تطرح الدوائر السياسية في الداخل والخارج، تساؤلات حول أسباب اهتمام الجزائر بعقد القمة العربية على أراضيها، وبالتالي الخروج بنتائج إيجابية، واختلفت الردود بين السعي إلى عودة قوية إلى الساحة العربية وشغف قيادة المنطقة، غير أن الجزائر لم ترض بهذه أو تلك وقال رئيسها تبون، إن بلاده ليست لديها أي خلفية من وراء تنظيم هذه القمة ما عدا لم الشمل العربي.
رهان على لم الشمل
تراهن الجزائر على إنجاح القمة العربية، من خلال الخروج بنتائج تعيد الاعتبار للدور العربي في العالم فقط، وهو ما أوضحته الجولات التي قام بها الرئيس تبون ووزير خارجيته لعمامرة، إلى عدد من الدول العربية، واستقبالهما رؤساء ووزراء ومسؤولين بالجزائر، والمشاركة في عدد من القمم واللقاءات الدولية من أجل دعم العلاقات الثنائية وحل أزمات عربية، الوضع الذي جلب للدبلوماسية الجزائرية نوعاً من الاهتمام والمتابعة، ويجعل من القمة امتحاناً حقيقياً يفصل في مكانة الجزائر عربياً.
وبالعودة إلى النشاط الدبلوماسي الجزائري الذي تعتبر أطراف أنه استجابة حتمية فرضتها التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التي اعتمدتها البلاد، في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة في المحيط الإقليمي، وأمام التحديات السياسية والاقتصادية التي أفرزتها الأزمة الروسية - الأوكرانية، فإن التحرك إزاء المنطقة العربية جاء تحت شعار "لم الشمل"، وكان سريعاً من حيث التعاطي الجزائري والاستجابة العربية على رغم أنه لم يتم الإفصاح عن هوية المشاركين بشكل رسمي، الأمر الذي يصنف الدبلوماسية الجزائرية إلى مغاربية أفريقية، وعربية أوسطية، وغربية روسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القمة غيرت البوصلة
وإذا كان موضوع الدبلوماسية المغاربية الأفريقية عرف نجاحات وانتكاسات، سمحت باسترجاع دورها الحيوي في أفريقيا بعد أن اعتمدت إحلال السلم والأمن، وأداء دور الوسيط الوثيق في القضايا الإقليمية والدولية، يبقى التوتر مع
المغرب أحد أهم النقاط السوداء التي أفسدت "هدوء" منطقة المغرب العربي.
وفي حين تبقى العلاقات الروسية - الجزائرية غير قابلة للنقاش أو الاهتزاز، وقد ازدادت متانة وتقارباً في السنوات الأخيرة وبشكل خاص خلال فترة حكم تبون، تعرف الدبلوماسية الجزائرية حركية حذرة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، ازدادت برودة ومصلحية منذ بروز أزمة الطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية - الأوكرانية.
لكن التيار بين الجزائر والمنطقة العربية، ورغم أن أول زيارة خارج البلاد للرئيس الجزائري تبون بعد فوزه بكرسي الرئاسة كانت نحو
السعودية، لم يكن في مستوى الروابط التاريخية والماضي المشترك، إذ لم تتحرك دبلوماسيتها بشكل حيوي بسبب جائحة "كورونا" وترسبات النظام السابق الذي خلق وضعاً بارداً إزاء العرب، ليأتي احتضان القمة العربية كأحد أهم الأسباب التي غيرت بوصلة الجزائر التي رأت في الموعد فرصة لإحداث "تحول" في المشهد يحسب لها.
عائدة لدورها الريادي والمحوري
في السياق ذاته، يرى الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز "الجمهورية الجديدة" للدراسات السياسية والاستراتيجية، حامد فارس، في تصريح لـ"اندبندنت عربية، أنه بالنظر إلى الجهود الجزائرية الحثيثة والدؤوبة التي تقوم بها من أجل وحدة الصف العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، "نجد أن الجزائر تسعى من خلال القمة العربية القادمة المقرر عقدها على أراضيها إلى العودة لدورها الريادي والمحوري، باعتبارها ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن القومي العربي والقيام بدور فاعل ومؤثر في كل القضايا العربية والإقليمية".
وقال إن الجزائر نجحت في كسر الركود الذي طال البيت العربي، وقد حظيت بتأييد عربي كبير لعقد القمة المقبلة التي لم تعقد منذ 2019.
ويواصل فارس أن الدبلوماسية الجزائرية عادت بقوة سواء على الساحتين العربية أو الدولية، باعتبار الجزائر قوة وازنة تحقق استقراراً منشوداً وثقلاً سياسياً للجسد العربي، وهذا يظهر من حجم الزيارات التي قام بها الرئيس عبدالمجيد تبون لكثير من الدول، وكذلك الخارجية الجزائرية التي قامت بجولات مكوكية من أجل توحيد المواقف العربية، مبرزاً أنه لا يمكن إنكار دور الجزائر في دعم الحل السياسي في ليبيا، والعمل على إنهاء الصراع في اليمن، ودعم الشقيقة العراق، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وأخيراً ما قامت به من مصالحة فلسطينية بين الفصائل المختلفة، مختتماً أن الجزائر عائدة وبقوة لدورها الريادي والمحوري كإحدى القوى العربية المؤثرة.
طموح قيادي
من جانبه، يتساءل الحقوقي عابد نعمان: هل الجزائر اكتفت بالحركة الدبلوماسية عربياً أم تجاوزت العتبة إلى مجال الموقف والدخول في لعبة الأوراق؟
ويرى أن الاجتماع الأخير للفصائل الفلسطينية وتوقيع وثيقة "إعلان الجزائر" يعتبر ورقة ستكون لها آثار إقليمية ودولية، كما أن موقف
الجزائر في شأن ليبيا داعم للشعب الليبي، بخاصة أن الانتخابات هي "الحل الوحيد للوضع في البلاد"، وأيضاً حول سوريا واليمن وغيرها من الملفات العربية التي لم تتجاهلها الجزائر وقدمت حلولاً ورؤية متوازنة وحيادية، متمسكة في ذلك بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية، كلها دلائل كافية على أن الأمر يتعلق بطموح قيادي مشروع.
ويتابع نعمان أن الجزائر تخطت مرحلة النشاط والحركة الدبلوماسية وتجاوزت فكر الوساطات والمشاركات إلى خط المواقف وصناعة الأوراق، لا سيما أنها تمكنت من قراءة الظروف الدولية أحسن قراءة واستغلالها لإعادة بعث دورها وإحياء طموحها القيادي.
بعيدة من أي تزعم للبيت العربي
في المقابل يعتبر أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، إسماعيل خلف الله، أن الدبلوماسية الجزائرية كانت حاضرة على المستوى العربي وأيضاً الدولي، وعليه فعودة الجزائر إنما هي عودة إلى المكان الطبيعي الذي كانت تتميز به منذ عقود، مشدداً على أنه ليس بجديد على الجزائر أن تكون لها بصمة في وساطات وحل أزمات وحضور في المشهد العربي، وتحضيرها للقمة العربية وحرصها على نجاحها إنما يندرج ضمن هذه المهمة والمسؤولية.
ويوضح أن دور الجزائر اليوم يأتي في وقته بعد غيابها عن الساحة في فترة سابقة، والتراجع الرهيب للدبلوماسية العربية، مضيفاً أن الوقت مناسب للدول العربية للعودة بقوة في ظل امتلاكها ورقة مهمة وهي الطاقة، مشيراً إلى أن الجزائر لا تنافس أحداً بما فيها مصر مثلما تحاول أطراف الترويج له، وهي بعيدة من هذا الفكر، بل على العكس هي داعمة للجهود العربية، خاتماً أنها بعيدة من أي رغبة في تزعم البيت العربي أو تصدره.