Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الإيراني وتنميط الإعلام المعارض

باتت تساؤلات تطرح حول جدوى التوظيفات والاستثمارات الضخمة لتأسيس إمبراطورية إعلامية رسمية هائلة

فجأة استفاق النظام الإيراني مع أجهزته وأصابه الإرباك عندما وجد نفسه وسط غابة من وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع التي تستخدم الأقمار الاصطناعية والشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى مخاطبيها، كلها تعمل على نقل ما يجري في الداخل الإيراني وتعبر عن الأصوات التي لا تجد منصة لها داخل إيران ومؤسساتها الإعلامية المحلية لإيصال موقفها ورأيها.
حدة الصدمة النفسية التي أصيب بها النظام ومؤسساته وأجهزته الأمنية والاستخباراتية التي تتولى مسؤولية متابعة نشاطات المعارضة في الداخل والخارج، وتعمل للنفاذ إلى عقول المعارضين وأفكارهم لمعرفة ما يخططون له ويسعون إلى تنفيذه في معركتهم ضد النظام، كانت بالحد الذي أصابها بالتخبط والتشتت، فالذي تواجهه يفوق ويتجاوز كل توقعاتها وتقاريرها الأمنية ورصدها لنشاطات وتحركات المعارضة.
هذا التخبط وحال انعدام الوزن اللذان حصلا داخل هذه الأجهزة وبين المدافعين عن النظام ومنظومة السلطة التي لجأت إلى أسلوبها القديم الذي لم يعد يتمتع بالسحر والتأثير اللذين امتلكهما في السابق، وهو العودة لسياسة التنميط التي لجأت إليها في التعامل مع الكيانات السياسية المعارِضة والوسائل أو المؤسسات التي تعمل لمصلحة أحزاب وتيارات معارضة من خلال اتهامها بالعمالة لأجهزة الاستخبارات الدولية، وبخاصة الأميركية منها (CIA) والبريطانية (MI6) وجهاز الموساد الإسرائيلي.
غير أن اللافت في هذه الأزمة هو دخول جهاز مخابرات جديد على خط التنميط الذي يعتمده النظام في التعامل مع الدور والتأثير الذي تملكه المؤسسات الإعلامية الناطقة باللغة الفارسية، سواء المكتوبة مثل صحيفة "اندبندنت فارسي" الإلكترونية، وقناة "إيران إنترناشيونال" التي تبث من لندن، وبدرجة أقل هذه المرة قناة "بي بي سي"، وإلصاقها بجهاز المخابرات السعودي حتى وصل الأمر إلى إطلاق اسم "سعودي إنترناشيونال" على القناة التلفزيونية، واتهامها بتنفيذ أجندة سياسية تنسجم مع التوجهات السعودية والترويج لجماعة "مجاهدي خلق"، في حين وصف موقع "اندبندنت فارسي" بأداة تحركها أجهزة مخابرات سعودية وأميركية وإسرائيلية، وأن هذه الوسائل الإعلامية "تسوق لموقف تيار اليمين الأميركي والإسرائيلي والسعودي الذي يتخذ موقفاً عدائياً من إيران والنظام الحاكم فيها، ويعمل على تغييره وليس تعديل سلوكه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما كانت هذه المواقع والوسائل الإعلامية قد حددت منذ البداية الهدف من إنشائها وإطلاقها ودخولها الحقل الإعلامي، بأنها تستهدف الوصول إلى الجمهور الإيراني وتقدم الأخبار عما يدور في إيران ولا تنقله وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية التي تدار من قبل أجهزة النظام، وتعبر عن توجهات المرشد الأعلى علي خامنئي ومكتبه ومؤسساته الأمنية، وهي التي تتولى مسؤولية تعيين المسؤولين الأساسيين فيها من الرئيس إلى مديري القنوات العامة والخاصة وتشرف على السياسة الإخبارية فيها، لذلك تحولت هذه الوسائل إلى محل استقطاب لعدد من الاعلاميين والناشطين الإيرانيين المعارضين أو الهاربين من إيران وأجهزة النظام الأمنية التي زجت بهم في السجون وكانت تلاحقهم في الداخل أو تخضعهم لأشد أنواع الرقابة، حتى باتوا يمارسون رقابة ذاتية أكثر تشدداً من رقابة الأجهزة حتى يبقوا بعيدين من يد السلطة.

هذه الحقائق والوقائع تجعل من السهل القول بأن النظام الإيراني قد خسر المعركة الإعلامية التي نشبت بموازاة الحركة الاعتراضية الأخيرة وصلبها، ودفعت النظام وأجهزته والمدافعين عنه إلى طرح أسئلة جديدة حول المنفعة والدور الذي تقوم به مؤسسات النظام الإعلامية، بخاصة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون والجهاز البشري المتضخم الذي تملكه والذي يضم نحو 40 ألف موظف في كل أنحاء البلاد، بخاصة في ظل أداء هذا القطاع الضعيف الذي وقع في فخ وسائل الإعلام المعارضة، وعجز عن مجاراتها في لعبتها الإعلامية المتقنة والمدروسة في أهدافها وأدواتها، حتى تحول في بعض الأحيان إلى ساحة تتأثر بما تنشره من دون أن يمتلك القدرة على مجاراتها أو حتى أداء الدور المطلوب منه في الدفاع عن النظام ومؤسساته وسياساته.
وأثار عجز إعلام النظام في مواجهة إعلام المعارضة أسئلة عدة، ولم تستطع الانفعالية التي تصرف من خلالها التلفزيون الرسمي مع تصاعد الحراك الاحتجاجي في أيامه الأولى، ففتح أبوابه وشاشاته لاستضافة بعض الشخصيات المحسوبة على التيارين الاصلاحي والمعتدل، بعدما مارس عليهم سياسة الاقصاء والمحاصرة الإعلامية لعقود عدة حتى عندما كانوا في موقع المسؤولية في السلطة التنفيذية، لم تساعد هذه الخطوة في التأثير بالحد الأدنى على الشارع المعترض والحد من تصاعد الاعتراضات والتظاهرات، ويبدو أن هذه الخطوة تم التراجع عنها بسرعة إما لقناعة الناشطين الإصلاحيين بعدم جدوى هذا الأمر الذي يريد تحويلهم إلى أداة تستخدمها الأجهزة للتأثير في الشارع، وإما بتدخل من الجهات التي تتحكم بسياسات النظام ولا ترغب في تهدئة الشارع وترى في الاستعانة بهذه الشخصيات أمراً قد يؤسس لمرحلة جديدة من التنازلات التي قد يكون مجبراً على تقديمها في المستقبل، وبالتالي العودة لدائرة الاعتراف بوجود خطاب معارض أو إصلاحي إلى جانب خطاب منظومة السلطة داخل النظام.
هذا العجز الإعلامي يفرض على المتابع لدور النظام الإيراني طرح سؤال جوهري حول جدوى التوظيفات والاستثمارات الضخمة التي قام بها النظام لتأسيس إمبراطورية إعلامية هائلة وضخمة، سواء داخلياً لمخاطبة المكونات الإثنية والمذهبية والدينية والقومية التي يتشكل منها المجتمع الإيراني، أو خارجياً على مستويين، الأول يصدر من إيران ويخاطب ويستهدف العديد من شعوب العالم، بما فيها المجتمع الإسرائيلي، والثاني هو الاتحاد العالمي للتلفزيونات والاذاعات والذي من المفترض أن يضم أكثر من 70 قناة تلفزيونية وأكثر من 50 إذاعة في كل دول العالم الإسلامي أو أماكن انتشار المسلمين، بما فيها قناتا "العالم" و"الميادين"، وهي مؤسسات لم تستطع الرد أو تعطيل السردية التي تقدمها وسائل الإعلام المعارضة أو "التابعة لأجهزة المخابرات"، بحسب التوصيف الإيراني الرسمي لها، وهو فشل أسهم في خسارة جزء كبير من المعركة، إذ وجد النظام نفسه في العراء الإعلامي غير قادر على تقديم روايته والترويج لها أو حتى تعطيل مفاعيل الدور الإعلامي المعارض وقدرته على تحريك الشارع أو التأثير فيه.

المزيد من تحلیل