اضطر مئات اللبنانيين الذي اعتنوا بحيواناتهم الأليفة طوال سنوات وتعلقوا بها إلى التخلي عنها بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها البلد، لا سيما الكلاب والقطط، نظراً إلى ارتفاع كلف طعامها والعناية بها، فأصبحت نسبة كبيرة منها شاردة أو معروضة للتبني بعدما تراجع الطلب عليها.
وفي وقت بات المواطن اللبناني يؤمن لقمة العيش لعائلته بصعوبة، فضل التخلي عن حيوانه الأليف الذي زادت كلفة العناية به وغذائه أضعافاً، فيما تراجعت أسعار شراء هذه الحيوانات.
تراجع في الطلب والأسعار
قرر كثيرون التخلي عن حيواناتهم الأليفة من قطط وكلاب عبر تركها شاردة في الطرقات أو عبر بيعها بأرخص الأسعار، ففي السابق كانت أسعار الكلاب الصغيرة تبدأ من 500 دولار، فيما تباع حالياً بـ 150 دولاراً مع تراجع الطلب عليها، إذ إن مربي الكلاب يواجهون صعوبات كثيرة في تأمين لقمة العيش فيختارون التخلي عن تلك الحيوانات مع ارتفاع كلف العناية وتأمين الغذاء في ظل الأزمة، بحسب سليم شبير صاحب أحد متاجر بيع الحيوانات ومستلزماتها والعناية بها.
وينطبق هذا حتى على الأسعار المعتمدة في المحال أيضاً، فعلى سبيل المثال كانت أسعار كلاب الـ "بيشون" تراوح سابقاً بين 150 و300 دولار بحسب حجمها، وأصبحت حالياً لا تتخطى الـ 100 أو 120 دولاراً.
أما الـ "بوميرانيان" التي تعتبر من الكلاب التي تقتنيها العائلات الميسورة لارتفاع ثمنها، فكان أحد أنواعها الذي لا يزن أكثر من 800 غرام وسعره 3 آلاف دولار لا يتخطى الـ 1500 دولار، ولا تزال مطلوبة من قبل المقتدرين.
أما الكلاب الكبيرة كما بالنسبة إلى تلك التي من نوع "الراعي الألماني"، فكانت تباع بـ 1200 دولار أميركي، وأصبح سعرها لا يتخطى الـ 500 أو 600 دولار، لكن بعض الكلاب حافظت على أسعارها ومنها تلك التي من نوع "دوبرمان" وتقارب أسعارها الـ 1000 أو 1200 دولار أميركي، وإن كانت بعض أنواعها تباع سابقاً بـ 2000 دولار.
ومن المفارقات أن لبنان شهد انخفاضاً في أسعار الكلاب، بينما حصل العكس في الولايات المتحدة حيث ارتفعت أثمانها في ظل الجائحة.
وفي مقابل هذا التراجع الملحوظ في أسعار الكلاب ارتفعت أسعار الأغذية الخاصة بها أضعافاً، فكان كيس الغذاء الذي لا يعتبر ذا جودة عالية جداً من سعة 20 كيلوغراماً يباع بـ 20 دولاراً على التسعيرة الرسمية سابقاً (1500 ليرة في مقابل الدولار الواحد)، فيما يباع اليوم بـ 28 دولاراً وفق تسعيرة الدولار في السوق الموازية حالياً (حوالى 34 ألف ليرة عند كتابة هذه الأسطر).
أما الأنواع ذات الجودة الفضلى فيبدأ سعرها من 55 دولاراً أميركياً، ويكفي الكيس لمدة شهر واحد، علماً أنه يجب ألا يأكل الكلب إلا من هذه الأغذية الخاصة به حتى لا يتعرض إلى تسوس الأسنان واصفرارها، وتنبعث منه ومن فمه رائحة كريهة في المنازل.
كما أن الفيتامينات الموجودة في هذه الأغذية ليست موجودة في الطهي المنزلي الذي يمكن تقديمه له، أما في حال الإصرار على عدم تقديم هذه الأغذية الخاصة بالكلاب، وتقديم أطعمة من المنزل فستكون النتيجة مكلفة أكثر، لأن الأطعمة المناسبة له هي البروتينات من لحوم ودجاج مع رز وخضراوات مع زيت زيتون.
ويتطلب تحضير طعام خاص به جهداً ووقتاً، فيكون من الأسهل عندها شراء الغذاء الخاص بما أن إعطاءه الطهي المنزلي بطريقة عشوائية ممنوع منعاً باتاً أياً كان نوع الكلب، مع الإشارة إلى أنواع الأغذية الخاصة بالكلاب الكبيرة أقل ثمناً من تلك الخاصة بالكلاب الصغيرة التي تحتاج إلى كمية كبيرة من الفيتامينات. ويحتاج الكلب إلى تناول ثلاث وجبات يومياً خلال الفترة الأولى من حياته، ثم عندما يكبر من الأفضل أن يتناول وجبتين لا أكثر، وفق ما يوضح اختصاصيون في المجال.
كلف عدة تؤخذ بعين الاعتبار
ليس الغذاء وحده من الكلف المترتبة على تربية الحيوانات الأليفة، فثمة خدمات أخرى مطلوبة من ضمن العناية بها، فمثلاً إن كلفة حمام الكلب كل 10 أيام أقل من 10 دولارات حالياً، ومن المتوقع أن ترتفع في الشتاء بسبب غلاء المازوت.
وقال أحد العاملين في مجال العناية بالكلاب، "يحضر الكل كلبه إلينا لأن رائحة مزعجة قد تنبعث في المنزل لدى غسله، كما يحتاج إلى نوع خاص من الشامبو وإلى تجفيف جيد بمجفف الشعر. أما أسعار الشامبو فتختلف بين تلك المستودرة وسعرها 45 دولاراً أميركياً، وتلك محلية الصنع بستة دولارات أميركية، إضافة إلى البلسم الذي يحتاجه وسعره 44 دولاراً أميركياً أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما قص الشعر فكلفته 25 دولاراً أميركياً، وقد تكون هناك حاجة إليه ربما مرتين في الصيف، إضافة إلى قص الأظافر مرة في الشهر".
ويمرض الحيوان الأليف أيضاً تماماً مثل الإنسان، وإن كان لا ينقل العدوى إلى الإنسان كما يعتقد كثيرون، بينما يلتقط هو العدوى من الإنسان، إلا أنه من الممكن أن تنقل القطط عدوى فيروسية إلى الإنسان. ويمكن أن يصاب الكلب بالأنفلونزا مثل الإنسان أو الإسهال أيضاً، وتعطى له الأدوية نفسها التي تعطى للإنسان. وارتفعت أسعار الأدوية الخاصة بالكلاب بشكل جنوني بمعدل ثلاثة أضعاف.
أما بالنسبة إلى اللقاحات فلا تعتبر مكلفة بما أنها تعطى مرة في السنة عندما يكبر الكلب، وتتراوح أسعارها بين 20 و100 دولار، ويحتاج كل ستة أشهر حقنة لرائحة الفم وكل ثلاثة أشهر حقنة للديدان.
من جهة أخرى دعا صاحب أحد متاجر بيع الحيوانات ومستلزماتها سليم شبير إلى وقف التخلي عن الحيوانات الأليفة، معتبراً أن "الإنسان يعجز عن التخلي عن أحد أبنائه ولو كان يمر بضائقة مادية، فكيف له أن يتخلى عن حيوانه الأليف؟ فإذا كان عاجزاً عن تأمين الغذاء الخاص به من الأفضل بعد أن يقدم له طعام المنزل في أسوأ الحالات بدلاً من التخلي عنه". وأضاف أن "التخلي عن الحيوان الأليف غير مقبول أبداً، كثيرون يتركون كلابهم على الطرقات، فأسعى يومياً إلى تأمين ما لا يقل عن خمسة كلاب تم التخلي عنها في منازل من طريق التبني.
والمشكلة ليست فقط في الأزمة الاقتصادية إنما أيضاً في أن بعضهم يقتني الحيوان الأليف كمجرد هواية، ويتم التخلي عنه في أي وقت وكأنه لعبة، بدل الحرص عليه لأهميته بالنسبة إلى الإنسان والأطفال بشكل خاص".
وينطبق هذا على القطط وإن كانت كلفة إطعامها أقل، فيتخلى كثيرون أيضاً عنها.
وما يزيد الوضع سوءاً هو أن الناس تتخلى عن كلابها أكثر مما تبيعها، لأن الكلب الذي يتقدم في السن لا يرغب كثيرون بشرائه، فالكل يفضل شراء كلب لا يتخطى عمره الأشهر.
أمراض شائعة تستدعي المعالجة
وتقول الطبيبة البيطرية الدكتورة نادين نوار إن "الكلاب كما القطط تحتاج إلى لقاحات شهرية خلال الأشهر الأولى من العمر، ثم تصبح سنوية لحمايتها ولحماية أصحابها، كما أن كافة المواد والمستلزمات الخاصة بها مسعرة بالدولار كونها مستوردة، وتتراوح كلفة اللقاح بين 20 و100 دولار، إنما أيضاً يمكن أن يتعرض الكلب أو القط كما الإنسان إلى مشكلات عدة، خصوصاً إذا كان الغذاء غير مناسب، فيمكن أن تصاب هذه الحيوانات بأمراض في البنكرياس أو الكبد أو الكلى أو القلب وتحتاج إلى العناية المتخصصة وإلى مصل.
ويعتبر السرطان شائعاً لدى الكلاب خصوصاً مع التقدم في السن بالنسبة إلى أنواع معينة منها، وهذا ينطبق على القطط التي تعتبر عرضة لأمراض على رأسها الفطريات والمشكلات الجلدية وكلها تتطلب المعالجة".
وتضيف نوار أنه "بشكل عام لا تتخطى كلفة الفحص سبعة دولارات، وقد تكون هناك حاجة إلى حقنة معينة ثمنها خمسة دولارات أيضاً، وبالنسبة إلى الكلب بشكل خاص فيحتاج إلى زيارة الطبيب كل ستة أشهر لفحص روتيني وإلى تنظيف أسنانه وإلى الحبوب الخاصة بالديدان كل ثلاثة أشهر ودواء للبراغيث كل شهر.
أما باقي الأمور فهي اختيارية وليس هناك حاجة إلى أي شيء آخر إلا في حال الحاجة إلى تدخل طارئ"، علماً أن العمليات التي تجرى لهذه الحيوانات تحدد كلفتها عادة بحسب وزن الحيوان، وقد تتراوح بين 50 و400 دولار أميركي.
وتختم الطبيبة البيطرية بالقول إن "ثمة تغيير واضح حالياً في طريقة التعاطي مع هذه الحيوانات الأليفة، فيفتش الناس الذين يحافظون عليها عن بدائل أقل ثمناً للحد من الأعباء المادية، ويعطي كثيرون طعاماً من المنزل مما يسبب لها الأمراض.
كما يؤجل كثيرون اللقاحات الخاصة بالكلاب والقطط مع ما يشكل ذلك من خطر عليه وعلى من هم من حوله، وهذا ما يدعو إلى التنبه إلى هذه التفاصيل التي لا يمكن الاستهانة بها مهما كانت الظروف صعبة".