في الأردن، مثل المدارس المتخصصة بالإعاقات السمعية ومراكز للصم والبكم وخدمات الاتصال عبر الفيديو لهذه الفئة.

 لكن على رغم ذلك يطالب متخصصون بمزيد من الخطوات لتحسين ظروف هذه الفئة، مثل توفير الدعم المالي للبرامج التي تساعد هؤلاء الأفراد، وزيادة الوعي بحاجاتهم وطرق التواصل معهم ودمجهم بالمجتمعات المحلية بدلاً من إقصائهم أو استبعادهم.

"سمع بلا حدود"

وتقوم مبادرة "سمع بلا حدود" على دعم الأطفال الذين يعانون تحديات سمعية ليكونوا أفراداً مندمجين وفاعلين في المجتمع، ويتم العمل عليها بالشراكة مع الخدمات الطبية الملكية ووزارة الصحة بصفتهما مزودي الخدمات الصحية الأكبر في الأردن.

وتقوم هذه الجهات مجتمعة بتأمين أجهزة القوقعة لمحتاجيها وتوفير الدعم الطبي، إضافة إلى العمل على إعادة التأهيل السمعي والنطقي للأطفال زارعي القوقعة، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بمشكلات السمع وأهمية الكشف الباكر عنها.

يذكر أن قسم علوم السمع والنطق تأسس عام 2003 في الجامعة الأردنية، وكان من أوائل البرامج التي تمنح درجة البكالوريس في علوم السمع والنطق في الأردن والمنطقة، ويهدف البرنامج الذي يركز على إعداد خريجين من المهنيين المبدعين إلى تعميق الفهم للأساسات النظرية والعملية والسريرية في علوم السمع والنطق بالتركيز على وسائل التقييم والعلاج.

حاجز تعليمي

لا يزيد عدد المدارس الحكومية التي تقدم خدماتها للصم والبكم على 11 مدرسة موزعة على محافظات المملكة، وقد ترجم هذا النقص الحاد إلى حقيقة عدم نجاح أي طالب أصم خلال السنوات الثلاث الأخيرة في امتحان الثانوية العامة، ويرجع مراقبون هذا الحاجز التعليمي إلى عدم تلقي هؤلاء الطلبة التأسيس الجيد في المراحل العمرية الأولى، فضلاً عن ضعف مدربيهم ومدرسيهم وعدم وجود كوادر تعليمية مؤهلة تتقن ترجمة لغة الإشارة وتعرف كيفية التعامل نفسياً واجتماعياً مع هذه الفئة التي يتلقى معظمها معاملة سيئة في المراكز المخصصة لهم.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية تبلغ نسبة انتشار الإعاقات السمعية وصعوبة السمع بين الأردنيين 3.1 في المئة ممن أعمارهم أكثر من خمس سنوات.

الجزائر... غياب إحصاءات ومطالبات بكسر الحواجز

لم يعد الصم والبكم في الجزائر تلك الفئة التي تقبل التهميش والتجاهل، بل باتت تفرض منطقها ليس عن طريق تنفيذ إضرابات وقطع طرق وحرق عجلات، ولكن لأن أعدادهم تتزايد بشكل لافت كما أن نشاطاتهم ونجاحاتهم في مختلف المجالات لا يمكن غض النظر عنها.

وعلى رغم محاولات مختلف الحكومات المتعاقبة القيام بإنجازات لمصلحة أصحاب الهمم من الصم والبكم، غير أن الواقع يكشف عن استمرار معاناة هذه الفئة في ظل اهتمام درجة ثانية في سلم الأولويات وغياب أرقام رسمية حول أعدادهم.

وفي حين تتحدث وزارة التضامن عن إحصاء حوالى 2 مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم أكثر من 200 ألف من الصم والبكم، تشير تقارير حقوقية إلى 4 ملايين شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة بينهم 300 ألف شخص من ذوي المشكلات السمعية والبصرية، بينما تكشف الفيدرالية الوطنية عن أن عدد الأشخاص الصم يقدر بحوالى 80 ألف شخص.

واقع عبر عنه الرئيس بالنيابة للمنظمة الوطنية للمكفوفين الجزائريين فريد عريوات بشعوره بالأسف الشديد، وأكد ضرورة إعداد دراسة أو تحقيق حول الإعاقة في الجزائر بإشراك المنظمات الناشطة في المجال وذلك بهدف توفير إحصاءات ضرورية تسمح بوضع نظام موحد للمعلومات وإعداد برامج وسياسات وطنية موجهة خصيصاً لهذه الشريحة من المجتمع.

"تجاهل"

ولعل التضارب في الأرقام شكل من "التجاهل" الذي لا يزال يلاحق هذه الفئة وهو ما أكدته رئيسة الفيدرالية الجزائرية للأشخاص ذوي الإعاقة عتيقة معمري حين رفضت شأنها شأن عدد كبير من هؤلاء وصفهم بأصحاب الهمم لأن هذه العبارة أصبحت تعطي الانطباع بأن هذه الفئة لديها على رغم الإعاقة قدرات تمكنها من تحقيق كثير من الإنجازات، بالتالي ما دامت تملك هذه الميزة فلها أن تكافح وتناضل ولا تحتاج إلى المساعدة، وهو "المفهوم الخاطئ الذي أصبحنا اليوم نحاربه، فنحن أشخاص حقيقة نعاني إعاقة، وعلى رغم كوننا من أصحاب الهمم، نحتاج دائماً إلى كثير من الحقوق لنتمكن من كسر عدد من الحواجز والعراقيل التي كانت ولا تزال تحول دون اندماجنا في المجتمع".

وأوضحت معمري أن التكفل بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الجزائر لا يزال بعيداً من المستوى المطلوب في مختلف المجالات الصحية أو التعليمية أو من حيث المشاركة والعمل، وقالت إن القانون يضمن لهذه الفئة التمتع بكل حقوقها، لكن على أرض الواقع لا شيء من هذا القبيل ويلقى بالمسؤولية على عاتق الأولياء في أبسط الأمور، وتابعت أن المحيط في الجزائر لا يزال غير مهيأ لتعيش فيه الفئة، مرجعة السبب إلى العقلية السائدة التي تربط حاجات هذه الشريحة بالمنحة فقط.

قيمة منحة المعاق تبلغ 10 آلاف دينار جزائري شهرياً (أي ما يعادل 75 دولاراً) والحصول عليها يتطلب إعاقة كاملة، بينما يتلقى من يعانون إعاقة بنسبة 70 في المئة مبلغ 6 آلاف دينار (ما يقارب 55 دولاراً).

محاولات حكومية

في المقابل تعرض الحكومة اهتماماتها بهذه الفئة من خلال عدد من المشاريع، ولعل إنجاز المدرسة العليا لمعلمي الصم والبكم وإنشاء مؤسسة استشفائية للتكفل بضعفاء وفاقدي السمع مع التركيز على تطوير عمليات زراعة القوقعة، كفيل بإعادة الاعتبار لجزء من مجتمع يعاني بصمت. وهذا ما أشار إليه مستشار وزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة رحيم جمال بالقول إن الحكومة تعمل على تسهيل الاندماج الاقتصادي والتكفل الاجتماعي بهذه الفئة الحساسة من المجتمع، لافتاً إلى صعوبة المهمة، وقال إنه من الضروري وضع اليد في اليد من أجل سن فلسفة اجتماعية لمصلحة هذه الفئة ولا يجب أن يتم الاكتفاء فقط بالتغطية الاجتماعية، بل أن تكون هناك مرافقة أيضاً بالنسبة إلى الأشخاص الذين بإمكانهم العمل، مبرزاً أن القوانين المعمول بها تلزم المؤسسات تشغيل نسبة 1 في المئة من مجموع عمالها من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وأوضح أن فئة الصم والبكم هي الأكثر طلباً في سوق العمل.

وضع الصم والبكم في الجنوب

وإذا كانت هذه حال الشمال فكيف وضع الصم والبكم في جنوب البلاد؟ سؤال رد عليه الأستاذ الجامعي في لغة الإشارات هشام عبدالوافي في دراسة قام بها في منطقة أدرار بصحراء الجزائر، وقال إن معظم الأساتذة لا يتقنون لغة الإشارة ومعلوماتهم حولها تكاد تكون محدودة، ناهيك عن أنهم من المتحصلين على شهادات لا تؤهلهم لتدريس هذه الفئة، إذ إن معظمهم متخصصون في الأدب العربي أو علم الاجتماع أو التاريخ وغيرها، وأوضح أنه على رغم تلقيهم دورة من 15 يوماً لتعلم أساسيات لغة الإشارة قبل مباشرة التدريس ولأنهم ليسوا متخصصين، فهم بحاجة إلى دورات تدريبية مكثفة، كيف لا وجلهم يجهل أن لغة الإشارة تعتبر شأنها شأن اللغات المنطوقة كالعربية والفرنسية مثلاً.

ويتابع عبدالوافي أنه على رغم أن هناك قاموساً موحداً للغة الإشارات الجزائرية من طرف وزارة التضامن الاجتماعي معتمد داخل المدرسة، إلا أن هذا القاموس لم يلق اهتماماً من قبل الأساتذة بسبب عدم درايتهم بطريقة توظيف هذه الإشارات بشكل سليم، لافتاً إلى أن هذا الواقع دفع أطفال الصم والبكم في هذه المناطق إلى استخدام إشارات منزلية وأخرى اخترعوها للاستعمال في ما بينهم.

السودان... معاناة متعددة وظروف قاسية

في السودان يبلغ عدد الصم والبكم حوالى 100 ألف شخص، وذلك في آخر إحصاء أجري عام 2016، وحوالى 60 في المئة منهم أميون بسبب عدم توافر مراكز التعليم الخاصة بهم وقلة المعلمين الذين يتقنون لغة الإشارة، كما توجد في السودان مدارس قليلة بجهود فردية لتعليم الصم والبكم.

النقص الحاد في عدد المعلمين له أسباب كثيرة أبرزها عدم إجادة كثير منهم لغة الإشارة، مما يشكل عائقاً بينهم وبين الطلاب.

وفي هذا الصدد قال معلم الصم والبكم البشرى الخير، "في حال فكرنا كمعلمين لفئة الصم والبكم تأسيس مدارس تغطي كل الشريحة وتوفر تعليماً حقيقياً، فإننا نجد صعوبة في توفير معلمين للالتحاق بهذه المدارس لعدم وجود معاهد توفر دورات تدريبية لهم وتأهيلهم، لذلك نجد عدد المعلمين قليلاً مقارنة بأعداد ذوي الاحتياجات الخاصة الذي فاق الـ 100 ألف شخص".

وعن دور الدولة في توفير هذه الحاجات يقول الخير إن "دور الحكومة في هذا الأمر ضعيف ويكاد يكون معدوماً وغير ملموس، لذلك نسعى إلى أن تكون الجهود فردية حتى تأتي حكومات تهتم بهذه الفئة، ونحن نرى ما يعانيه الطلاب العاديون في التعليم، فما بالك بالذين يعانون بعض المشكلات البسيطة، فقطاع التعليم وخصوصاً الحكومي يعاني ضعفاً كبيراً وسوء إدارة وسوءاً في البيئة المدرسية، ناهيك عن عدم توفير معاهد متخصصة لتأهيل المعلمين".

ورش تأهيلية

ولايات سودانية كثيرة قدمت ورشاً لتأهيل فئة الصم والبكم، إذ قامت ولاية وسط دارفور بإطلاق ورشة مطلع العام الحالي لرفع الوعي في ما يخص الفترة الانتقالية، ومشاركة الصم والبكم في القرار وإلمامهم بمجريات المرحلة.

وفي هذا الصدد قال المدرب الخاص بالصم والبكم محمد سالم إن "الورش التي تقدم لتأهيل الصم والبكم قليلة بعض الشيء، إلا أنها مهمة ومفيدة ويتم بذل جهود جبارة لإنجاحها وتقديم فائدة كبيرة لهم، لا سيما أن المشكلات التي تمر بها البلاد تجعل هذه الفئة وغيرها من الفئات التي تعاني مشكلات سمعية أو بصرية منسية، ذلك لأن تركيز الحكومة الحالي يصب على المشكلات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد".

وأضاف سالم أن "تأهيل هذه الفئة جزء مهم وأساس ويجب أن يؤخذ على محمل الجد، والتركيز على تقديم يد العون إلى هؤلاء ودمجهم مع المجتمع من دون تفرقة، وحصولهم على الحقوق كافة سواء في مجال التعليم أو العمل أو الامتيازات الأخرى، باعتبارهم مواطنين من حقهم الحصول على الاحتياجات كافة أسوة ببقية الأفراد".

التعليم الجامعي والتوظيف

صاحبة إحدى المبادرات المجتمعية آلاء عبدالحليم قالت إن "المبادرة تهتم بتقديم ما تحتاجه فئة الصم والبكم، فالفئة تعاني عدم توفر الفرص بل وانعدامها خصوصاً في المرحلة الجامعية، إذ نجد أن معظمهم لا يكملون تعليمهم، وفي هذه الحالة كان يجب أن يتم توفير خيارات عدة لهم، سواء بإكمال التعليم الجامعي أو الحرفي والصناعي، وجعلهم منتجين وقادرين على إعالة أنفسهم وأسرهم، وتقديم يد العون لهم حتى لا يشعروا بأنهم عالة على المجتمع".

أما في ما يخص توظيف الصم والبكم في القطاعين الحكومي والخاص فتقول عبدالحليم إن "توظيف هذه الفئة شبه معدوم، وإن توافرت الفرص فإنها في الغالب تكون فرصاً هامشية لا تلبي رغبتهم في المواكبة والتطور والإحساس بأنهم قادرون على الإنتاج والمشاركة الفاعلة".

وفي ما يخص قدراتهم تقول عبدالحليم إن "الصم والبكم أفراد مبدعون وموهوبون ولهم أفكار خلابة، ولكن لا توجد جهات تدعم هذه المواهب وتترجمها لتصبح واقعية، لا سيما في ما يتعلق بالإبداع والفنون والأدب وغيرها".

وعن دمج هذه الفئة في المدارس غير المتخصصة اعتبرت عبدالحليم أن "عملية دمج هذه الفئة في المدارس العادية غير منطقي، وهو قرار يظلمهم أكثر من كونه مفيداً، لأن تلك المدارس لا تضم أستاذة متخصصين وبالتالي فلن تكون قادرة على تطويرهم، خصوصاً في ما يتعلق بلغة الإشارة التي يجيدها قلة في السودان".

150 لغة إشارة

وتوجد لغات إشارة إقليمية عدة وغير مفهومة للطرفين، وفي مسح أجري على ثلاث ولايات في السودان تم العثور على 150 لغة إشارة، على رغم أن هذا العدد يشمل حالات التواصل بالإشارة في المنازل.

وبحلول العام 2009 اقترح الاتحاد الوطني السوداني للصم لغة إشارة سودانية موحدة للجميع، ولكن لم يتم نشرها على نطاق واسع.

وفي هذا السياق قال خبير لغة الصم والبكم عبدالولي عبدالله إن "لغة الإشارة في السودان غير منتشرة في كل المناطق لظروف كثيرة، أبرزها عدم توافر مراكز متخصصة ومنافذ تعليمية، لذلك نجد كل منطقة توفر لغة إشارة خاصة بها، وهذا ما جعل تأهيل الصم والبكم في السودان أمراً صعباً، خصوصاً أن تأهيلهم يحتاج إلى جهود كبيرة".

أما في الإعلام واهتمامه بلغة الإشارة فأوضح عبدالله أن "بعض المحطات التلفزيونية اعتادت منذ سنوات الاستعانة بمتخصص في لغة الإشارة لنقل الأخبار يومياً من دون انقطاع، في حين حرصت منصات أخرى على الاعتماد على متخصصين فقط أثناء نشرات الأخبار بعيداً من بقية البرامج، وهذا أمر محبط لكنه منطقي في ظل الظروف التي تمر بها البلاد وضعف الإمداد المالي".

السعودية... "معاهد الأمل" 

تشير الإحصاءات الرسمية والصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، إلى أن نسبة ذوي الإعاقة السمعية في السعودية، لا تتجاوز 1.4 في المئة من إجمالي المواطنين، إلا أن الحكومة ومنذ ستينيات القرن الماضي خصصت مدارس مستقلة لهم تعرف بـ"معاهد الأمل"، تهدف إلى تعليمهم بطريقة لغة الإشارة وهي اللغة المعتمدة دولياً لتواصل ذوي الإعاقة مع بقية أفراد المجتمع.

وتهتم هذه المعاهد بتقديم البرامج التربوية والتعليمية والتأهيلية والثقافية للطلاب الصُم وضعاف السمع من البنين والبنات. وتتوزع هذه المعاهد في كل من الرياض، والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية والغربية. وشهدت برامجها التعليمية تطويرات في المراحل كافة لتتفق مع الخطة الدراسية في التعليم العام، كما تم استخدام الأبجدية الإشارية العربية الموحدة للحروف والأرقام في معاهد الأمل للصُم، كما تم إنشاء مرحلة ثانوية للصم، وتم افتتاح كذلك فصول محو أمية لكبار السن من الصم وجميعها تهدف إلى تسهيل عملية دمجهم في المجتمع، إلا أن وجودهم في مدارس التعليم العام معدوم.
في المقابل، يعلق الأستاذ المشارك في قسم التربية الخاصة في كلية التربية بجامعة أم القرى، عبد الهادي الذيابي، "من النادر وجود أحد من فئات الصم والبكم في مدارس التعليم العام لا سيما في المراحل الدراسية الأولى التأسيسية".
ويضيف "هناك معاهد متخصصة لهم يطلق عليها (معاهد الأمل) منتشرة في جميع أنحاء السعودية لا سيما المدن الرئيسة، وتهدف تلك المدارس إلى تعليمهم بطريقة لغة الأشارة والتي تمكنهم في المراحل المستقبلية من الالتحاق بالجامعات السعودية لاستكمال تعليمهم في ما بعد".
ويوضح الذيابي "إن غالبية الكليات في الجامعات تحرص على وجود متخصصين في لغة الإشارة يعملون على ترجمة المحاضرات للطلاب لا سيما في الأقسام التي يتواجد فيها ذوى الإعاقة السمعية من فئة الصم والبكم".
ويستطرد الذيابي بالقول "إن أصحاب تلك الإعاقة لديهم مهارات عالية ومبدعين في الغالب".
وعملية دمج تلك الفئات في المجتمع لا تتوقف على دمجهم في مراحل التعليم المتقدمة، بل كذلك في الأعمال، من خلال منح شركات ومؤسسات القطاع الخاص عدداً من المميزات عند توظيفهم.

مصر... الكشف المبكر والإدماج المجتمعي

يقدر آخر إحصاء للأمم المتحدة من يعاني مشكلات سمعية باختلاف درجاتها في مصر بحوالى سبعة ملايين شخص، وهو بلا شك رقم كبير، يعني أنهم يمثلون فئة لابد من وضعها في الاعتبار والاهتمام بمتطلبات تسهل حياتهم وتسهم في دمجهم بالمجتمع سواء من ناحية الخدمات أو القدرة على التواصل والتفاعل.

وفي السنوات الأخيرة، تم إطلاق مبادرة في مصر للكشف المبكر عن ضعف السمع لدى المواليد الجدد، إذ تم إجراء قياس نسبة السمع لدى الأطفال حديثي الولادة للتعامل مع الأمر في حال وجوده بشكل مبكر، بما يضمن تأهيل الطفل والحصول على نتائج أفضل بكثير من اكتشاف الوضع في مراحل لاحقة، والتأخر في التعامل مع الحالة.

وعلى رغم الاهتمام أخيراً ببعض الجوانب التي تخص فئة الصم مثل ترجمة بعض البرامج التلفزيونية بلغة الإشارة، وترجمة خطبة الجمعة في بعض المساجد. إلا أن هناك معضلات عدة ينبغي العمل عليها، وعلى رأسها إدماج هذه الفئة في المجتمع بشكل حقيقي. فالواقع يقول إن هناك معاناة كبيرة يواجهها هؤلاء الأشخاص على أرض الواقع، سواء في الحصول على فرصة عمل مناسبة أو في فكرة استيعاب الناس لطبيعة حالهم وكيفية التعامل معها، وهذا ينبغي العمل عليه من خلال حملات التوعية في المدارس والجامعات وفي وسائل الإعلام المختلفة.

ويعد التعليم واحداً من أهم التحديات التي تواجهها هذه الفئة، فتعليمهم يتم في مدارس خاصة بهم تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، ويعود إنشاء أول مدرسة لتعليم الصم في مصر إلى عام 1904، ولكن بالطبع تتركز المدارس في القاهرة والمحافظات الكبرى، وكلما ابتعدنا عن المركز يزداد الأمر صعوبة لقلة المؤسسات وقلة الخدمات الموجهة لمن يعاني مشكلات سمعية.

وللتعرف على أبرز المشكلات التي تواجههم وكيفية تأثيرها في حياتهم، تقول نادية عبدالهادي مترجمة الإشارة ورئيسة المؤسسة المصرية لحقوق الصم والمترجمين، "في البداية يجب الإشارة إلى أن مصطلح الصم والبكم هو مسمى غير دقيق، والصحيح هو القول ذوي الإعاقة السمعية أو الصم وضعاف السمع، وهذا المصطلح متفق عليه بين معظم الدول العربية، لأن الأبكم هو الشخص غير القادر على التعبير، وهذه الفئة لديها وسيلة ولغة تستطيع أن تعبر بها وهي لغة الإشارة". فهي تعتبر طريقته في "التعامل مع العالم والتعبير عن احتياجاته المختلفة وبالطبع عدم وجود من يتقنها في كثير من المؤسسات يسبب مشكلة كبيرة".

وتضيف "أبرز المشكلات التي تواجههم هي سوء التعليم، فنظام التعليم  الخاص بهم بحاجة إلى تطوير شامل على المستويات كافة. فمن ناحية لا بد من تطوير المناهج بشكل كامل، ومن ناحية أخرى يجب تأهيل المدرسين بشكل يمكنهم من التعامل مع ذوي الإعاقة السمعية. فمن النتائج المترتبة على عدم حصولهم على تعليم جيد، المعاناة الشديدة فيما بعد في الحصول على فرصة عمل مناسبة، وهذه واحدة من أهم التحديات التي تواجه هذه الفئة. إضافة إلى مشكلة التعليم الجامعي إذ لا يسمح لهم إلا بالالتحاق بكلية واحدة وهي كلية التربية النوعية، وحتى داخلها لا يتاح لهم إلا أقسام محدودة من دون غيرها".

التعامل في المجتمع

تعامل ذوي الاحتياجات السمعية في مصر مع المجتمع واعتمادهم على أنفسهم في الأمور الحياتية العادية، غالباً ما يكون مشكلة ولا يتم الأمر بسلاسة لعدم توافر مترجمي الإشارة في كثير من المؤسسات. فهذا عامل أساسي في حل أو مواجهة أية مشكلة تعانيها هذه الفئة، فالمؤسسات الحكومية المختلفة نادراً ما يوجد فيها مترجم للإشارة، أو يتم إحضاره بناء على طلب أحدهم في حالات محددة، مما يشكل أزمة ينبغي أن يتم وضعها في الاعتبار، لأن مترجم الإشارة هو همزة الوصل بينهم وبين المجتمع في كثير من الحالات.

وتشير عبدالهادي إلى أن "مترجمي الإشارة لهم أهمية قصوى عند الحديث عن ذوي الإعاقة السمعية، وتأهيلهم بشكل جيد هو أمر في غاية الأهمية. لكن الواقع للأسف أن مترجمي الإشارة في مصر لا يجمعهم أي كيان منظم، ولا توجد جهة أو نقابة تهتم بتنظيم أمورهم. ومن المطالب المهمة لذوي الإعاقة السمعية هو أن تحرص المؤسسات الحكومية على وجود مترجم إشارة لمساعدتهم في قضاء مصالحهم، فهذا لا يتوفر في غالب الأحيان، وأحياناً يتم طلب المترجم في بعض المؤسسات مثل المحاكم أو أقسام الشرطة على سبيل المثال".

وتضيف "من الاقتراحات المهمة التي يمكن أن تفيد كثيراً ويمكن تطبيقها بسهولة بخاصة في الاتجاه نحو التحول الرقمي، أن تقوم بعض المؤسسات التي لها مراكز لخدمة العملاء، بتوفير خدمة اتصال فيديو مع شخص يفهم لغة الإشارة، كأن تقدم خدمة الاتصال التلفوني العادي للناس عموماً، فهذا سيتيح لهؤلاء قضاء مصالحهم بأنفسهم في كثير من الأماكن مثل البنوك على سبيل المثال".

العراق... فئة مهمشة

تنتشر في مناطق ومحافظات بلاد الرافدين كثير من مدارس ومعاهد الصم والبكم لاستيعاب تلك الشريحة على رغم قلة الكوادر والمدارس بهدف دمجها في المجتمع.

وتؤكد مديرة أحد معاهد الصم والبكم في العراق دنيا خضير، أن مدارس ومعاهد الصم والبكم ونتيجة الانفتاح الذي شهده العراق، انتشرت في أرجاء ومناطق ومحافظات بلاد الرافدين، وهناك إقبال من قبل الأهالي لتسجيل أبنائهم الذين يعانون صعوبة في النطق والسمع، وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع العراقي.

 

ورأت أن احتواء تلك الشريحة المهملة في المجتمع سيكون له الأثر الكبير في نفوسهم لعدم شعورهم بأي اختلاف مع الآخرين.

ونوهت إلى أن معظم من يعانون مشكلات في السمع والنطق يمتازون بذكاء شديد وسرعة تعلم تفوق أحياناً إمكانات الأشخاص الآخرين، لافتة إلى أن هناك لغة تواصل يفهمونها بينهم، ولديهم القدرة مع التواصل مع شرائح أخرى من المجتمع من طريق لغتهم الخاصة.

لغة عالمية

وفي المقابل تشير المدرسة التربوية والمغتربة ميسون الربيعي إلى أن لغة الإشارات المعتمدة في الغرب تعتبر لغة عالمية تتبناها معظم مدارس الاحتياجات الخاصة، ومن ضمنها تلك التي في الدول العربية.

وأكملت، "يبدو ذلك ظاهراً في نشرات الأخبار وبعض البرامج التلفزيونية، إذ هناك شخص يترجم بلغة الإشارة، لكن قوانين الدول الغربية توجب توفير الإمكانات المالية والأكاديمية".

وزدات، "أحياناً يتم دمجهم في المدارس العامة وليس بالضرورة في مدارس مخصصة للصم والبكم عندما تكون الإصابة خفيفة".

وتابعت، "نجد هنا معاهد لتخريج مدرسين يتقنون لغة الإشارة وأسلوب التعامل مع هذه الفئة، كما وتقام دورات تدريبية على مدار السنة لتوعية الجهاز التربوي والتدريسي بأساليب التعامل وتوفير المصادر التعليمية الخاصة بهم، ويبدو أن عملية اندماج هذه الفئة مع المجتمع أسهل في الغرب من الشرق لتوفر فرص عمل تناسب الإمكانات، إضافة إلى إطلاق حملات توعية مستمرة لتغيير نظرة المجتمع التي تعتبر أنهم فئة قد تكون أقل إنتاجاً وأكثر عبئاً.

وأشارت إلى أن هناك سعياً مستمراً من قبلهم كأفراد إلى إثبات وجودهم كأعضاء منتجين وقادرين على الإسهام في بناء المجتمع من خلال حملات على وسائط الإعلام.

وتطرقت إلى صعوبة عملية إتقانهم القراءة بسبب فقدان حاسة السمع، ولذلك فهناك برمجيات مخصصة لتعليمهم شخصيات ثلاثية الأبعاد لأداء هذه الحركات.

مؤتمر علمي

بدوره يرى الباحث الاجتماعي وليد علاء أن العراق يفتقر إلى كثير من المدارس المتخصصة التي تغطي هذه الشريحة المهمشة من المجتمع والتي زادت نسبتها بعد العام 2003، مضيفاً أن هناك مدارس ومعاهد أهلية إضافة إلى الحكومية انتشرت أخيراً لتلك الفئات التي تضررت جراء تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهم بحاجة إلى رعاية خاصة من قبل الحكومة والأهالي.

وفي محاولة لدمجهم في المجتمع أقامت وزارة التربية العراقية المؤتمر العلمي "نحو استراتيجية وطنية شاملة لمحو الأمية في العراق" تحت شعار "من أجل عراق خال من الأمية".

وقالت رئيسة المؤتمر إسراء علاء الدين نوري إن "المؤتمر يتضمن ما يقارب 80 بحثاً لباحثين عراقيين ومن مختلف الدول العربية، وشملت هذه البحوث محاور المؤتمر العلمية والبحثية كافة".

كما تطرق المؤتمر إلى أهمية القضاء على ظاهرة الأمية "لأنها تعد موضوعاً استراتيجياً يؤثر في مفاصل الدولة بشكل عام، مؤكداً ضرورة تكاتف المؤسسات الحكومية جميعها لتحقيق الهدف المنشود والانتقال بالمجتمع العراقي إلى المجتمعات المتطورة".

تونس... الحق في التعليم والعمل

وفي تونس يوجد بحسب إحصاءات تقديرية حوالى 200 ألف أصم 40 في المئة منهم يعانون مشكلات سمعية عميقة، ومعظمهم أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، وتجد العائلات الفقيرة صعوبة في تعليم أبنائها من الصم، بخاصة وأن معظم المراكز التي تحتضن هذه الفئة توجد في المدن وتتبع الجمعيات الناشطة في المجال.

ويؤكد الحبيب الجراي وهو مسؤول في إحدى الجمعيات المتخصصة في مساعدة الصم، أن "عدد الصم في مراكز الجمعية تقلص هذه السنة، وتم تسجيل حوالى 1500 أصم إلى حد الآن"، داعياً إلى "مزيد من العناية بهذه الفئة".

ويضيف، "تتراوح أعمار المقبولين في الجمعية بين ثلاث سنوات و30 سنة، وتنقسم الدراسة إلى تربية باكرة من ثلاث إلى سبع سنوات، ثم يتم الإدماج المدرسي بالنسبة إلى الصمم الخفيف أما ذوو الصمم العميق فيقع توجيههم إلى مراكز للتدريب المهني تابعة للجمعية".

ودعا الجراي الدولة إلى "إنصاف هذه الفئة من خلال ضمان حقها في التشغيل وتكافؤ الفرص، علاوة على فتح آفاق أرحب للأصم في الوظيفة والتعليم".

كما دعا إلى "توحيد لغة الإشارة في قاموس خاص وتدريسها للأصم من أجل التواصل مع المجتمع حتى لا يبقى في عزلة، مع ضرورة إشراكهم في مختلف البرامج التي تضعها الدولة لفائدتهم".

ويضيف أن "عدداً محدوداً من الصم واصلوا دراستهم ونالوا شهادات عليا إلا أنهم أصبحوا عاطلين من العمل"، مشدداً على "ضرورة تعزيز آليات اندماجهم في المجتمع".

الأصم يعيش على "الهامش"

من جهته، يؤكد مترجم لغة الإشارة حسام العلوي أن "الأصم اليوم في تونس يعيش على الهامش"، داعياً "الدولة والمجتمع المدني إلى الاعتراف بوجود هذه الفئة، ثم إيجاد آليات ناجعة للمشاركة في الحياة العامة وتعزيز حضوره في مختلف المواقع".

ويضيف العلوي أن "التكنولوجيا الحديثة توفر تطبيقات يمكنها أن تضمن تواصلاً حينياً ومتكافئاً للأصم مع المحيطين به، وهي تطبيقات متاحة في عد من دول العالم"، لافتاً إلى أن "تونس كانت سباقة في الاعتراف بلغة الإشارة كلغة رسمية للصم، وجعلت منها اختصاصاً جامعياً يدرس في الجامعة التونسية".

ويعتبر العلوي أن "الأصم في تونس يواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع المحيط بسبب الضعف الكبير في استعمال لغة الإشارة في مؤسسات الدولة أو في المجتمع"، مقترحاً "اعتماد الصور لتسهيل التواصل مع الأصم والتقليص من إحساسه بالنقص تجاه الآخرين".

منحة الدولة لا تفي بالحاجة

وأكد مدير مركز رعاية فاقدي السمع ببرج السدرية في محافظة بن عروس محمد الناصر القلالي أن المركز تأسس في نوفمبر (تشرين الثاني) 1976، من قبل "زوجة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة"، مشيراً إلى أن "مركز برج السدرية يشمل الإدماج المدرسي من أربع سنوات إلى 12 سنة، ثم التأهيل المهني من 12 إلى 15 سنة، بوجود ورشات مختلفة في الحلاقة والنجارة والخياطة والتطريز".

ويضيف أن "المركز أبرم اتفاقات مع عدد من مراكز التكوين المهني من أجل أن يحصل الأصم على شهادة مصادق عليها تمكنه من اقتحام سوق الشغل في المستقبل".

وتطرق مدير المركز إلى "الصعوبات التي تواجهها المؤسسة" داعياً إلى تقديم الدعم اللازم لها.

الكشف الباكر

ويخضع الأصم إلى تأهيل في تقويم النطق من أجل تيسير عملية التواصل مع محيطه، وتوفر المراكز المعنية حصصاً لفاقدي السمع تحت إشراف متخصصين في هذا المجال.

وتؤكد الاختصاصية في النطق آمنة علية أن "التدخل الباكر مهم جداً لتأهيل الأصم"، لافتة إلى "دور الوالدين في اكتشاف نقص السمع بشكل باكر وتوجيه الطفل إلى المتخصصين من أجل الحفاظ على ما تبقى من السمع حتى لا يفقد تماماً، ويتم العمل على تنمية الإدراك السمعي لدى الطفل".

بوابة إلكترونية تتفاعل مع الصم

وفي المقابل لم نحصل على رد من وزارة الشؤون الاجتماعية حول الصعوبات المادية التي تواجهها الجمعيات التي تعنى بالصم، إلا أن وزير الشؤون الاجتماعية سبق أن أعلن خلال ندوة صحافية انطلاق البوابة الإلكترونية الجديدة للوزارة، في إطار تطوير السياسة الاتصالية والانطلاق في رقمنة عدد من الخدمات الإدارية وتقريبها من المواطن داخل تونس وخارجها.

وتشمل البوابة الاجتماعية تطبيقات متطورة على غرار المتحدث الآلي "ضمان"، وتطبيقاً خاصاً بالهاتف الجوال لتلقي المقترحات، إضافة إلى فضاء افتراضي شخصي ومؤمّن للخدمات الإلكترونية.

كما تحتوي البوابة الاجتماعية على فضاء يضمن حق النفاذ للمعلومة لفائدة الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، باعتماد المقاييس الدولية في النفاذ الإلكتروني وإدراج 17 فيديو بلغة الإشارة، خاصة بفئة الصم في مرحلة أولى في انتظار مزيد تقريب الخدمات الإدارية من هذه الفئة.

وتتحمل منظمات المجتمع المدني جزءاً كبيراً من أعباء هذه الفئات، بينما يتقلص سنوياً حجم الموازنات المرصودة للفئات الهشة في المجتمع على غرار الكفيف وذوي الإعاقة والأصم، وهو ما بات يؤثر بشكل لافت في الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات.

المغرب... الإشارة تائهة والتعليم مفقود

صعوبات كثيرة تواجهها سميرة (14 سنة)، إذ تعاني مشكلات في السمع والنطق، من بينها انقطاعها عن الدراسة مبكراً، وصعوبة تواصلها واندماجها مع محيطها الاجتماعي، علاوة على مشكلات التنمر ونظرة المجتمع إليها ومن على شاكلتها.

سميرة هي واحدة من بين أكثر من 64 ألف شخص أصم وأبكم في المغرب، إذ يمثلون أربعة في المئة من مجموع الأشخاص في المغرب، وفق آخر أرقام رسمية تعود إلى سنة 2014، مما يعني أن هذا العدد ارتفع بطبيعة الحال وبشكل كبير على مشارف سنة 2023.

مشكلة التعليم

وتورد أرقام غير رسمية لجمعيات تعنى بفئة الصم البكم أن عدد المنتمين إلى هذه الشريحة يتجاوز 358 ألف شخص، وأن عدد الأطفال الصم في سن التمدرس يتعدى 33 ألف طفل وطفلة، لكن الذين يتابعون دراستهم بالفعل لا يتجاوزون أربعة آلاف طفل.

في هذا الصدد يقول مراد غفران رئيس جمعية محلية تعنى بالصم البكم، إن هذا الرقم على رغم أنه يحتاج إلى تحديث مستمر في ظل عدم توفر معطيات رسمية حديثة، يبين إلى أي حد يتعرض الصم البكم لـ"التمييز" في مجال التعليم والدراسة.

واستطرد المتحدث ذاته بأن طفلاً واحداً من بين ثمانية أطفال يعانون مشكلات في السمع فقط يتابعون دراستهم، مبرزاً أن "هذا المعطى خطر جيداً يظهر الأعداد الكبيرة للصم البكم الذين انقطعوا عن الدراسة أو أنهم لم يدخلوا فصلاً دراسياً من الأصل".

وعزا الناشط الجمعوي مشكلة التعليم لدى الصم والبكم إلى أمرين أساسيين، الأول ندرة وجود مدارس خاصة مؤهلة لاستقبال هذه الفئة من الأشخاص، إذ لا يتوفر المغرب على مدراس كثيرة تعنى بهذا الأمر، في حين يصعب قبول الصم والبكم في أقسام مندمجة مع التلاميذ "الأسوياء".

والعامل الثاني، بحسب المتحدث نفسه، يتمثل بالهدر المدرسي لهؤلاء الذي يصعب عليهم الاندماج في الوسط المدرسي، علاوة على معضلات في التواصل مع الآخرين مما يدفعهم إلى مغادرة مقاعد الدراسة مبكراً.

تشتت لغة الإشارة

ومن أبرز المشكلات التي يعانيها الصم البكم في المغرب إشكالية الإشارة، باعتبار أن لغة الإشارة لدى هذه الفئة من المجتمع ليست موحدة خصوصاً بالنسبة إلى من لم يتابعوا دراستهم في مدارس خاصة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة.

هذه الحيثية يشرحها عصام اليوسفي، معلم لغة إشارات في إحدى المؤسسات الخاصة، بالقول إن لغة الإشارة هي صلة الوصل الرئيسة بين الأصم الأبكم ومحيطه، بالتالي أي خلل في هذه الوسيلة يعزل هؤلاء عن بقية العالم.

وتابع أن لغة الإشارة التي يتعلمها الصم البكم مثلاً في المؤسسات التعليمية الخصوصية أو حتى في الجمعيات التي تأوي هذه الفئة، ليست هي اللغة ذاتها التي قد يلجأ إليها الصم والبكم خارج هذه الفضاءات، التي قد يتعلمونها عبر وسائط مختلفة، بالتالي في المحصلة تختلف لغة الإشارة ويختلف الفهم ويختل التواصل.

ولفت المتحدث إلى أن أهمية لغة الإشارة ظهرت بشكل لافت وواضح في أزمة جائحة كورونا، بالنظر إلى أن هذه الفئة لم تكن تستوعب البرامج والحملات التلفزيونية التي كانت تحسس المواطنين بخطورة الوباء، لأن نادراً ما كانت هذه الوصلات الإعلامية مرفوقة بلغة الإشارة لفائدة الصم والبكم.

ودعا معلم لغة الإشارة إلى ضرورة الاعتناء بموضوع التواصل مع الصم والبكم من خلال ترجمة جميع البرامج التلفزيونية بلغة الإشارة لتفهمها هذه الشريحة، حتى تستوعب ما يجري من حولها من أحداث داخلياً وخارجياً.

الإشارة المعيارية

وتحاول الحكومة من جهتها أن تهتم بموضوع لغة الإشارة عبر وزارة التضامن والأسرة التي تعكف منذ مدة على تنفيذ وتنزيل مشروع معيرة لغة الإشارة المغربية، في أفق الاعتراف بها كلغة رسمية للأشخاص الصم ونشرها وتعميمها في الحياة العامة.

وترى الوزارة المعنية أن الصعوبات التي يلاقيها الصم البكم سواء بخصوص الوصول إلى الخدمات الطبية والتربوية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، تزداد تعقيداً مع غياب لغة إشارة وطنية ممعيرة.

وتورد الوزارة في موقعها الرسمي أن عدد الأطفال الذين يولدون بمشكلات سمعية في المغرب يقدر بحوالى 600 طفل سنوياً، يتوقف علاج عديد منهم على زراعة القوقعة الإلكترونية التي تعد مكلفة بالنسبة إلى معظم الأسر، مما يؤدي إلى انحسار كبير في القدرات التواصلية ذات التأثير السلبي في مسار التنشئة الاجتماعية والتطور العاطفي والنفسي للطفل.

وعمدت وزارة الأسرة على توفير السماعات الطبية للأطفال والبالغين، في إطار الخدمات التي يقدمها صندوق دعم التماسك الاجتماعي، كذلك تعمل وزارة الصحة على اتخاذ مبادرة مماثلة، إلا أن عديداً من هؤلاء وبخاصة الأطفال الذين يولدون فاقدين لحاسة السمع، يحتاجون إلى زرع القوقعة باعتبارها حلاً وحيداً لاستعادة القدرة على السمع السمع وتعلم النطق.

أخطار اجتماعية

تحكي والدة الطفلة سميرة عما تشعر به ابنتها حيال معاملة الآخرين لها باعتبارها صماء بكماء، مشيرة إلى أن الأطفال يعاملونها بطريقة مختلفة، وبأنها كثيراً ما تبكي في غرفتها بسبب "التنمر" الذي تتعرض له.

وتضيف الأم شارحة أن ابنتها كثيراً ما تنعزل بمفردها، لأن صديقاتها لا يستطعن فهم إشاراتها، بالتالي يتفادين أحياناً الذهاب أو اللعب معها.

ووفق المتحدثة ذاتها فإنه ابنتها لا تزال في سن مبكر نسبياً وممكن التعامل مع مشكلاتها المحصورة الآن في التنمر وعدم التواصل مع قريناتها أو مع الآخرين في المجتمع، لكن خوف الأكبر من الأزمات التي قد تظهر مع مرور الوقت.

وتابعت بأن الذين يعانون من مشكلات سمعية ونطقية كثيراً ما يتعرضن للتحرش الجنسي، إذ يستغل المنحرفون هذه الفئة من الأشخاص للاعتداء عليها بالنظر إلى قلة حيلتها وعدم قدرتها على الكلام والاستغاثة، فضلاً عن أخطار تعرضهن أيضاً لجرائم الاغتصاب أكثر من غيرهن.

في الضفة الغربية... إهمال رسمي ومحاولات للدمج

يشتكي الصم من صعوبة اندماجهم في المجتمع الفلسطيني بسبب غياب مترجمي لغة الإشارة عن المؤسسات التعليمية والصحية والمرافق الحيوية في البلاد. وفي وقت تقر فيه الجهات الرسمية "بتهميش" هذه الفئة في الماضي، تؤكد أن الاهتمام بها ازداد في المرحلة الراهنة بهدف دمجها في المجتمع لتحقيق مبدأ المساواة والعدالة".

ويصل عدد الصم إلى أكثر من 45 ألف شخص، في نسبة مرتفعة بالنظر إلى عدد السكان إذا ما قورنت بباقي دول العالم. وبحسب الاتحاد العالمي للصم يبلغ عدد الصم حول العالم أكثر من 72 مليوناً، يعيش نحو 80 في المئة منهم في الدول النامية.

وينتشر الصم في القرى والبلدات والأرياف بعيداً من المدن بسبب ارتفاع نسبة الزواج بين الأقارب، وقلة الرعاية الصحية للحوامل.

انخفاض نسبة التعليم

ومع أن الحكومة الفلسطينية بدأت بتخصيص برامج معنية بالصم وتوفير مدرسين مؤهلين، إلا أنه لا توجد مدارس حكومية خاصة بهم. وتتولى جمعيات خيرية توفير مؤسسات خاصة بالصم في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث توجد 11 مدرسة في الضفة وتسع أخرى في غزة. ويرتاد تلك المدارس نحو 600 في الضفة الغربية وألف في قطاع غزة، في ظل وصول نسبة الأمية بين الصم إلى أكثر من 90 في المئة.

ويرجع رئيس "الاتحاد الفلسطيني للصم" وليد نزال انخفاض نسبة التعليم في صفوف الصم إلى "إهمال ذويهم ذلك، وعدم مجانية تعليمهم، وغياب المدارس الحكومية الخاصة بهم".

ولا يوجد في الضفة الغربية إلا ثلاث مدارس للمرحلة الثانوية العامة للصم في ظل إقبال ضعيف على تلك المدارس.

تجاوز التهميش

ويقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور إن الوزارة بدأت تبدي اهتماماً بالصم، و"حولت التربية الخاصة في الوزارة إلى إدارة عامة بعد أن كانت قسماً فحسب"، مضيفاً أن ذلك سينعكس بزيادة الموارد البشرية والمادية لتعليم الصم.

ويشير الخضور لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الوزارات "تجاوزت مرحلة تهميش الصم، وبدأت التوسع التدرجي بالاهتمام بهم عبر توفير برامج وفعاليات خاصة بهم".

ويلفت إلى أن الوزارة توفر مترجمين للغة الإشارة في بعض الأحيان خلال امتحانات الثانوية العامة، وتبث حصصاً تعليمية خاصة بهم عبر التلفزيون، وتعمل على تدريب المدرسين على لغة الإشارة.

ويشدد الخضور على أن وزارة التربية والتعليم تسعى إلى "دمج الصم في المجتمع"، مضيفاً أنهم يمتلكون القابلية لذلك بهدف تحقيق المساواة لهم".

اللغة الثالثة

وفي المرحلة الجامعية يشكو الصم الصعوبة في التعلم بسبب عدم وجود مترجمين للغة الإشارة في قاعات التدريس.

وبعد نجاحه في الثانوية العام الماضي، التحق الطالب أنس داوود بإحدى الجامعات الفلسطينية لدراسة التصميم الغرافيكي مع أربعة آخرين من الصم، لكن أنس يشكو انعدام التواصل مع المدرسين، وانزعاج الطلبة الآخرين من وجودهم.

ويعاني الصم عدم وجود مترجمين للغة الإشارة في المؤسسات العامة والمستشفيات ومراكز الشرطة والمحاكم والمصارف.

مع ذلك فإن لغة الإشارة تعتبر الثالثة بعد العربية والإنجليزية في المجتمع الفلسطيني من حيث الاستخدام.

ويطالب اتحاد الصم باعتماد لغة الإشارة رسمياً، وتوفير مترجمين لها في المؤسسات العامة والجامعات والمحاكم.

دعم محدود

وقبل أسابيع افتتحت مدرسة للصم حتى الثانوية العامة في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، وتوفر المبيت الداخلي لطلبتها.

ويعمل الجزء الأوسع من الصم في الأعمال الحرة، في ظل وجود مركز مهني خاص لتعليم بعض المهن كالنجارة والحدادة والخياطة.

وقال مترجم لغة الإشارة ثائر دراغمة الذي يتولى تقديم النشرة الإخبارية في تلفزيون "فلسطين" إن عدد مترجمي لغة الإشارة المحترفين في فلسطين لا يتجاوز الـ15، داعياً إلى زيادة عددهم في المؤسسات العامة لدمج الصم في المجتمع.

واشتكى دراغمة من قلة الدعم المالي الحكومي لتوفير مترجمي لغة الإشارة.

ويوجد في العالم نحو 170 لغة إشارة، وعلى رغم وجود قواسم مشتركة بينها فإن الثقافات والعقائد المتنوعة تتسبب في وجود اختلافات في تلك اللغة.

في غزة... مجتمع غير مؤهل للتخاطب مع الصم والبكم

في غزة، لا يختلف واقع الصم والبكم عن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى، فجميعهم يعانون من ضعف الاهتمام الرسمي بمتطلباتهم ويفتقرون لآليات دمجهم في المجتمع، على رغم حفظ القانون الفلسطيني لحقوقهم بما يشمل مواءمة جميع المرافق تلبية لمتطلباتهم وحاجاتهم.

ويقدر عدد الأفراد من فئة الصم والبكم في قطاع غزة بنحو 20 ألفاً من فاقدي حاسة السمع، بحسب المعيار الدولي لمنظمة الصحة العالمية، فيما يصل عددهم الإجمالي في الأراضي الفلسطينية لنحو 48 ألفاً، وفقاً لبيانات المركز الفلسطيني للإحصاء (مؤسسة حكومية).

تدخل سريع للتأهيل

وعلى رغم أن مشكلة الصم تعد "أخف درجات الإعاقة" في غزة بالنسبة إلى آليات التدخل والتأهيل، عند مقارنتها مع الفئات الأخرى، إلا أنهم يعيشون صعوبات كبيرة أهمها وجود مشكلات في التأهيل والدمج المجتمعي، وعدم توفر أساليب الاتصال والتواصل معهم في المرافق الحكومية والرسمية، فضلاً عن كثير من المشكلات التي تواجههم في التعليم الثانوي والجامعي، كما يعانون من تفشي البطالة بينهم.

ويقول مسؤول قسم التأهيل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بلال طاهر، إن "الاهتمام المجتمعي في فئة الصم والبكم تحسن كثيراً في الأراضي الفلسطينية وبات الجميع يتقبلهم، وبحسب التقديرات الأخيرة انتهى الحرج الاجتماعي الذي كانت تعاني منه بعض العائلات التي يعاني أحد أفرادها من معضلة مشابهة، إذ كانوا يخفون أطفالهم الصم عن أعين الناس، وهذا الأمر لم يعد موجوداً".

ويضيف طاهر "بدأت الأسر تعالج أطفالها الصم منذ البداية وبشكل مختلف الآن من خلال الوصول إلى مقدمي خدمات التأهيل والدمج المجتمعي، وهذا الأمر أفضى إلى دمج هذه الفئة في المجتمع، لكن ليس بالقدر الكافي".

فعلياً، تتدخل جهات الاختصاص والدمج المجتمعي في غزة لمعالجة وتأهيل فئة الصم والبكم بشكل سريع، وعادة ما يجري ذلك في وقت مبكر أي في السنوات الأولى من عمر الطفل المصاب.

مجتمع غير مؤهل

لكن المشكلة بالنسبة إلى الصم ليست في عملية تأهيلهم، يقول خليل وهو أحد الأفراد الذين يعانون من فقدان السمع، إن "الخلل ليس في التدخل لتأهيل الصم والبكم، وإنما في ضعف فهم المجتمع لنا، ولذلك نعتقد أنه يتوجب على مؤسسات الرعاية والتدخل القيام بتأهيل المجتمع حتى يستطيع التعامل معنا".

وبحسب خليل، فإن طفله توفي أمام عينيه في المستشفى قبل خمس سنوات بسبب ضعف تأهيل المجتمع، يوضح ذلك بالقول "حملت صغيري إلى قسم الاستقبال والطوارئ وحاولت أن أشرح للطبيب مشكلة طفلي بلغة الإشارة، لكن ذلك لم ينجح، وبعد نصف ساعة توفي، لم يكن في المستشفى أي متخصص قادر على التعامل مع ذوي الإعاقة من شريحة الصم".

ويشتكي معظم الصم من صعوبة التخاطب والتواصل مع فئات المجتمع، ويرجعون السبب في ذلك إلى عدم اهتمام المؤسسات الرسمية في تأهيل المجتمع ونشر آليات الاتصال والتواصل مع فاقدي السمع.

مرافق حكومية غير موائمة

يقول مدير إحدى جمعيات الصم نعيم كباجة، إن المشكلة عند هؤلاء تتمثل في افتقار فهم طبقات المجتمع للغة الإشارة، التي تعد وسيلة التخاطب مع فاقدي السمع، وهذا يخلق لديهم شعوراً بالعزلة، لذلك نشر لغة الإشارة لذوي المشكلات السمعية يسهم في تسهيل آليات دمجهم.

ومن جانبه، يقول الباحث في المجال السمعي باسم كراز، إن عملية تأهيل المجتمع تبدأ من نشر لغة الإشارة في المدارس، وهذا يخلق على المدى الطويل مجتمعاً يستطيع الاتصال والتواصل مع الصم.

وعلى رغم من أن القانون الفلسطيني نص على ضرورة مواءمة المرافق الحكومية لذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن جميع المؤسسات الرسمية تفتقر لمترجمي إشارة، وهذا يعقد خدمة هذه الفئة، ويؤخر عليهم الوصول إلى ما يطلبونه من خدمات.

تعليم أساسي ثم مهني

وعلى نطاق التحاق الصم بالتعليم، فإن غزة قطعت شوطاً طويلاً ومهماً في هذا المجال، إذ يوجد في القطاع سبع مدارس خاصة تقوم بتوفير بيئة دراسية وتأهيلية، ويقول أستاذ لغة الإشارة فضل كراز "تعاني هذه المؤسسات من قلة الدعم الحكومي والخاص نتيجة الحصار، وفي المدارس يستطيع الأصم الاستمرار في التعليم إلى الصف التاسع أي آخر مرحلة في التعليم الأساسي، وبعد ذلك يتجه الطالب إلى التدريب المهني".

حاولت وزارة التعليم في غزة التغلب على مشكلة انقطاع الصم عن التعليم من طريق افتتاح مدرسة للتعليم الثانوي، لكنها لم تعد كافية، ويشير كراز إلى أن عدم توفر بيئة تعليم ثانوية جيدة تدفع الصم إلى الالتحاق بالتعليم المهني على أمل توفير فرصة عمل بعد ذلك.

لكن حتى التعليم المهني، لم يفتح الباب لفرص العمل للصم، يوضح كراز أن هذه الفئة تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً، ويحتاج الأصم إلى مصروفات كبيرة للتأهيل السمعي وتركيب سماعات وغير ذلك.

وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن 81 في المئة من مجمل الصم عاطلين من العمل في غزة، ولا يتجاوز دخل الفرد منهم ثلاثة دولارات في اليوم، وأغلبهم مصنفين ضمن الطبقة الأشد فقراً، ويؤكد كراز أن أغلب الصم يعيشون على المعونات أو يعتمدون على أسرهم لإعالتهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات