Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب الكبير... إرث ثقافي واحد يتنازعه شركاؤه

الخلافات امتدت من السياسة والاقتصاد وحتى "الكسكسي" والفسيفساء وباحثون: "ما يجمعنا أكثر"

باتت أنماط التقارب الثقافي بين البلدان المغاربية إما مسكوتاً عنها أو يتم تجاهلها (أ ف ب)

 تشترك المنطقة المغاربية في عادات وتقاليد مختلفة وإرث متنوع على عديد من المستويات، منها الثقافي والمعماري والحضاري وحتى على مستوى المطبخ واللباس. هذا التقارب الثقافي وليد تاريخ مشترك من خلال الحضارات التي مرت على المنطقة المغاربية بدءاً من سكان المنطقة الأصليين وهم الأمازيغ الموجودون إلى يومنا هذا في مناطق عدة، مروراً بالبيزنطيين والرومان ثم الأندلسيين وانتهاء بالعثمانيين وحتى الفرنسيين والإيطاليين، فهل دفع هذا التشابه والإرث المشترك إلى توحيد شعوب المنطقة أم أصبح مصدر نزاع؟

الأكيد أن هناك مبادرات ولو قليلة لمحاولة المحافظة على هذا الإرث، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بمكون أساس يجمع بين دول المغرب العربي، فعلى سبيل المثال سجلت منظمة "يونيسكو" طبق "الكسكسي" ضمن قائمتها للتراث العالمي غير المادي في مارس (آذار) 2019 على إثر تقديم أربع دول مغاربية، هي الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس، للمرة الأولى ملفاً مشتركاً بعنوان "الكسكسي.. المعارف والمهارات والطقوس".

وكان تقديم الجزائر ملفاً حول الطبق إلى "يونيسكو" في سبتمبر (أيلول) 2016 أثار غضب المغرب، الذي يمثل غريماً سياسياً ودبلوماسياً وثقافياً للجزائر، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق لاحقاً. وهي الخطوة الرسمية الوحيدة التي يعترف البلدان فيها بهذا الإرث المشترك بينهما، فيما بقيت أنماط التقارب الثقافي الأخرى إما مسكوتاً عنها أو يتم تجاهلها أو صارت مصدر نزاع في غالب الأحيان بين بعض الدول المغاربية.

عن التقارب الشائك

عن المحاولات الرسمية لتثمين هذا التاريخ المشترك، تحدث الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش لـ"اندبندنت عربية" بالقول إن "الجانب الوحيد الذي استطعنا من خلاله التقريب بين البلدان المغاربية هو الثقافي، وذلك عن طريق المجتمع المدني وليس عبر القنوات الرسمية، في ظل العلاقات المتأزمة بخاصة بين المغرب والجزائر".

وأضاف البكوش أنهم حاولوا تقديم حفلات تضم الإرث الموسيقي المشترك، وأيضاً بعض المهرجانات الثقافية في إطار محاولة التقريب بين شعوب المنطقة، كما وقعوا اتفاق شراكة مع جمعيات فرانفوكونية لتشجيع البلديات في البلدان المغاربية على القيام بنشاطات ومشاريع ثقافية واجتماعية مشتركة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "منذ أوائل السبعينيات عندما كنت أستاذاً جامعياً شاركت في مبادرات عدة لحفظ هذا الإرث المشترك بين دول المغرب وكلها باءت بالفشل".

وتحدث البكوش عن محاولة وضع كتاب مع خبراء من المغرب والجزائر يضم الرصيد اللغوي المشترك في بلدان المغرب العربي، قائلاً "جمعنا هذا الرصيد في كتاب بالعربية وبالفرنسية باسم (الرصيد اللغوي المغاربي المشترك)، وقدمناه لوزراء التربية آنذاك في كل من البلدان المذكورة وطلبنا منهم اعتماد هذه اللغة المشتركة في الكتب المدرسية، لكن للأسف لم يتم التوافق حوله".

وأضاف "أيضاً كونا جمعية لقاءات مغربية في أوائل التسعينيات حاولنا من خلالها توحيد المغرب العربي ثقافياً في ظل فشل السياسيين في التوحيد الحقيقي سياسياً واقتصادياً".

تنازع الموروثات

لكن على رغم كل هذه المحاولات غالباً ما يكون هذا الإرث مصدر توتر كبيراً بين بعض البلدان، إذ أثار القميص الجديد الذي صممته شركة "أديداس" أخيراً لمنتخب الجزائر جدلاً واسعاً، بعد أن قامت وزارة الثقافة المغربية بتوجيه إنذار قضائي للشركة وطالبتها بسحب القمصان الجديدة للمنتخب الجزائري بدعوى أن تصميمها مستوحى من نقوش "الجليز" المغربية، الأمر الذي اعتبرته "سرقة ثقافية".

وقالت الشركة الألمانية الراعية للمنتخب الجزائري إن القمصان مستوحاة من التصاميم العريقة لقصر المشور في مدينة تلمسان الجزائرية، وتوصلت الشركة العالمية للملابس الرياضية إلى تسوية قانونية مع وزارة الشباب والتواصل والثقافة "قطاع الثقافة" المغربية في شأن استخدام فسيفساء "الجليز" الخاصة بالصناعة التقليدية المغربية.

أوضحت الشركة الألمانية في بلاغ نشرته يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، على موقعها الإلكتروني أن "التصميم كان مستوحى بالفعل من نمط فسيفساء (الجليز) ولم يكن يقصد في أي وقت الإساءة إلى أي طرف"، معربة عن "الاحترام العميق للشعب والحرفيين في المغرب، وعن أسفها للجدل الدائر في شأن هذه القضية"، وأكدت أنها تعترض على أي عمل يمس ثقافة وتاريخ الشعوب والأمم على مستوى العالم.

ما يجمعنا أكثر

يقول الباحث في علم الاجتماع والمهتم بالإرث المغربي مصطفى العوزي من المغرب أن "(الجليز) إرث معماري مغربي من جهة التصميم والزخرفة والألوان والمواد المعتمدة، لكن هذا لا يمنع أن يكون هذا التراث عالمياً وأن توظفه بلدان أخرى، وكل ما ينبغي القيام به هو الإشارة للأصل والملكية الفكرية".

ويضيف العوزي "يتميز التراث المغربي بتعدد مكوناته ما بين مكون أمازيغي وآخر أندلسي، كما تأثر بالثقافتين اليهودية والإسلامية، إذاً فهناك روافد عدة تشكل الهوية الثقافية المغربية أو التراث الثقافي المغربي، والشيء نفسه بالنسبة للتراث المغاربي عموماً الذي يتميز بالتنوع والاختلاف والتباين بين كل من المغرب وتونس والجزائر".

ويرى العوزي أن "التراث المشترك بين البلدان المغاربية لا يتم تثمينه من جهات رسمية بل بمحاولات ومبادرات فردية"، متسائلاً "كيف لنا أن نعيش في منطقة تتميز بتقارب ثقافي كبير ولا نجد مراكز وجهات رسمية تعنى بهذا الإرث المشترك؟".

ويشير إلى قلة المهرجانات والتظاهرات الثقافية التي تعنى بهذا التراث أو تحتفي بهذا التقارب، ما عدا بعض المحاولات البسيطة على غرار مهرجان "الراي" بوجدة شرق المغرب، أو مهرجان السينما المغاربية.

وبحسب الباحث في علم الاجتماع، ينبغي أن ينطلق تثمين هذا الإرث المشترك من خلال عملية توثيق كل ما يخص الثقافة المغاربية من عادات وتقاليد ولغة وفنون، وعملية التوثيق هذه جزء أساس من حفظ الذاكرة الثقافية المغاربية، وهي أيضاً استثمار في هذا التراث الثقافي ومحاولة للتقريب بين شعوب المنطقة، مؤكداً "ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا".

ويضيف "نلمس هذا التقارب على مستوى العادات والتقاليد، فمثلاً عندما نتحدث عن ثقافة مناطق الواحات يمكن القول إن العادات والتقاليد السائدة في منطقة واحة فيكيك المغربية هي نفسها في مناطق الواحات بالجزائر وتونس، كما أن هناك تقارباً على مستوى الموسيقى والفنون البدوية بصفة عامة".

حملات تشويه

بخصوص الجدل حول قميص المنتخب الجزائري، تقول المتخصصة في التراث الجزائري نوال قاضي "عندما نرجع للتاريخ الأول سنجد أن الحماديين الذين بنوا الأندلس هم من أسهموا في بناء أول قلعة في الجزائر سنة 1096، ووجدت فيها هذه الأرضيات أو ما يسمى (الجليز) في المنطقة المغاربية"، مواصلة "كل من الحضارات الرومانية والأندليسة أتت بهذه الأشكال والفسيفساء إلى المنطقة المغاربية، و(الجليز) هو تاريخ مشترك ولا يمكن لأية دولة أن تنسبه لنفسها وتحارب بقية الدول لأنها سرقت تراثها".

وأضافت "الشعب المغربي مسالم، لكن هناك لوبي يريد أن ينسب كل هذا الإرث المشترك إليه عبر حملات التشويه على مواقع التواصل الاجتماعي"، محذرة مما اعتبرته "خطة خارجية للتفريق بين الشعوب المغاربية بخلق خلافات وصراعات وهمية عبر تأجيج خلافات حول ما هو تقارب في الحقيقة".

وأوضحت "الأشياء التي تجمع دول المغرب الكبير أكثر من الأشياء التي تفرق بين شعوبه، بخاصة أن لدينا تاريخاً مشتركاً منذ الفينيفيين والرومان ثم العثمانيين والمورسكيين الذين جاءوا عن طريق البحر وأخيراً الفرنسيين".

أما بخصوص تثمين هذا الإرث فترى القاضي أن "كل بلد له سياسته في هذا المجال، فالجزائر مثلاً اقتصادها يعتمد على البترول ولا تعير اهتماماً للسياحة الثقافية، هذه إرادة سياسية، وكل ما تمتلكه الجزائر من إمكانات ثقافية وسياحية لم يتم الترويج له، عكس تونس والمغرب اللذين يعتمد اقتصادهما على السياحة كمورد أول".

إرث الأندلسيين

من جانبه اعتبر المؤرخ التونسي عبدالستار عمامو أن التقارب في الإرث المغاربي هو في الحقيقة نتيجة التاريخ المشترك الذي مرت به أغلب بلدان المغرب الكبير، مضيفاً "في الماضي وبخاصة قبل الاستعمار لم يكن هنالك حدود، وغياب هذه الحدود جعل شعوب المنطقة أكثر انفتاحاً على بعضها بعضاً بل أكثر اندماجاً في الحياة الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية".

وبخصوص النزاع حول بعض التقاليد أو الموروثات، قال عمامو إنه "لا يمكن لأي بلد أن ينسب إلى نفسه هذا التراث، على غرار ما حدث في قمصان المنتخب الجزائري، فهو في الحقيقة إرث مشترك أصله أندلسي، وهذا (الجليز) موجود في تونس والمغرب والجزائر لكن لكل بصمته الخاصة، ربما كان المغرب أكثر بلد حافظ على هذا الإرث وطوره ولديه حرفيون كثر في هذا المجال، لكن لا يمكن أن ننكر هذا التراث على الآخرين الذين عاشوا التطورات التاريخية نفسها".

وواصل "الشيء نفسه بالنسبة للمطبخ المغاربي الذي يكاد يتشابه في عديد من الأطباق، لكن تونس تأثرت أكثر بالمطبخ الأوروبي، نظراً إلى قربها من أوروبا وأيضاً لهجرة الإيطاليين سابقاً إلى تونس مما جعل التونسييون يضيفون الطماطم إلى الأطباق، عكس الجزائر والمغرب اللذين حافظا على الطبق الأصلي بلونه الأصفر وهي عادة تميز الأطباق الأمازيغية".

وتابع عمامو "حتى لهجة سكان المغرب العربي هي نفسها لكن بإيقاعات مختلفة، وأيضاً التأثر بالموسيقى الأندلسية، فخلال هجرتهم إلى بلدان المغربي العربي فراراً من أهوال محاكم التفتيش الإسبانية على إثر سقوط غرناطة سنة 1492 ميلادية، حمل الأندلسيون معهم عديداً من الفنون المعمارية والحرفية والموسيقية، لكن كل بلد أضاف بصمته الخاصة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير